الغيابات المدرسية.. العنف.. الإدمان.. الدروس الخصوصية.. غياب فضاءات المراجعة.. أخصائي نفساني: الأولياء مدعوون إلى تجاوز أسوار المدارس والمشاركة في كل تفاصيل الحياة المدرسية تونس الصباح: ملفات ثقيلة وعلى غاية من الأهمية لا بد من فتحها منذ أول أيام السنة الدراسية وعلاجها بجدية متناهية.. وهي تتعلق بمسائل عديدة تشغل بال جميع عناصر الأسرة التربوية من تلاميذ ومربين وأولياء وقيمين ومرشدين بيداغوجيين ومتفقدين ومختصين في خلايا الإنصات والإرشاد ومهتمين بالطب المدرسي وغيرهم.. ومن بين هذه المسائل ما يتعلق بالغيابات المدرسية.. والعنف.. والإدمان.. والدروس الخصوصية والكثير من السلوكيات المنافية لقواعد الحياة المدرسية.. فهي ظواهر تبعث على الانشغال.. ولئن شهد بحث هذه الإشكاليات وغيرها خلال السنوات الدراسية الأخيرة نسقا تصاعديا.. فإن النتائج التي تم تحقيقها لم ترتق إلى المستوى المطلوب.. بل يبدو أن الوضع قد ساء أكثر من الماضي وأصبح الكل يشعر بوجود أزمة حقيقية تعانيها المؤسسة التربوية.. فالمربي يتذمر من سوء سلوك التلميذ وعدم جديته وضعف مستواه التعليمي.. والتلميذ يشتكي من كثرة غيابات الأستاذ ومن تهاونه في إبلاغ المعلومة للتلميذ بمراعاة قدرته على الاستيعاب.. في حين تلقي الإدارة باللائمة على الأولياء وتتهمهم بالاستقالة وعدم إيلاء الاهتمام اللازم لمشاغل أبنائهم فهم لا يهتمون إلا بالنتيجة النهائية ولا يزورون المدارس والمعاهد إلا خلال فترة الامتحانات.. أما الأولياء فيعيبون على المؤسسة التربوية عدم توفير فضاءات كافية لاحتضان أبنائهم وقت الفراغ وحمايتهم من أخطار الشارع كما تراهم يتذمرون من تهافت المربين على الدروس الخصوصية ويعتبرون أن ذلك جشع ليس في محله واستنزاف لمقدراتهم الشرائية وميزانياتهم العائلية.. وأمام تفاقم هذه الأزمة فإن المهتمين بالشأن التربوي مدعوون اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى بذل مجهودات أكبر لنفض الغبار عن تلك الملفات ومعالجة كل إشكالياتها بتفان وجدية وسرعة حتى لا يستفحل الأمر ويتعكر الوضع أكثر مما هو عليه الآن.. ولا شك أن الأمر لن يستقيم إلا بتشريك جميع عناصر الأسرة التربوية لأن التجربة قد بينت أن استقالة أي عنصر منهم تسبب في إفشال أي جهد إصلاحي.. "على طاولة واحدة.. يجب أن يجلس الجميع.. من مربين وتلاميذ وأولياء وقيمين ومختصين في الإحاطة بالأطفال والمراهقين لمعالجة جميع قضايا المدرسة بكل جدية وجرأة ".. هذه هي إذن النصيحة التي توجه بها الدكتور عماد الرقيق الأخصائي في علم النفس والمهتم بمشاغل الأطفال والمراهقين. المناشير وحدها.. لا تكفي لا شك أن الدكتور عماد الرقيق محق في قوله لأنه لا يمكن حل تلك المسائل بمجرد قرارات إدارية أو مناشير تحذر مثلا من الدروس الخصوصية أو من الغايابات المدرسية أومن إتيان سلوكيات منافية لقواعد الحياة المدرسية.. بل تبين بالكاشف أن عدد الذين يخترقون تلك الضوابط في تزايد مستمر من سنة إلى أخرى.. فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى قضية الدروس الخصوصية نجد أن المناشير الوزارية لم تمنع عديد المربين من التخفي وراء جدران غرف نومهم لتقديم تلك الدروس لتلاميذهم بل يصل بهم الحال إلى الضغط على تلاميذهم نفسيا ويدفعونهم دفعا لكي يواكبوا تلك الدروس حتى يضمنوا لأنفسهم النجاح أو التفوق إن أرادوا وإلا فإن الفشل هو مصيرهم المحتوم.. وتحد مثل هذه الدروس الخصوصية من مبدأ مجانية التعليم وتتسبب في اتساع الهوة بين أبناء المترفين وأبناء الفقراء من حيث القدرة على تحصيل المعارف والعلوم. وإذا نظرنا إلى قضية العنف المدرسي نلاحظ أن الظاهرة آخذة في الانتشار لتكتسح جل المدارس والمعاهد بكل ولايات الجمهورية.. وأن ضحاياها هم من التلاميذ والمربين والقيمين دون استثناء.. وإذا نظرنا إلى بعض أسباب العنف نستنتج أن أهمها يعود إلى الإقصاء.. فالتلميذ يرفض كل الرفض أي إقصاء أو تهميش له وأثبتت التجارب أنه متشبث بالمدرسة ولا يرغب في مغادرتها مهما كانت الأسباب وفي هذا الصدد بينت دراسة حول السلوكيات المنافية للحياة المدرسية أجراها المركز الوطني البيداغوجي سنة 2005 أن ثلاثة أرباع التلاميذ ممن شملتهم عقوبات مجلس التأديب نتيجة إتيانهم سلوك عنيف هم من الراسبين.. وفي ما يتعلق بالسلوكيات الخطيرة التي تهدد الناشئة فإن الأيام التحسيسية والتظاهرات التثقيفية الصحية والمناشير وجهود المختصين في الطب المدرسي لم تحل دون تفشي ظاهرة التدخين التي أصبحت تثير القلق إذ تجاوزت نسبة التلاميذ المدخنين داخل الوسط المدرسي 30 بالمائة إضافة لمن يدخنون خارج المدرسة.. كما لم تسلم المؤسسات التربوية من آفة المخدرات التي اكتسحت الأسوار وخربت أجساد عديد التلاميذ.. إضافة إلى تعود الكثير منهم منذ الصغر على المشروبات الكحولية والكلفرة وغيرها.. ونظرا لأهمية هذه المسائل فإن المؤسسات التربوية مدعوة منذ أول يوم من أيام السنة الدراسية إلى فتح الأبواب إلى جميع الأولياء والمنظمات والجمعيات والمربين المتقاعدين والمهتمين بالشأن التربوي من جامعيين ومختصين في علم النفس والاجتماع التربوي وغيرهم والقيام بكل المساعي لتشريكهم في مشاغل الحياة المدرسية.. دور رئيسي للأولياء لئن اعتبر الدكتور الرقيق أن جميع أفراد الأسرة التربوية لهم نفس المسؤولية في معالجة مشاكل المدرسة فإنه يرجح كفة الأولياء باعتبارهم الأكثر قربا من أبنائهم وبالتالي الأكثر قدرة على معرفة مشاغلهم ومشاكلهم وإنتظاراتهم. وأفادنا الدكتور أن الأولياء يجب عليهم أن يدركوا أولا أنهم جميعا معنيون بأزمة المدرسة وأن أبناءهم تهددهم عديد الظواهر الخطيرة الآخذة في الانتشار بسرعة لا توصف جراء الانفتاح على الغرب وانتشار الفضائيات.. وقال إن الفضائيات تروج سلوكيات سيئة وهي سريعة الانتشار وتنقل عدوى الانحراف والإدمان.. ودعا الأولياء إلى المواظبة على زيارة المؤسسات التربوية واستشارة المربين والإداريين ومتابعة جداول أوقات أبنائهم ومعرفة كل تحركاتهم وأين يقضون أوقات فراغهم وفيما يستثمرونها.. ومن النصائح التي قدمها العارف بشؤون الأطفال والمراهقين إلى الأولياء هي إسراعهم بتسجيل أبنائهم في نوادي ثقافية ورياضية ومكتبات عمومية ودور شباب ودور ثقافة فهي أفضل بكثير من قضائهم أوقات الفراغ في الشارع.. فالولي على حد قوله مدعو إلى دخول أسوار المدرسة والمشاركة في كل تفاصيل الحياة المدرسية. وبين أن المؤسسة التربوية مدعوة إلى توفير فضاءات للمراجعة حتى لا يقضي التلميذ ساعات الفراغ يتسكع في الشوارع ويحتك بالمنحرفين.. كما يتعين عليها توفير الإطارات الكفأة المؤهلة علميا إلى معالجة مشاكل الأطفال المهددين بالانحراف والذين يعانون من صعوبات في الإدماج لأن هؤلاء يمكن أن ينقلوا بعض السلوكيات الخطيرة إلى غيرهم من التلاميذ.. أما المربي فيجب عليه على حد الدكتور الرقيق أن يضطلع بدوره التربوي الحقيقي وأن لا يقتصر على الدور التعليمي وتقديم الدروس.. فهو القدوة والمثال الأعلى الذي يجب أن يكون لكل تلميذ من تلاميذه.. غدا يعود آلاف التلاميذ إلى مقاعد الدراسة وغدا تدب الحياة من جديد في آلاف المدارس والمعاهد.. فهل سيتم فتح أبوابها إلى الأولياء والمهتمين بالشأن التربوي وتشريكهم في علاج مشاكل الحياة المدرسية؟