بين الصوت الباكي للفنان السوري صفوت, صفوت الذي قدم للأمسية الشعرية التي انتظمت خلال "يوم القدس" (الثلاثاء) بمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته الحالية بمقطع من "زهرة المدائن" الشهيرة وبين أصوات الشعراء الذين أعلنوا يومها التحدي الغرض الأول لأشعارهم هناك مسافات ومسافات. والحقيقة أن صوت الفنان الذي لا يذكرنا بالمرة بسيدة الغناء المطربة فيروز في آدائها لأغنية القدس زهرة المدائن بامتياز كان قريبا إلى النحيب وهو وإن كان يروق للبعض فإنه قد لا يكون في تناغم مع ما تتوق إليه الشعوب العربية من طي صفحة التباكي واستبدالها بما هو أكثر نجاعة وواقعية. جمعت الأمسية الشعرية التي انتظمت احتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية والتي واكبها جمهور واسع من رواد معرض تونس الدولي للكتاب أحمد دحبور الشاعر الفلسطيني المعروف وزكرياء محمد من فلسطين كذلك ورئيس اتحاد كتاب دولة الإمارات العربية المتحدة الشاعر كريم معتوق ومحمد الصغير أولاد أحمد والمنصف المزغني وآدم فتحي من تونس وثلاثتهم لا يحتاجون بالطبع إلى تعريف. كان من المفروض أن تشارك الشاعرة جميلة الماجري في هذه الأمسية لكنها تغيبت لأسباب عائلية وفق ما أعلن عن ذلك بالمناسبة. أولاد أحمد يرسل رسالة إلى درويش عبر الحمام الزاجل كان محمود درويش غائبا طبعا عن الحفل. لكن من كان في حجم درويش ومكانته بين شعراء العرب حتى إن غاب بجسده فإن روحه تبقى ترفرف بين الحضور. خاصة أن شعراءنا أعلنوا أن لا طاقة لهم بغياب هذا الشاعر الفنان ولا هم بمستعدين لترك مناسبة كهذه تمضي دون أن يكون فيها لدرويش مقام عال. محمد الصغير أولاد أحمد أرسل له رسائل عبر الحمام. قصيدة نلمس فيها كم أن أولاد أحمد يؤمن بدرويش وهي عادة لا تتكرر كثيرا مع هذا الشاعر الذي نعرفه صعبا في أحكامه على من يقاسمه منطقة الشعر وقبلها كان قد قرأ قصيدته عن الحجر ثم انتهى بقصيدة" أحب البلاد " التي تمنّى أن يسمعها منه كل الفلسطينيين. والشاعر أولاد أحمد كان الأخير في القائمة الذي قدم شعره ومن الملفت للإنتباه أنه اختار أن يتجاهل تماما مداعبات المنصف المزغني الذي ذكره أكثر من مرة خلال مداخلته الشعرية. المنصف المزغني لم يأخذ وقتا طويلا وقرأ أغنيته التي لم يطلع عليها المكاوي ثم رسالته إلى الجندي المجهول. وكانت مهمة جدا مسألة الوقت ذلك أن الشاعر آدم فتحي وإن كانت قصيدته "لا تساوم" تنسجم مع المرحلة تماما من حيث لهجتها الساخرة والمرارة التي عبر بها الشاعر عن العجز, مرارة تمتزج بالتحدي فإنها كانت طويلة نسبيا حتى أن الشاعر الفلسطيني زكريا محمد ألح وشدد عندما حل دوره على أنه لن يتجاوز من الوقت أكثر من 5 دقائق. وكان له ذلك بالفعل من خلال قصيدتين كانتا عبارة عن ومضتين بارقتين. الأولى بعنوان اللجام والثانية بعنوان العربة. الشاعر الإماراتي كان أكثر الشعراء قدرة على الإصداح بصوت عال. قدم قصيدتين. غزة وجدار جدارية درويش تكريما لروح محمود درويش. ومن أبرز ما يلاحظ في شعر كريم معتوق أنه يفعل تماما مثل الفنان التشكيلي. يقوم بعملية "الكولاج". في القصيدة الأولى كان كأنه ينازل المتنبي وخاصة عندما يرد على أبياته الشهيرة التي يتغني فيها المتنبي بذاته وسيفه وقرطاسه وقلمه أما القصيدة الثانية فكأنه جمع فيها خلاصة ما قاله درويش في محاولة شعرية جادة تعكس ميزاج الشاعر ورغبته في التوثيق لأبرز شعراء منطقتنا العربية والجمع بين الشعر القديم والشعر الحديث. متعب كان أحمد دحبور وصوته كان يصلنا بصعوبة لكننا عندما نستمع إليه نكف عن البحث عن اسم القصيدة وعن غرض الشعر وشكله. أحمد دحبور تجاوز اليوم المقارنات وأصبح حضوره ذلك الوشاح الذي تتزين به المناسبات الشعرية لذلك كان الإعلان عن اسمه كفيلا بأن ترافقه موجة من التصفيق وكذلك الأبيات القليلة التي قرأها عن فلسطين وعن القدس التي تحدث عنها قبل أن يقول الشعر فضم صوته إلى صوت من يقول أن القدس أكبر من الشعراء.