إلى حدود منتصف الليل من يوم الخميس كان السيد نور الدين البحيري هو المرشح الرسمي لرئاسة الحكومة باعتباره أحرز اكبر عدد من الأصوات في مجلس الشورى السابق لحركة النهضة ولكن القرار تغير فجأة ورجحت الكفة للسيد علي العريض. القرار كان مفاجئا للكثيرين، ولكن مرتكزاته واقعية وتدل على رغبة صادقة من كل الأطراف في المرور إلى حل يجنب البلاد مزيدا من إضاعة الوقت ، إذ لاحظ أعضاء فريق الحركة الذين تولوا الاهتمام بملف التفاوض مع الأحزاب الأخرى قصد المشاركة في الحكومة المقبلة أن هناك احترازا تختلف درجته قوة وضعفا من حزب إلى آخر حول السيد البحيري فمنهم من تردد ومنهم من رفض ومنهم من قبل بتحفظ ولعل ما زاد تعميق الفجوة وجود أسماء لها وزنها السياسي والاعتباري عند حركة النهضة مثل السيد مصطفى بن جعفر الذي أكد على ضرورة أن يحصل وفاق على اسم الشخص المرشح للمنصب معللا تمسكه بهذا الرأي بالخشية من إضاعة الوقت والفرص المتاحة لتحشيد اكبر قدر من التوافق.
هذا الموقف تمسك به أيضا حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وعلله بان السيد البحيري لم يستجب لطلباتهم المتكررة في فتح ملفات المحاسبة كما أكد عليه أيضا حزبا الجمهوري والمسار وأعضاء من الكتلة الديمقراطية لأسباب متعددة تتعلق في مجملها بتقييمها لأداء وزارة العدل. غير أن حركة النهضة كانت حاسمة في تمسكها بمرشحها وأعلمت جميع الأطراف بأنها تبحث عن الوفاق ولكنها لا تسمح باشتراطات وأنها الطرف الذي ما فتئ يقدم التنازلات المتتالية وهي مستعدة دوما إلى المزيد الذي يحقق مصلحة البلاد دون الإخلال بموازين القوى أولا وثانيا دون خرق لاختيار مؤسساتها المتمثلة في مجلس الشورى ، وعلى هذا الأساس تمسكت بالسيد البحيري مرشحا وحيدا .
تردّد المرزوقي أثار الانتباه
إلى هذا الحد بدت المسالة لصالح السيد نور الدين البحيري ولكن حين تحول الوفد المكلف بالمشاورات مع رئيس الجمهورية السيد المنصف المرزوقي وإبلاغه باسم المترشح كان رد فعله مشابها لبقية الأطراف وقال انه قد بلغه عدم وجود إجماع حول الاسم المقترح ولكن دون أن يقنع بوجهة نظره وحين أصر رئيس وفد حركة النهضة على موقفه تحول المرزوقي فجأة عن اعتراضه وقال إذا هو اختياركم وانتم تتحملون مسؤوليتكم فيه.
هذا الموقف بدا للوهلة الأولى اتفاقا عاديا لا إشكال حوله ولكن الأطراف القيادية حين اجتمعت بمقرها في مونبليزير مساء لتقييم المرحلة لم ترتح للاعتراضات المتكررة بل إن الشيخ راشد الغنوشي رابه الحديث عن تحميل المسؤولية في كلام الرئيس المرزوقي ولم يرتح للأمر لذلك تم الاتفاق على الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الشورى وطرح المسألة عليها وكان الأمر كذلك إذ بعد عرض جملة المشاورات مع الأحزاب ومناقشتها بكل دقة وتفصيل تمت إحاطتهم بمجمل الافتراضات والهواجس التي قد تصل حد التنصل من الاتفاقات بعد تحديد اسم المرشح وهو ما قد يغير قواعد اللعبة باعتبار إن الوقت سيصبح احد العوامل المضادة وهو ما اقتنع به كل أعضاء مجلس الشورى ودفعهم إلى إجراء انتخابات جديدة أفرزت حصول السيد علي العريض على المركز الأول.