بين التأكيد و التشكيك يراوح الجدل في تونس مكانه حول "المؤامرة" لإسقاط حكومة 23 أكتوبر المنتخبة ، لا المسؤولين في الحكومة الذين أثاروا الملف قدموا الإثباتات و الدلائل و الأطراف المورطة ، ولا المشككين تمكنوا من الإقناع بغيابها أصلا.وفي الحقيقة يعكس هذا الجدل في جانب منه ما بلغته حالة التجاذب بين الفرقاء السياسيين بعد انتخابات 23 أكتوبر التي فازت فيها حركة النهضة الإسلامية بأغلب المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي. حركة النهضة تقول إن الخاسرين في الانتخابات أو "جماعة صفر فاصل" كما يحلو لأنصارها أن يصفوهم ، لم يقبلوا نتائج صناديق الاقتراع ويعملون من أجل عرقلة عمل الحكومة من خلال التحريض على الاعتصامات و الإضرابات وخلق مناخ متوتر ، وفي المقابل ترفض الأحزاب اليسارية والوسطية المتهمة بعرقلة عمل الحكومة الاتهامات الموجهة لها و تعتبر أن حكومة 23 أكتوبر هي المسؤولة عن حالة اللااستقرار الاجتماعي لعدم تعاطيها مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية لأوسع فئات المجتمع ، وتذهب إلى حد اعتبار أن الحكومة لا تملك برنامجا واضح المعالم من شأنه أن يُخرج البلاد من عنق الزجاجة. ورغم أن هذا الجدل لم يكن غائبا عن المشهد السياسي العام في تونس منذ سقوط زين العابدين بنعلي ، فقد سبق أن وجّهت الحكومة الأولى للسيد محمد الغنوشي الاتهامات ذاتها لخصومها السياسيين وكذلك فعلت الحكومة الثانية للسيد الباجي القائد السبسي، رغم ذلك لم ُتلق المؤامرة بضلالها على المشهد في تونس ولم يتم التسويق لها كما هو الحال بالنسبة للحكومة الحالية .وذلك على الأقل للأسباب التالية: ü إن حكومة 23 أكتوبر هي حكومة منتخبة تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع وهو ما يعني أن التآمر عليها، هو تآمر على الشرعية. ü إن حكومة 23 أكتوبر عملت منذ أن تولت تسيير شؤون البلاد إلى خلق قاعدة فرز جديدة بين الفاعلين السياسيين تقوم على من مع الشرعية ومن ضدها ، بعد أن كانت قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بين من مع استكمال مهام الثورة وبين من يعمل على الالتفاف عليها. ü إن حكومة 23 أكتوبر على خلاف الحكومتين الأولى والثانية، تستند إلى قاعدة واسعة من الأنصار و المتعاطفين تدافع عنها وتروج لخطابها بما في ذلك القول إن مؤامرة تُحاك ضد الحكومة لإضعافها و إسقاطها. لا بد من القول إن الحديث عن مؤامرة تشترك فيها "أطراف تدعي الديمقراطية وعدد من رموز النظام السابق وجهات خارجية " هو من أخطر الاتهامات التي وجهت لأطراف سياسية منذ 14 جانفي 2011 ، لأنها ترتقي إلى مستوى التآمر على أمن الدولة و البلاد مع ما يعميه ذلك من ضرورة لمحاكمة الأطراف المورطة على قاعدة هذه التهمة. غير أن عدة إشكالات حقيقية تطرح حول جدية هذا الاتهام، بل حول وجود مؤامرة، من ذلك: ü إن الجهات المُتهمة غير معلومة إلى حد الآن وترفض الأطراف التي تتحدث عن المؤامرة الكشف عنها رغم تصاعد نسق الحديث عن هذه المؤامرة وخطورتها. ü إن الفريق الحكومي غير متفق على وجود مؤامرة بالحجم الذي تحدث عنه كل من المستشار السياسي لرئيس الحكومة ووزير النقل. ü إن مسؤولا في وزارة الداخلية أكد غياب المؤامرة بل وذهب إلى حد القول إن الحديث عنها يدخل في خانة حرية التعبير. ü إن الأطراف التي قد تكون معنية ضمنيا بتهمة التآمر تطالب الحكومة بالكشف عن خيوط هذه المؤامرة و تفاصليها. وعليه فإن الصورة كالتالي: جزء من الحكومة يتحدث عن مؤامرة وجزء آخر ينفيها، معارضة تطالب بالكشف عن المؤامرة فيأتي الرد سيكون ذلك في الوقت المناسب، لكن دون توضيح هل الوقت المناسب للجزء من الحكومة الذي يتحدث عن المؤامرة أم الوقت المناسب لمصلحة تونس؟