تحتفل تونس اليوم باليوم العالمي للعمّال، وقد تجاوزت الكثير من الصعوبات، وهاهي تخطّ طريقها لبناء المستقبل على أسس سليمة، رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يشهدها العالم، ورغم الاوضاع الأمنية الهشّة التى تشهدها منطقتنا الحدودية، وخاصة ما تعيشه جارتنا ليبيا من تسيّب وانفلات أمني، قد سهّل للكثير من أصحاب التجارة الموازية، ركوب موجة تهريب البضائع والمواد المدعّمة، وبيعها في السّوق السّوداء للشعب الليبي، بأثمان خياليّة، وقد ساهم هذا التّهريب في نقص المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن التونسي، مما أدّى الى ارتفاع في الأسعار، وأفضى بالتالي الى غلاء في معيشة المواطن، وتسبّب في تهرّي المقدرة الشرائية للعامل خصوصا، والمواطن عموما، حتّى أضحى المواطن البسيط، يتساءل عن أهميّة الثورة إن لم تساعده على تحسين أوضاعه المعيشية، ومن هنا تطرح مسؤولية أحزاب السلطة وفعاليتها في انجاز أهداف الثورة، ومسؤولية المعارضة ودورها في الترشيد والنقد الهادف، ومسؤولية المنضّمات المهنية، والنّقابيّة وخصوصا الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصّناعة والتّجارة، ودورهما في التحاور والتعاون معا لإيجاد الحلول لكثير من مشاكل المؤسسات التي تعاني أوضاعا مالية صعبة، فلكلّ دور لابدّ أن يلعبه في هذه المرحلة الانتقالية الهشة، والحسّاسة، حتى نكسب معا معركة الحرية والديموقراطية على الصعيد السياسي، ونقطع والى الأبد مع الحكم الفردي، والاستبدادي، ونكسب معركة التّنمية الاجتماعية والاقتصادية التى تحقّق العيش الكريم لكل مواطن تونسي، من أقصى الشّمال الى أقصى الجنوب، في كنف التّعاون، والتّراحم، والتحابب، والتّكافل، وهي فرصة نادرة لِلَمِّ الشّمل، وتسريع الحواربين جميع الحساسيات السياسية، وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة، والمصالح الفردية، فمصير ثورتنا بأيدينا جميعا، والمسؤولية ملقات علينا جميعا، فلنترك التجاذبات السياسية جانبا، ولنعمل على نبذ الخلافات المفرّقة، ولنعمل على تحقيق أهداف الثورة، التي ائتمننا عليها شعبنا، ولعلّ دعوة رئيس الحكومة الى بعث لجنة حكماء، للعب دور الموفّذق بين الاحزاب في هذه الفترة الحسّاسة بالذات وهومقترح وجيه، يجمع ولايفرّق، ويسدد الرؤى، ويوجه . و إنّ بلدنا - والحمد لله - لتزخر بالكثير من الرجال الأحرار، الذين عرفهم شعبنا بنضالهم السياسي، وشهد لهم بالحكمة والخبرة السياسية، وهم جديرون بتحمل هذه المسؤولية وانجاز هذه المهمّة، لتحقيق التوافق بين الجميع، حتى ينصرف الجميع للعمل، والبناء والتّشييد، في كنف الاتفاق والوئام، وإنّ ما تحقّق للعمّال في بلادنا من مكاسب على مستوى الحقوق الاجتماعية والشُّغلية، مقارنة بالبلدان العربية يعدّ كبيرا، وهي شواهد في نظري مضيئة في حياة شعبنا، لا ينكرها إلاّ مكابر، أو جاهل، والفضل كلّ الفضل في كلّ ذلك، يعود الى أولائك النقابيين المناضلين من جيل التأسيس للعمل النقابي الذين رَوَوْا بدمائهم شجرة الحرية وكرامة العامل التونسي، من أمثال المرحوم محمد علي الحامي الشهيد المُغَرَّبِ، والطّاهر الحدّاد ذلك الشيخ الزيتوني المجدّد، الذي أدرك أهميّة تحويل القيّم الاجتماعية والاقتصادية للإسلام الى واقع معيش، وأدرك أهمّ مقاصد الاسلام الأساسية، وخاصة مبدأ انحياز الاسلام الى الضعفاء، والمستضعفين، فناضل من منطلق ايمانه بهذا المبدأ، لتحرير العامل من جور الاستعمار، ومن استغلال أصحاب رأس المال الأجنبي، وكان دوما جنبا الى جنب مع محمد علي الحامي في ساحة النضال النقابي، فلم يبخل بجهده ووقته على عمّال الموانئ، وكان معهم في أول صفوف النضال، ولم يبخل عليهم بالتوجيه و الارشاد، وناضل أيضا على الصّعيد الاجتماعي لتحريرالمرأة من تعسّف الرجل وظلمه، والشهيد فرحات حشّاد، ذلك الرجل العظيم الذي ساهم بقدر كبير الى جانب العمّال في تحرير البلد، والمؤسس للاتحاد العام التونسي للشغل ليكون منارة للعمّال، وحافظا لحقوقهم في هذا البلد. فالعلاقة الشُّغلية بين العامل والمشغل في كثير من البلدان العربية لا يحكمها إلا طرف الأقوى وهو المشغّل، ويعيش العمال في الكثير من هذه البلدان العربية عيشة العبيد، فهم لايتمتعون بأبسط الحقوق التى يتمتع بها العامل في بلدنا، رغم ما يعتري الكثير من تلك القوانين من نقض، وما تحتاجه من تعديل وتطوير لتأمين حقوق العامل أمام تسلّط بعض الأعراف وجشعهم، ومن أهمّ التعديلات التي أحسب أنّها جديرة بالاهتمام والمراجعة، اعادة النّظر في قوانين اللّجان المتناصفة، في اتّجاه تشريك العامل في صنع القرارات، التي تهمّ التصرف المالي والإداري للشركة، حتّى يكون بحق شريكا فاعلا في المؤسسة، مطّلعا على واقعها، ومتابعا لمشاغلها، ومساهما في ايجاد الحلول لمشاكلها، ومراجعة دور تفقديّة الشّغل في انصاف العامل، والعمل على تمكينه من حقّه في الزيادة الفعلية في الأجور المصادق عليها، فكم من عامل تأتي الزيادة تلوى الزيادة، ولا يتمتَّع بها المسكين، لا لشيء إلاّ لأن مُشغِّله لا يعترف بها، ويعتبر نفسه فوق القانون لأن الدولة دولته، فالدولة الديموقراطية في عهد الثورة ليست ملكا لأحد ولا لحزب فهي للشعب ككل والحكومة الديموقراطية في عهد الثورة يجب أن تنحاز الى العمال لتحقيق هذه الحقوق وغيرها حتى يعيشون بكرامة، ويجدربنا هنا أن نتحدّث عن اجراءات التقاضي الحالية، وما يشوبها من تجنّ وظلم للعامل، فالعامل الذّي يتعرّض للطّرد التّعسفي من المُشغِّل، وقد عمل العشرات من السنين، يجد نفسه مطرودا لأتفه الأسباب، ومُعَطَّلا عن العمل لسنوات، والقضية لم يتمّ الحكم فيها بعد، فلماذا لا تراجع اجراءات التقاضي هذه في اتجاه تسريع البت في قضايا الشغالين في أقرب الآجال، وتوفير اليات سهلة لتنفيذها بعيدا عن عبث الأعراف، وتسلّطهم، فكم من قضية حكم فيها لصالح عمّال، ولم يستطيعوا تنفيذها لينالوا حقوقهم، بل تاهوا في تنفيذها، وخسروا الأموال، والجهد والوقت، ولم ينالوا منها أي نصي