قررت ريم ان تتخلى عن حملها بعد صراع نفيس مرير شاركها فيه زوجها، واختارت الاجهاض عن انجاب توأم بعد الطفلين الاولين، وتعددت اسباب هذا الخيار منها ما يتعلق بغلاء تكاليف انجاب طفل وحيد في تونس فما بالك بطفلين ومنها ما يتعلق باستحالة التوفيق في تربية اربعة ابناء والعمل كمربية. ولا تنفرد ريم باتخاذ قرار الاجهاض للتخلي عن التوأم بل ان احلام اتخذت نفس القرار رغم انه الحمل الاول لها بسبب عدم قدرتها على تحمّل تكاليف الطفل بعد سنة من الزواج لازالت تحاصرها فيها ديون الزفاف. وهاتان الحالتان ليستا استثناء ولا قاعدة بل ان الفكرة السائدة اليوم هي ان انجاب الاطفال لم يعد مسألة سهلة رغم انهم زينة الحياة الدنيا. وقد دفعت سيدة ما يناهز 18 الف دينار ثمن انجاب طفل عن طريق الانبوب. «الشروق» قامت بالتحقيق التالي لتقف عند التكاليف المادية والنفسية لإنجاب طفل في تونس للأم من جهة وللوالدين بصفة عامة؟ تحقيق: نزيهة بوسعيدي ** الأمومة غالية لكن تكاليفها باهظة: شهادات أمهات أصبحت المرأة التونسية اليوم مطالبة بدفع الكثير من صحتها وأعصابها ومالها لأجل انجاب طفل واحد يسمعها كلمة «أمي» ويجعلها تشعر بمزيد الرغبة في مواصلة الحياة لأجله ولأجل اسعاده. ومن بين النساء اللاتي رغبن في انجاب طفل ودعون الله أن يمن عليهن به عاشت هندة تنتظر الحدث ولما كان الحمل بدأت المعاناة والمصاريف تتتالى فهذا الطبيب يطلب مبالغ خاصة لمتابعة حملها وعلاجها وهذا جسمها بدأت تظهر عليه ملامح التعب والمرض الذي يصيب الحوامل حتى أصبحت مضطرة الى الاستعانة بالمعينة المنزلية لتتضاعف التكاليف ولما اقترب موعد الولادة اصطحبت زوجها للقيام بجولة عبر محلات بيع ملابس المواليد الجدد فما راعها الا انه يلزمها معدل 250 دينارا لشراء لوازمه الاكيدة. فاحتارت بين توفير ثمن الولادة وثمن ملابس الطفل وبين ملابسها هي التي تغيرت بظهور بطنها فأصبحت تشتري ملابس مخصصة للحوامل وهي قليلة وباهظة في نفس الوقت وانضافت اليها ملابس وحاجيات النفاس. وأمام صحتها التي ضعفت مع الولادة نصحها الطبيب بأغذية خاصة وفيتامينات كالكبد والسمك والخضر والغلال وهي أكلات تتطلب مصاريف باهظة. ولا تختلف حكاية هندة عن حكاية هادية التي أنجبت طفلتها الثانية الا في المصحة الخاصة وهو ما زاد الطين بلة فكان ثمن الولادة القيصرية ألفا و600 دينار يتطلب منها التحكم الشديد في ميزانيتها لتوفيره. أما السيدة نجلاء فقد اضطرت الى الحصول على قرض للولادة بالمصحة الخاصة نظرا لخصوصية حالتها. وعموما لو قمنا بعملية حسابية لانجاب طفل في تونس فإنه حتما سنصل الى معدل ثلاثة آلاف دينار وهو مبلغ لا يقدر عليه الكثيرون في تونس مما يدفع بالأمر الى اللجوء الى استعمال موانع الحمل والاجهاض في حالة حدوثه وكم هن كثيرات اللاتي يجهضن اليوم بسبب التكاليف. ونشير الى ان هناك أسباب أخرى تجعل المرأة تلجأ الى هذا الحل وهو التمزق بين المنزل والعمل خارجه وصعوبة تربية الطفل الذي يتطلب مصاريف اضافية من حليب وأكل وملابس وحضانة وطبيب خاصة في ظل صمت الأطراف المعنية وعدم اقدامها على البحث عن حلول كفيلة بالمساعدة على الانجاب لاسيما منها الترفيع في منحة الابناء والضغط على تكاليف انجابه وتمتيع المرأة بحق الحصول على منحة كاملة أثناء الوضع. ** الدكتور فتحي زهيوة: بين ألف و18 ألف دينار لأجل عيون الطفولة تحدث الدكتور فتحي زهيوة اخصائي في طب التوليد الاصطناعي بمستشفى عزيزة عثمانة عن تكاليف الانجاب منذ بداية الحمل الى يوم الولادة. فأفاد انه بالنسبة للحمل العادي فإن المرأة مطالبة بمعايدة الطبيب مرة في الشهر لمراقبة الحمل فتدفع في حالة العلاج بالمستشفى الحكومي عن طريق البطاقة 4 دنانير في كل زيارة وتدفع في حالة العلاج في العيادة الخاصة مبلغا قدره 30 دينارا. وأشار الى انه في العيادات الخاصة تتراوح التكلفة بين 25 دينارا و35 دينارا. وأضاف ان مراقبة الحامل تتطلب تحاليل تقوم بها المرأة وقد تصل الى 70 دينارا اذا كانت كاملة. كما تدفع المرأة بعض المصاريف الاضافية لشراء فيتامينات تساعد على نمو الطفل وتحافظ على صحة المرأة. ولم ينس الدكتور الإشارة الى انه ثناء الحمل يصبح جسم المرأة اقل مناعة في مواجهة بعض الامراض ك «الريب» فتضطر الى أخذ ادوية مسكّنة لمساعدتها على تجاوز المرض. ويصل الامر بالمرأة التي تلد بالمستشفى الى دفع قرابة 80 دينارا للولادة العادية و200 دينار للولادة القيصرية. طفل الأنبوب ذكر الدكتور زهيوة ان انجاب الاطفال عن طريق التلقيح الاصطناعي يتطلب الصبر والمواظبة لإعادة التلقيح في حالة عدم نجاحه. وتتطلب العملية الكثير من المال في الادوية المستعملة حيث تصل الى الف دينار في بعض الحالات وفي حالة التجربة الواحدة. وتصل الى 18 الف دينار عند القيام بها ثمانية مرات مثلما حدث مع سيدة لجأت حتى للتداوي بالخارج. وقال: ان نعمة انجاب الاطفال لا تضاهيها نعمة لذلك يعيش مع هذه الحالات في حالة شوق لحدوث الحمل في كل لحظة. وذكر ان هذه النوعية من الولادات يلجأ فيها الطبيب دائما الى العملية القيصرية تفاديا لأي خطورة على الحامل وهو ما يزيد في تكاليفها. ** الدكتور بوبكر زخامة (رئيس غرفة المصحات الخاصة) : الولادات تحدّد التعريفات والطبيب صاحب القرار سألت «الشروق» الدكتور بوبكّر زخامة رئيس الغرفة النقابية الوطنية للمصحات الخاصة حول تكاليف الولادات بالمصحة الخاصة فأفاد أن التكاليف قد تختلف من مصحة إلى أخرى لتكون أرفع أو أقل لكن يمكن القول أن معدل التعريفة بالنسبة للولادة العادية تتراوح بالنسبة لكلفة المصحة والطبيب والمبنّج بين 550 دينارا و650 دينارا. وفي ما يتعلق بالنوع الثاني من الولادات المتمثل في الولادة بدون آلام أي بواسطة الإبرة المسكّنة للألم والأوجاع تتراوح التعريفة بين 750 و900 دينار. أما النوع الثالث المتمثل في الولادة القيصرية فهي الأغلى ثمنا حيث تتراوح بين 1200 دينار الى 1500 دينار بين كلفة الطبيب والمصحة والإطار شبه الطبي. وأشار الدكتور الى أن هذه التعريفات ليست قاعدة تعتمدها المصحات الخاصة بل هي أنسب التعريفات الموجودة. وباعتباره صاحب مصحة خاصة ورئيس الغرفة النقابية سألناه حول الاتهام القائل بأن المصحة الخاصة تنتقل مباشرة الى العملية القيصرية عند مخاض المرأة للحصول على أكبر تعريفة ممكنة رغم أن حالة المرأة لا تتجاوز الولادة العادية، فأجاب الدكتور أن المصحة الخاصة لا علاقة لها بقرار نوعية ولادة المرأة بل الأمر بيد الطبيب فهو وحده الذي يقرّر نوعية الولادة حسب حالة الحامل. وأضاف : «أنزّه الأطباء عن الإقدام على أخذ قرارات لا تلائم صحة المرأة لأن شرف المهنة يحول دونه ودون هذا الصّنيع ولكن السبب الذي يدفعه الى اتّخاذ قرار كهذا إنما هو الخوف من مخاطر لا تلائم صحة المرأة ولا صحة الجنين حيث يضطرّ الى اللجوء الى الولادة القيصرية لإنقاذ الاثنين». واستشهد بأن بعض الحوامل لا يتحمّلن المجازفة كأن تكون متقدّمة في السنّ والطفل الذي ستنجبه هو آخر أمل بالنسبة إليها وفي هذه الحالة يصبح التدخل الجراحي أفضل حلّ ولا خيار غيره. واعتبر أنه في بعض الأحيان يجازف الطبيب لمتابعة الولادة لتتمّ بصفة عادية ولكن ذلك يتطلب خبرة طويلة وحنكة في التعامل مع الحالة وإذا كان الطبيب لا يتمتع بالخبرة الكافية التي تخوّل له المجازفة فهو مجبر على القيام بالعملية القيصرية. ** السيد عادل بن عمّار: الكلفة باهظة والأمّ مسؤول أول أفاد السيد عادل بن عمّار رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بتونس ان ارتفاع ثمن ملابس الاطفال يعود الى كلفة الاعداد والصنع في مرحلة اولى ذلك ان ملابس الاطفال تتطلّب نوعية جيّدة من القماش المستعمل نظرا لخصوصية جسم الطفل الصغير الذي لا يستطيع تحمّل اي نوعية. وأضاف ان ملابس الاطفال من جهة أخرى تحتاج الى اكثر زينة وحذق في التفصيل وتنضاف اليها عديد الجزئيات لتصبح اكثر جمالا كالطريزة وغيرها. واعتبر ان الام اليوم ايضا مسؤولة عن غلاء ملابس اطفالها لانها بحكم خروجها للعمل لم تعد قادرة على خياطة وحياكة ملابس المولود الجديد بيدها كما السابق لتوفّر على نفسها تكاليف اللباس الجاهز خاصة ا لمتعلّقة بالملابس الصوفية والملاحف المطرّزة باليد. وأشار الى أن المرأة من جهة اخرى صارت تدلّل اكثر ذلك ان ارتفاع مستوى العيش جعلها تفكّر دائما في شراء الافضل لابنها الصغير وتطالب بالجودة والجمال وهو امر مكلف بالنسبة للتاجر. وحول عدم انخراط تجار ملابس الاطفال في «الصولد» بالصفة الكافية لتوفير فرصة شراء بأسعار ملائمة قال: «ان السبب الذي جعل هؤلاء التجار لا ينخرطون انما هو عيد الفطر الذي تمكنوا فيه من اخراج الكثير من السلع الشيء الذي جعلهم لا يقبلون على الانخراط في الصولد. واعتبر ان تجارة ملابس الاطفال معنيّة كغيرها بالانخراط وسوف يتم العمل في المستقبل على مزيد حث التجار على ذلك نزولا عند رغبة المواطن، لأن الهدف من اقرار سنّة الصولد هو اضافة كل سنة نوع جديد في السوق يحتاجه المواطن ويطلبه.