إيداع المحامي مهدي زقروبة السجن    رئيس الجمهورية يركّد على ضرورة انسجام العمل الحكومي    قيس سعيّد: "لا وجود لأي مواجهة مع المحامين ولا أحد فوق القانون"    لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي تبحث تنقيح قانون التعليم الخاص    درجات الحرارة ليوم الخميس 16 ماي 2024    نمو مستمر للإسلام في فرنسا    يوميات المقاومة .. تحت نيران المقاومة ..الصهاينة يهربون من حيّ الزيتون    جلسات استماع جديدة ضد الصهاينة في محكمة العدل ...الخناق يضيق على نتنياهو    العدوان في عيون الصحافة العربية والدولية ..أمريكا تواصل تمويل حرب الإبادة ..دفعة أسلحة جديدة بقيمة مليار دولار    عاجل: بطاقة إيداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة ونقله إلى المستشفى    بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.. حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة    عقارب: أجواء احتفالية كبرى بمناسبة صعود كوكب عقارب إلى الرابطة المحترفة الثانية.    متابعة سير النشاط السياحي والإعداد لذروة الموسم الصيفي محور جلسة عمل وزارية    ينتحل صفة ممثّل عن إحدى الجمعيات لجمع التبرّعات المالية..وهكذا تم الاطاحة به..!!    الكشف عن شبكة لترويج المخدرات بتونس الكبرى والقبض على 8 أشخاص..    دعوة الى إفراد قطاع التراث بوزارة    أولا وأخيرا .. «شي كبير»    سليانة: إلقاء القبض على سجين بعد فراره من أمام المحكمة    صفاقس: اشتباكات بين المهاجرين غير النظاميين فيما بينهم    القرض الرقاعي الوطني 2024: تعبئة 1،444 مليار دينار من اكتتاب القسط الثاني    البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقّع انتعاش النمو في تونس    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    الديوانة تطلق خدمة التصريح بالدخول الخاص بالإبحار الترفيهي    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    مجلس عمداء المحامين يصدر بيان هام..#خبر_عاجل    في اليوم العالمي للأسرة: إسناد 462 مورد رزق لأسر ذات وضعيّات خاصة ب 15 ولاية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    لاعب الأهلي المصري :''هموت نفسي أمام الترجي لتحقيق أول لقب أفريقي ''    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ: إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق 7 أشخاص    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    وزير الرياضة في زيارة تفقديّة للملعب البلدي بالمرناقية    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمادي الرديسي وزياد كريشان و حازم الأمين يشنان هجوما عابراً للقارات على النهضة في صحيفة "الحياة"
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 03 - 2012


حمادي الرديسي: أرادوا السلطة... كل السلطة
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية الكاتب حمادي الرديسي هو أحد الوجوه ال «لائكية» في تونس. ويعتبر أن العلمانيين خسروا المعركة ضد الإسلاميين في تونس، لكن التونسيين، كما يقول، صوتوا للنهضة على نحو غير حاسم، والنسبة التي لم تصوت للحركة ولم تصوت لغيرها هي الأكبر، والمعركة المقبلة ستكون بهدف دفع هؤلاء إلى صناديق الاقتراع. وهنا نص حديث مع الرديسي:
هل أجريتم تقييماً لنتائج الانتخابات التي فازت فيها النهضة بنحو 40 في المئة من الأصوات؟
- القطب الديموقراطي العلماني خلص إلى نتيجة مفادها أن الخطاب العلماني لم يساعدنا في المعركة الانتخابية. نعم، فكرة العلمانية خسرت الشوط هذه المرة.
هل يعني ذلك أن النهضة ستغير هوية الدولة والمجتمع في تونس؟
- النهضة الآن ستحاول نقل المجتمع لكنها لن تستطيع، وأمامها خياران، إما النموذج التركي وإما الصدام مع المجتمع. لن يصبح المجتمع إسلامياً وهم سيحاولون وسيدخلون في التفاصيل لكنهم لن ينجحوا.
لكن التونسيين هم من انتخبوا النهضة؟
- من صوّت في الانتخابات عموماً كانوا 52 في المئة من التونسيين، أي أن هناك 48 في المئة لم يصوتوا. وعندما يمتنع إنسان عن المشاركة في الانتخاب فذلك لاعتقاده أن السياسة لن تغير حياته، ولكنه عندما يشعر بأنها ستفعل ذلك عندها سيتدخل.
اليوم الشعور العام بعد تشكيل الحكومة هو أن الناس اصطدموا بحقيقة أن النهضة أجرت محاصصة. الناس يشعرون بأن هناك من تم انتخابهم على أساس أخلاقي وها هم اليوم يغرقون في المغانم. وهذه بداية.
وماذا عن برنامجهم الاقتصادي؟
- من الواضح أن ليس لديهم برنامج اقتصادي لا بل إنهم أقرب إلى السياسة الاقتصادية التي كان ينفذها بن علي. هم مهتمون بحيازة السلطة فقط، فبعد الانتخابات مباشرة وقبل صدور النتائج في شكل رسمي أعلن حمادي الجبالي أنه الوزير الأول، وبعد ذلك حصلت مفاوضات مع المعارضة واشترطت الأخيرة أن لا يدير الجبالي الحكومة وأن تتولى المهمة شخصية تكنوقراطية، فرفضوا وأصروا لأن ما يعنيهم هو السلطة. لقد اختاروا أن يكونوا السلطة كل السلطة، ونظرة سريعة إلى الحكومة تؤكد ذلك.
كريشان: لا نخاف منهم... لكنهم سيحاولون
تعتبر صحيفة «المغرب» التونسية الصوت الأبرز الجديد المعترض على تحالف «ترويكا» الحكم في تونس. يكتب في الصحيفة أبرز المثقفين التونسيين، خصوصاً العلمانيين، لكن أيضاً من بينهم كتاب إسلاميون من خارج «حركة النهضة». هنا حديث مع رئيس تحرير الصحيفة زياد كريشان وهو الذي تولى إعادة هيكلتها وإصدارها:
هل تخاف على تونس من حركة النهضة الإسلامية؟
- ليس الخوف هو التعبير الدقيق عن قصتنا مع حركة النهضة. اليوم التونسي لا يخاف، وهذا أمر ليس إيجابياً دائماً، لكن الخوف على البلد منهم أمر قائم، فما يجري الآن هو انزلاق عن المهام التي حصل حولها إجماع. فقد كان من المفترض أن تجرى انتخابات رئاسية قبل كل شيء، ووقفت القوى الجديدة ضد هذا الأمر، وأرادوا أن يؤسسوا جمهورية جديدة بالكامل، وقليلة هي القوى التي اعترضت على ذلك. حتى الآن لا بأس، لكن ما جرى بعد الانتخابات أن النهضة وحلفاءها شعروا وكأن السلطة قد تأسست مجدداً. فتقاسموا الحصص على هذا الأساس. لا كلام نهائياً عن أننا في مرحلة تأسيسية، فالمهم كان تقاسم الحصص. ومسألة تحديد مدة زمنية لهذا المجلس التأسيسي تم تجاوزها. فتخيلوا أننا حيال هيئة منتخبة غير مضبوطة بمدة زمنية.
هل تعتقد أن «النهضة» ستنجح في إدارة تونس، اقتصادياً مثلاً؟
- أنا أعتقد، وجزء من اعتقادي معلومات، أن لديهم نظرة مالية للاقتصاد. الاقتصاد بالنسبة إليهم أموال، والتعويل هو على المساعدات الخارجية والخليجية منها تحديداً، ويبدو أن وزير الخارجية الجديد سيكون له دور على هذا الصعيد. لكن الاقتصاد ليس أموالاً فقط، فنحن مرتبطون بالاقتصاد الأوروبي على نحو كبير. أوروبا شريكنا في قطاع النسيج الذي يشغّل نحو 220 ألف عامل. وفي بداية دخول البضائع الصينية إلى السوق الأوروبية تمكنت الصناعة التونسية من حجز مكان للكميات الصغيرة فارتفع الرقم إلى 250 ألف عامل. نافسنا بالكميات الصغرى وبالقرب الجغرافي. في السياحة هناك 400 ألف عامل وفي قطاع الصناعات الميكانيكية هناك 120 ألف عامل. وهذه كلها وجهتها أوروبا، وعلاقة سيئة مع أوروبا ستنعكس علينا مباشرة.
لكنهم قد ينجحون في الحد من الفساد الذي لطالما هدد الاقتصاد التونسي؟
- الفساد أثناء حكم بن علي كان في رأس الهرم، في حين لم تكن الإدارة التونسية فاسدة في مجملها. اليوم بدأ الفساد يتسلل إلى المستويات الدنيا بسبب ضعف السلطة. وبسبب عدم وجود مركز واضح للسلطة صار من السهل التراضي عبر الحصص.
لمن كان الدور الأكبر في تشكيل الحكومة في تونس؟
- الدور الأكبر لعبه الشيخ راشد الغنوشي، علماً أن لا صفة له تخوله لعب هذا الدور، فهو يتصرف وكأن له منصباً رابعاً فوق كل المناصب، والجميع يعلم أن المفاوضات حول تشكيل الحكومة كانت تجرى معه.
الغنوشي مرشداً وتونس الجديدة واثقة من عدم قدرة النهضة على ابتلاع ثورتها
تونس – حازم الأمين
لا يبدو أن الاستثمار السريع في الثورة التونسية، والذي تمكنت حركة النهضة الإسلامية من القيام به، سيكون استثماراً طويل المدى. فالحركة التي نجحت بالفوز بنحو 40 في المئة من مقاعد المجلس التأسيسي، والتي سمي الشخص الثاني فيها، حمادي الجبالي، رئيساً للحكومة، وهو الموقع التنفيذي الأول في تونس الجديدة، التقطت برشاقة قشرة التحول التونسي لا جوهره، فتمكنت من توظيف رغبة التونسيين في القطع مع التجربة السابقة، وقدمت لهم خياراً جاهزاً للانتقال منها إلى مرحلة جديدة، هذه الحركة صُورت وكأنها ممثلة وحيدة للضائقة التونسية المتشكلة بفعل سنوات من العيش في ظل نظام زين العابدين بن علي، وهو ما تُضعف من صحته مئات الوقائع الباردة التي بدأت تظهر في مشهد ما بعد الثورة.
وحركة النهضة التي أبدت شراهة في الإقبال على توظيف نتائج الثورة وما أعقبها من انتخابات وتشكيل حكومة، كشفت عن انعدام خبرة يؤشر إلى احتمالات فشل وشيك في قيادة التجربة التونسية الجديدة.
ليست الاستدارة التونسية من البساطة التي يمكن فيها القول بأن المجتمع هنا اختار النهضة بديلاً من التجمع الدستوري الذي كان حاكماً. صحيح أن النهضة أسرعت للاستثمار ونجحت في توظيف معظم مؤشرات التغيير، لكن ذلك سيرتب عليها تبعات مهمة لا تبدو مؤهلة على الإطلاق لتوليها، لا سيما أننا حيال بنية حزبية لم يسبق أن اختبرت السلطة، وتفترض أن المجتمعات ليست أكثر من مشاهد منسجمة ونقية، وأن الاقتصاد لا يعدو كونه تدفقاً للأموال والاستثمارات، وأن من قاموا بالثورة كانوا يحلمون بوجه الشيخ راشد الغنوشي.
المشهد مختلف من دون شك. فقد صُورت تونس وكأنها قامت بثورتها فقط بهدف أن تنتخب حركة النهضة، وفي ذلك اختصار مجحف للكثير من أوجه الثورة وللكثير من مضامينها. فمن انتخب النهضة لا يزيد عن 20 في المئة من التونسيين، والمتبقون إما أنهم لم ينتخبوا وهو حال نحو 49 في المئة من المكلفين، وإما انتخبوا أحزاباً أخرى وهم يمثلون نحو 30 في المئة.
كبت اجتماعي
ثم إن التبدل في أحوال الناس في أعقاب التغيير، وهو تحديداً ما تمكنت النهضة من الاستثمار فيه، سواء لجهة البحث عن بديل يقطع مع النظام السابق، أو لجهة تبني أنماط وأشكال عيش جديدة، لم يكن على الإطلاق جزءاً من استراتيجية اجتماعية هدفها الانخراط ب «ثقافة» نهضوية إخوانية، إنما كان نوعاً من رد الفعل على كبت اجتماعي تشكل بفعل ممارسات النظام.
ولكنْ، إذا أرادت التونسية أن تتحجب مثلاً، فمن غير النهضة قادر على أن يُمثل رغبتها هذه. وإذا كان الشاب راغباً في التوجه إلى المسجد أو في أن يُطلق لحيته بعد سنوات من المنع، فمن أكثر قدرة من النهضة على الاستثمار في هذه الرغبة.
تمكن رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس الشيخ راشد الغنوشي أن يتفادى لقب «خميني تونس» عندما عاد إلى بلده في أعقاب سقوط الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكن يبدو أن الغنوشي لم ينج تماماً من تبعات اللقب، فها هو اليوم ضحية لقب لا يقل فداحة عن الأول، وهو «مرشد الثورة التونسية»، وإذا كان المقصود باللقب الأول، أي «خميني تونس»، العودة «المظفرة» إلى تونس بعد غياب قصري طويل، مشابهة لعودة الخميني إلى إيران في عام 1978، فإن اللقب الثاني جاء مشحوناً بوقائع سجلها تونسيون كثر خلال المرحلة التي فصلت العودة عن الانتخابات وعن تشكيل الحكومة.
فالغنوشي الذي فازت الحركة التي يرأسها بنحو 40 في المئة من مقاعد المجلس التأسيسي، وكلف الشخص الثاني فيها تشكيل الحكومة بعد أن تم تقليص صلاحية رئيس الجمهورية، وهو المنصب الذي منّت به النهضة على حليفها القومي اليساري المنصف المرزوقي، لم يقبل بمنصب «دنيوي» في هرم سلطة ما بعد الثورة، واختار مسافة مع التجربة الجديدة لا تطاولها المساءلة، ولا يمكن قياسها بوسائل السياسة بما تشكله الأخيرة من وسيلة دنيوية في تدبير شؤون الحياة وفي تصريفها. إنها المسافة التي يشبهها تونسيون كثر بتلك التي تفصل بين المرشد وبين جمهوريته، ويستعينون بقرائن ووقائع كثيرة لإثباتها. الدور الأساس الذي لعبه الشيخ راشد في تشكيل الحكومة، وليس تعيين صهره رفيق عبدالسلام وزيراً للخارجية مظهره الوحيد، وحضوره احتفالات الذكرى الأولى للثورة في سيدي بوزيد إلى جانب الرؤوساء الثلاثة (الجمهورية المنصف المرزوقي والمجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر والحكومة حمادي الجبالي) بما يوحي بأن ثمة منصباً رابعاً في السلطة، منصباً ضمنياً وغير معلن وغير واضح المهمة والصلاحيات، هذا إضافة إلى سفره مع نجله إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقائه مسؤولين أميركيين وتقديم ضمانات لهم بما يتعلق بمستقبل العلاقات بين تونس والولايات المتحدة الأميركية، ثم إجراء صحيفة أميركية مقابلة مع نجله معاذ تولى فيها أيضاً «طمأنة» الأميركيين لجهة هوية الدولة في تونس.
هذا العرض الذي يستهل به تونسيون كثر حديثهم عن مستقبل بلدهم يشكل مدخلاً لنقاش يخوضه المجتمع كله، ولا يبدو أنه مقتصر على النخب السياسية والثقافية والاجتماعية. وهو على كل حال ليس نقاشاً وحسب، إنما هو أيضاً وقائع بدأت تثقل على الطبقة الحاكمة الجديدة. فالحزبان اللذان تحالفا مع حركة النهضة ليشكلا معها أكثرية حاكمة، وهما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (23 عضواً في المجلس التأسيسي) والتكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات (20 عضواً في المجلس التأسيسي) انفجرت في داخلهما أزمات ممهدة لانشقاقات اعتراضية على الالتحاق بالنهضة. وجاءت التشكيلة الحكومية بما تمثله من استئثار نهضوي بالحقائب السيادية، ومن ضآلة تمثيل شريكي الترويكا فيها لتضاعف المخاوف وتوقظ حركة اعتراض واسعة لن يكون شكل الاقتراع في الانتخابات حدودها.
من الواضح أن حركة النهضة انزلقت مبكرة في تونس إلى فخ السلطة. يمكن رصد ذلك في الكثير من أوجه أدائها. الوجوه الحزبية وغير الملونة التي اختيرت للمناصب الوزارية، وخطاب النصر الذي ساد في أعقاب الانتخابات، واللغة الحزبية الجامدة التي اعتمدت في التوجه إلى النخب والقواعد، والأهم من هذا كله ما بدأ يتسرب من خطط عن إدارة الضهر للغرب بصفته الجار الاقتصادي والاجتماعي القريب، والتوجه نحو كتب راشد الغنوشي في مكتبات العاصمة التونسية.jpg الشرق بما يمثله من قيم ومن احتمالات استثمار.
لا يبدي التونسيون قلقاً على هوية مجتمعهم بفعل وصول النهضة إلى الحكم في بلدهم، فهم يبدون ثقة بقوة القيم العلمانية التي ترسخت بفعل عقود من الدولة العلمانية ومن العلاقة مع الغرب الأوروبي. خصوم «النهضة» يرون أنها لن تغامر في تعريض هذه القيم للنقاش، وحلفاؤها ينفون وجود نية لديها في ذلك. لكن ذلك لا ينفي أنها ستحاول في مجالات ومستويات أخرى، فترى نزيهة رجيبة (أم زياد) وهي التي تقود حركة اعتراض التحالف مع النهضة داخل حزب المؤتمر، أن النهضة ستتحرك بحذر شديد فيما يتعلق بالحريات الفردية والعامة، وتقول: «أشعر بأن الغالبية الصامتة استيقظت وأي محاولة للنهضة لإنتاج دولة غير مدنية وغير حديثة فإن المجتمع سيدافع عن نفسه»، وتضيف: «ستحاول النهضة خلال نقاش مسألة الدستور التأثير في البنود المتعلقة بالهوية العربية والإسلامية للدولة، وسيكون ذلك مدخلاً ولكنهم لن ينجحوا».
الخمار حق ثم واجب
إذاً، السعي إلى «أسلمة» بطيئة للمجمتع هو ما يجزم التونسيون من خصوم حركة النهضة أنها بصدده، وليس خوض مواجهة مباشرة وسريعة مع قيم المجتمع التونسي. ويشرح الأستاذ الجامعي والناشط في الدفاع عن «القيم اللائكية» حمادي الرديسي قناعته في أن النهضة لن تصطدم مباشرة بال «قيم العلمانية»، إلا أنها ستترك المهمة لجماعات موازية مثل السلفيين والدعاة التقليديين فيما ستتولى هي الاستثمار بما يحققه هؤلاء. ويضيف: «الخمار حق ثم واجب، والنقاب قريباً سيكون حقاً. النهضة ستؤسس لهذا الحق والجماعات الأخرى ستتولى نشره».
لكن، في مقابل هذا الاطمئنان إلى قوة القيم العلمانية ثمة خطوات باشرتها الحركة الإسلامية لا يمكن فهمها إلا في سياق تحضير تونس لزمن جديد. فالسرعة في نقل نتائج الانتخابات إلى المستويات التنفيذية يشي بأن الحركة وضعت نصب عينيها برنامج عمل يدفع بتونس نحو وضع مختلف. فالنهضة اختارت، إضافة إلى الحقائب السيادية في الحكومة التي تترأسها، حقائب أخرى لا تقل حساسية، منها وزارة التعليم العالي التي اختارت لها وزيراً ليس من الحمائم على الأقل، وهو منصف بن سالم، وهو كان له دور ميداني في أحداث عام 1992 في منطقة باب السويقة، والتي نظمت فيها الحركة عملية عسكرية ضد مراكز للشرطة كانت الذريعة الرئيسة التي استعملها بن علي ل «استئصال الحركة» على نحو دموي. ولحقيبة التعليم العالي في تونس موقع خاص، ذاك أنها جزء من ماكينة إنتاج قيم المعرفة المتصلة بالوعي التونسي بعلاقة مع التعليم في أوروبا، وفي إنتاج قيم الحداثة التونسية.
أمزجة الوزراء الجدد
تسلُّم بن سالم حقيبة التعليم العالي أثار مخاوف في أوساط الأكاديميين التونسيين، لا سيما أن معظم هؤلاء تشكلوا أكاديمياً في أوروبا، وتحديداً في فرنسا، ويعتقدون أن وزيرهم الجديد سيضع نصب عينيه مناهج التعليم، وما تنطوي عليه من قيم حداثية غربية.
وإضافة إلى المخاوف الأكاديمية وزع أساتذة في الجامعة شريطاً مصوراً لوزيرهم قبل تعيينه بأشهر قليلة يقول فيه إن بورقيبة صهيوني وكذلك كل الحكام العرب باستثناء أمير دولة قطر. ويستعين هؤلاء بهذا التصريح ليثبتوا كم أن وزيرهم حزبي، ومنصبه لا يتسع لهذا المقدار من الضيق والانحياز.
لكن ليست وزارة التعليم العالي لوحدها ما أثار حفيظة هؤلاء تسلم النهضة لها فتشير نزيهة رجيبة إلى أنها سمعت وزير الشؤون الدينية الجديد الذي اختارته النهضة نور الدين خادمي يفتي بتحريم سماع الموسيقى.
وثمة جانب آخر في التمثيل الواسع لحركة النهضة في الحكومة يتمثل في ما يطلق عليه التونسيون ب «القيادات السجنية»، إذ يبدو أن الحركة قررت تعويض عدد من وجوهها الذين أمضوا سنوات طويلة في سجون نظام بن علي بأن سمتهم وزراء في حكومتها. ويرى مراقبون أن الخطوة تنطوي على احتمالات تتعدى انعدام خبرات هؤلاء في الإدارة والسياسة إلى احتمالات انتقامية. فوزير الداخلية علي العريض أمضى أكثر من عشر سنوات في السجن وها هو اليوم على رأس الإدارة التي كلفها بن علي سجنه، ومن المحتمل جداً أن يجد الرجل نفسه بمواجهة الضباط الذين كانوا مكلفين المهمة. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على وزارتي التعليم العالي والعدل، وأيضاً على 4 وزارات أخرى.
والنهضة التي استأثرت بالحصة الأكبر في الحكومة (19 وزيراً من أصل 41) والتي جهدت إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة الوزير الأول، أثارت بخطواتها هذه حفيظة أوساط في الحزبين الحليفين لها في المجلس التأسيسي وفي الحكومة، إذ شعر كثيرون في هذين الحزبين بأنهم عوملوا على نحو مهين وأن تمثيلهم ضعيف، ويستحضر هؤلاء في اعتراضاتهم وقائع سبقت إعلان تشكيل الحكومة تكشف رغبة كبرى في المحاصصة بعيداً من اعتبار الكفاءات، فيقول رئيس تحرير جريدة المغرب زياد كريشان، وهي الصحيفة الأولى في تونس: «حصل تقاسم في السلطة بين الأحزاب الثلاثة المشاركة في الترويكا. وداخل هذه الأحزاب حصلت عملية محاصصة أيضاً، فالشخص الثالث في النهضة قال إنه يريد وزارة الداخلية فكانت له، علماً أن رئيس الحكومة كان يريد الوزير السابق للداخلية لحبيب الصيد، لكن المحطة الأبرز لمسألة المحاصصة داخل النهضة تتمثل في تعيين صهر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وزيراً للخارجية، وهو شاب من خارج المدرسة الديبلوماسية التونسية العريقة، ولا يجيد اللغة الفرنسية مع ما يحمله ذلك من دلالات هوية الدولة كما تريدها النهضة».
ومسألة اختيار رفيق عبدالسلام، صهر الغنوشي، وزيراً للخارجية لا تبدو في تونس مسألة عابرة، فهي وفق كثيرين مؤشر غير مطمئن لمستقبل السلطة الجديدة، فبصرف النظر عن كفاءات الرجل، فإن غياب حساسية تدفع إلى تردد الغنوشي في اختيار صهره لهذه المهمة يشي باحتمالات تكرر مسألة العلاقات القرابية التي كانت ناشئة في ظل حكم بن علي، خصوصاً أن الأمر ترافق أيضاً مع كلام عن دور «استثماري» لأحد أنجال راشد الغنوشي كان رافقه في زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتقى هناك مستثمرين أميركيين. ويردد تونسيون أن «ماكدونالد» سيصل إلى تونس في أعقاب هذه الزيارة.
يجزم نور الدين الجورشي وهو مثقف وكاتب إسلامي من خارج النهضة: «بأن الجهاز الحزبي لحركة شارع الحبيب بو رقيبة.jpg النهضة يتهيأ ليصبح جهاز الدولة، وأن الحركة اليوم بصدد استكشاف جهاز الدولة من داخله، وهذا ما يؤكده اختيار الوزراء». لكن ذلك، وعلى رغم ما يمثله من إغراء كبير ل «الجوعة» إلى السلطة، وهو تعبير تونسي للحرمان من السلطة، إلا أنه يمثل أيضاً خطراً كبيراً ليس على تونس، إنما على حركة النهضة نفسها، ذاك أن احتمالات الفشل كبيرة جداً، ويضاعف منها وجود حركة النهضة على رأس السلطة في تونس. فعلى المستوى السياسي لا تبدو مهمة الانتقال إلى موقع جديد في العلاقات الإقليمية والدولية سهلة، وإدارة الظهر لأوروبا تعني رهاناً على شركاء في الشرق غير مضموني القوة والفاعلية. أما على المستوى الاقتصادي فثمة نحو مليون عاطل من العمل أسقطوا بن علي ويتحدثون باسم «الشرعية الثورية» ينتظرون الحلول السحرية التي وعدتهم بها النهضة.
الجمعة, 06 يناير 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.