جامعة تونس المنار تحرز تقدما ب40 مرتبة في تصنيف QS العالمي للجامعات لسنة 2026    عاجل/ الاحتلال يعلن اغتيال قائدين بارزين في الحرس الثوري الإيراني..    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    توقيع اتفاقية قرض بقيمة 6,5 مليون أورو لإطلاق مشروع "تونس المهنية"    وزير السياحة يؤكد ادماج جميع خريجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة    عاجل/ الداخلية الليبية تؤكد تعرض عناصرها الأمنية لهجوم مسلح داخل طرابلس..    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    عاجل/ أول تعليق من المنصف المرزوقي على الحكم السجني الصادر ضده..    اليوم: عمليات جراحية مجانية لفائدة أكثر من 800 مريض تونسي    وزير الخارجية التركي يحذر من تداعيات التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران    رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: الولايات المتحدة ستغرق إذا ضربت إيران    اكتمال النصاب القانوني وانطلاق أشغال الجلسة العامة الإنتخابية    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    كأس العالم للأندية: يوسف البلايلي أبرز المتغيبين عن مواجهة تشلسي    معركة شرسة بمحيط ترامب بين المؤيدين والمعارضين لضرب إيران    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    وزير السياحة: طلب كبير على طبرقة عين دراهم...التفاصيل    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكبة..وشعراء فلسطين! د. صلاح عودة الله
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 05 - 2012

في مثل هذه الأيام ولكن قبل أربعة وستين عاما عصفت النكبة الكبرى بشعبنا الفلسطيني..شعب كل ما أراده ويريده هو الحرية والتحرر والاستقلال وكل ما حصل عليه هو الدمار والعذاب والقتل والتشريد.
تمر علينا ذكرى نكبتنا ولا تزال الفرقة تعصف بين الاخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس, فها هو اليوم السابع والعشرون لاضراب أسرى الحرية في المعتقلات الصهيونية يمر, ولم يستطع أن يعيد اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد, وهنا تحضرني ابيات للشاعر العربي الفلسطيني الراحل محمود درويش استلهمها، وهو القائل:"عن انسان..وضعوا على فمه السلاسل..ربطوا يديه بصخرة الموتى ،و قالوا:أنت قاتل..أخذوا طعامه و الملابس و البيارق..ورموه في زنزانة الموتى، وقالوا:أنت سارق..طردوه من كل المرافيء..أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا:أنت لاجيء..يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل..لا غرفة التوقيف باقية و لا زرد السلاسل..نيرون مات، ولم تمت روما بعينيها تقاتل..وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل". وجدت في هذه ألابيات عزاءا كبيرا ويقينا يطمئنني على مستقبل فلسطين وشعبها رغم القتل والدمار والحروب التي طالت الشجر والحجر والانسان والتاريخ في ذلك البلد الذي يحتضن مدينة القدس اعرق وأجمل مدن الدنيا والتي تحتضن بدورها اقدس المقدسات الاسلامية والمسيحية.
التاريخ الحديث لم يتقدم حضاريا:
قبل أيام قلائل احتفل الصهاينة بعيد استقلالهم, والذي هو يوم نكبتنا, وهنا لا بد لي من القول, بأن ما حدث في فلسطين يشهد بأن التاريخ الحديث لم يتقدم حضاريا كما يزعمون..فهل من التحضر أن تغزو أقلية أجنبية وطن الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج، وتطردها من وطنها وتزيل ملامحها مثلما حدث في فلسطين المنكوبة؟.
نقر ونعترف بأن الصهاينة قد نجحوا في الاستيلاء على الأرض حتى الآن، وفصلوا أهلها عنها وشتتوهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية..لكنهم لم ولن ينجحوا في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً، ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة.وليس من باب التشاؤم استذكرهذه الأبيات والتي تتحدث عن نفسها مطالبة من فقدوا الضمير والوعي بالصحوة والعمل السديد من أجل العودة والتحرير:"هَرِمَ الناسُ وكانوا يرضعونْ..عندما قال المُغنّي:عائدون,يا فلسطينُ ومازالَ المُغنّي يتغنّى وملايينُ اللحونْ, في فضاءِ الجُرحِ تفنى واليتامى..مِن يتامى يولدونْ..يا فلسطينُ وأربابُ النضالِ المدمنونْ, ساءَهمْ ما يشهدونْ, فَمَضوا يستنكِرونْ, ويخوضونَ النّضالاتِ على هَزِّ القناني, وعلى هَزِّ البطونْ..عائدونْ..ولقدْ عادَ الأسى للمرّةِ الألفِ, فلا عُدنا, ولا هُم يحزنونْ".
العودة حق والحق هو العودة:
ستبقى فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى بأنها هي الأرض, وهي الوطن والعودة, وهي التحدي, وهنا أستذكر ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل عبد الكريم الكرمي"أبو سلمى" في قصيدته الشهيرة"سنعود", وهي بحسب اراء النقاد القصيدة الأشهر في الشعر الفلسطيني الذي ارتبطت ذاكرته بضياع فلسطين ، فاسم القصيدة الذي يوحي بحتمية الانتصار بعودة الغريب إلى أرضه ووطنه، هذا التصميم لا يوحي به للوهلة الأولى ذلك التوجع اللامحدود للفراق، بل ذلك الخيال الساكن في فضاء فلسطين، يحلق عند زيتونها ويجلس عند سهولها، أسئلة الرفاق والاصحاب واحتراق الأيام في الشتات لا يثني من عزيمته بل يظل مبشرا بالعودة، عودة كريمة تٌفتح فيها الأبواب،وتٌذاب فيها القيود..يقول في مطلعها:
خَلعتُ على ملاعبها شَبابي وأحلامي على خُضرِ الرَّوابي..ولي في كُلِّ مُنعَطَفٍ لقاءُ مُوَشّي بالسَّلام وبالعِتاب..ثم يمضي واصفا عذابه من هجر فلسطين وكذلك غدر ذوي القربى, فيقول: فلسطين الحبيبة كيف أغفو وفي عيني أطياف العذاب..أطهر باسمك الدنيا ولو لم يبرح بي الهوى لكتمت ما بي..تمر قوافل الأيام تروي مؤامرة الأعادي والصحاب..فلسطين الحبيبة .. كيف أحيا بعيداً عن سهولك والهضاب..تناديني السفوح مخضبات وفي الآفاق آثار الخضاب..تناديني الشواطىء باكيات وفي سمع الزمان صدى انتحاب..تناديني الجداول شاردات تسير غريبة دون اغتراب..تناديني مدائنك اليتامى تناديني قراك مع القباب..ويسألني الرفاق ألا لقاء وهل من عودة بعد الغياب..أجل.. سنقبل الترب المندى وفوق شفاهنا حمر الرغاب..غداً سنعود والأجيال تصغي إلى وقع الخطى عند الإياب.ثم ينهيها مؤكدا وجازما بأن العودة اتية لا ريب فيها:أجل, ستعود آلاف ضحايا الظلم تفتح كل باب..نعم يا أبا سلمى سنعود رغم الداء والأعداء..سنعود رغم الأصوات الفلسطينية الشاذة والخارجة عن منطقنا, منطق الحق والتصميم, ففلسطين تقول لن أرضى بغير أبنائي وحان الأوان لنقول لها ونحن بدورنا لن نرض الا بك, فأنت الأم التي في رحمها خلقنا ومنه خرجنا, وهل يخذل الولد أمه؟.
تسعة عشر عاما بعد النكبة الكبرى والتي ضاع فيها ما يقارب الأربعة أخماس من فلسطين التاريخية, هزتنا النكسة المؤلمة والمخزية, حيث تمكن الكيان الصهيوني من احتلال ما تبقى من الوطن وأراضي عربية أخرى بعد أن هزم ثلاثة جيوش عربية, ولكن ورغم كل ذلك فشعبنا لم ولا ولن يفقد الأمل.
أيها المارون بين الكلمات العابرة:
وفي ظل روح هذه العقيدة الراسخة يكتب شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش والذي حمل هم قضية بلاده فلسطين داخل قلبه فكانت صاحبة حضور قوي بمعظم قصائده، واليوم ونحن نسكب من أعيننا دماً لا دموعاً على يوم نكبتنا ونكستنا وضياع الوطن، نأتي لنذكر واحدة من قصائد هذا الشاعر الفلسطيني، الذي كان شعره لسان حال الفلسطينيين والعرب..قصيدة هزت الكيان الصهيوني وبرلمانه, فيقول فيها"أيها المارون بين الكلمات العابرة" مخاطبا الصهاينة المحتلين.."أيها المارون بين الكلمات العابرة..احملوا أسماءكم، وانصرفوا, واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا,واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة..وخذوا ما شئتم من صورٍ، كي تعرفوا, أنكم لن تعرفوا:كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء؟..ثم يمضي قائلا بكلمات نابعة من القلب, هذا القلب الذي توقف عن الخفقان لأنه لم يعد يتحمل عذاب وقهر أبناء شعبه وقضيتهم:أيها المارون بين الكلمات العابرة،آن أن تنصرفوا..وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا..آن أن تنصرفوا..ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا, فلنا في أرضنا ما نعملُ, ولنا الماضي هنا, ولنا صوت الحياة الأول, ولنا الحاضرُ،والحاضر، والمستقبل..ولنا الدنيا هنا, والآخرة..فاخرجوا من أرضنا..من برنا.. من حرنا..من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا, من كلّ شيء، واخرجوا..من ذكريات الذاكرة..أيها المارون بين الكلمات العابرة".
نعم, انهم مارون بين الكلمات العابرة, وأما نحن فنقول ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل توفيق زياد ابن الناصرة"عاصمة الجليل" :هذه أرض ابائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا, فنحن هنا باقون, على صدوركم باقون كالجدار وفي حلوقكم..كقطعة الزجاج كالصبار, وفى عيونكم زوبعة من نار..كأننا عشرون مستحيل فى اللد و الرملة و الجليل..إنا هنا باقون, فلتشربوا البحرا..نحرس ظل التين و الزيتون, ونزرع الأفكار كالخمير فى العجين..برودة الجليد فى أعصابنا, و فى قلوبنا جهنم حمرا..إذا عطشنا نعصر الصخرا, و نأكل التراب إن جعنا ولا نرحل, و بالدم الزكى لا نبخل لا نبخل لا نبخل..هنا لنا ماض وحاضر و مستقبل..ويا جذرنا الحي تشبث, واضربي في القاع يا أصول..نعم, يا أيها المناضل الراحل العنيد..نعم, يا شاعرنا 'أبا الأمين'..أيها"التوفيق زياد" نعاهدك بأن أصولنا ستضرب دوما في أعماق القاع وسنبقى هنا, فعلى هذه الأرض..سيدة الأرض ما يسنحق الحياة.
بعد أربعة وستين عاما نتساءل مرة أخرى:
هل مازلنا منكوبين كما بدأنا؟..وهل أقنعنا العالم بأننا منكوبون؟..وهذا العالم لا وقت لديه للتاريخ كي يحقق فيمن ظلم وفيمن نكب ولكن في هذا العالم مساحة كبرى للتصوير لاستعادة حلم من نكبوا.. فإذا عجزنا على أن ندون تاريخ النكبة في صفحات تاريخ العالم اليوم فنسى الجميع تاريخها إلا نحن, فهل بإمكان صورة النكبة أن تصلح ما سقط من التاريخ..كي لا يضيع الحلم بعدما ضاعت الأرض.
نعم, لقد مرت كل هذه الأعوام منذ أن انتصب الكيان الصهيوني وفيها يزداد تشبث الفلسطيني منا بحقوقه التي لا تسقط بمرور السنين رغم تكالب الظروف والمؤامرات..وطالما ان هناك فلسطيني على قيد الحياة، ستبقى الحقوق مصانة ولا بد في يوم من الأيام ان يعود الحق لأصحابه طال الزمن او قصر.
ان التأريخ علمنا بأن الاحتلال الى زوال لا محال، وحتما سيأتي ذلك اليوم الذي ستتحول فيه مستوطنات الاحتلال الى آثار من الماضي الاحتلالي..فهل سينصفنا التأريخ هذه المرة بعد أن خذلنا مرات عديدة؟.
صور متنوعة للنكبة:
للنكبة صور مختلفة أدناها نكبة الأرض وأقصاها نكبة الضمير..وبين الأدنى والأقصى نكبة الصورة نفسها..حيث لم نستطع إلى اليوم وللأسف تحويل النكبة إلى صورة إنسانية خالدة وبقيت صورة قومية وأحيانا حزبية ضيقة..وبما أنها إرث الماضي فهي محل صراع ككل المواريث, وكي يتحول هذا الإرث الرمزي إلى إرث مادي نراه, فقد اجتهد الكثيرون في التصوير وإعادة التصوير بالشعر والسينما والقص الجميل..واستبسل كثيرون في تأسيس النضال كأيقونة فلسطينية تجعل الموت الزؤام طريقا للحياة الكريمة..ولكن ظل الاتجاه نفسه موغلا في الألم معتبرا الأمل بلاغة قول لا تستوعب حلم الشعوب.
ومنذ النكبة إلى اليوم كثر"الينبغيون" على حد تعبير علماء الاجتماع العرب (والينبغيون هم المنظرون للهزيمة التاريخية والنصر اللغوي بتكرار كلمة "ينبغي أن..") والفصحاء والغالبون قهرا لا عدلا والرصاص الرخيص أيضا, لكن ملح الأرض ظل مالحا كما بدأ وظل الفلسطيني يحمي أرضه برموشه بعدما انطلت عليه حيلة من ذكرنا وهم كثر.
بعد أربعة وستين عاما عن حدث النكبة لم تتغير الصورة وظل الشيخ القابض على المفتاح كي يعود، قابضا على الجمر كي لا يخبو الجمر بهواء الطرقات..وتوارثت المفتاح القديم أجيال جديدة لم تعش النكبة في التأريخ وعاشتها في الوجدان بروايات من قاتلوا وتقاتلوا فداء للنكبة.
وهنا أستذكر ما قاله أيضا شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش"لماذا تركت الحصان وحيداً..؟",إلى أين تأخذني يا أبي؟..إلى جهة الريح يا ولدي..وهما يخرجان من السهل، حيث أقام جنود بونابرت تلاً لرصد الظلال على سورعكا القديم يقول أبٌ لابنه:لا تخف, لا تخفْ من أزيز الرصاص..التصقْ بالتراب لتنجو..سننجو ونعلو على جبل في الشمال ، ونرجع حينَ يعود الجنود إلى أهلهم في البعيدِ ومن يسكن البيت من بعدنا يا أبي؟.. سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي..تحسس مفتاحه مثلما يتحسس أعضاءه، واطمئن. وقال لهُ, وهما يعبران سياجاً من الشوك :يا ابني تذكّرْ..هنا صلب الإنجليزُ أباك على شوك صبارة ليلتين، ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا ابني، وتروي لمن يرثون بنادقهم سيرة الدم فوق الحديدِ.. لماذا تركت الحصان وحيداً؟.. لكي يؤنس البيت ، يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها..تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ، لسيارة الليل. تعوي ذئاب البراري على قمر خائف. ويقول الأب لابنه: كن قوياً كجدّك..واصعد معي تلة السنديان الأخيرة..يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ عن بغلة الحرب، فاصمد معي, لنعودَ.. متى يا أبي؟.. غداً..ربما بعد يومين يا ابني..وكان غدٌ طائشٌ يمضغ الريح خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة, وكان جنود يهوشع بن نون يبنون قلعتهم من حجارة بيتهما, وهما يلهثان على درب (قانا): هنا مر سيدنا ذات يوم..هنا جعل الماء خمراً..وقال كلاماً كثيراً عن الحب، يا ابني تذكّرغدا, وتذكر قلاعاً صليبية قضمتها حشائش نيسان بعد رحيل الجنود".
وأذكر المفاوضين الفلسطينيين بما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان:في يديكم بقية من بلاد فاستريحوا كي لا تطير البقية, وليعذرني شاعرنا العظيم, لم تعد هنالك بقية لكي تطير, فقد طار الوطن ومعه قضيته..ولكي لا يصفني البعض بالانهزامية, أختتم بما قاله محمود درويش ردا على ما قالته رئيسة حكومة الصهاينة غولدا مئير بعد النكسة, بأن"عرب اسرائيل" لم يبقوا عربا فقد نسوا هويتهم الأصلية:
"سجل أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألف وأطفالي ثمانية, وتاسعهم سيأتي بعد صيف, فهل تغضب؟..سجل أنا عربي, وأعمل مع رفاق الكدح في محجر, وأطفالي ثمانيه أسُل لهم رغيف الخبز والأثواب والدفتر..من الصخر, ولا أتوسل الصدقات من بابك ولا أصغر أمام بلاط أعتابك..فهل تغضب؟..سجل أنا عربي..أنا إسم بلا لقبِ..صبور في بلاد كُل ما فيها يعيش بفورة الغضبِ..جُذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تَفتح الحقبِ, وقبل السرو والزيتون وقبل ترعرع العُشبِ..أبي .. من أُسرة المِحراث لا من سادة نُجبِ وجدي..كان فلاحاً بلا حسب..ولا نسب يُعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكُتبِ, وبيتي كوخ ناطورٍ من الأعواد والقصبِ, فهل ترضيك منزلتي؟..أنا إسم بلا لقب..سَجل أنا عربي, سلبتَ كروم أجدادي وأرضاً كُنت أفلحها أنا وجميع أولادي ولم تترك لنا..ولكل أحفادي..سوى هذي الصخور, فهل ستأخذها حُكومتكم ..كما قيلا؟..إذن سَجل..برأس الصفحة الأولى..أنا لا أكره الناسَ, ولا أسطو على أحد, ولكني.. إذا ما جُعتُ آكلُ لحم مُغتصبي..حذارِ, حذارِ,من جوعي ومن غضبي".
والى الاخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس أقول:ها هو اضراب سجناء الحرية لا يزال مستمرا وكثير منهم يصارعون الموت وذكرى النكبة بعد يوم, والكيان الصهيوني يقوم بتهويد القدس وعزلها, فهل لا تعتبرون, وأقول لكم ما قاله رفعت زيتون:ويا ويلي إذا احتدمتْ دواجي الظّلم ِ..او عصفتْ رياحُ الحقد ِ حاصبةً..ويا ويلي إذا غابتْ ضمائرنا..إذا وُضِعتْ سيوفُ الجَّور ِ مارقةً على أعناق ِ وحدتنا..فسوف يؤول مسعانا الى العدم ..ولنْ نجني حصاداً غيرَ طعم ِالخوف ِ والندم ِ".
الحرية لسجناء الحرية والتحرر..المجد والخلود لشهدائنا الأبرار, والخزي والعار للصهاينة الأعداء ومن سار في فلكهم..والى من فقدوا الأمل بالعودة والتحريربل أفقدوه عمدا لأطماع ومصالح شخصية أقول:"قالوا لاجئين..قلنا ثوار مناضلين..قالوا بلا وطن..قلنا لن يطول الزمن..قالوا تبغون المستحيل..قلنا الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل"..نعم, نحن لسنا بعجالة من أمرنا فان لم نستطع تحرير فلسطين كل فلسطين, فستحررها الأجيال القادمة, وما بعد الليل الا بزوغ الفجر.
وأختتم بروح هذه الأبيات التي تنشد أمانينا:سنرجع خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى..بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا..و مازال بين تلال الحنين و ناس الحنين مكان لنا ..فيا"وطن" كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا.
في الذكرى الرابعة والستين للنكبة نقول, لن ننثني يا سنوات الجمر واننا حتما لمنتصرون, وكما قال شاعرنا الفلسطيني الراحل ابن قرية"مصمص" راشد حسين:"وكونوا من عظام الميت ميتكم..بنادقاً ان تنأى عنكم الشجر..وجهزوا من دم الفتيان ميتكم..زيتاً لها ان علاها بالصدأ المطر..ومهما صنعتم من النيران نخمدها..ألم تروا اننا من لفحها سمر..ولو قضيتم على الثوار كلهم..تمرد الشيخ والعكاز والحجر".
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.