نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم السبت تقريراً اعدته مراسلتها في تونس آيلين بيرن تقول فيه ان عائلة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي لها ارصدة في مصارف في انحاء العالم وان كلفة استرداد هذه الاموال تمثل معضلة للعهد الجديد في تونس. وهنا نص التقرير: "كانت تلك هي اللحظة التي هزت نخبة شمال افريقيا من اساسها وحددت وقع الثورات العربية المقبلة وارغمت الحكام الدكتاتوريين في انحاء العالم على التوقف والتفكير. وبينما طالبت الجماهير المحتشدة في شوارع تونس بالتغيير تخلى زين العابدين بن علي بهدوء عن المنصب الذي شغله لاكثر من 23 سنة وطار من البلاد الى المملكة العربية السعودية. وما ان شاع نبأ مغادرته حتى طالب الجمهور باسترداد (الاموال): جميع الاموال التي جمعها هو وبطانته، خصوصاً الطرابلسيين – اي اقارب زوجته الثانية ليلى طرابلسي – في الداخل والخارج. وهتفوا: "الطرابلسيون اكلوا الاقتصاد كله". وتطلبت العدالة الطبيعية اعادة الاموال. ولكن بعد مرور سنة على ذلك اليوم الدرامي، تكافح السلطات الجديدة في تونس لاستعادة الارصدة الضخمة التي يعتقد انها اودعت سراً في حسابات مصرفية منتشرة من الارجنتين وجزر كيمان وفيرجين الخاضعة لسيطرة بريطانيا الى قطر والامارات العربية المتحدة. ودعت الرابطة التونسية للشفافية المالية، وهي منظمة صغيرة غير حكومية قدرت ان بن علي سرق ما يصل الى 17 مليار دولار (11 مليار جنيه استرليني)، حكومات المملكة المتحدة والخليج الى بذل جهود انشط لاكتشاف الثروة المسروقة. وادى طلب اولي الى المصارف السويسرية الى اكتشاف 60 مليون فرنك سويسري (41 مليون جنيه استرليني) مودعة باسم بن علي. وتقول الرابطة التونسية للشفافية المالية ان هذا المبلغ قطرة في بحر. ويحذر المصرف المركزي التونسي من ان اعادة ثروة بن علي الى البلاد ستستغرق سنوات. ويقول سامي رمادي وهو طبيب علم امراض سريرية تلقى تعليمه في سويسرا ويرأس الرابطة التونسية للشفافية المالية: "الرأي العام قوي للغاية ضد تلك المصارف وتلك البلدان التي لا تتعاون تعاوناً تاماً مع التحقيق". واضاف: "المسألة لا تتعلق بالمال فحسب، انها مسألة كرامة. وقد ابلغت السلطات البريطانية ان التونسيين لا يسمحون بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. ان من المظالم الفادحة في العالم ان دولا مثل تونس التي يعاني سكانها من نقص الخدمات والحقوق والديمقراطية، ان تنهب ثروتهم القومية فوق هذا كله منهم. "لقد حرمنا ل23 سنة من الحرية، ولم ندرك الا بعد الثورة مدى الامور الاخرى التي اخذت منا، سرقة المصادر". وفي الاسابيع التي تلت الثورة قامت السلطات التونسية بوضع قائمة من 48 فردا تضم بن علي وليلى الطرابلسي ومن هم بعدهما، ممن يُعتقد انهم حصلوا على الاموال بصورة غير مشروعة. وجمدت دول الاتحاد الاوروبي وسويسرا جميع ممتلكات من وردت اسماؤهم على القائمة، واصدرت تونس اوامر دولية لالقاء القبض عليهم فيما تستمر عملية التحقيقات القانونية. غير ان الرمادي يعتقد ان بن علي وشركاه حصلوا على "مشورة جيدة" من الخبراء، وغالبا ممن يقيمون في اوروبا، عن كيفية اخفاء النقد او ملكية المملتكات بحيث لا يمكن للمحققين الوصول اليها مستقبلا. ولا يمكن استرداد الاصول بسهولة، وقد يعمد اعضاء العائلة الحاكمة سابقا الى المقاومة القانونية الشرسة. وحتى يمكن منح الادعاءات التونسية لاسترداد اي من الاموال المنهوبة افضل فرصة لاستعادتها، فان على الحكومة التونسية ان تعين فريق تحقيق دولي لديه الخبرة، حسب قول يوهان بينور، وهو محقق مالي عمل لدى مكتب كرول للاستشارات الاستخباراتية في الاعمال. وقد تكون التكلفة مرهقة بالنسبة لدولة تواجه عددا كبيرا من المطالب بالنسبة لمصادرها. وهو ما يأتي قبل تكاليف استئجار محامين دوليين للظهور امام المحاكم الخارجية. ويقول بينور: "اذا لم تكن لديك خبرة دولية فانه ليس هناك من الفرص ما يذكر لنجاح قضيتك". وقد عرضت السلطات السويسرية وبنك التنمية الافريقية توفير دعم فني مجانا، الا ان الحكومة التونسيةالجديدة الاسلامية الاتجاه التي تولت الامور في نيسان (ابريل) برئاسة السجين السياسي السابق حمادي الجبالي كرئيس للوزراء، تواجه مشكلة تتعلق بالكيفية التي يمكنها فيها تبرير صرف الاموال لفرق من الخبراء الدوليين، علما بان كل خبير يتكلف 300 دولار في الساعة، لاجراء تحقيق قد يستغرق اشهرا عديدة، لاسترداد اموال لا تزال قيمتها الاجمالية مجهولة.