نظم ديوان الصناعات التقليدية يوم الجمعة الفارط بقصر المعارض بالكرم ندوة قيمة تطرق فيها مختصون وباحثون من بلدان المتوسط إلى إشكالية التنوع القافي، وتنمية الابتكار في قطاع الصناعات التقليدية. الندوة التي أشرف على افتتاحها وزير السياحة والصناعات التقليدية وساهم في اثراء محتواها ممثلون عن تون وفرنسا والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا ومالطا واليونسكو أثارت عدة قضايا ومسائل من أبرزها كيفية تطوير الابتكار في الصناعات التقليدية والمحافظة على الموروث الثقافي والتقليدي في آن واحد. ضوابط ولأن هذه الصناعات تعتبر حاليا السلاح الذي تستخدمه البلدان النامية في مواجهة العولمة في بعديها الثقافي والاقتصادي، شدد عدد من المتدخلين على دورها في صيانة الذات الثقافية، ودعم التواصل والتقارب بين الشعوب، لكن ماذا عن الابتكار الذي يعد العمود الفقري لكل تنوع ثقافي وتعدد في أنماط المعالجة الحرفية لمختلف الاختصاصات المهنية. وهل يكفي تقديم الحوافز والتشجيعات والاستثمارات التي لا مثيل لها في البلدان المتقدمة نفسها ليتحول الابتكار إلى ظاهرة ثقافية ومعرفية قائمة بذاتها بعيدا عن المفاهيم الخاطئة والمزج المغلوط بين التراث والحداثة. الأستاذ الناصر البقلوطي من المعهد الوطني للتراث وضع اصبعه على مكمن الداء قائلا: «المعارض بمثابة مخبر تصنع فيه الابتكارات والتجارب والأفكار في ميدان الصناعات التقليدية حيث يتوفر للحرفي هامش كبير من الحرية لابتكار ما يريد، لكن هذا ينفي وجو ضوابط محددة أهمها الانطلاق من الموروث ثم تطويره في شكله ومحتواه بشكل يستجيب للوظائف العصرية». وأضاف موضحا المفارقة التي سقط فيها بعضهم: «يعتقد كثيرون ان الابتكار هو استحداث وخلق من لا شيء مع أن المراد به في الصناعات التقليدية الاستفادة من الموروث التاريخي أولا ثم الانطلاق نحو آفاق الحداثة والعصر بعيدا عن مسخ الهوية الحضارية للشعب أو تهديد الصناعات التقليدية نفسها بالاندثار من جراء ضم حرف جديدة إلى الميدان رغم أنها حرف خدماتية بالأساس ولا علاقة لها بالصناعات التقليدية. لذا يجب التأقلم مع الوظائف المستحدثة سواء جماليا أو مهنيا دون أن تبتعد عن المخزون التراثي». وشدد محدثنا على ضرورة الاستفادة القصوى من الخصوصيات التراثية في الجهات. فهذا التراث الجماعي والمتواجد في كل شبر من تراب الجمهورية يتميز بثراء رهيب وغير مسبوق على جميع المستويات. وأضاف الأستاذ الناصر البقلوطي قائلا: «الخصوصيات الجهوية هي أساس الابتكار ويمكن الاستئناس بها وتطويرها وتحسينها من أجل النهوض بالقطاع. كما ان الصناعات التقليدية تحتاج لمرجعية ثقافية صلبة فلا وجود لصناعات تقليدية خارج التراث لكن هذا يعني إعادة انتاج الماضي بالمرة». الأصالة أولا وأكد الأستاذ الناصر أن الخلط في المفاهيم والممارسات راجع إلى ضبابية مفهوم الصناعات التقليدية لدينا. إذ بفضل الامتيازات التي تقدمها الدولة اعتقد بعضهم أنه يمكن تصنيف المهن الصغرى والحرف الخدماتية ضمن الصناعات التقليدية، ولم يفهم هؤلاء أن الصناعات المذكورة يجب أن تعود إلى التراث وتعتمد عليه للانطلاق باتجاه العصر الراهن، وبقدر ما يكون المنتوج متأصلا بقدر ما يقع تسويقه بسهوله. فالسائح يبحث عن ابتكارات وأعمال وبضائع متأصلة ثقافيا أو كما يقول المثل الشعبي «تونسي من قاع الخابية» وإذا حدث العكس اختلطت الأمور على السواح والمواطنين وأصبح حرفي عادي من المبتكرين في ميدان الصناعات التقليدية. مبادرات وفي السياق ذاته أكد بعضهم أن التنوع الثقافي لا يتحقق إلا بابتكارات تأخذ بعين الاعتبار المفهوم المحدد لطبيعة الصناعات التقليدية كمنتوج نابع من الموروث الضارب في القدم حفاظا على الهوية الثقافية لبلدنا من الاندثار. وإذا كان بعضهم يشكو من الضبابية في فهمه لطبيعة الصناعات التقليدية، فإن عديد المبادرات جاءت لدعم توجه قائم على صيانة الذات الجماعية والحفاظ على الحرف المهددة بالاندثار وتجذير فكرة الابتكار في عقول الحرفيين وتلاميذ المعاهد المختصة. وتعد الخمسة الذهبية من أبرز هذه المبادرات الرامية إلى المساهمة في اثراء مخزوننا من اللباس المستوحى من التقليدي بما يتماشى مع متطلبات الحياة اليومية العصرية. كما ينفرد الابتكار في كل دورة من دورات صالون الابتكار في الصناعات التقليدية بجناح خاص لعرض كافة الابداعات المشاركة في مختلف المسابقات وهو يضم مسابقة مفتوحة لطلبة معاهد الفنون الجميلة والحرف ومسابقة وطنية للابتكار وعرض لعينات من ابداعات أعلام الصناعات التقليدية سواء في النسيج الحائطي أو في سائر الاختصاصات ذات البعد التراثي والتقليدي.