انتقل الجدل والاهتمام في الساحة السياسية من شخصية رئيس الحكومة الى تحديد الاطراف التي ستكون ممثلة في التشكيلة الوزارية القادمة، وتبدو الرؤى مختلفة في شكل ومضمون هذه التحويرات الى حد التناقض. بعد ان تم تحديد اسم السيد علي العريض رئيسا للحكومة القادمة انطلق سباق الزمن بالنسبة لحركة النهضة لتقوم بتحديد التشكيلة النهائية التي سيتم عرضها على السيد رئيس الجمهورية في مدة لا تتجاوز 15 يوما ، ورغم ان المهلة القانونية تبدو كافية خاصة ان جزءا هاما من المشاورات تم الاتفاق حولها منذ ايام وشكلت حصنا منيعا دون حدوث سيناريوهات اخرى قد يكون ذهب اليها البعض وغذتها عدة جهات بقصد او دونه .
غير ان المشكل الاول الذي يعترض تشكيل الحكومة يتمثل في اختلاف وجهات النظر سواء داخل النهضة او خارجها حول خيارين، اولهما توسيع الحكومة القادمة لتضم اكبر عدد ممكن من الاحزاب والعناصر المستقلة الفاعلة والمؤثرة في الساحة السياسية بما يتيح اقامة تعاقدات مجتمعية تمكن من قيادة المرحلة القادمة في كنف الهدوء والتعاون واتاحة الفرصة بالتالي للتركيز على اعداد الظروف المناسبة للانتخابات القادمة ، اما ثاني الخيارات فيتمثل في رغبة عدد من الاحزاب وخاصة الجمهوري والمسار في ان تكون الحكومة القادمة مضيقة وتعمل على خارطة طريق محددة هدفها الاساسي اعداد الظروف المناسبة للانتخابات .
الخيار الاول يبدو مرشحا اكثر من غيره للتحقق باعتبار ان احزاب الترويكا مازالت تفكر انطلاقا من النتائج التي احرزتها خلال الانتخابات السابقة وبالتالي تحاول ان لا يؤثر توسيع التشكيلة الحكومية على التوازن العام وهو ما دعا حزب التكتل الى التعبير على ان موقفه النهائي مؤجل الى ما بعد الالتقاء بالسيد علي العريض والاستماع الى رأيه رغم تمسكه بتحييد وزارات السيادة والتخفيض من الحقائب الوزارية الى جانب الاتفاق حول خارطة الطريق.
عقلية المحاصصة
الانطلاق من نتائج انتخابات 23 اكتوبر يبدو انه سيشكل عائقا كبيرا في احداث توافقات واسعة ، فسعي حركة النهضة الى الحوار مع اطراف عديدة ونجاحها في الوصول الى ترتيبات اولية مع احزاب المؤتمر والتكتل وحركة وفاء وكتلة الحرية والكرامة مرشح الى الاصطدام بفكرة المحاصصة التي ترسخت خلال السنة المنقضية من حكومة ما بعد الانتخابات باعتبار ان المشاركة الواسعة في الحكومة المقبلة سوف تنقص من نصيب جميع الاطراف ولن تكون على حساب طرف دون غيره ، وترى حركة النهضة ان اطرافا مستقلة من داخل المجلس التأسيسي ومن خارجه مرشحة ايضا لتعزيز التشكيلة وكانت قد خاضت معها مشاورات مضنية وغرضها في ذلك تحقيق اكثر ما يمكن من التوافقات التي تضمن اتاحة الفرصة لتنقية الاجواء السياسية والمرور الى العمل المركز داخل التأسيسي كما يمكن من انقاص الشحن المبالغ فيه داخل الساحة السياسية بشكل ينعكس ايجابا على المناخ الاجتماعي.
المخرج من هذا المأزق المحتمل ذهب اليه حزب الجمهوري باقتراحه انقاص عدد الوزارات وتحييد وزارات السيادة واقتصار عمل الحكومة على الاعداد للانتخابات وكبادرة حسن نية اكد على دعمه لحكومة على هذه الشاكلة حتى مع عدم المشاركة فيها ، هذا الاختيار يقطع مع فكرة المحاصصة الحزبية وينفتح على كل الاطياف السياسية ومن شانه ان يزيل التوتر والتراشق بالتهم المجانية التي لا تخدم الا الجهات التي لا يهمها النجاح للتجربة الديمقراطية الفتية بعد ان بدات تظهر ملامحها الاولى .