كشفت احصائيات رسمية ان حجم تداين العائلات التونسية بلغ 3.2 مليار دينار وهو مبلغ مهول وفوق التحمّل رغم انه لم تتم الاشارة بالتفصيل إلى نسبة الديون المشكوك فيها في هذا المبلغ ولا إلى القطاعات التي تمّت فيها هذه الديون وما إذا كانت ديون السكن مشمولة في هذا الرقم أم لا باعتبار ان قروض السكن تأتي في مقدمة القروض المرغوب فيها والمتحصل عليها. وتعرّي هذه الأرقام استشراء سلوك استهلاكي غير رشيد أو غير عقلاني في الأسر التونسية اجتمع رجال الاقتصاد وعلم الاجتماع على اعادته إلى انتشار البيع الآجل الدفع أو ما يعرف بالبيع بالتقسيط الذي يبدو مريحا ولكنه ليس كذلك، والذي طال كل القطاعات الاستهلاكية بلا استثناء بما في ذلك الأدوية والاقامة في الفنادق والسفر إلى الخارج ونفقات الأعياد والمواسم. كما يعود ذلك إلى تزايد الرغبة في الانفاق بصفة غير مدروسة وتفوق مستوى الدخل لتغطية سلوك اجتماعي متزايد الانتشار يتمثل في التباهي والرياء في وقت يتقلص فيه انعكاس القيم والثوابت التي كانت ترفع شعار «على قدر كسائي أمد رجلي». ودون مغالاة فإن بعض المحللين يرون ان تزايد حجم الديون العائلية يكشف تراجع المقدرة الشرائية بما في ذلك في أوساط الطبقة الوسطى التي أصبحت تمثل قرابة 80 من السكان اضافة إلى ارتفاع الأسعار وتغير ترتيب الأولويات وهو ما جعل عديد المواد التي كانت تعتبر سابقا من الكماليات تتحول إلى ضروريات لا غنى عنها مثل السيارة العائلية والهاتف بقارّه وجوّاله والأجهزة الكهرومنزلية مثل الغسّالة ومكيّف الهواء وجهاز التقاط البرامج الفضائية، إضافة إلى عادات سلوكية غير استهلاكية مثل نفقات الدروس الخصوصية التي أصبحت عبئا ثقيلا على جلّ العائلات التونسية في كل مستويات التعليم بما في ذلك الأساسي إضافة إلى نفقات الترفيه التي ما انفكت تتحول إلى ثابت في سلوك التونسي وخاصة في فصل الصيف. وتطرح هذه الديون تساؤلات حول كيفية مواجهتها وتأمين التجار ومسديي الخدمات من انعكاساتها وأساسا من العجز عن التسديد وهو عامل هدّد عدة قطاعات انتاجية وتجارية مثل التجهيزات الكهرومنزلية والكل يتذكر الأزمة التي كادت تعصف بشركة «باطام» والتي كانت احدى أسبابها زيادة نسبة عدم استخلاص الديون. ويبدو ان مركزية الديون التي تم احداثها صلب البنك المركزي ستمثل الحلّ الأمثل لايقاف تيار التداين العائلي باعداد كشوفات مفصلة حول وضعية كل المواطنين وحجم الديون المتخلدة بالذمة وهو ما يدفع التجار إلى رفض التعامل وبالتالي «التورط» مع الأشخاص الذين بلغوا درجة من التداين تفوق الحدّ المسموح به والمتفق عليه وهو 40 من الأجر المتحصل عليه ولو ان نسبة هامة من التونسيين تجاوزت أو اقتربت من هذه العتبة خاصة وان أغلب العائلات معنية بقروض السكن والسيارة والتجهيزات المنزلية ويرى عديد من المحللين الاقتصاديين ان الحزم في التعامل مع أصحاب الديون سيؤدي في النهاية إلى ارباك الحركة التجارية والاقتصادية التي تشكو مند فترة طويلة من الركود ونقص السيولة.