[email protected] كان عليّ أن لا أتدخل إذا كان الباعث سياسيا فأنا أنتمي إلى حركة غير الحركة التي يقع فيها هذه الأيام مايقع من تجاذب وتدافع غير سليم، بل لعل البعض يرى فيه مكسبا ومعول هدم للآخرين، لكن ليس هذا فهمي للسياسة..! كان عليّ أن لا أتدخل، فالنزاع داخلي أساسا وإن كان منشورا على الهواء..، كان عليّ أن لا أتدخل فلعل البعض يرى في ما يقع عنصر صحة وعافية، فالجسم الميت هو الذي لا يُسمع صوته، وإن كان الإطار حلبة ملاكمة...ولكن ليس هذا فهمي للتدافع! ولكن عزمت التدخل في كلمات معدودة وعلى استعجال، بعدما وصل السيل الزبى وتكاد الفتنة أن تستقر، وهي تلبية لدعوة صاحب الرسالة الكترونية، وبعد أن وجدت راحة ضميري فيما نويت، وبعدما غلبت منظومة قيم جعلتها قيادي في حراكي جميعا، بعدما انتبهت أن ما يقع بالقرب من بيتي هو لإخوة أفاضل تجمعني بهم مرجعية مقدسة، وإن اختلفت القراءات والمنهجيات والمقاربات والخطط والاستراتيجيات، واختلفت المواقع اليوم..، قررت التدخل بعدما استخرت في هذه الأيام الطيبة واسترشدت في هذه الأيام النيرة من العشر الأوائل، فجعلت تدخلي على تواضعه محاولة عمل طيب أرتّق به أعمالا أخرى... إخوتي الأعزاء من كل الأطراف، يتحدث إليكم أخ كريم ابن أخ كريم لا يحب لكم إلا خيرا... لقد ساء أخاكم ما يقرأ لكم هذه الأيام من دردشات ومقالات وتعليقات، غلب عليها سقوط أخلاقي رهيب، ولا أبالغ! وانفراط مواثيق وعهود، ودرجة وعي دنيا..، لقد فاجأتموني بزوايا سوداء من التفكير، بدهاليز وظلمات... أدهشتموني لما يمكن للإنسان أن يصل إليه عندما تضيع البوصلة ويفقد المقياس والمرجع، وينسى من أين جاء ولماذا، وعلى أي أرض يقف، وما هو إطاره وما هو الهدف الأسمى من حراكه، وكيف يفقه مرحلته! لقد غابت زاوية الرؤية الصائبة وتضبب منظار الملامسة وأصبح الحديث يطوف حول الحواشي والهوامش في إطار مهتز من القيم والآداب، ووقع خلط بين التنظيم والمشروع، بين الفرد و الفكرة، فلا يهم موقعك من التنظيم ولكن أين موقعك من المشروع، لذلك لن يهم اليوم وغدا من يعود أو من يبقى بالقدر الذي يهمني بقاء المشروع ومتى يعود وكيف. إن هذا المشروع مهما اختلفت يافطات حامليه وتنوعت عناوينهم من حركة النهضة أو من حركة اللقاء، في حاجة اليوم إلى بناء وليس إلى تصفية حسابات، في حاجة إلى سهر الليالي وهمّ بالنهار، في حاجة إلى دراسات وبحوث معمقة، وليس إلى دردشات وترف فكري أو سجال عقيم. اعذروني أن أسحب البساط إلى بقعة طيبة نلتقي عليها كلنا، إلى زاوية كثيرا ما تغافلنا أو تجاهلنا أو نسينا النظر من بوابتها، أكاد أصيح أين الله فيما تقولون، أكاد أصرخ أين الآخرة فيما تتحدثون وتتهمون. السياسة و لاشك تدافع وتنافس ولكن المنهج والهدف والخطاب لا يجب أن يفقدوا قيد أنملة من الإطار الحازم الذي تتحرك فيه وهو منظومة من القيم النبيلة والأخلاق الشريفة التي يمكن أن نلتقي فيها مع آخرين من غير ضفتنا ويحملون مقدسا غير مقدسنا، لكننا نحن نزيد هذا المنظومة تماسكا ومطلبها وجوبا بأن مبعثها رباني خالص ومقدس خالص... فأين أخلاق الأخوة وقد جمع البعض تاريخ ومسؤوليات وسجون ومنافي ومعتقلات، هل نسيتم الفضل بينكم؟ أين المروؤة والشهامة وكلكم رجال ونعم الرجال، أين قيم الشرف وعدم انتهاك الحرمات و عدم القذف والشتم والاتهامات المتبادلة والتنابز بالألقاب...أين الوطن، أين تونس، أين المشروع؟؟؟ لقد بحثت عنهم فلم أجدهم ووجدت هموما مغشوشة وتفاعلا مزيفا وطريقا موصدة وأبوابا مفتوحة على المجهول! لن يسرني ولا أخالكم تفرحون بأن تسمعوا أن زيدا سقط أو أن عمر ابتلي، اسألوا الله العافية ولا تشمتوا الأعداء بإخوة لكم حتى وإن ظننتموهم قد أخطوا...لكلّ تقديراته، لكل ظروفه، لكل طاقات تحمله، ولكل ابتلاءاته! واحمدوا الله أن ابتلاءكم لعله كان أقل، واصطفائكم لخدمة المشروع كان أكبر. فلا تشهروا ولا تجسسوا ولا تبحثوا في النوايا والضمائر فهذه صناديق مغلقة، ولا تدخلوا البيوت من غير أبوابها! ليست السياسة بحثا عن مكسب ولو على حساب القيم، لن تكون السياسة التي نؤمن بها وندعوا الناس إليها تدافعا، الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود، لن نتبنى سياسة الطعن والشتم والتخوين والهمز واللمز، لا نريد أن نقود الناس وندعي أننا نموذج وقدوة، ثم لما نختلي بأنفسنا أو مع بعضنا نعيش السقوط والهزيمة والفشل! اعذروني أن أصارحكم بأن الصورة التي بثثتموها هذه الأيام رجت جزءا من قناعاتي في مستوى تكوين البعض منا وما حمله من خلل هيكلي في تشكيل العقول وتربية القلوب، لقد بدا أن هناك شرخا بين التنظير المجرد والفعل والممارسة، ولو كانت في مستوى كتابة الموقف والأحوال..! خوفي يا اخوتي العزاء أنكم أسأسأتم إلى المشروع التغييري بما لم يكن يحلم به الاستبداد يوما... فرجاء عودة إلى الصمت إذا كنتم عاجزين عن أن تتحاوروا وتقيموا وتراجعوا بعيدا عن إطار من آداب الحوار التي تعرفونها كللكم، لقد فتحتم بابا دون رعاية الإطار، أليس بينكم رجل رشيد. فإذا كان الحوار واجبا والمراجعة والتقييم مشروعا ومطلوبا، فإن الفتنة أشد وأفتك وأضر! لا أريد اليوم الحديث عن مراجعات الحركة الإسلامية إجمالا وقد كتبت في بعضها منذ سنوات، ودعوت إلى تقييم التجارب والخطط والمقاربات، إنما المطلب الوحيد اليوم هو التوقف عن هذا الجرح الذي فتحتموه وهذا الشرخ الذي أحدثتموه وحذار من تواصل النزيف، ولا تستهينوا بما يقع، فإنه بوابة فتنة تفتح بين الإخوة، ولن يكون هناك رابح وخاسر بل كلكم خاسرون. ولا أريد الحديث عن العودة فموقفي منها معروف ويعود إلى سنوات، وهو ليس شأن هذه الورقة فالعودة للمشاريع وإنما للأفراد يبقى خلاصا ونجاة. لكني أريد أن أهمس من بعيد هل خلا بعضكم بربه في هذه الأيام الفاضلة وأدرج بين ركعات تهجده تساءل رهيب عما أطلقه لسانه من لغو وشتم وقذف وبحث في الزوايا والمنعطفات؟، هل تساءل عما ملأه في يومه وليله من أعمال أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة والرسول يدعونا إلى ملئها بأحسن الأعمال [دقيقة صمت ثم واصل القراءة إن سمحت] راجعوا دون أن تشتموا. راجعوا دون تصفية حسابات. اجعلوا انتصاركم للمشروع وليس لذواتكم. افتحوا النوافذ فالهواء العليل لا يضر... افتحوا الأبواب فالإبداع مجاله الحرية... ثم لا تنسوا الفضل بينكم!!! لست أستاذا ولست صفحة بيضاء، ولستم تلاميذ ولا صفحات سوداء فالخير فيكم والخير منكم بدا، لست واعظا وأكثركم أهل ذكر ودين، إنما هو نداء الأخوة والمسؤولية تجاه مشروع لا أريد له أن ينحني أو أن ينتهي مهما اختلفت منهجياته وبرامجه وخطابه السلمي سواء كانت يافطته عنوانها حركة النهضة بتاريخها، أو حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي بمستقبله.