مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    تونس تتوقع صابة قياسية للتمور تقدّر ب404 آلاف طن هذا العام    تونس تطلق المنصّة الوطنية لرصد الأمن الغذائي foodsecurity.tn    ترامب.. إسرائيل ستخسر كل الدعم الأمريكي إذا ضمّت الضفة الغربية    أخبار النادي الصفاقسي ...رهان على المثلوثي لحل مشكلة الجهة اليمنى    بنزرت: سقوط حافلة يودي بحياة شاب في ورشة صيانة    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 17 و24 درجة    تطاوين: وفاة وإصابة إثر حادث مرور: التفاصيل    انطلاق أشغال المستشفى الجهوي صنف 'ب' بغار الدماء    أولا وأخيرا: «مبروك هالحصان»    ترشيح فيلم «قنطرة» لجوائز الأكاديمية الإفريقية للأفلام    مدينة القيروان تحتفي بالسّرد    عاجل/ القبض على عنصر خطير بحي ابن خلدون..وهذه التفاصيل..    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بورصة تونس تنهي حصّة الخميس على منحى إيجابي    قابس: تظاهرات عديدة تؤثث احتفالات المدرسة الوطنية للمهندسين بقابس بالذكرى الخمسين لانبعاثها    عاجل/ سقطت عليه حافلة: حادث مأساوي يُنهي حياة شاب ثلاثيني    عاجل/ السوق التونسية تشهد نقصا في اللحوم الحمراء يناهز 65%    الاولمبي الباجي يعلن رفع المنع من الانتداب    كيم كارداشيان تعلن إصابتها بمرض دماغي "خطير"    صفاقس: دعوة المربين إلى الوقاية من الأمراض الحيوانية    يوسف البلايلي ينعش خزينة أحد أندية الرابطة الأولى    لاعبة الترجي الرياضي تحقق رقما قياسيا في المسابح الفرنسية    افتتاح ندوة دولية حول التعاون التونسي الفرنسي في مجال الآثار    الاتحاد الإفريقي يحدد موعد قرعة دور المجموعات لدوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    المهدية: الأساتذة ينفذون وقففة احتجاجية بساعة في قاعات الأساتذة بالإعداديات والمعاهد على خلفية الاعتداء على أستاذة    مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 : ضبط النقاط التي ستتم إثارتها خلال جلسات الاستماع الى ممثلي رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الخارجية    سموتريتش: لم يكن تصريحي بشأن السعودية موفقا وأنا آسف للإهانة التي سببتها.. أتوقع ألا يضرونا    ترامب يعلن رؤيته بشأن محمود عباس ويطلق تصريحا مفاجئا بشأن مروان البرغوثي    شنيا صاير: فيضانات وانقطاع كهرباء واسع في فرنسا؟ ...وهذا هو السبب    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    بشرى لطلبة الهندسة الاتصالية: شهادة دكتوراه تونسية – يابانية لأول مرة...هذه التفاصيل    عاجل: ضربة موجعة لبرشلونة قبل الكلاسيكو...هذا اللّاعب خارج التدريبات!    التونسيتان بيسان وبيلسان كوكة تتوجان ببطولة مسابقة تحدي القراءة العربي في موسمها التاسع    عاجل/ الموت يفجع حركة النهضة..    عاجل/ اصابة تلاميذ في حادث حافلة نقل مدرسي بهذه الجهة..    أول رد من حماس على قرار محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني..#خبر_عاجل    المعلمون والأساتذة النواب ينتفضون ويحتجون أمام مقر رئاسة الحكومة..    خدمة دين الدولة لسنة 2026: انخفاض ب5,8 بالمائة وفق بيانات وزارة المالية    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس: العثور على جثّة امرأة وطفل في حالة حرجة داخل منزل    تونس تصنف ضمن افضل 25 وجهة سياحية في العالم ينصح باكتشافها سنة 2026    بمناسبة العطلة المدرسية: رحلات ترفيهية على ذمة التونسيين    عاجل/ أحداث قابس: هذا ما قرره القضاء في حق الموقوفين…    الدورة الخامسة للمعرض الوطني للصناعات التقليدية بولاية بنزرت من 24 أكتوبر الى 02 نوفمبر 2025    المسرح الوطني التونسي وبيت الحكمة ينظمان بتوزر ندوة فكرية حول "أسئلة الهوية والغيرية وتمثلات الذاتية في المسرح التونسي"    الصحة العالمية: إجلاء طبي ل 41 مريضا بحالة حرجة من غزة    نابل : التوصّل إلى حل نهائي لإشكالية فوترة القوارص وتسهيل نشاط صغار التجار ( فيديو )    رابطة أبطال أوروبا: ريال مدريد يواصل التألق وليفربول وبايرن ميونيخ وتشيلسي يحققون انتصارات عريضة    تهديد بالقتل لساركوزي داخل سجنه في باريس.. وفتح تحقيق عاجل    بذور اليقطين أم الشيا.. أيهما أغنى بالألياف والمغنيسيوم والبروتين؟..    وزارة الصحة: إطلاق مشروع التكفّل بحالات التوقف القلبي خارج المستشفى    ترامب: ألغيت لقائي مع بوتين في بودابست    المنستير ولمطة في عدسة التلفزيون الإيطالي: ترويج جديد للسياحة التونسية    العلم يفكك لغز تأثير القمر على النوم والسلوك    حقل البرمة: نحو حفر 10 ابار جديدة لإنتاج النفط والغاز    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المشهد والظل» لهيام الفرشيشي
نشر في الشروق يوم 19 - 06 - 2010

بين الحلم والواقع وشائج قربى وصلات رحم، وبين الحركة والسكون خيوط واصلة فاصلة وبين الرؤيا والهذيان دروب بعيدة وأخرى قريبة، تلك سمة قصص هيام الفرشيشي.
فبجمل فعلية قصيرة تحكي الحركة وتحاكيها، وتحكي المعقول في تقاطعه مع اللامعقول تسافر بك الى أقاصي الحيرة فتختلط عليك المسالك وتتداخل السجلات، تطوف بك الكاتبة على متن السرد وفي القصة الواحدة احيانا بين كهوف الواقع وشعاب الخيال، بين التسجيلي والتخيلي بلغة هادئة او هكذا تبدو الا انها لغة على هدوئها مخاتلة تبعث فيك الحيرة والانتباه وتستدعي فيك البصر والبصيرة اذ السمة الغالبة على قصصها عنصر المفاجأة ومراوغة أفق القارئ وانتظاراته كما هو شأن قصتها الموسومة بعنوان «خطوات القط الأسود» هذه القصة التي تداول عليها نوعان من الزمن نفسي في قولها عادت بها ذاكرتها الى حكايات امها وهي تطرز اللحاف ذات مساء كانت تتحدث عن ذلك الجني الذي يتقمص صورة قط أسود، ازدادت التصاقا بأمها وهي تمرر اصابعها على اثر مخالب القط على ساقها عندما داست ذيله دون ان تتفطن الى وجوده الى ان أحست بوخز الإبرة في جلدها. سعال ابنها يزداد حدة ومواء القط يزداد الحاحا وهو يخمش الباب وزمن فيزيائي في قولها «الريح تعبث بأوراق الأشجار. تشرع الابواب والنوافذ أحكمت «هدى» اقفالها لكن الريح ما انفكت تطرقها في إلحاج شديد، أسدلت الستائر وأرسلت شعرها وأرخته علها تتخلص من الاجهاد، تناهى إليها بكاء ابنها في غرفته المجاورة أحست بالقلق من سعال ابنها المتقطع ازاحت ستار الباب قليلا لتطل على الحديقة. الريح ما انفكت تولول عاصفة بالأغصان ابنها يتقلب على الفراش ويبكي. حملته بين ذراعيها وهدهدته متفحصة وجهه الشاحب الذي اختفى عنه كل تعبير. حتى الأماكن لعبت دورا في الكشف عن دواخل الشخصية وما يدور بخلدها من أحاسيس وذكريات اذ المكان لم يكن حيّزا تلتقي فيه الشخصيات ويحتضن الاحداث بل كان الاطار المكاني كما الاطار الزماني عنصرا حمّال ذكريات ويحيل على لحظات نفسية تحياها الشخوص كما في قولها من قصتها «خطوات القط الأسود» امتطت سيارة أجرة فوصلت الى قرطاج قبل الموعد المحدد. لم تتساءل لم اختارت ان تلتقي والدتها في هذه المنطقة الاثرية ف «قرطاج» أعمدة ثابتة تشدها رجلاها تخطوان برفق تتمرغان في التراب المبلل.. بين هذه الاعمدة كانت تقضي اوقات فراغها، تتأمل صور ذكرياتها وهي تتصفح مشاهد عاشتها رفقة والدتها وهي طفلة. هذا المكان مرآة لرجليها تتوقان للحركة، تبحث فيه عن وجه أمها الغائب. . كم مر من الوقت وهي تترقبها؟ الساعة تجاوزت الثالثة: لم لم تأت؟ هل نكثت وعدها؟ هل أوهمتها بالقدوم؟ غيابها شارف عقدين من الزمن، لقد اقسمت على الرحيل دون عودة اثر طلاقها... هل تغيّرت ملامح وجهها؟ الأعمدة الجاثمة تكسوها الخدوش والندبات... وجه امها هل شوهته التجاعيد؟ فالبناء القصصي لديها يحتكم الى ثنائيات من جنس (الواقع / الذاكرة) (الطفولة/الأمومة) (السكينة/الخوف) (الأحلام/الكوابيس) كما لعبة الوجه، والقفا، تتداخل السجلات والأزمنة والأماكن وتتقاطع تنفصل وتتواصل، تتواءم وتتنافر، لتزفّ فيما بعد للقارئ مناخات تراوحت مكانها بين الذاتي والموضوعي والعجائبي، كما تتناسل الأحداث من بعضها البعض فحدث يحيل على آخر بنسق استرجاعي والواقع (الهنا والآن) بالنسبة لشخصيات القصص يلعب دور القادح لتطفو بفضله الذاكرة على السطح وتحتل مكانها في سير اللحظة السردية كما في قصة «ظلال داكنة» في قول الراوي.
ذكرها وجهه بذلك الوجه العالق في ذاكرتها كان يتسلل بضراوة الى أنفاسها، يمتزج بشعورها الراسخ، ينسكب كتلك الطقوس التي تحولت الى تمتمات خاشعة نحو فسيفساء روحها . تتساءل: من يكون صاحب ذلك الوجه؟ قد يكون عرقا بربريا منفلتا، فوضى تضج بدفء المتوسط... أحلام هنا وهناك.. أسئلة تتشظى في العمق وتعلو على السطح كلما تشربت بالأفكار العصية عن كل يقين يبعث طمأنينة الورع، وكلما استبدت بها الدهشة... أغان، ألواح، أشعار، قصص، أشخاص يتحركون على الركح..» فالذاكرة حاضرة بامتياز في التمشي السردي للقصص، ولا تكاد قصة تخلو منها وكأننا بالشخصيات تعيش واقعها من خلال امسها القابع في قيعان الذاكرة، حتى العنوان الرئيسي للمجموعة القصصية والذي يعدّ عتبة من عتبات النص كان دالا على ازدواجية السرد في النص «المشهد والظل» وجهان لعملة واحدة، هي الذات الممزقة بين زمن ولى وبقيت أخاديده محفورة في الذاكرة، وزمن راهن يعاش من خلال الأمس والنص من خلال رصد معالمه ومناخاته وطرق تصريف الأحداث فيه يلخصه بيت شعري لصاحبه جمال الصليعي.
أنا المشغول بالأيام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.