الدوحة: الشروق فيصل البعطوط قطع مجلس التعاون الخليجي ، ومنظمة حلف شمال الاطلسي الخطوة الاولى في طريق شراكة ، بدات في شكل ندوة فكرية ، احتضنتها العاصمة القطرية مؤخرا.. ولم يتضح خلال يومين من النقاش بين دول «الناتو» (الحلف الأطلسي) ومضيفيهم شكلا محددا للعلاقة المنشودة ، لكن الفرصة كانت مواتية لاطلاق زوبعة فكرية حول امال ما يمكن ان يصبح عليه الوضع عندما تنضج الافكار.. وقد بادر وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني بالتوضيح ان ندوة (تحولات «الناتو» والامن في الخليج) التي نظمتها دولة قطر بالتعاون مع مؤسسة راند الامريكية ، ليست سوى بداية حوارقد يفيد الطرفين وان الحديث من الآن عن عضوية خليجية في «الناتو» امر سابق جدا لاوانه.. وفي المقابل ، قال السكريتير العام للسياسات والأمن في منظمة حلف شمال الاطلسي غينشر التنبرغ للشروق انهم لم ياتوا الى هذه البقعة من العالم لفرض شيء ما بقدر ما نسعى الى معرفة هموم دول المنطقة من اجل تعاون مثمر.. لكن المتحدث لم يخف غبطته بالمبادرة القطرية ، حتى وان تغيبت عنها المملكة العربية السعودية، لاسباب لم يشأ احد اعلانها.. اشارات متقاطعة وكانت اشارة ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني الذي افتتح الندوة الى «الاهمية الاستراتيجية للمنطقة باعتبارها مستودعا لاكبر مخزون للنفط والغاز في العالم ، كافية للتدليل على السبب الذي يدعو منظمة مثل «الناتو» للبحث لها عن موقع قدم هنا.. بالاضافة الى حديثه عن التحديات الامنية ، وفي مقدمتها الارهاب ، وهي عوامل محددة في تمدد عين «الناتو» شرقا بعد ان ضرب الارهاب جهات العالم الاربع من واشنطن الى مدريد ، مرورا بدول الشرق والغرب حسب تعريف المشارك التركي احمد اوزومكو..لكن ومع الصبغة الاكاديمية التي ظهرت بها ندوة الدوحة ، فانها قد تتحول الى قرار ملموس في قمة اسطمبول المقبلة حسب تخمين الاستاذ الجامعي المغربي حسن رحموني ، الذي يرى ان «الناتو» يبحث عن تضامن ميداني خارج اوروبا لحصره في التعاون العسكري والاستراتيجي بهدف معلن يتلخص في تطويق الارهاب ، وليس من اجل توسيع العضوية.. لكن رحموني يستطرد قائلا ان الهدف غير المعلن من رغبة الحلف في التمدد هو احتواء الخطر الاسيوي المقبل..و يضيف ان الولاياتالمتحدةالامريكية هي التي تقود هذا التوجه تحت يافطة مكافحة الارهاب... اما الدكتور مصطفى العاني ، مستشار الشؤون الامنية في المعهد الملكي البريطاني للدفاع والامن ، فيرى ان حوار «الناتو» مع جنوب حوض المتوسط قام في اواسط التسعينات لاسباب جغرافية وبسبب مشاكل امنية مثل التهريب باشكاله.. ويستطرد ان الحديث عن التوسع الجديد تحكمه فكرة قيام منظومة جديدة تسمى (اوروبا زائد الشرق الاوسط).. ويؤكد ذات التوجه سفير ايطاليا لدى «الناتو» موريزيو مورينو الذي قال للشروق ان الكلام الان عن مبادرة جديدة ياتي لتوسيع الافق.. ولقياس امكانيات «الناتو» في لعب دور اكبر على مساحة اكبر وفي ظل تحديات امنية اكبر.. ويتمنى السفير الايطالي ان تتكرس مناقشات الدوحة في قمة اسطمبول حيث ان الفكرة قابلة للتطور _حسب رايه-. ورغم ان ولي عهد قطر دعا الى نهج تعاوني مع «الناتو» يقوم على الاحترام المتبادل ويبتعد عن الفرض والهيمنة..وهو ما اكد عليه غينشر ايضا.. فان ذلك في حد ذاته يشي بنوع من التوجس الذي قد يكون وزير خارجية قطر قصده باشارته الى التحليل التآمري لبعض العرب.. وهو ما يجد صداه بالفعل لدى الاكاديمي المغربي حسن رحموني وهو يقول ان «الناتو» اداة لتكريس الهيمنة الامريكية في المنطقة.. ويضيف ان توجسا عاما يوجد في الوجدان الشعبي العربي من مثل هذه الخطوات لاسيما وان قضية فلسطين مازالت عالقة.. ويشترط رحموني لتمرير هذه الافكار ، حل القضية الفلسطينية اولا .. لان اي عمل غربي سوف يقابل بالريبة..و يلخص مشارك فرنسي - فضل الاحتفاظ بهويته - مسار النقاش في الجلسات المغلقة على انه حمل تناقضا واضحا بين الطرح العربي وبين الطرح الامريكي، وهو بدوره يلقي الضوء على تناقض فرعي اخر بين اعضاء «الناتو» الحاليين انفسهم.. احتمالات فعلاوة على الهيمنة الامريكية التي جرى بها لسان اكثر من متدخل، فان فكرة تكوين جيش اوروبي يعمل بعيدا عن مظلة «الناتو» اطلت برأسها من وراء حوار الدوحة..و يعتقد مصطفى العاني ان التوسع جنوبا سوف يقلل من تركيز «الناتو» على اوروبا ، مما سيبرر فكرة الجيش الاقليمي الاوروبي التي كانت واشنطن قد رفضتها.. ويرى العاني ان الاوروبيين سيجدون من تحول منظمة حلف الاطلسي الى منظمة دولية، حجة لبعث الجيش البديل الذي يحافظ على امن اوروبا بشكل اخر.. لكنه يستطرد ان فكرة الجيش البديل لم تنضج بعد ،، رغم انه يتوقع ان تكون قمة اسطمبول في جوان المقبل ، حاسمة في هذا الاتجاه..و يلاحظ حسن رحموني من خلف الكلمات ومن تحت السطور _كما يقول- ان ليس هناك انسجاما بين اعضاء «الناتو» عشية قمة اسطمبول.. ويعود رحموني للتذكير بموقف فرنسا المقاوم للهيمنة الامريكية على الحلف منذ الستينات ثم يستقرئ الحضور الفرنسي المكثف في ندوة الدوحة ، ويحاول ان يعبر منه الى خلاف فرنسي امريكي متواصل ،، لكن مسؤولا فرنسيا يرى ان قيام القوة الاوروبية ممكن بجيوش محلية.. لكن النشاط داخل «الناتو» يجب ان يستمر.. ويتمايز عن هذا الموقف رغم ديبلوماسيته ، موقف السفير الايطالي لدى «الناتو» الذي ينفي تماما وجود هيمنة امريكية على المنظمة، ويقول ان القرارت تتخذ بالاجماع ، وان «الناتو» تحالف للدول الديموقراطية ولا يقع تحت التوجيه الامريكي.. وحول سبب بحث منظمة حلف شمال الاطلسي عن موقع قدم لها في الخليج العربي ، في حين ان كثيرا من اعضائها يرتبطون باتفاقيات امنية ثنائية مع دول الخليج ، قال موريزيو مورينو ان ما يحدث الان هو محاولة لايجاد علاقة متعددة الابعاد يكون لها اثر اقوى من العلاقات الثنائية الابعاد..و اشار الى تعاون بين الاتحاد الاوروبي وحلف «الناتو» مع تقسيم للادوار. و تظل ندوة الدوحة مجرد تفريخ للافكار ودراسة آفاق التعاون بين الجانبين مع التركيز على التحولات الاقتصادية والسياسية والامنية والجيوبولوتيكية..كما يقول منسق الندوة ، السفير القطري محمد جهام الكواري.. في حين يتحدث امين عام مجلس التعاون الخليجي حمد بن عبد الله العطية في محاضرته عن تدويل الامن في الخليج.. وهو ما يعني ان الهاجس الامني مسيطر بشكل واضح على طرفي الحوار، بل لعله القادح الاول لفكرة فرختها ضرورات العولمة . وسواء كانت واشنطن هي التي تقودها او ان الجميع مضطر للانخراط فيها طوعا، فان حلف شمال الاطلسي بات على شفا اختيارات جديدة قد تغير من شكله ومن مضمونه باتجاه تجاوز حدود اوروبا والاطلنطي ليصبح منظمة امنية دولية تذوب فيها كل التناقضات الاقليمية ، شرقا او غربا..