تنطلق اليوم عملية التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2004، ولعل اهم ما يميّز المجتمع التونسي حاليا هو تراجع خصوبة النساء اللاتي في سن الانجاب الى ما دون المعدل العام الضروري لتجدد الاجيال وهو ما يؤثر على مستوى النمو الديموغرافي وعلى تطوّر عدد السكان في المستقبل. «الشروق» التقت السيد احمد المزوغي المختص في البحوث الديموغرافية والاجتماعية بالديوان الوطني للاسرة والعمران البشري الذي تحدث عن اسباب هذا التراجع وآثاره على التطوّر السكاني في تونس. بالاستناد على نتائج بحث ميداني حول اسباب انخفاض الخصوبة في تونس انجزه الديوان بالتعاون مع الجامعة العربية وصندوق الاممالمتحدة للسكان. يقول هذا المختص ان تجدد الاجيال عموما يتطلب من كل امرأة ولودة ان تنجب على الاقل امرأة ولودة اخرى وهذا يعني ان على كل اربع نساء ان ينجبن خمس نبات حتى نحصل في النهاية على اربع نساء ولودات وحسابيا ينطبق هذا الوضع على النساء في تونس في الوقت الحالي باعتبار ان الانجاب عند نسائنا يتسم بالوسطية اي ان كل ثماني نساء ينجبن عشرة اطفال نصفهم ذكور ونصفهم الآخر إناث. ويعادل معدل الانجاب هذا بلغة الارقام 2.1 طفل لكل امرأة ولودة وهو الحد الادنى للخصوبة الذي يسمح بتجدد الاجيال ونساؤنا حاليا في مستوى هذا الحد الادنى بالضبط لكن الاكيد من خلال بعض المؤشرات ان خصوبة المرأة التونسية تتجه نحو الانخفاض بوتيرة بطيئة. ومن المؤشرات الداعمة لهذا التوجه هو تراجع عدد المواليد الذي كان في حدود 236 الف انجبتهم حوالي مليون امرأة في سن الانجاب سنة 1986 واصبح حاليا في حدود 160 الف مولود تنجبهن نحو مليون و350 الف امرأة متزوجة في سن الانجاب. ومقابل هذا الانعطاف الكبير نحو انخفاض الولادات الذي برز منذ نهاية الثمانينات يلاحظ ان هناك امتدادا في مؤمل سن الحياة الى حوالي 73 سنة وهو ما سيجعل عدد المسنين يتضاعف بعد 15 سنة من الآن ويصبح يمثل نحو 18 من عدد اجمالي عدد السكان. وأفاد اخصائي ديوان الاسرة ان مؤشر الخصوبة نزل الى دون المعدل المطلوب في بعض الجهات التونسية وخصوصا في اقليمتونس الكبرى وجهات الشمال الغربي وقال ان هذا النزول يعود اساسا الى كون هذه المناطق تتسم بأنها اكثر اندماجا في النمطية الحديثة للانتاج والاستهلاك سواء من الجانب المادي او من الجانب الثقافي. فهذه المناطق شهدت تفككا في البنى التقليدية قبل غيرها من مناطق البلاد التي بدأت هي ايضا تعرف زخما قويا من الاندماج في تلك النمطية شمل كل الفئات الاجتماعية. وتبعا لهذا الاندماج وما يجرّه من ديناميكية اجتماعية بدأت معالمها تظهر في بعض الظواهر مثل تأخر سن الزواج وغيرها فالمتوقع ان ينزل المعدل العام للخصوبة. وشدد السيد المزوغي على ان المنحى الذي ستأخذه حركة النمو الديموغرافي والسكاني في تونس والتي ستتم بالتطور البطيء في عدد السكان وتراجع عدد الولادات مقابل تزايد عدد المسنين بسبب الانخفاض التدريجي في مؤشر الخصوبة تمثل نتيجة موضوعية للتطوّر البشري بشكل عام وان كانت هذه الخصوصيات ظهرت مبكرا في مجتمعنا فلأن تونس سبقت بلدانا اخرى عديدة في اعتماد سياسة سكانية وسياسة واضحة للتحكم في النمو الديموغرافي منذ الستينات وحتى البلدان التي لم تعتمد مثل هذه السياسية فإنها ستصل في النهاية الى النتيجة نفسها ولو بعد فترة طويلة اي انخفاض في الخصوبة والتغير في الهيكلة العمرية للسكان. وذكر اخصائي الدراسات الديموغرافية ان تغير الهرم السكاني في تونس بالشكل المذكور يطرح تحديات جديدة على الهياكل العمومية المهتمة بالصحة والشؤون الاجتماعية التي يجب ان تدخل اصلاحات على منظوماتها حيث تتهيأ لاحتضان الاعداد المتزايدة من المسنين والاحاطة بهم من ناحية وللحفاظ على توازنات الصناديق الاجتماعية التي ستثقل اعباؤها جراء ازدياد عدد المسنين والمتقاعدين. كما يطرح تحدّ آخر على الجهات المعنية بالقطاع التربوي التي يتعين عليها التفكير في اساليب اخرى جديدة تسمح لها باستيعاب العدد القليل من الاطفال الذين سيولدون خاصة وان المدارس الحالية قد اعدت لاحتضان اعداد كبيرة من الاطفال. حيث ينتظر ان لا نجد المدارس الابتدائىة في غضون 5 او 6 سنوات اطفالا يؤمونها وخصوصا في المناطق الريفية باعتبار التضاؤل الواضح في عدد المواليد وتحديدا في عدد الاطفال في سن الدراسة.