الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    موجة جديدة من الصواريخ الإيرانية على إسرائيل: ضربات على تل أبيب، حيفا وبئر السبع، أكثر من 100 جريح    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    نتائج الباكالوريا 2025: تفعيل خدمة الرسائل القصيرة، والتوجيه الجامعي يسير بخطى ثابتة    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    في واقعة نادرة.. استخراج هاتف محمول من بطن شاب بعد عامين من ابتلاعه    كيف سيكون طقس السبت 21 جوان 2025؟    8 علامات تشير إلى بيع بياناتك الشخصية عبر الإنترنت.. احذرها    باجة: إستقبال شعبي لقافلة الصمود [فيديو]    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    ترامب: قد أدعم وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل إذا سمحت الظروف.. مستعد للحديث مع طهران    22 سنة سجناً مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وقيادات سابقة    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    بلاغ جديد من النجم الرياضي الساحلي    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    قابس: أكثر من 250 مشاركا في الدورة 41 لمعرض قابس الدولي    وزارة الصحة تجدد دعوة الأطباء المقيمين إلى اختيار مراكز العمل    طبربة: إيداع مربي نحل السجن من أجل تسببه في حريق غابي    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    هجمات اسرائيل على ايران: السعودية تحذّر.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    حملة لمراقبة المحلات المفتوحة للعموم بدائرة المدينة وتحرير 8 مخالفات لعدم احترام الشروط القانونية (بلدية تونس)    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التلاميذ بعد سنة أولى ثورة.:«ديقاج» بمناسبة وغير مناسبة...
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 03 - 2012

اختلطت تلك المفاهيم بلغة السياسة وشعارات ساحات الاعتصامات لتفرز شخصية جديدة يرى أحد المربين أنها انزلقت إلى الفوضى في بعض المؤسسات التربوية بسبب الفهم القاصر لمعنى الحرية.. فغدا الكثيرون يناصبون العداء لأساتذتهم على خلفية الانتماء السياسي والقناعات الفكرية والإيديولوجية.. ويصفها مرب آخر بالثورية في حركاتها وبالديمقراطية في تكاسلها.. بل يشبهها مختص في علم النفس والاجتماع بشخصية (بن علي) في آرائها على حد تشخصيه الذاتي.. تشعر بشعور المخلوع وتجسّدُ قوته وطاقته في تعاملها مع المحيطين بها..! لكن في المقابل إكتسب التلميذ بعد ثورة 14 جانفي شخصية قوية فأصبح مقداما معتدا بنفسه ومتمتعا بحرية التعبير.. فكيف تفاعل التلميذ مع نفسه ومحيطه خلال السنة الأولى للثورة؟ وهل استطاع أن يدفع بنفسه نحو الأحسن أم نحو الأسوأ؟ (الشروق) طرحت هذين السؤالين وغيرهما على عدد من المربين وخبراء علم النفس والاجتماع.
«تلك الأجساد المحترقة شموع إحياء الذكرى الأولى للثورة.. أو هي شموع تطوي سنة من عمر الثورة لتحل أخرى.. فمن احتراق إلى احتراق تمر سنة بأكملها على ثورة تونس.. شرارة الربيع العربي».. هكذا بدأ المربي نور الدين بوعلاقي - من المدرسة الابتدائية التعمير الخامس ببرج الوزير بأريانة حديثه معنا.
ثوري في حركاته.. ديمقراطي في عدم إعداد واجباته
المربي بوعلاقي يعتبر أن هذه السنة الحبلى بالأحداث المتسارعة التي لم يألف مثلها علماء الاجتماع ولا فقهاء الثورات, قد كابد فيها المربي الأمرّين من أجل نجاح سنة دراسية انقضت وأخرى انطلقت.. «كابد وجاهد في صمود متحديا صعوبات جمّة أرادت زعزعة ثباته ودفاعه عن منارات لولاها لما كان لتونس اسم ريادي.. كيف لا وهو الذي يحترق ليضيء الدروب لشموع تونس».. هكذا قال.
ويواصل محدثنا قائلا: « لئن كان حصاد الثورات لا يقاس بالأشهر فإنه يمكننا تلمس بعض المكاسب الني تحققت خلال هذه السنة ومست المؤسسة التربوية إيجابا.. كما يمكننا رصد تنامي ظواهر غريبة عن واقع التربية وانفلات أخلاقي قيَمي يفعل فعله في منظومة مهترئة.. لقد أصبح التلميذ خاصة بالأقسام الإعدادية والثانوية يبدي اهتماما بالشأن العام والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية معلنا تغيّر الصورة النمطية التي طالما عهدناها عليه»
وفي مقابل هذه النقلة الإيجابية يعتبر المربي بوعلاقي أننا سجلنا خلال سنة من الثورة تغيرا سلوكيا أخلاقيا لعناصر وفئات أخرى من العائلة التربوية.. يقول: « للأسف فإن التلميذ الذي هو محور العملية التربوية قد تغير سلوكه باتجاه الأسوأ.. فسواء أكان في الابتدائي أم الإعدادي أم الثانوي فإن مطالبه أصبحت غريبة ولعلها انعكاس لحالة عدم الاستقرار الذي تعيشه بلادنا فأصبح ثوريا في كل حركاته ومتساهلا في إعداد واجباته وغير مبال بالمواد رغم أهميتها ومطالبا بمراجعة زمن الامتحان.. ومفسحا المجال للسيجارة في حياته.. وملوحا بعبارة «ديقاج» ذات اليمين وذات الشمال للمربي والإدارة مع عنف مادي ولفظي تشمئز منه الأنفس»
المربي بوعلاقي يعتبر أيضا أن الولي كشريك فاعل في العملية التربوية مَسَّتْه نسمات الثورة فأصبح سيفا مسلطا على رقاب المربين. يقول محدثنا: «لقد ضرب عدد كبير من الأولياء بقوانين المدرسة عرض الحائط بحجة «لا قانونية القوانين» وغياب الدستور !! فلم تعد للأقسام حرمتها ولا لساحات العلم مكانتها ولا لمواعيد المقابلات والزيارات معنى فيدخل متى شاء وأين شاء ساحبا حالة الفوضى الثورية في فضاء القوانين والتربية. وأصبح البعض يبدي رأيه في كل الأمور على خصوصيتها حتى البيداغوجية منها.. كيف لا وهو الذي أطاح ببن علي ويمكنه أن يطيح بمن يريد من المدير إلى المعلم والأستاذ والعامل».
نسمات الثورة, بحسب تعبير المربي بوعلاقي, مسّت أيضا عناصر أخرى في الفضاء التربوي.. «فأثّر (تسونامي) الفوضى والانفلات على بعض العملة وأعوان التأطير حيث غابت روح المبادرة وعمّ التراخي وكأن البعض لا يعمل في ظل غياب الرقيب أو السلطة.. وساهم بعض المربين في ترسيخ ما يروج حول الغيابات المتكررة.. لكن لا يمكن أن ننكر أن من المكاسب الايجابية للثورة على الحقل التربوي نسجل بارتياح تغير نظرة المربي إلى الإدارة فلم يعد المدير رمز السلطة خاصة بعد سحب مبدا التناظر على هذه الوظائف وفق مقاييس معلومة وموضوعية. كما نلحظ الإندماج الطوعي للمربي في تسيير المؤسسة سواء أكان ذلك عبر المجالس التي كان يقاطعها أم عبر لجان التسيير والمتابعة والشراكة مع التلميذ والولي».
ويختم المربي نور الدين بوعلاقي حديثه قائلا: «عموما سنة أولى من الثورة مضت وأخرى حلت لتؤثث صفحات تاريخ تونس التي سيكون فيها للمربي دور هام.. وهو الذي بيده مستقبل تونس»
عداء للأساتذة بسبب القناعات الفكرية
في رأي السيد محمد بوقديدة أستاذ أول للتعليم الثانوي فإنّ المؤسسة التربوية لم تكن بمنأى عن الحراك الذي شهدته بلادنا طيلة السنة المنقضية.. «وكان التلميذ عنصرا فاعلا في ذلك الحراك إذ تفاعل مع الإحداث شأنه شأن شعبنا توقا إلى الكرامة والحرية وتخلصا من واقع الإحباط والتهميش» مثلما يقول.
ويطرح الأستاذ بوقديدة عديد الأسئلة أبرزها: هل كان تلميذنا في مستوى هذا الحدث التاريخي؟ وهل استطاع أن يستوعب بوعي رمزيته ويتفاعل ايجابيا مع مكاسب الثورة؟
ويواصل قائلا: «للأسف وبعيدا عن كل تعميم او مبالغة انزلق بعض التلاميذ داخل مؤسساتنا التربوية الى الفوضى بسبب فهمهم القاصر لمعنى الحرية بل انهم وفي الأيام الأولى التي عادوا فيها الى المدارس والمعاهد بعد قيام الثورة شرّعوا لأنفسهم رفض بعض المدرسين واستعملوا في وجوههم تلك الكلمة الشهيرة «ديقاج» وتوجهوا باسم الحرية والثورة وجهة المحاسبة بطرق فيها العنف اللفظي خاصة ما يندى له الجبين».
ويضيف «لئن هدأت هذه الممارسات بعد ذلك على اثر تدخل عديد الأطراف فان وتيرة المطالب تصاعدت في مقابل تراجع واجب احترام المؤسسة بعمالها وقيميها وإدارييها وأساتذتها ومديرها وأصبح هؤلاء في ظل الإحساس بضعف الدولة غير قادرين حتى على تطبيق القانون وليس أدل على ذلك ما عشته شخصيا في امتحان البكالوريا الفارط من رغبة بعض التلاميذ وخاصة تلاميذ المعاهد الخاصة في الغش ومحاولة اختراق القوانين المنظمة للامتحانات. هذا فضلا على مساهمة بعض التلاميذ في بعض المؤسسات في عمليات التخريب والنهب والحرق. ولئن حاولنا تفهم ذلك والتماس الأعذار واعتقدنا مع مطلع السنة الدراسية الحالية ان الأمور ستتحسن فان مسلسل إملاء الشروط تواصل وأصبح التلميذ يعتقد أن من حقه أن يتدخل في المسائل البيداغوجية وانه حرّ في ان يختار أساتذته فيحضر لدرس من يشاء ويرفض ما يشاء وكأنّ الولي في كل ذلك مساندا لمطالبه».
ويعتبر الأستاذ بوقديدة أن لعل الأخطر من كل ذلك أن بعض التلاميذ أصبحوا يناصبون العداء لأساتذتهم على خلفية الانتماء السياسي والقناعات الفكرية والإيديولوجية وهو ما يتعارض مع مبدأ عدم تسييس المؤسسات التربوية وتحييدها عن الصراعات الإيديولوجية والحسابات الضيقة.
ويختم محدثنا بقوله «هذا داخل المؤسسة التربوية أما خارجها فيكفي أن تمر من أمام إحدى المدارس او المعاهد لتخجل مما تسمعه من كلام بذئ وسلوكات مشينة تؤكد تواصل ما نعيشه من أزمة أخلاق أسبابها عديدة وجذورها سياسية شبابية كرّسها العهد البائد ولم تستطع الثورة أن تبدل شيئا فيها.. لقد آن الأوان أن تتم مراجعة منظومة التربوية بما يكفل حق التلميذ لكن مع ضرورة التأكيد على واجباته وأهمها واجب احترام مُدرّسيه وترسيخ عقلية جيدة تجعل من المدرسة أو المعهد ذلك الفضاء الذي يعتز التلميذ بالانتماء إليه فيقصده راغبا فيه مستعدا للدفاع عنه والمساهمة في تطوره وإشعاعه».
أكثر ثقة في إدارات المعاهد
السيد رضا بن رجب أستاذ أوّل للتعليم الثانوي بالمعهد النموذجي بأريانة لا يجزم ولا ينفي بإطلاق أنّ الثورة التونسيّة بمختلف استحداثاتها وتمشياتها خلال السنة الأولى من عمرها قد أحدثت تغييرا جذريّا في سلوكات التلميذ التونسي بالمعنى التربوي والفكري بل والبيداغوجي من حيث أشكال التعاطي مع المعرفة المتاحة.
ويتحدث الأستاذ بن رجب عن الاعتبارات المنطقية التي أحدثت التغييرات قائلا «التلميذ التونسي ليس واحدا في القدرة على التعاطي مع الشأن العام سياسيا واجتماعيا وبالتالي إعادة إنتاج قيم الثورة ومقوّماتها (التي مسّت ذلك الشأن في مختلف عناوينه) على الصعيد المدرسي أفكارا وسلوكات بقطع النظر عن القيمة الفعليّة لذلك المنتج. كما أنّ التلميذ كائن اجتماعي وجزء من نسيج مجتمعي اختلفت طرق تعاطيه مع الثورة وقيمها واستيعاب دروسها و»تذهين» رسائلها وإدراك رهاناتها ومقاصدها. ورغم هذا، فإنّه من السّهل رصد جملة من التمظهرات الإيجابيّة للثورة على فعل التلميذ عموما، وعلى سبيل الذكر لا الاستقصاء والحصر:
أولا: اتساع مساحات طرح السّؤال الفكري والسياسى داخل الفضاء المدرسي دون حرج أو خشية.. وقد سعت بعض الإدارات إلى تأطير هذا التوجّه ببعث النوادي الفكريّة والسياسيّة والحواريّة في المؤسّسات التربويّة.
ثانيا: المواكبة الإعلاميّة لتفاعلات الخبر السياسي والإلمام بتفاصيل الحدث اليومي واعتماده من قبل التلميذ مدرسيّا في مواد العلوم الاجتماعيّة خاصّة من باب الحجاج والبرهنة والاستدلال واثراء المشهد التعليمي عموما من خلال ربطه بالواقع المعيش وهو بعد بيداغوجي بات التلميذ أكثر حرصا من المدرّس على تمثله واستدراج الأستاذ إليه وليس العكس.
ثالثا: تغيّر ايجابي لافت في السّلوكات التربويّة للتلميذ يعبّر عليه تقلّص أو اختفاء الكتابات الطفيليّة في الفضاء المدرسي (على المقاعد والجدران..) وهو ليس مجرّد سلوك تربوي حميد فحسب، بل سلوك دالّ على رقيّ اهتمامات التلميذ ومشاغله والاستفادة من أجواء الحريّة في التعبير عن الرّأي على رؤوس الملإ.
رابعا: تنامي أحسبه قياسيّا في ثقافة المواطنة لدى التلميذ من خلال ما يعبّر عنه من مخاوف أو تطلعات تتعلّق بمستقبل الوطن..ونقد بعض السلوكات التي تتهدّده اقتصاديّا أو اجتماعيّا أو سياسيّا..
خامسا: تنامي الرّغبة في المعرفة كشكل من أشكال إعادة الثقة في مستقبل أفضل على الصعيد الذاتي والاجتماعي..وقد انعكس ذلك ايجابيّا على علاقة الأستاذ بالتلميذ في موضوع المعرفة، فبات الأستاذ أكثر حرصا على العطاء والتلميذ أكثر استعدادا للتقبّل والاهتمام والتفاعل.
سادسا: بدا التلاميذ أكثر استعدادا للتعايش في عائلات فكريّة وسياسيّة مختلفة وأحيانا متباينة خاصّة في ظلّ اختفاء ظاهرة تقسيم الصف التلمذي وتنصيب بعض التلاميذ على بعضهم رقيبا..
وأخيرا: أصبح التلميذ أكثر ثقة في إدارات المعاهد بعد تراجع بعض الممارسات الإداريّة في تدجين التلميذ لطرف سياسي معيّن ليكون شاهدا على نجاح سياساته التربويّة أمام المجتمع والمؤسّسات الماليّة العالميّة لأغراض باتت معلومة الآن».
ويضيف محدثنا قائلا إن كل ذلك لا يخفي واقعا تلمذيّا غير ايجابيّ في التعاطي مع دروس الثورة ورسائلها ومنها إن التلميذ في بعض المؤسّسات التربويّة وفي أحيان كثيرة لم يستطع النأي بنفسه عن صراعات ذات طابع قبلي أو عروشيّ أو جهوي وكان وقودها في غالب الأحيان. كما أن التلميذ أحيانا انخرط من حيث يدرك أو لا يدرك، ويريد أو لا يريد في صراعات أيديولوجيّة مع إطار التدريس ممّا أضرّ بالعلاقة الوجدانيّة والمعرفيّة بين الأستاذ والتلميذ.. ولنا في حادثتي فيلم «برسيبوليس» الإيراني بإحدى مؤسّسات التعليم بقابس، وحادثة أستاذة التربية التشكيليّة بأحد معاهد ولاية أريانة مثالان، ( طبعا هذا إذا تجاوزنا الفترة الأولى للثورة التي استغلّ فيها بعض التلاميذ من قبل بعض المربّين أو الأولياء أو أطراف إداريّة.. لطرد إطارات إشراف إدارية أو حتى مدرّسين..».
ويختم الأستاذ بن رجب أن التلميذ التونسي يعبر يوما بعد يوم عن استعدادات أفضل للاستفادة من فعل الثورة بما هو إنتاج للأمل والثقة في المستقبل.
تلميذ اليوم (بن علي) في ارائه !
يُشبه الدكتور حبيب تريعة المختص في علم النفس وعلم الاجتماع شخصية التلميذ خلال السنة الأولى من الثورة بشخصية الإنسان عموما فلا فرق حسب تحليله بينه و بين أي تونسي سواء أكان كبيرا أم صغيرا فالكُلّ أصبح بشخصيته الجديدة المكتسبة (بن علي) في تصرفاته وحركاته !
ويُصرّ الدكتور تريعة على ذلك بقوله: «أصبح التلميذ كغيره من التونسيين يشعر بشعور المخلوع لأنه يجسّدُ قوته وطاقته (il a incarné son pouvoir et sa puissance).. فهو (أي التونسي) صار له «الحق» في أن يستولي على أموال غيره وله «الحق» أن يقتل ويعتصم ويطالب بما يريد.. فعمّت الفوضى وأصبحت تونس لا تخضع لأي سلطة.. فالمعلم أصبح (بن علي) في تسلطه والتلميذ (بن علي) في رأيه والجمهور الرياضي (بن علي) في عدم قبول القسمة على اثنين.. إما الانتصار وإما الفوضى والشغب.. والشعب (بن علي) في دكتاتوريته..»
ويحلل الدكتور حبيب تريعة هذه الشخصية الفريدة من نوعها للتلميذ ومن ورائه التونسي بوضع عام بأن « الإنسان بطبعه ميال للهدوء والتضامن والرغبة في العيش الكريم والتحرر من القيود.. وكل تغيير ولو كان طفيفا في مسار حياته ومحيطه الاجتماعي يزعجه ويربكه ويجعله حائرا.. فكل مجهول مخيف ويتطلب وقتا طويلا للتأقلم معه.. وتونس في العهد البائد كان فيها انضباط ملحوظ ناتجا عن خوف شديد من بطش المستبد.. فالكل يعمل بصمت واجتهاد وبالتضحية بالغالي والنفيس للتقرب من المخلوع لإرضائه. وهذه التصرفات اللاشعورية طغت عل جل العقول في العائلات التونسية التي أصبحت (العقول) تعيش في الظاهر في خضوع وإذلال يليهما هدوء وسكينة.. وهذا الأمر يساعد الفرد على تحمل وضعه السيئ دون رفض فيبدع تحت الضغط في شتى المجالات مثل الدراسة والعمل والرياضة: لا نقاش.. لا جدال.. لا اعتراض لا اعتصام..ولا حتى الدفاع عن النفس تفاديا للعقاب الأسوأ والمخاطر الأكبر..أما في الباطن فنار موقدة ملتهبة فيها غل وحقد وكراهية وتربص للحظة المناسبة للأخذ بالثأر والانتقام..إلى أن تحققت تلك اللحظة فأنفجر كل شيء وصار التلميذ كغيره من التونسيين يتصرف كأنه المخلوع ولو في قسمه مع أستاذه أو معلمه».. هكذا قال الدكتور تريعة.
اهتزازات المجتمع انعكست على التلميذ
يسحب الدكتور عماد الرقيق المختص في علم النفس التغيرات والأحداث التي طرأت على المجتمع التونسي منذ 17 ديسمبر 2010 وإلى اليوم على شخصيات الأطفال والتلاميذ وخاصة منهم المراهقين. ويعتبر أن لهذه التغيرات وقعا نفسيا على شخصيتهم وتأثيرا إيجابيا وسلبيا على تصرفاتهم.
ويقول الدكتور الرقيق: «أهم التغيرات الإيجابية التي تحققت للتلميذ خلال السنة الأولى للثورة هي تكوين الشخصية القوية المقدامة والاعتداد بالنفس وحرية التعبير وفي مقابل ذلك أصبح التلميذ فوضويا وعنيفا ولا يفرق بين الشجاعة وبين التهور ولا يحترم القوانين. ولا يجب أن ندرك أنّ التلميذ لا يرى الأحداث كما نراها فهو غير قادر على التحليل الكامل والشامل لأنه قاصر على مستوى الإدراك والنضج وانفعالي ومندفع بحيث لا يحسب رد فعله. لذلك فإن إيجاد مشروع أو هدف لدى التلميذ (كأن يطمح بأن يصبح طبيبا أو مهندسا...) من شأنه أن يعدل سلوكه»
ويعتبر الدكتور الرقيق أن التلميذ يحتاج في هذه المرحلة الحساسة إلى العاطفة ومعرفة حدود كل تصرف والسلطة التي يمتثل إليها وفي غياب أ عنصر منها يصبح التلميذ مهددا و ينعكس ذلك على سلوكه وعلاقته بنفسه و بأفراد عائلته ومحيطه وأترابه والإطار التربوي للمدرسة أو المعهد.
ويواصل الدكتور الرقيق قائلا: «حين يفتقد التلميذ للعاطفة أو للسلطة التي يمتثل إليها أو يجهل حدود تصرفاته في هذا الوضع الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا منذ قيام الثورة فإنه (التلميذ) يصبح جاف الطبع.. عنيفا وسلبيا ويشعر بوحدة قاتلة مما يجعله يعكس ويصدّرُ مشاعره السلبية نحو المحيطين به وهي عملية نعبر عنها ب((projection. وفي رأيي فإن المجتمع مسؤول عمّا يعتري التلميذ من إحباط لا قدر الله في هذه المرحلة من تاريخ تونس. لذلك لا بد من أن يشعر بأن العائلة متكاتفة والمجتمع متعاون لأن الانقسام يولّد في داخله احتقانا وتوترا.. والاهتزازات والتناقضات بين الأمل والإحباط تنعكس على التلميذ وتتسرّب إلى نفسيته وشخصيته».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.