توطئة انا مؤمن شديد الايمان لا يرتقي اليه الشك على الاطلاق بان كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز ، المجموع بين دفتي المصحف ، المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر جيلا بعد جيل(1) هو دستور ومنهج حياة وطريق الفلاح في الدارين. وأن السنة:ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن أحد الأحكام الخمس :واجب وحرام وسنة ومكروه ومباح (2) ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير(3) ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة أو سيرة ...(4) هو محل قبول واتباع والتزام وطاعة بالحب والرضى وهذا هو مناط طلب رب العالمين:{ قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} [النور: 54] وقوله تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر/7] وان امر المؤمن مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محكوم بقوله"....إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ."(5) كل ما تقدم هو اصل ومنطلق التشريع وان مصادر التشريع الاسلامي هي:أربعة مصادر أصلية وهي على النحو التالي: القرآن الكريم، السنة، الإجماع، القياس، وأما المصادر الأخرى "فرعية"فهي تكميلية فقد أخذت الأمة ببعضها دون البعض الآخر. 1-القرآن الذي يحوي على: الربانية و الكمال و الوضوح و الشمول والتوازن و العملية و الإعجاز و الثبوت القطعي :وهو كلام الله تعالى والمصدر و المرجع الاول. 2-السُنَّة النبوية وهي تتصف بانها نوع من الوحى اتصال السند الحفظ من الضياع: :وهي كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير. وتعد في المنزلة الثانية بعد القرآن الكريم 3 الإجماع: وهو اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حكم شرعي، والإجماع يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الرجوع إليه، فإذا لم نجد الحكم في القرآن، ولا في السنة، نظرنا هل أجمع علماء المسلمين عليه، فإن وجدنا ذلك أخذنا وعملنا به. مثال على ذلك، إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن الجد يأخذ سدس التركة مع الولد الذكر، عند عدم وجود الأب. 4 القياس: وهو تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما أركان القياس أربعة: أصل مقيس عليه، وفرع مقيس، وحكم الأصل المنصوص عليه، وعلة تجمع بين الأصل والفرع. ومن المصادر الفرعية: أولا : الاستصلاح: الاستصلاح هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها . فهي إنما تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتناب المضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بوجه عام ، ودلت نصوصها وأصولها على لزوم مراعاتها والنظر إليها في تنظيم سائر نواحي الحياة ولم يحدد الشارع لها أفرادا ولا أنواعا،ولذا سميت ( مرسله ) أي مطلقة غير محدودة فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص خاص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع ، وكتعليم القراءة والكتابة ، فعندئذ تكون من المصالح المنصوص عليها لا من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها ثابتاً بالنص لا بقاعدة الاستصلاح .وإذا قام الدليل على إلغاء مصلحة معينة كالاستسلام للعدو مثلا ، فقد يظهر أن فيه مصلحة حفظ النفس من القتل ، ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع ، بل ألغاها لمصلحة ارجح منها وهي حفظ كرامة الأمة وعزتها ، وبالتالي فهي تعتبر مصلحة ملغاة لا مصلحة مرسلة. وعموما يمكن أن نقول إن العوامل التي تدعو الفقيه إلى الاستصلاح هي : 1/ جلب المصالح : وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس على أقوم أساس 2/ درء المفاسد : وهي الأمور التي تضر بالناس أفرادا أو جماعات سواء كان ضررها ماديا أو خلقيا . 3) سد الذرائع : أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو الاحتيال عليها أو تؤدى إلى الوقوع في محاذير شرعية ولو عن غير قصد. 4) تغير الزمان : أي اختلاف أحوال الناس وأوضاع العامة عما كانت عليه . فكل واحد من هذا العوامل الأربعة يدعو إلى سلوك طريق الاستصلاح باستحداث الأحكام المناسبة المحققة لغايات الشرع ومقاصده في إقامة الحياة الاجتماعية على أصلح منهاج .ومن أمثلة العمل بالاستصلاح ما أحدثه عمر بن الخطاب- الخليفة الثاني رضي الله عنه – من إنشاء الديوان لضبط عطاء الجند وأرزاقهم ومدة خدمتهم ، ثم عمت الدواوين في مصالح أخرى . ومن هذا القبيل أيضا في عصرنا الحاضر تنظيم السير في الطرق الداخلية والخارجية بأنظمة خاصة بعد حدوث السيارات ، منعا للدهس والاصطدام وصيانة لأرواح الناس . ثانياً: العرف : العرف هو : الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطرداً بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه ، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفا فرديا لا عرفا . وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها ، فيستمد منه واضعوها كثيرا من الأحكام المتعارفة ، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيراً من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرا ونهت عن كثير من تلك التصرفات ، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققاً لغايتها وملائما لأسسها وأساليبها. ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه . وقد أقام الفقهاء كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات . واعتبروا العرف والعادة أصلا هاماً ومصدراً عظيما واسعا نثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصا تشريعيا خاصا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام- الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدى إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس . أما إذا عارض العرف نصا تشريعيا فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة ، واتباع للهوى وإبطال للشرائع . والشريعة الاسلامية السمحة ما جاءت الا لتحقيق جملة من المبادئ والقيم لعل من اهمها:تحقيق العدل بين الناس و التيسير و رفع الحرج ورعاية مصالح الناس و التدرج في التشريع والوسطية والاعتدال والتسامح والعفو وحرية الرأي وحرية العقيدة الدينية والمساواة. خصائص المنهج الإلهي بعد هذه التوطئة الطويلة نوعا ما وجب التاكيد على ان اهم خاصية في المنهج الرباني في انزال التشريعات على عباده وهو الاعلم بهم هو التدرج والتيسير ولنا في تنزيل القران خير دليل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم احسن المسالك واقومها. هل هناك تناقض بين الشريعة والحرية والكرامة لا يقول بالتناقض الا غير عاقل او الذي لا يعرف للانصاف طريقا ولا للموضوعية منهجا فمن اهداف الشريعة السمحاء تحقيق الامن النفسي والاجتماعي وصيانة كرامة الانسان وضمان الضروريات الخمس (1 الدين 2 النفس 3 النسل والعرض 4 المال 5 العقل ) ولا يكون كل هذا الا في مناخ من الحرية التامة. تطبيق الشريعة بين التتويج والتهريج. أعتقد والله اعلم ان مسألة تطبيق الشريعة هي ليست مجرد احكام فقط متعلقة بحد السرقة والزنى واحكام الزواج والطلاق فمن يعرف التشريع الاسلامي وشموليته الذي يشمل الجانب الاجتماعي والاخلاقي والثقافي والاقتصادي والسياسي في مطلقه بما في ذلك العلاقات الدولية اذا الشريعة الاسلامية هي منظومة حياة متكاملة اسسها صالحة لكل الظروف الزمكانية واحكامها متغيرة بتغيرهما ومن هذا المنطلق اقول ووفقا لهذا الفهم لا يملك اي مسلم يفقه دينه القول بعدم الاحتكام اليها. لكن السؤال المطروح متى وكيف اي انني ارى ان المطالبة بتطبيق الشريعة الان الان في تونس بعد نصف قرن او اكثر من التغريب والانفصام هو امر فيه ظلم فادح للشريعة في حد ذاتها وهو انتحار واحتراق للمشروع الاسلامي كتجربة تحمل امل الامة في عودتها الى الريادة وان هذا الامل لايحتمل الاحتراق ابدا. التدرج في هذه المسالة امر واجب وضروري للارتقاء بالمجتع الى درجات الاستعاب والاستعداد للشريعة واعتقد ان هذا هو المنهج الرباني الذي علمنا اياه حبيبنا رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام. هناك فرق كبير بين ان تكون الشريعة الاسلامية الان مصدر رئيسي للتشريع في الدستور وهذا ما اميل اليه مع اقراري لحق من يريدها ان تكون المصدر الوحيد في التشريع , وبين المطالبة بتطبيق الشريعة الان . اتمنى على الاسلاميين في تونس ان لا يكرروا اخطاء الاخرين وان يستوعبوا فقه الواقع والمرحلة وان لا يقعوا في سياسة حرق المراحل التي لا تحرق الا من سلكها ولنا في سير الاخرين عبر وعظات. اقتراح في نص الفصل الاول والثاني من الدستور: (1) تونس دولة عربية اسلامية مستقلة حرة ذات سيادة تامة ونظام حكمها جمهوري ديمقراطي. (2) دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، و العربية لغتها الرسمية. دمتم في حفظ الله ورعايته (1)تعريف الأصوليين والفقهاء للقران الكريم (2)تعريف السنة عند الفقهاء (3)تعريف السنة عند الأصوليين (4)تريف السنة عند المحدثين (5) من حديث أخرجه الامام أحمد والبخاري ومسلم أهم المراجع والمصادر -أصول الفقه / محمد أبو زهرة / دار الفكر العربي . المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، لعبد الكريم زيدان. المدخل لعلم الدعوة، لمحمد البيانوني. نظرا للخلل الحاصل الان في برنامج التعليقات تم إضافة هذا التعليق من هنا اقتراح حول النصّين الأوّل والثاني للدستور التونسي الحبيب السعدي (1)تونس دولة عربية حرة مستقلة ذات سيادة كاملة ونظام حكمها جمهوري مدنيّ ديمقراطي. (2)الاسلام دين الدولة ، والعربية لغتها الرسمية ، وروح الشريعة الاسلامية مصدر أساسي للتشريع الضامن للكرامة والعدالة والحرّيات. الحبيب السعدي