* حوار : فاطمة بن عبد الله الكرّاي تونس الشروق : حضر الى تونس أستاذ محاضرا على أحد مدارج كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس بين طلبة المرحلة الثالثة علوم سياسية لمدة ثلاثة أيام. تحدث عن العلاقات الدولية وعن العولمة وعن الأممالمتحدة والديمقراطية زمن الأحادية القطبية... الأستاذ «جون ب. أنتليس» اJohn P. Entelisب يدرّس بجامعة «جيزويت» اJesuit Universityب بنيويورك، وتحدّث في لقاء خص به «الشروق» عن الحرب على العراق وموقف المثقف الأمريكي منها، وعن «الشرق الاوسط الكبير» ومدى علاقتها بالتكتيك الأمريكي لدرء مآسي الحرب التي شنتها على العراق... سألت محدثي عن «الشرق الاوسط الكبير» وهل لديه فكرة عن المشروع الذي تطرحه واشنطن على المنطقة، فقال : إن هذا الطرح واقع جديد، وليست لي تفاصيل عنه. لكن في الآن نفسه أجدني لا أعرف إن كان الامر تبريرا للحرب على العراق أم هي فكرة باتجاه ديمقراطية حقيقية.. سوف نرى الأمر في مابعد. فربما يكون في الأمر تكتيك من تلك التي تلجأ اليها الادارة الأمريكية عادة من أجل ظرف معين. نعم، السؤال هو هل تقدم الادارة الأمريكية المشروع من أجل الانتخابات أم حقيقة هي تفكر في مشروع متكامل للمنطقة؟ هذا هو السؤال الذي لا يظهر جوابه الآن. عن الحادي عشر من سبتمبر وآثارها، وكيف ان نتائجها وقع تحويل وجهتها بحيث أصبح العرب والمسلمون، وعلى بكرة أبيهم، وفي موقع اتهام ونظرة غير مقبولة قال الاستاذ «أنتليس» : لم أكن في «نيويورك» يوم الحادي عشر من سبتمبر بل كنت بالمغرب الأقصى، لقد كانت آثار الحدث عميقة وستبقى كذلك على كامل الولاياتالمتحدة بكل ديانات شعبها، ولكن أقول أنا الذي أعيش في نيويورك، وعكس الصورة التي يقع تناولها من الخارج، فإن العرب والمسلمين لا يعانون في أمريكا من نظرة احتقار أو شيء شبيه بهذا. أقول ان الامر فيه خطأ، بل بالعكس لقد أصبح عندنا دروس بالعربية ويريد الأمريكيون ان يعرفوا من هو هذا العالم الاسلامي، ربما يكون الامر عن خوف وربما عن محاولة لتغطية العجز في معرفة الآخر. لقد تفطن الأمريكيون، يضيف محدثي انهم لا يعرفون العالم العربي وعلى جميع المستويات... اليوم هناك باحثون يهتمون بالمنطقة وينجزون البحوث في جميع المجالات عنها... وهذا أعتبره أمرا مهما ولا يحمل نظرة تمييز او كراهية لعالمكم. وبوصفه أكاديميا أمريكيا وبعد أن أصبح صوت هؤلاء الجامعيين أقوى من ذي قبل من حيث معارضة الحرب أو بعضا من خيارات ادارة بوش، سألت الاستاذ «أنتليّس» عن هذا الجدل الذي تسعى اسرائيل أن تدس من خلاله «السم في الدسم»، من ذلك ان تل أبيب وبمعية دوائر تخطيط أمريكية، تحاول ان تقحم مفهوم معاداة السامية حتى تريّح نفسها من نقد وانتقاد بدأ يصلها من الأمريكيين أنفسهم حول ممارساتها الارهابية المنظمة. رد ضيف كلية الحقوق بأنه لا يعتبر مسألة معاداة السامية من عدمها مشكلا في أمريكا، بل هو أمر مرتبط أساسا بأوروبا على خلفية الحرب العالمية الثانية وتداعياتها. وأضاف بالقول : لا أعتقد في هذه التعلة ولا يجب أن تُقبل وباعتقادي لا يمكن للأمريكيين ان يقبلوا هذا المنطق. وأضاف ان الاوساط الجامعية الأمريكية من طلبة ومدرّسين كثيرا ما تظاهروا ضد اسرائيل وأن مواقفهم ضد تل أبيب ومع الانتفاضة الفلسطينية وكثيرا ما يتساءل الناس في أمريكا : لماذا يحدث للفلسطينيين هذا؟ فقد بدأ الوعي يدبّ في أوساط الأمريكيين خلال هذه الانتفاضة (انتفاضة الأقصى) أكثر مما كان عليه الأمر خلال الانتفاضة الأولى، لذلك أرى أن ليس هناك خوف من أن تعود فكرة الاتهام بمعاداة السامية. وهنا شدّد أستاذ العلوم السياسية بجامعة «نيويورك»، أن الصراع بين اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية عميق وأنه «مع الأسف يبقى الحل بيد البيت الأبيض، حتى وإن كان الشعب الأمريكي مع الانتفاضة ويساندها». وعبّر الأستاذ «أنتلّيس» عن أن المستقبل سيكون أفضل بالنظر الى ما أصبح يقوم به «اللوبي العربي» في أمريكا كاشفا النقاب عن أن «الديمقراطيين» يتعاملون مع اللوبي العربي وأن العرب والمسلمين الآن هم أكثر عددا من اليهود في أمريكا. أما بخصوص المحافظين الجدد الذين صعدوا الى مركز القرار الأمريكي بمجيء بوش الإبن الى البيت الأبيض، ومدى علاقة هؤلاء باللوبي اليهودي، خاصة وأن أمريكا بدأت تشهد منذ مدة «زواج متعة» فكريا بين تيار مسيحي متطرف ويهودي أشد تطرفا، قال الأستاذ «أنتلّيس» ان هؤلاء الذين سمّاهم أقصى اليمين المسيحي وأقصى يمين اليهود، لا يرون الأشياء إلا من خلال الأبيض أو الأسود، لذلك وعندما يصبح الدين هو المعيار والمقود فإن التطرف سيبرز هنا وهناك، مشيرا الى أن التطرف هنا هو الذي يولّد التطرّف هناك، «وهذا أمر خطير جدا، لأنه إذا وصل هذا الأمر الى العالم وانتشر فإن الحياة ستصبح جحيما» مشددا على أن الحياة العامة ليست تطرفا ولا لونا أبيض أو لونا أسود. وهنا كشف محدثي النقاب عن أن عددا كبيرا من الأكاديميين في الولاياتالمتحدة هم ضد التطرّف وبالتالي هم ضد الحرب على العراق، واستدلّ بمظاهرات قال انها كانت حاشدة ومتواترة ضد قرار الحرب على العراق، وقال : كلهم (الأكاديميون) ضد الحرب وضد بوش، ولا أحد فهم لماذا هذه الحرب وما هي أسبابها.. لذلك نجد أن أسئلة عديدة ما تزال مطروحة. سألت محدّثي عن موقع القضايا العربية في الاعلام الأمريكي، وتحديدا قضية فلسطين، التي لو كانت هناك محاسبة ومساءلة قانونية لحكومة اسرائيل، لأمكن اتخاذ اجراءات أممية ضدها وفق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، لما تفعله من اجرام في حق شعب فلسطين، فقال : أستطيع أن أتحدث هنا عن أوساط الطلبة والجامعيين، لأؤكد أنهم يريدون حلا عادلا وهم يتحدثون عن ضرورة انسحاب اسرائيل الى حدود خط الرابع من جوان 1967. وأضاف : هناك مساندة قوية للفلسطينيين في أوساطنا الأكاديمية، كاشفا النقاب عن أن سرّ هذه المساندة يتراوح بين الجانب العاطفي الانساني الى السياسي والنفسي، و»الاسرائيليون يقظون لهذا الأمر. فهم يعرفون أن لا سند لهم ولأفعالهم في هذه الأوساط، تماما كما هو الشأن داخل اسرائيل حين نتحدث عن تلك الأصوات التي ترفض سياسة شارون وترنو الى سلام عادل قوامه دولتان مستقلتان «اسرائيل وفلسطين» . وبخصوص الجدار العنصري الذي أقامته اسرائيل في تحدّ كامل وصارخ للقانون الدولي، قال : «أنا ضدّ الجدار وهناك العديدون مثلي، لا يمكن أن نقبل بهذا. وهناك مثقفون من بين الذين يرفضون هذا الجدار لا يفهمون لماذا يقام ذلك الجدار؟.. فالجدار، منطقيا، لا يمكن أن يمنع عملية تفجير أو استهداف الاحتلال، فهذا تضليل وأصل المشكل ليس هنا، وقليلا ما تجد أكاديميا واحدا في أمريكا اليوم، يقبل التعلات الاسرائيلية»، مضيفا أن الجامعيين ورجال العلم والمعرفة هناك لا يمكن أن يكونوا في قبضة الدعاية والادعاءات الاسرائيلية. قلت له في سؤال آخر : ما هو موقفكم كجامعيين في «نيويورك» أين حيكت خيوط الحرب وأين تجاوز قرار الحرب القرار الأممي، من العودة الأمريكية الى الأممالمتحدة بعد أن تجاوزها البيت الأبيض وخرق اعلان الحرب قراراتها وميثاقها؟ نحن مبدئيا ضد الحرب، فليس لنا أن نقبل النتائج لأننا لم نقبل أصلا الأسباب التي أدت الى الحرب، فالأغلبية عندنا لم يقنعهم لا بوش ولا خطابه حول المسألة. وعن سؤال آخر حول تداول الحزبين «الديمقراطي» والجمهوري، بحيث تصل الاعتداءات على العرب اوجها مع الجمهوريين، فيأتي عندها الديمقراطيون «يلطّفون» الاجواء، ثم تعود التحديات الامريكية للعرب اقوى مع عودة الجمهوريين، وكأن في المسألة تداولا يكون وفقها هذا الطرف «مغامرا» وذاك الطرف «حكيما» بخصوص قضايانا، قال الاستاذ «انتليس» ان امر حرب اخرى، وانت تقصدين بلدا عربيا آخر بعد العراق في المنطقة، لان الحرب مكلفة لواشنطن وثمنها مرتفع، وهنا اقول هذا بعيد عن الايديولوجيا والافكار التي يمكن ان تنبع من واقع معيّن، فالمشكلة اقتصادية فلا «الديمقراطي» ولا «الجمهوري» كرئيس قادم لأمريكا قادر على تحمّل او تحميل الميزانية حربا اخرى على المستوى المنظور على الاقل، لكن اعيد وأقول مستحيل أن تعاد مغامرة جديدة، مغامرة حرب جديدة تقوم بها امريكا لانها ستكلف البلد ثمنا غاليا. وهنا واصل الاستاذ «انتليس» حديثه عن الموقف الامريكي في مستوى المثقفين والجامعيين بالقول ان المناخ العام في الولاياتالمتحدةالامريكية هو ضد الحرب، وان احداث الحادي عشر من سبتمبر غيّرت الكثير من الاشياء في امريكا، ففي مستوى العقلية مثلا يرى العديدون ان المغامرات العسكرية مثل حربي العراق وافغانستان هما اللذان سينميان الارهاب ويغذّيانه، ويرى ان الحربين مغامرة لأنهما يستغلان خوف الناس من الارهاب. وكشف استاذ العلوم السياسية بمدينة «نيويورك» عن اعتقاده الشخصي ان بوش سوف يخسر الانتخابات مؤكدا بعد سؤال ان القضايا الخارجية التي تهتم بالسياسة الخارجية الامريكية نراها اليوم ولاول مرة تدخل ضمن معادلة التنافس على البيت الايبض، وذلك ليؤكد مرة أخرى ان امريكا تغيّرت وان الحرب على العراق كما العولمة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر تعدّ معطيات جديدة اسهمت الى حد بعيد في تغيير وجه الحملة الانتخابية الرئاسية ومضمونها. وعن مرشح الديمقراطيين «جون كيري» قال محدثي انه رجل وفاق تماما كما يرى عديد الامريكيين الرجل، مشيرا الى ان كيري يتمتع بخصال تجعله غير متطرّف، فهو ثري ماديا، ويملك كل المظاهر الثقافية واكاديمي جامعي وليس رجل شارع وصل بالصدفة، وهو يمثل الوجه المعتدل للحزب الديمقراطي، وقال ان كيري اذا فاز بالانتخابات وأراد النجاح في مهمته عليه ان يختار «هواردين» نائبا للرئيس. اما بخصوص المنطقة العربية فقد شدد الاستاذ «انتليس» على انه سعد كباحث بالتقرير حول التنمية العربية الاول والثاني، ورأى انها ابحاث وأرقام مهمة صيغت بأياد ومجهودات عربية، تنظر الى القضايا بعين مجردة اكاديمية بحثية عربية بعيدا عن شماعة اسرائىل.