لئن مثلت ملفات الاعدام والتعذيب جزءا هاما من تاريخ تونس إلا ان السلطة السياسية الحالية لم تولها المكانة اللازمة للكشف عن تفاصيل هذه الجرائم البشعة التي تتعارض مع اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب. رغم مرور أكثر من سنتين بعد الثورة إلا ان الجرائم السياسية بقيت غامضة ولم تكشف تفاصيلها بعد رغم ان من أهم اهداف الثورة مصارحة الشعب بجرائم العهد البائد والتي يمكن الكشف عنها بالعودة الى أرشيف أمن الدولة الذي من خلاله يمكن التعامل بجدية مع هذه الملفات خاصة ان هناك عددا من الأشخاص مازالت عائلتهم تجهل مصيرهم وان قتلوا فهي غير قادرة على تحديد مكان جثثهم. تاريخ تونس كان الشعب التونسي يأمل أنه بعد 14 جانفي أن تصارح السلطة السياسية شعبها بالجزء الخفي من تاريخ تونس وقد تدعم هذا الأمل بصعود حركة النهضة الى الحكم وبذلك البرنامج الانتخابي الذي تحدث عن ضرورة المحاسبة وكشف جميع جرائم التعذيب وفتح أرشيف البوليس السياسي الذي دونت فيه جرائم بن علي وكذلك الجرائم الحاصلة في عهد بورقيبة وحتى في عهد الاستعمار. وبعد مرور أكثر من سنة على انتخابات 23 أكتوبر 2011 والذي أفضى الى دخول حركة النهضة الى الحكم ومسكها بزمام الامور الى جانب تعيين وزيرين من الحركة على وزارتي السيادة الداخلية والعدل الى أن هذا الشعب تبخرت آماله وبقيت مجرد أمنيات. وهنا أطلت علينا السلطة السياسية بمشروع العدالة الانتقالية الذي سيمكن الشعب من معرفة ماضيه. وذكرت مصادر لها علاقة قانونية بهذه الملفات أنه رغم مطالبة الدولة بفتح ملف أرشيف امن الدولة لمعرفة تفاصيل هذه الجرائم إلا أن هذا المطلب بقي مجرد حبر على روق. مؤكدة أن الحكومة الحالية لم تبد جديتها مع هذه الملفات التي تتطلب تظافر جميع الجهود من السلط الأمنية والقضائية والسياسية وأمن الدولة لمعرفة هذه الحقائق التي تمثل جزءا هاما من تاريخ تونس. حالات وشهادات من الجرائم المتعلقة بالتعذيب والاعدام التي مازال القضاء يباشرها هي قضية الشيخ أحمد الأزرق المتعهد بها قاضي التحقيق بالمكتب الثامن بالمحكمة الابتدائية بتونس والذي التحق بالقطب القضائي المخصص للنظر في قضايا الفساد المالي وقد بقي هذا المكتب شاغرا والى حد هذه اللحظة لم تعين وزارة العدل من يعوضه لمواصلة النظر في الملف. حسب تقرير منظمة حرية وانصاف فان الشيخ أحمد الأزرق أعدم يوم 2 سبتمبر 1986 وقد تم تسليمه من قبل السعودية بهوية مزورة الى جانب انه أعدم في ظرف خمسة أيام من تسليمه وحتى دون انتظار مآل التعقيب اضافة الى عدم وجود محضر إعدام وعدم حضور المحامي وعدم تسليم الجثة للعائلة. حسب ما ذكرت مصادرنا فان قاضي التحقيق استمع الى شهادة عدد من الأطراف بما في ذلك عون سجون الذي قدمته وزارة العدل على انه حضر عملية الاعدام أفاد أنه وقعت عمليتا اعدام واحدة لملازم في الجيش الوطني والثانية للمدعو أحمد الأزرق مضيفا أنه حضر العملية حينها وكيل الدولة العام والذي شغل في عهد بن علي منصب وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية و حضر كاهية مدير السجون والاصلاح ومتفقد عام السجون والاصلاح وطبيب السجن وشيخ. حسب ما أفاد به عون السجن الذي قدم افادته الى قاضي التحقيق فإنه أعدم الملازم بالجيش الكيلاني الوشاحي وبعد شهر أعدم المدعو أحمد الأزرق وقد قال الشاهد أنه لم يره إلا ساعة الاعدام وقد دفن بأصفاد في يديه. وبخصوص أقوال الوكيل العام ممثل النيابة العمومية أفاد انه لم يحضر الا عمليتي اعدام الاولى للملازم المذكور وثانية لحبيب الضاوي وأنه لم يحضر لاعدام الشيخ أحمد الأزرق لأدائه مناسك الحج وهو ما يتناقض مع أقوال عون السجن علما أن تاريخ عملية الاعدام تتوافق مع يوم 27 ذو الحجة وذلك حسب ما ذكر تقرير منظمة حرية وانصاف. وبخصوص شهادة الطبيب فقال انه أمضى على الوفاة ولم يحضر الا عملية اعدام واحدة في حياته قيل أنها للأزرق الذي لم يره إلا ساعة الاعدام وأمضى على شهادة الوفاة. مضيفا أن هذا الأخير لم يمت بطلقات الرصاص التي وجهت اليه فصوب له قائد المجموعة طلقة في رأسه. وقد أثبتت التحقيقات في الملف أنه وجدت جثة بالأصفاد في قبر المدعو أحمد الأزرق الى جانب عدم وجود طلقة برأس الجثة المعرفة بأنها الشيخ الأزرق وهو ما يطرح أكثر من سؤال .علما أن التحليل الجيني للجثة الموجودة بقبر الشيخ أحمد الأزرق انتهى الى اثبات علاقة بيولوجية مع عائلة الأزرق بنسبة حوالي 37 بالمائة وهو ما يتعارض مع رأي الخبراء في علم الجينات تفيد بان يتطلب بلوغ 99.99 بالمائة . ملف شيخ شارل نيكول من الملفات الأخرى التي طرحت بشدة في الآونة الأخيرة هي حالة شيخ شارل نيكول الذي توفي خلال شهر سبتمبر 2011 والذي قيل أنه يدعى عبد الملك السبوعي وقد أذنت النيابة العمومية بفتح بحث تحقيقي منذ وفاته والى حد الآن لا نعلم من هو شيخ الشارل نيكول خاصة أن الابحاث بينت ان الجثة التي قدمت لا تتطابق مع صفات شيخ شارل نيكول ولا مع صفات المدعو عبد الملك السبوعي للاسباب التالية حسب ما ذكرها تقرير المنظمة أولا تعذر مطابقة بصمات عبد الملك السبوعي التي لا تحمل صورة ببصمات الجثة بدعوى أنها تحللت. الى جانب أنه حسب المعاينة الطبية والملف الاداري والعدلي أكد أن الجثة لشيخ في السبعين في حين أن اختبار الاسنان أثبت أنها تتعلق بشخص في 48 سنة من عمره. ملفات أخرى في طور التحقيق من الملفات الأخرى التي مازال الشعب يجهلها وهي محل نظر من قبل السلط القضائية هي ملف رجل الأعمال محمد علاني العالم في البورصة وقد اختفى منذ سنة 2004 والى حد الآن عائلته تجهل مصيره . وحسب مصادرنا فان عددا من أقارب ليلى بن علي عرضوا عليه مشاركتها في شركة الى جانب أن هذا الشخص عاش لفترة ما بسويسرا. الى جانب ملف مروان بن زينب الذي فتحت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس تحقيق قضائي فيه . وقد تم حجز كمبيوتر بن علي وتم اخراج رفات الهالك. وحسب افادة عائلته المدعمة بأقوال البشير التركي المدير الأسبق للمخابرات التونسية ببرنامج وثائقي فإن مروان بن زينب مهندس في الاعلامية وهو عبقري وقد اخترق صدفة كمبيوتر الرئيس المخلوع وقد اكتشف بعض الأمور الخطيرة والمتعلقة بكون الرئيس المخلوع على علاقة بالموصاد. وقد اكتشف قائمة بأسمائهم وعناوينهم وبناء على ذلك تم تعذيبه حتى الموت ثم رميه أمام القطار الذي دهسه. ومازال الاختبار الطبي لم يجهز بعد لمعرفة أسباب الوفاة. وذكرت مصادرنا أن الامكانيات المتاحة للقضاة أو لفرقة مقاومة الاجرام غير كافية لمعرفة أسباب وتفاصيل هذه الجرائم التي مازالت غامضة ويبقى فتح ملف البوليس السياسي هو الحل للاطلاع على هذه الجرائم ومعرفة تفاصيلها ومصارحة الشعب التونسي بها.