بعد غياب استمر أكثر من عشر سنوات عن معرض الكتاب، أقيمت مؤخرا أمسية شعرية للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، ألقت فيها عددا من قصائدها الشهيرة والتي بدأتها بقصيدة «نحن باقون هنا» وتلتها بسبع قصائد أهدت احداها إلى زوجها الذي قالت عنه «إلى الرجل الذي أحاطني بشهامته وفروسيته، إلى زوجي ومعلمي وصديق العمر الجميل عبد اللّه مبارك»، وهي «تمنيات استثنائية لرجل استثنائي» و»أسئلة ديمقراطية في زمن غير ديمقراطي»، «أنا أنت» التي غنتها المطربة نجاة الصغيرة، ثم «فإني إلى حدود الشمس» و»عزف منفرد على ربابة كويتية» التي قالتها عندما أجهض مجلس الأمة الكويتي حقوق المرأة السياسية في نوفمبر 1999 ثم «سأبقى أحبك» وأخيرا «كن صديقي» وبعدها سلمها رئيس هيئة الكتاب درع الهيئة وعقدت أمسية شارك خلالها الفنانون أشرف عبد الغفور ووفاء الحكيم ومنال سلامة، أماني البحطيطي ورامي مسعد في القاء بعض قصائدها على الجمهور. وقد ألقت الدكتورة سعاد الصباح كلمة في بداية الأمسية وقد جاء في كلمتها: «إن قراءة الشعر في مصر توقع الشاعر في تناقض مع نفسه، ومع الشعر ذلك لأن مصر، من حيث التشكيل الثقافي والجمالي، هي خلاصة الشعر، فأي ورطة يقع فيها الشاعر حين يحاول أن يحمل إلى نهر النيل قطرة ماء.. وإلى أرض مصر الحبلى بملايين القصائد... قصيدة جديدة. ثم ان مصر في مطلع الستينات كانت ينبوعي الثقافي الأول الذي شربت منه حتى ارتويت، فعلى أرضها الطيبة نبت ريشي، وكبرت اجنحتي، وأورقت حنجرتي... وولدت قصائدي الأولى. وعلى تراب مصر بين الجيزة ومصر الجديدة وجاردن سيتي حبوت وركضت وترعرعت جسديا وفكريا، واعطاني أساتذتي الأجلاء، في جامعة القاهرة مفاتيح المستقبل. اذن فمصر هي الصدر الذي أسندت رأسي إليه، ورضعت منه حليب المعرفة، وغذاء الفكر. فإذا عدت إلى مصر اليوم لاقرأ شعري، فلأن العصافير مهما ابتعدت عن أشجار طفولتها، فلابد لها أن تعود إلى ملاعب صباها، ولأن القصائد مهما هاجرت، فلا بد لها من العودة إلى وطنها الأول. وإذا كانت قد تكونت على يد مصر ثقافيا،،، فقد تكونت على يدها قوميا أيضا، فأنا من الجيل الذي شهد العصر الذهبي للمد الوحدوي العربي، كما شهد أروع وأعظم معاركنا القومية. نعم،،، أنا امرأة من جيل الأحلام الكبرى،،، والتحولات الكبرى،، امرأة عاشت التاريخ العربي وهو في ذروة كبريائه وقمة تحدياته... وكانت مصر يومئذ وردة العالم العربي، ونشيده وسيفه». وأضافت: «في الخمسينات كان قلبي مجنونا من الفرح، ومشتعلا كشمس افريقية، ومسكونا بالزلازل والأعاصير، وكنت أنام وأصحو على نشيد (اللّه أكبر) (واللّه زمان يا سلاحي) فتتساقط الدموع من أهداب قلبي. في تلك الأيام العظيمة، كنا نقتطف الحلم من شجر المستحيل،،، ونكتب الشعر على بوابات السماء،، ونحلم بالامبراطورية العربية الكبرى التي لا تغيب عنها الشمس،،، كانت طموحاتنا أكبر من مساحة الشمس، فصارت أصغر من مساحة قرص الفاليوم،،، كان الوطن عيوننا لانهائيا كالبحر،، وصار الوطن في هذه الأيام ضيقا كالزنزانة،،، كنا نأكل رغيفنا اليومي من القمح الخالص، فصرنا نأكله معجونا بالارهاب الخالص،،، والدمع الخالص». «في هذا الزمن العربي الذي لا يوجد وصف له يأتي دور الشعر ليعيد إلى النفس العربية أصالتها، ويعيد إلى النفس العربية مصداقيتها، ويعيد للانسان العربي ايمانه بأن شمس الحرية لن تنطفئ،،، وأشجار الأمل لن تيبس».