لم تصل بعد أولى رسائل الطمأنة من حكومة العريض ، ولم تظهر بوادر إرادة تغيير أساليب إدارة الحكم، وليس العتب محمولا فقط على الحكومة الجديدة بل على كل الطبقة السياسية، مجتمعة ومنفردة، التي تجمع على ضرورة الوفاق وعلى أهمية إنهاء المرحلة الأخيرة الانتقالية بسرعة وبثبات لتأسيس البناء الديمقراطي ، لكنها تختلف في الطرق والوسائل . وإذا كان الجميع ، في الحكم و المعارضة، يدرك أن الحكومة لا تملك عصا سحرية لتغيير الأوضاع ، وهي محكومة بفترة محددة وبرنامج مضبوط، فإن المسؤولية الكبرى تعود الى المجلس التأسيسي ، صاحب الشرعية الوحيد، ومحرك الفترة الانتقالية الأخيرة ، الذي تزايدت مهامه وتقلص نسق دوره التشريعي، وتزايدت الخلافات داخله حتى أن العديدين أصبحوا يشككون في إمكانية تنظيم الانتخابات القادمة قبل موفى العام الذي مضى ربعه ،نتيجة المعوقات التي ترافق تطبيق الرزنامة والتي تهدد بصعوبة الالتزام بالمواعيد المحددة.
ولا شك في أن تواصل هذا الغموض في المجال السياسي، الذي يمثل قاطرة حلول بقية القطاعات، سيمثل وزرا على ظهر الحكومة، مهما ارتفع منسوب حياديتها وكفاءتها، وأيضا على صورة البلاد في الخارج كوجهة قادرة على استقطاب الاستثمارات والمشاريع والسياح، وكبلاد متجهة نحو إقامة ديمقراطية حقيقية ودولة مدنية عصرية يتعايش فيها كل التونسيين مهما اختلفت انتماءاتهم وخلفياتهم .
وعلى السياسيين النأي عن التأزيم واختلاق المشاكل والتحلي بصفات رجل الدولة الجامع للمختلفين والمغلّب للمصلحة الوطنية العليا، وهو كلام موجه بدرجة أولى الى رئيس الدولة، الذي تتالت أخطاؤه السياسية والديبلوماسية، ومنها انتقاد خصومه من الخارج ، وتبني مواقف والتزامات لا يمكن أن تتماشى مع خصوصيات البلاد.كما ينطبق اللوم أيضا على الأحزاب التي قررت إسقاط الحكومة عبر الاعتصامات والإضرابات ، أو تلك التي تتمسك بالمجموعات أو الميليشيات التي تعتمد العنف لضرب حرية التعبير والاجتماع وحق الاختلاف .
ان تونس ليست ضيعة الرئيس ولا رئيس الحكومة ولا الأحزاب الحاكمة والمعارضة، بل هي ملك الشعب التونسي، صاحب السيادة ومانح الشرعية وحامي الثورة وحارس الوطن وصاحب القرار الأول والأخير.