خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكبة..وشعراء فلسطين! د. صلاح عودة الله
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 05 - 2012

في مثل هذه الأيام ولكن قبل أربعة وستين عاما عصفت النكبة الكبرى بشعبنا الفلسطيني..شعب كل ما أراده ويريده هو الحرية والتحرر والاستقلال وكل ما حصل عليه هو الدمار والعذاب والقتل والتشريد.
تمر علينا ذكرى نكبتنا ولا تزال الفرقة تعصف بين الاخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس, فها هو اليوم السابع والعشرون لاضراب أسرى الحرية في المعتقلات الصهيونية يمر, ولم يستطع أن يعيد اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد, وهنا تحضرني ابيات للشاعر العربي الفلسطيني الراحل محمود درويش استلهمها، وهو القائل:"عن انسان..وضعوا على فمه السلاسل..ربطوا يديه بصخرة الموتى ،و قالوا:أنت قاتل..أخذوا طعامه و الملابس و البيارق..ورموه في زنزانة الموتى، وقالوا:أنت سارق..طردوه من كل المرافيء..أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا:أنت لاجيء..يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل..لا غرفة التوقيف باقية و لا زرد السلاسل..نيرون مات، ولم تمت روما بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل". وجدت في هذه ألابيات عزاءا كبيرا ويقينا يطمئنني على مستقبل فلسطين وشعبها رغم القتل والدمار والحروب التي طالت الشجر والحجر والانسان والتاريخ في ذلك البلد الذي يحتضن مدينة القدس اعرق وأجمل مدن الدنيا والتي تحتضن بدورها اقدس المقدسات الاسلامية والمسيحية.
التاريخ الحديث لم يتقدم حضاريا:
قبل أيام قلائل احتفل الصهاينة بعيد استقلالهم, والذي هو يوم نكبتنا, وهنا لا بد لي من القول, بأن ما حدث في فلسطين يشهد بأن التاريخ الحديث لم يتقدم حضاريا كما يزعمون..فهل من التحضر أن تغزو أقلية أجنبية وطن الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج، وتطردها من وطنها وتزيل ملامحها مثلما حدث في فلسطين المنكوبة؟.
نقر ونعترف بأن الصهاينة قد نجحوا في الاستيلاء على الأرض حتى الآن، وفصلوا أهلها عنها وشتتوهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية..لكنهم لم ولن ينجحوا في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً، ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة.وليس من باب التشاؤم استذكرهذه الأبيات والتي تتحدث عن نفسها مطالبة من فقدوا الضمير والوعي بالصحوة والعمل السديد من أجل العودة والتحرير:"هَرِمَ الناسُ وكانوا يرضعونْ..عندما قال المُغنّي:عائدون,يا فلسطينُ ومازالَ المُغنّي يتغنّى وملايينُ اللحونْ, في فضاءِ الجُرحِ تفنى واليتامى..مِن يتامى يولدونْ..يا فلسطينُ وأربابُ النضالِ المدمنونْ, ساءَهمْ ما يشهدونْ, فَمَضوا يستنكِرونْ, ويخوضونَ النّضالاتِ على هَزِّ القناني, وعلى هَزِّ البطونْ..عائدونْ..ولقدْ عادَ الأسى للمرّةِ الألفِ, فلا عُدنا, ولا هُم يحزنونْ".
العودة حق والحق هو العودة:
ستبقى فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى بأنها هي الأرض, وهي الوطن والعودة, وهي التحدي, وهنا أستذكر ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل عبد الكريم الكرمي"أبو سلمى" في قصيدته الشهيرة"سنعود", وهي بحسب اراء النقاد القصيدة الأشهر في الشعر الفلسطيني الذي ارتبطت ذاكرته بضياع فلسطين ، فاسم القصيدة الذي يوحي بحتمية الانتصار بعودة الغريب إلى أرضه ووطنه، هذا التصميم لا يوحي به للوهلة الأولى ذلك التوجع اللامحدود للفراق، بل ذلك الخيال الساكن في فضاء فلسطين، يحلق عند زيتونها ويجلس عند سهولها، أسئلة الرفاق والاصحاب واحتراق الأيام في الشتات لا يثني من عزيمته بل يظل مبشرا بالعودة، عودة كريمة تٌفتح فيها الأبواب،وتٌذاب فيها القيود..يقول في مطلعها:
خَلعتُ على ملاعبها شَبابي وأحلامي على خُضرِ الرَّوابي..ولي في كُلِّ مُنعَطَفٍ لقاءُ مُوَشّي بالسَّلام وبالعِتاب..ثم يمضي واصفا عذابه من هجر فلسطين وكذلك غدر ذوي القربى, فيقول: فلسطين الحبيبة كيف أغفو وفي عيني أطياف العذاب..أطهر باسمك الدنيا ولو لم يبرح بي الهوى لكتمت ما بي..تمر قوافل الأيام تروي مؤامرة الأعادي والصحاب..فلسطين الحبيبة .. كيف أحيا بعيداً عن سهولك والهضاب..تناديني السفوح مخضبات وفي الآفاق آثار الخضاب..تناديني الشواطىء باكيات وفي سمع الزمان صدى انتحاب..تناديني الجداول شاردات تسير غريبة دون اغتراب..تناديني مدائنك اليتامى تناديني قراك مع القباب..ويسألني الرفاق ألا لقاء وهل من عودة بعد الغياب..أجل.. سنقبل الترب المندى وفوق شفاهنا حمر الرغاب..غداً سنعود والأجيال تصغي إلى وقع الخطى عند الإياب.ثم ينهيها مؤكدا وجازما بأن العودة اتية لا ريب فيها:أجل, ستعود آلاف ضحايا الظلم تفتح كل باب..نعم يا أبا سلمى سنعود رغم الداء والأعداء..سنعود رغم الأصوات الفلسطينية الشاذة والخارجة عن منطقنا, منطق الحق والتصميم, ففلسطين تقول لن أرضى بغير أبنائي وحان الأوان لنقول لها ونحن بدورنا لن نرض الا بك, فأنت الأم التي في رحمها خلقنا ومنه خرجنا, وهل يخذل الولد أمه؟.
تسعة عشر عاما بعد النكبة الكبرى والتي ضاع فيها ما يقارب الأربعة أخماس من فلسطين التاريخية, هزتنا النكسة المؤلمة والمخزية, حيث تمكن الكيان الصهيوني من احتلال ما تبقى من الوطن وأراضي عربية أخرى بعد أن هزم ثلاثة جيوش عربية, ولكن ورغم كل ذلك فشعبنا لم ولا ولن يفقد الأمل.
أيها المارون بين الكلمات العابرة:
وفي ظل روح هذه العقيدة الراسخة يكتب شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش والذي حمل هم قضية بلاده فلسطين داخل قلبه فكانت صاحبة حضور قوي بمعظم قصائده، واليوم ونحن نسكب من أعيننا دماً لا دموعاً على يوم نكبتنا ونكستنا وضياع الوطن، نأتي لنذكر واحدة من قصائد هذا الشاعر الفلسطيني، الذي كان شعره لسان حال الفلسطينيين والعرب..قصيدة هزت الكيان الصهيوني وبرلمانه, فيقول فيها"أيها المارون بين الكلمات العابرة" مخاطبا الصهاينة المحتلين.."أيها المارون بين الكلمات العابرة..احملوا أسماءكم، وانصرفوا, واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا,واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صورٍ، كي تعرفوا, أنكم لن تعرفوا:كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء؟..ثم يمضي قائلا بكلمات نابعة من القلب, هذا القلب الذي توقف عن الخفقان لأنه لم يعد يتحمل عذاب وقهر أبناء شعبه وقضيتهم:أيها المارون بين الكلمات العابرة،آن أن تنصرفوا..وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا..آن أن تنصرفوا..ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا, فلنا في أرضنا ما نعملُ, ولنا الماضي هنا, ولنا صوت الحياة الأول, ولنا الحاضرُ،والحاضر، والمستقبل..ولنا الدنيا هنا, والآخرة..فاخرجوا من أرضنا..من برنا.. من حرنا..من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا, من كلّ شيء، واخرجوا..من ذكريات الذاكرة..أيها المارون بين الكلمات العابرة".
نعم, انهم مارون بين الكلمات العابرة, وأما نحن فنقول ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل توفيق زياد ابن الناصرة"عاصمة الجليل" :هذه أرض ابائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا, فنحن هنا باقون, على صدوركم باقون كالجدار وفي حلوقكم..كقطعة الزجاج كالصبار, وفى عيونكم زوبعة من نار..كأننا عشرون مستحيل فى اللد و الرملة و الجليل..إنا هنا باقون, فلتشربوا البحرا..نحرس ظل التين و الزيتون, ونزرع الأفكار كالخمير فى العجين..برودة الجليد فى أعصابنا, و فى قلوبنا جهنم حمرا..إذا عطشنا نعصر الصخرا, و نأكل التراب إن جعنا ولا نرحل, و بالدم الزكى لا نبخل لا نبخل لا نبخل..هنا لنا ماض وحاضر و مستقبل..ويا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول..نعم, يا أيها المناضل الراحل العنيد..نعم, يا شاعرنا 'أبا الأمين'..أيها"التوفيق زياد" نعاهدك بأن أصولنا ستضرب دوما في أعماق القاع وسنبقى هنا, فعلى هذه الأرض..سيدة الأرض ما يسنحق الحياة.
بعد أربعة وستين عاما نتساءل مرة أخرى:
هل مازلنا منكوبين كما بدأنا؟..وهل أقنعنا العالم بأننا منكوبون؟..وهذا العالم لا وقت لديه للتاريخ كي يحقق فيمن ظلم وفيمن نكب ولكن في هذا العالم مساحة كبرى للتصوير لاستعادة حلم من نكبوا.. فإذا عجزنا على أن ندون تاريخ النكبة في صفحات تاريخ العالم اليوم فنسى الجميع تاريخها إلا نحن, فهل بإمكان صورة النكبة أن تصلح ما سقط من التاريخ..كي لا يضيع الحلم بعدما ضاعت الأرض.
نعم, لقد مرت كل هذه الأعوام منذ أن انتصب الكيان الصهيوني وفيها يزداد تشبث الفلسطيني منا بحقوقه التي لا تسقط بمرور السنين رغم تكالب الظروف والمؤامرات..وطالما ان هناك فلسطيني على قيد الحياة، ستبقى الحقوق مصانة ولا بد في يوم من الأيام ان يعود الحق لأصحابه طال الزمن او قصر.
ان التأريخ علمنا بأن الاحتلال الى زوال لا محال، وحتما سيأتي ذلك اليوم الذي ستتحول فيه مستوطنات الاحتلال الى آثار من الماضي الاحتلالي..فهل سينصفنا التأريخ هذه المرة بعد أن خذلنا مرات عديدة؟.
صور متنوعة للنكبة:
للنكبة صور مختلفة أدناها نكبة الأرض وأقصاها نكبة الضمير..وبين الأدنى والأقصى نكبة الصورة نفسها..حيث لم نستطع إلى اليوم وللأسف تحويل النكبة إلى صورة إنسانية خالدة وبقيت صورة قومية وأحيانا حزبية ضيقة..وبما أنها إرث الماضي فهي محل صراع ككل المواريث, وكي يتحول هذا الإرث الرمزي إلى إرث مادي نراه, فقد اجتهد الكثيرون في التصوير وإعادة التصوير بالشعر والسينما والقص الجميل..واستبسل كثيرون في تأسيس النضال كأيقونة فلسطينية تجعل الموت الزؤام طريقا للحياة الكريمة..ولكن ظل الاتجاه نفسه موغلا في الألم معتبرا الأمل بلاغة قول لا تستوعب حلم الشعوب.
ومنذ النكبة إلى اليوم كثر"الينبغيون" على حد تعبير علماء الاجتماع العرب (والينبغيون هم المنظرون للهزيمة التاريخية والنصر اللغوي بتكرار كلمة "ينبغي أن..") والفصحاء والغالبون قهرا لا عدلا والرصاص الرخيص أيضا, لكن ملح الأرض ظل مالحا كما بدأ وظل الفلسطيني يحمي أرضه برموشه بعدما انطلت عليه حيلة من ذكرنا وهم كثر.
بعد أربعة وستين عاما عن حدث النكبة لم تتغير الصورة وظل الشيخ القابض على المفتاح كي يعود، قابضا على الجمر كي لا يخبو الجمر بهواء الطرقات..وتوارثت المفتاح القديم أجيال جديدة لم تعش النكبة في التأريخ وعاشتها في الوجدان بروايات من قاتلوا وتقاتلوا فداء للنكبة.
وهنا أستذكر ما قاله أيضا شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش"لماذا تركت الحصان وحيداً..؟",إلى أين تأخذني يا أبي؟..إلى جهة الريح يا ولدي..وهما يخرجان من السهل، حيث أقام جنود بونابرت تلاً لرصد الظلال على سورعكا القديم يقول أبٌ لابنه:لا تخف, لا تخفْ من أزيز الرصاص..التصقْ بالتراب لتنجو..سننجو ونعلو على جبل في الشمال ، ونرجع حينَ يعود الجنود إلى أهلهم في البعيدِ ومن يسكن البيت من بعدنا يا أبي؟.. سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي..تحسس مفتاحه مثلما يتحسس أعضاءه، واطمئن. وقال لهُ, وهما يعبران سياجاً من الشوك :يا ابني تذكّرْ..هنا صلب الإنجليزُ أباك على شوك صبارة ليلتين، ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا ابني، وتروي لمن يرثون بنادقهم سيرة الدم فوق الحديدِ.. لماذا تركت الحصان وحيداً؟.. لكي يؤنس البيت ، يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها..تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ، لسيارة الليل. تعوي ذئاب البراري على قمر خائف. ويقول الأب لابنه: كن قوياً كجدّك..واصعد معي تلة السنديان الأخيرة..يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ عن بغلة الحرب، فاصمد معي, لنعودَ.. متى يا أبي؟.. غداً..ربما بعد يومين يا ابني..وكان غدٌ طائشٌ يمضغ الريح خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة, وكان جنود يهوشع بن نون يبنون قلعتهم من حجارة بيتهما, وهما يلهثان على درب (قانا): هنا مر سيدنا ذات يوم..هنا جعل الماء خمراً..وقال كلاماً كثيراً عن الحب، يا ابني تذكّرغدا, وتذكر قلاعاً صليبية قضمتها حشائش نيسان بعد رحيل الجنود".
وأذكر المفاوضين الفلسطينيين بما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان:في يديكم بقية من بلاد فاستريحوا كي لا تطير البقية, وليعذرني شاعرنا العظيم, لم تعد هنالك بقية لكي تطير, فقد طار الوطن ومعه قضيته..ولكي لا يصفني البعض بالانهزامية, أختتم بما قاله محمود درويش ردا على ما قالته رئيسة حكومة الصهاينة غولدا مئير بعد النكسة, بأن"عرب اسرائيل" لم يبقوا عربا فقد نسوا هويتهم الأصلية:
"سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية, وتاسعهم سيأتي بعد صيف, فهل تغضب؟..سجل أنا عربي, وأعمل مع رفاق الكدح في محجر, وأطفالي ثمانيه أسُل لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر..من الصخر, ولا أتوسل الصدقات من بابك ولا أصغر أمام بلاط أعتابك..فهل تغضب؟..سجل أنا عربي..أنا إسم بلا لقبِ..صبور في بلاد كُل ما فيها يعيش بفورة الغضبِ..جُذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تَفتح الحقبِ, وقبل السرو والزيتون وقبل ترعرع العُشبِ..أبي .. من أُسرة المِحراث لا من سادة نُجبِ وجدي..كان فلاحاً بلا حسب..ولا نسب يُعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكُتبِ, وبيتي كوخ ناطورٍ من الأعواد والقصبِ, فهل ترضيك منزلتي؟..أنا إسم بلا لقب..سَجل أنا عربي, سلبتَ كروم أجدادي وأرضاً كُنت أفلحها أنا وجميع أولادي ولم تترك لنا..ولكل أحفادي..سوى هذي الصخور, فهل ستأخذها حُكومتكم ..كما قيلا؟..إذن سَجل..برأس الصفحة الأولى..أنا لا أكره الناسَ, ولا أسطو على أحد, ولكني.. إذا ما جُعتُ آكلُ لحم مُغتصبي..حذارِ, حذارِ,من جوعي ومن غضبي".
والى الاخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس أقول:ها هو اضراب سجناء الحرية لا يزال مستمرا وكثير منهم يصارعون الموت وذكرى النكبة بعد يوم, والكيان الصهيوني يقوم بتهويد القدس وعزلها, فهل لا تعتبرون, وأقول لكم ما قاله رفعت زيتون:ويا ويلي إذا احتدمتْ دواجي الظّلم ِ..او عصفتْ رياحُ الحقد ِ حاصبةً..ويا ويلي إذا غابتْ ضمائرنا..إذا وُضِعتْ سيوفُ الجَّور ِ مارقةً على أعناق ِ وحدتنا..فسوف يؤول مسعانا الى العدم ..ولنْ نجني حصاداً غيرَ طعم ِالخوف ِ والندم ِ".
الحرية لسجناء الحرية والتحرر..المجد والخلود لشهدائنا الأبرار, والخزي والعار للصهاينة الأعداء ومن سار في فلكهم..والى من فقدوا الأمل بالعودة والتحريربل أفقدوه عمدا لأطماع ومصالح شخصية أقول:"قالوا لاجئين..قلنا ثوار مناضلين..قالوا بلا وطن..قلنا لن يطول الزمن..قالوا تبغون المستحيل..قلنا الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل"..نعم, نحن لسنا بعجالة من أمرنا فان لم نستطع تحرير فلسطين كل فلسطين, فستحررها الأجيال القادمة, وما بعد الليل الا بزوغ الفجر.
وأختتم بروح هذه الأبيات التي تنشد أمانينا:سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى..بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا..و مازال بين تلال الحنين و ناس الحنين مكان لنا ..فيا"وطن" كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا.
في الذكرى الرابعة والستين للنكبة نقول, لن ننثني يا سنوات الجمر واننا حتما لمنتصرون, وكما قال شاعرنا الفلسطيني الراحل ابن قرية"مصمص" راشد حسين:"وكونوا من عظام الميت ميتكم..بنادقاً ان تنأى عنكم الشجر..وجهزوا من دم الفتيان ميتكم..زيتاً لها ان علاها بالصدأ المطر..ومهما صنعتم من النيران نخمدها..ألم تروا اننا من لفحها سمر..ولو قضيتم على الثوار كلهم..تمرد الشيخ والعكاز والحجر".
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.