الطرف المنظم هو بلدية حمام سوسة وجمهور غفير، كانتا الميزتان الأساسيتان للأمسية الشعرية التي انتظمت مؤخرا بقاعة العروض بدار الثقافة «علي الدوعاجي» بحمام سوسة بإمضاء الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد. الأمسية سبقها تخوّف بعد أن احتج البعض على دعوة هذا الشاعر إلى حمام سوسة خلال الجلسة العمومية التي نظمتها النيابة الخصوصية بحمام سوسة. ما لاحظناه من كثافة جماهيرية لمتابعة أمسية شعرية لشاعر واحد فقط في عرض استحق تصنيفه ب«الوان مان شو الشعري» يفند المقولة التي يرددها سماسرة الفن والثقافة بأن «الجمهور يريد هذا» لتبرير برمجة العروض التي لا تقدم للذوق العام غير السماجة والابتذال.
أجواء شاعرية، استماع حدّ الإنصات.. هكذا كانت حلة هذا العرض الذي أذهل أولاد أحمد ذاته بثنائه وهو الرافض للثناء في العديد من المرات على انضباط الجمهور الحاضر والذي ترك قراطيس «القلوب» يقينا منه بأن التسلية لا تكون إلا سمعية والمتعة لا تكون إلا قلبية ذهنية.. هكذا كانت تأثيرات أغلب القصائد التي ألقاها أولاد أحمد والتي لا تشبه إلا أولاد أحمد من زعيمات القصائد «أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد» إلى قصائد أخرى من جديده وقديمه برتبة فترات تتجاوز الزمن لتكون توثيقا لأحداث استشرفتها الذاكرة قبل التوغل في الزمن.
إرهاصات «حالات الطريق»، نشوات «إلى نساء تونس»، تهكم «وظيفة عمومية»، وجدان «كلمات»، حرقة «أسئلة» وقصائد أخرى ما إن تطبع بالسياسة حتى تتحزّب وأخرى وصفها بالسيرة الذاتية وليست ذاتية تراوح فيها النثر بالشعر عكست تجربة وإن صنّفت بالشعرية أدبا فإنها وطنية ما إن تنطفئ فيها فتائل السياسة حتى تشتعل الشرارات الحزبية، وأبيات وجدانية ما إن تذوب فيها الروح حتى تتصلّب في شخصية تلين لتتمرّد من خلال تعبيرات ظاهرها فوضى وباطنها نسق يتقاطر ألما وأملا.
«القيادة الشعرية للثورة التونسية»، «حالات الطريق» و»مسودة الوطن» ( تحت الطبع) هي المجموعات الحديثة للشاعر أولاد أحمد وحّد لها شعار «إذا كنت شعبا عظيما ....فصوّت لنفسك في اللحظة الحاسمة» خُطّ على معلقة إشهارية ألصقت في عدة أمكنة داخل وخارج القاعة حيث وُجِدت نسخ للبيع للعموم مع اعتماد سعر تفاضلي عند شراء عنوانين 35 د ، فكانت أمسية شعرية بمقاييس حرفية إلى حدّ كبير رغم ما قد يعكسه جانب من مضمونها من صبغة سياسية حزبية ولكن تبقى القيمة في مبادرة النيابة الخصوصية لحمام سوسة والتي يتعطش إليها المشهد الثقافي في ظلّ استقالة البلديات من الفعل الثقافي والتركيز على التنمية متناسين أن الثقافة هي صلب العملية التنموية.