بعد انتهاء الجدل حول تحييد ماسمي بوزارات السيادة توجه اهتمام اغلب الاحزاب نحو ضرورة تحييد المؤسسات العمومية والجهوية والنيابات الخصوصية. فما هي دواعي هذا المطلب الجديد القديم؟. وكثيرا ما عبرت الاحزاب السياسية عن امتعاضها من التعيينات التي شملت خاصة الولاة والمعتمدين والنيابات الخصوصية من المنتسبين لحزب حركة النهضة خاصة واعتبرت اغلب الاحزاب ان هذه الاسلاك تتطلب الكفاءة والحياد بما يجعل الوالي موظفا ساميا في خدمة كل الموظفين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية. التعيينات التي تمت خلال المرحلة الماضية من عمر حكومة السيد حمادي الجبالي اعتبرتها الاحزاب كذلك ابتعادا عن مبدا الحياد وتذكيرا بممارسات سابقة في السيطرة على مفاصل الدولة وتطالب الاحزاب بما فيها المشاركة في الترويكا والتي شملتها المشاورات الاخيرة باعادة النظر في التسميات والتعيينات التي تمت اعتمادا على الولاءات الحزبية والمكافآت وعدم الخلط في هذه المرحلة الانتقالية بين الحزب والدولة وعدم الزج بهذه الاسلاك في المعارك السياسية ، فما موقف ممثلي الاحزاب من هذه الظاهرة وماهي مبررات مطلبهم بالتحييد التام؟.
ابراهيم بالرابحة : حياد الادارة لانجاح الانتخابات
يقول السيد ابراهيم بالرابحة عضو المكتب السياسي لحزب التكتل المشارك في الترويكا الحاكمة ان مطلب تحييد المؤسسات العمومية والجهوية والمحلية يحمل رسائل حول مصداقية الادارة وحيادها خاصة خلال الانتخابات المقبلة «فبدون حياد الولاة والمعتمدين والنيابات الخصوصية سنسقط في التجاوزات على غرار ما حدث في انتخابات 23 اكتوبر الماضي فنحن نبحث عن المصداقية اكثر من التحييد في حد ذاته رغم ايماننا بان التحييد لا يمكن ان يكون مائة بالمائة». ويفسر مطلب التحييد بان مثل هذه الهياكل قادرة على توفير الظروف الملائمة للعملية الانتخابية لطرف دون آخر رغم وجود الهيئة المستقلة. كما يضيف بالرابحة:»في التكتل نطالب باعادة النظر في التسميات التي تمت حسب الانتماءات الحزبية واعتماد مقاييس الحيادية والاهلية وعدم الانتماء المباشر لاي حزب ونامل ان يتم ذلك حتى نصل الى المصداقية المطلوبة».
محمد الحامدي : مراجعة التسميات شرطنا الاساسي للمشاركة في الحكومة
السيد محمد الحامدي المنسق العام للتحالف الديمقراطي يقول في نفس السياق: «مطلب التحييد هو مطلبنا الاساسي وخاصة اعادة النظر في التسميات التي وقعت من طرف واحد وأساسها الولاء الحزبي الذي غير معيار الكفاءة وهذه التسميات مست من حيادية الادارة وخلقت علاقة زبونية بين الادارة والمواطن في خدمة غير مباشرة لاحزابهم كما يمكن ان تؤثر في العملية الانتخابية فالهيئة المستقلة للانتخابات ستتعامل مع مختلف الادارات القادرة على توجيه الناخب حتى قبل الانتخابات». الحامدي يطالب كما قال باعتماد معيار الكفاءة لا غير وهو من الشروط والضمانات التي تمسك بها حزبه ضمن الشروط الستة للدخول في الحكومة المنتظرة قائلا:»على الاقل نطالب بالنظر في التسميات المثيرة للجدل من ولاة ومعتمدين ورؤساء مديرين عامين».
عثمان بالحاج عمر : اغلب التعيينات استاثرت بها النهضة
السيد عثمان بالحاج عمر عن حركة البعث يقول حول دواعي مطلب التحييد: «في الفترة الانتقالية لا يمكن للاحزاب النظر الى الوظائف ومفاصل الادارة على انها غنيمة وان تحاول التغول في الادارة وتوظيف انصارها والمطلوب خلال كل مرحلة انتقالية عدم توظيف الادارة والمؤسسات الادارية لصنع مشهد حزبي غير صحيح من خلال توجيه الراي العام وتنفيذ خيارات حزبية معينة في جميع المجالات خاصة ان ميزان القوى الذي تشكل في اولى المحطات الانتخابية مازال غير مستقر وغير قار. وعن التعيينات الماضية يضيف: «هناك 18 ولاية من جملة 24 ولاية عند النهضة وعديد المعتمدين وحوالي 3 آلاف وظائف عليا في الادارة اضافة الى الوظائف غير المعلنة والمطروح الآن ولطمانة الراي العام مراجعة هذه التعيينات واعتماد الكفاءة ومبدا الترقيات العادية بقطع النظر عن الانتماءات الحزبية والمكافآت حتى لا تصبح التسميات عبارة عن جهاز مواز لحزب دون آخر».
البارودي : قانون تحصين النهضة
قال نائب المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التحالف الديمقراطي محمود البارودي أن قانون تحصين الثورة يعتبر قانونا لتحصين حركة النهضة، واضاف البارودي «رابطات حماية الثورة ليست الا رابطات لحماية حركة النهضة كذلك», مضيفا «مثل هذه القوانين والرابطات تمثل خطرا على عملية الانتقال الديمقراطي».
عبد العزيز شعبان : القانون مازال بصدد المناقشة
قال نائب المجلس التأسيسي عن حركة النهضة وعضو لجنة التشريع العام عبد العزيز شعبان ان لجنة التشريع العام مازالت تدرس مشروع قانون تحصين الثورة وذلك بالتوازي مع مشروع قانون الهيئة الوقتية للقضاء العدلي التي تم اعطاءها الاولوية باعتبار ان اللجنة كانت تدرس مشروع قانون تحصين الثورة لكنها ادخلت المشروع الثاني في النقاش ليسيرا بالتوازي. ورفض عبد العزيز شعبان مقولة ان المجلس التأسيسي تخلى عن مشروع قانون تحصين الثورة واعتبره مازال في سياق النقاش, اما عن التمشي القانوني قال انه يجب ان تناقشه اللجنة وتحدد اراء اعضائها ثم يتم تمريره الى الجلسة العامة التي تحسم فيه سواء بالقبول او بالرفض, واضاف انه شخصيا مقتنع بالتصويت على مشروع القانون هذا واعتبره مسالة مهمة وقانونية ,اما عن بعض الاراء من داخل حركة النهضة والتي تؤكد لا جدوى المصادقة على هذا القانون قال عبد العزيز شعبان ان اي قرار يلزم صاحبه والحركة ستحسم موقفها من خلال مؤسساتها.
مختص في علم الاجتماع السياسي : قانون الإقصاء على خطى «الفصل الاول من الدستور»
قال استاذ علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج ان الاصرار على هذا القانون واستماتته في الدفاع عنه وكانه مسالة حياة او موت وكأنه مسألة نهائية لا تقبل التراجع فيها ,وكانه لا يكتمل الانتقال الديمقراطي الا بتحقيق هذه الخطوة ,ومن يستمع الى هذه التبريرات يتفاجأ بالتراجع عنها لكن المتابع و المراقب للمناورات السياسية يعلم ان هذا التراجع ينسجم مع منطق المناورة وليس مع منطق المبدئية ,وتقف وراء هذه المناورة سياسة ممنهجة وهي المراوحة في نفس المكان والبقاء اكثر قدر ممكن في السلطة وتشتيت انتباه الراي العام والخصوم السياسيين وهي سياسة ممنهجة عنوانها اضاعة الوقت على تونس وتمطيط مسارها الانتقالي, وتساءل طارق بالحاج بماذا يذكرنا هذا التحمس والتراجع؟ واجاب لا يمكن ان يذكرنا الا بموضوع الشريعة حيث دافعوا عنه لأشهر وجندوا له الانصار والمتظاهرين وراي عام في الاعلام وفي الاخير يقع التراجع عنه من طرف رئيس حركة النهضة دون الرجوع الى المؤسسات واستشارتها.
واعتبر ان هذا يؤدي الى الرغبة في حالة التشنج في المشهد السياسي لان هناك من لا يستطيع ان يحكم الا في حالة التشنج والانقسام ,اضافة الى تكريس صورة الزعيم المنقذ التوافقي الذي يضع مصلحة تونس اولا وربطها بشخصية الغنوشي ,هذه صناعة جديدة لزعيم .وعليه فان نفس ازدواجية الخطاب تتم اعادتها ولن نتفاءل خيرا اذا بقينا في نفس الاداء وعقلية المناورة ,حتى وان كان الموضوع مستقبل تونس. اضافة الى ان هذا التعاطي كان قبل 6 و 8 فيفري والان لا يستقيم بعد هذين الموعدين المتمثلين في اغتيال شكري بلعيد وجنازته ,لكن مازلنا ننتظر الشد والجذب في مواضيع اخرى بنفس الطريقة منها رابطات حماية الثورة ومراجعة التسميات والعدالة الانتقالية ...وكل هذه المواضيع بيئة حاضنة للتوتر السياسي وتبقى هذه المواضيع ليست الاخيرة.