يمكن اعتبار هذه القصة "الوباء" للكاتب: بشير الهمّامي المنشورة بصحيفة "الأوان الرّقميّة" بتاريخ 01-08-2012 من نوع القصص القصيرة التي تعالج قضيّة خطيرة وشائكة، قديمة ومتجدّدة ألا وهي قضيّة فلسطين... اعتمد الكاتب على أسلوب السّرعة الزمنيّة في نقل أحداث القصّة، فخيال القصّ عند الكاتب، أسرع بكثير من أحداث القصّة على أرض الواقع، ذلك أنّ كم القصّ الذي استغرقته القصّة لا يتعدّى بضع صفحات ورقيّة، في حين أنّ أحداث القصّة زمانيّا على أرض الواقع، يفوق عدّة عقود. فإذا علمنا أن في هذه القصّة، تناول فيها الكاتب بشير الهمّامي قضيّة فلسطين إبّان الاستيطان اليهودي، أدركنا قيمة البعد الزّمني الذي ركز عليه الكاتب بكل حبكة، إذ كانت السرعة الزّمنية في نقل الأحداث، تثير في ذهن القارئ السّرعة الاستيطانيّة التي قامت عليها الدّولة اليهوديّة في قلب فلسطين. فكأنّي بالكاتب لا يفصل بين الماضي البعيد والحاضر، وهذا له وليس عليه لما في ذلك من إشارة إلى أنّ الشّعور العربي إزاء قضيّة فلسطين لم يتغيّر، فالحدث بعيد في الزمن لكنه قريب في الإحساس، الجرح الفلسطيني لن يندمل على الرّغم من طول المسافة الزمانية التي تفصلنا عن فاجعة الاستيطان اليهودي بأرض فلسطين. إذ استطاع الكاتب أن يوظف عامل الزّمان والمكان توظيفا جيدا لإبراز المسألة المطروحة، وإظهارها إلى القارئ، حتى يتمكن هذا الأخير من فهم أحداث القصّة واستيعاب مرامي الكاتب. فانطلاقا من أوّل القصّة يعلن الكاتب عن انتماء القصّة الزّماني ومنه إلى المكاني وسلاسة الانتقال التي اعتمدها الكاتب في التحول من الحيّز الزّماني إلى الحيّز المكاني، ودقة الرّبط بينهما لطرح المسألة طرحا يستجيب لأحداث القصّ، إذ بمجرد دخول البيطري إلى المخبر الحيز المكاني، يعلن الكاتب عن انفصاله عن الحيز الزمني، حالة الضّباب، فحالة الضّباب التي افتتح الكاتب بها القصّ، تعود بنا زمانيا إلى فصل الشّتاء ومكانيا إلى مدينة الضّباب "أنقلترا"، وبهذا الرّسم الدّقيق، يكون الكاتب قد أعلن أنّ الأحداث ستجري في هذه المدينة وسيقودنا إليها القصّ تدريجيا من خلال تمفصلات الزمان والمكان. ثمّ ينغلق المكان فتنحصر كلّ الأحداث في مخبر، تدور الأحداث فيه بين بيطري عالم كبير وفئران قد شبّ فيها حريق في إشارة إلى مسألة اليهود الذين استقدمتهم أنقلترا وأدخلتهم في أعلى دائرة سياسيّة وأحاطتهم بكلّ الرّعاية، لكن كعادة اليهود، فقد سبّبوا للقادة السّياسيين الكثير من المشاكل، فرأى هؤلاء الأنقليز أن يزرعوهم في فلسطين، وهنا أيضا يصوّر الكاتب سرعة الانتقال في المكان، فالتحوّل من أنقلترا إلى فلسطين يستدعي قطع مسافة طويلة مكانيا، ويستدعي الخروج من مكان والدخول في مكان آخر مغاير للمكان الأصلي الذي انطلق منه، وما يستدعي ذلك من تراخيص التنقل والمعاهدات الدولية للدخول في الحيز المكاني الذي لا ينتمي إليك، لكنّ خيال الكاتب قفز على كل هذه الحواجز، لأنها لا تعنيه بل كل ما يصبو إليه كان الوصول إلى نقطة الوصول مباشرة، فكأني به يقول: إن مشكلتنا هي هذه، وليس غيرها، فكانت الإشارة مباشرة إلى المكان، هذا المؤشر على معرفة أرض فلسطين، ومشكلة فلسطين، فلسطين المعروفة بالزّياتين والعوسج، فلسطين أرض السلام... ثمّ يصوّر الكاتب في دقّة بالغة حالة البيطري عندما اتخذ قراره في نقل هذه الفئران من حيّز مكاني ضيّق المخبر، إلى حيّز مكاني واسع بساتين أشجار من الزّياتين والعوسج، وكأنّي بالكاتب يريد أن يقول: إنّ تصرّف البيطري إزاء هذه الفئران كانت بمثابة المكافأة لا العقاب، إذ كان يفترض بالبيطري أن يعاقبها على فعلتها لا أن ينقلها إلى مكان أجمل وأرحب، فما كان من هذا البيطري إلّا أن سكب هذه الفئران المريضة بوباء خطير في أراضي فلسطين الجميلة، وقد أشار الكاتب إلى ذلك بذكر النباتات المميّزة لأرض فلسطين، واتّجهت تلك "الحشرات" المؤذية مباشرة إلى الأطفال والرضّع لتفتك بهم عن طريق نقل أوبئتها إليهم...