سبق أن التقيت مع السيد بيتر شى سكرتير أول السفارة الأمريكية بالقاهرة في منزل السفيرة الأمريكية بالقاهرة قبل حوالي ثمانية أشهر، حين دعيت مع بعض الشخصيات المصرية للقاء السيد بوزنر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وقد أرسل إليَّ السيد بيتر شي عبر البريد الإلكتروني يطلب لقائي، والتقينا بالقاهرة بالمركز العام لجماعة الإخوان المسلمين يوم الأربعاء 5/9 /2012 في حوالي الساعة التاسعة صباحا، وجرى بيننا حوار دام حوالي الساعة عبر مترجم مصري من السفارة الأمريكية، وهذا أهم ما جاء في هذا الحوار: سأل السيد بيتر : كيف ترى المتبقي من العملية الانتقالية فيما يتعلق بالدستور وما يتلو ذلك من خطوات؟ وكيف ترى ما حدث في الشهرين الماضيين؟ وماذا سيحدث في الشهرين القادمين؟ وكانت إجابتي على النحو التالي: كانت الأمور واضحة في الشهرين الماضيين منذ انتخاب الرئيس، وكلها تصب في اتجاه مدنية الدولة وسرعة تمرير العملية الانتقالية، وفى نفس الوقت فإن الجمعية التأسيسية تقوم بمهمتها أيضا بشكل متواصل، وإن شاء الله بمجرد الانتهاء من الدستور وفى خلال فترة قصيرة سيتم دعوة الناخبين للاستفتاء عليه، وإذا تمت الموافقة فسوف تجرى انتخابات برلمانية، وبالنسبة للأحكام الانتقالية فلم تتم مناقشتها في الجمعية إلى الآن بشكل نهائي، وبالتالي حالما تجرى الانتخابات فسوف نكون أمام وضع مستقر تماما بإذن الله. قال السيد بيتر: الكثير كان قلقا حول ما سيحدث هذه الفترة، وقد يكون الكثيرون الآن متفائلين أنه على الأقل هناك طريق واضح تسير فيه الأمور، وهذا التفاؤل واضح لمن يقرأ المشهد وهو من خارج الصورة. وعلقت على ذلك بما يلي: أنا أعتقد أن هذا التقييم سليم إلى حد كبير جدا، وطبعا لا يمكن أن يكون هناك إجماع على شيء، هذا من طبيعة الحالة الإنسانية، لكن عندما نتكلم عن التيار العام الغالب على الشعب المصري فيمكن القول: إن هناك رغبة حقيقية في الاستقرار، وهناك دعوة في أوساط كثير من المصرين إلى النظر للمستقبل بشكل عملي، ولذلك لا يكون هناك تجاوب كبير مع محاولات الإثارة والتظاهر بغير مبرر، فالمصريون يخرجون للتظاهر إذا أدركوا واقتنعوا أن للتظاهر هدفا محددا يصب في المصلحة العامة، أما في غير هذه الحالة فالأعداد التي تخرج تكون محدودة، وهذا حقهم في التعبير عن الرأي في كل الأحوال. بشكل عام فالمصريون يرون أنهم انتزعوا حقا إنسانيا مهما في التعبير عن الرأي وحرية التظاهر، ولا يوجد توجه لدى المصريين للتنازل عن هذا الحق أيا كانت الحكومة القائمة، فهذا أصبح حقا أساسيا، وهذا يساعد أو يجبر أي حكومة قادمة على تفهم الوضع الصحيح، وبالتالي أتصور أن هذا كله يؤدى إلى دعم الحريات في المستقبل، وهذا شيء في غاية الأهمية. وبالنسبة للدستور هناك رغبة شديدة جدا لدى كل الأطياف الممثلة في الجمعية التأسيسية لتعزيز هذه الحريات. ثم قال السيد بيتر: لعلك لاحظت في الفترة الماضية أن الولاياتالمتحدة تحاول أن تكون شريكا جيدا ومتساويا مع مصر، وتحاول أن تقدم المساعدة التي تقدر عليها، والمساعدة في حفظ الاستقرار وقضايا الاقتصاد والتجارة، ولعلك لاحظت أن الولاياتالمتحدة في الفترة الماضية كانت هادئة، فلا تعليق على الدستور، ولا تعليق على كثير من القضايا التي تحدث في مصر، حافظنا على هذا الهدوء؛ لأنها قضايا مصرية بالأساس، تحل ويتعامل معها من الداخل. وقد علقت على ذلك بما يلي: الشيء الطبيعي أن الشعب المصري في حالة تحرر، وعلاقاته الدولية أيضا في حالة تحرر، وأعتقد أنها تتجه نحو التطور الطبيعي والسليم، ولا بد أن تعلم الإدارة الأمريكية أن هناك حالة ريبة في نفوس كثير من المصريين تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل عام، وبالتالي من المهم بناء حالة من الثقة بشكل طبيعي، من المؤكد أنكم تذكرون إلى أي مدى كانت ردود الأفعال سلبية فيما يتصل بتمويل ما يسمى المنظمات الحقوقية أو غيرها، وكيف نظر الشعب المصري إليها، ولا بد من أن تدرك الولاياتالمتحدةالأمريكية أن هناك تحررا حاصلا، وأن من مصلحة الجميع أن تكون هذه العلاقات على النمط الإنساني العام المتكافئ، ولابد أن تكون العلاقة علاقة شراكة، وليست علاقة توجيه أو تسلط أو استغلال الحاجة الاقتصادية للدولة في إملاء شيء معين. وبطبيعة الإنسان الشرقي عموما والمصري بشكل خاص فهو يرفض تماما فكرة أن يوجهه أحد، بل يرفض أن تكون التوجيهات للحريات والحقوق من الخارج، وهو في نفس الوقت يسعى إلى اقتناص حقوق كثيرة جدا، وأول باب تم الانتهاء منه في الدستور الجديد وكثر الكلام فيه هو باب الحقوق والحريات، وهو يفتح أبواب الحرية إلى أوسع مدى ممكن بما يناسب هوية الشعب المصري، دون وضع قيود على هذه الحريات. ولأول مرة ينص الدستور في أول باب الحريات على الكرامة الإنسانية كحق إنساني، وهذا شيء جديد على الدساتير بشكل عام. ولذلك فإن صانع القرار الأمريكي لابد أن يأخذ هذا التطور في الاعتبار . فعقب السيد بيتر بالقول: ربما تكون فهمت من كلامي أننا نتجاهل موضوع الحقوق والحريات، لكن ما قصدته أننا كشركاء كنا حذرين في الفترة الماضية من إطلاق أي تصريحات؛ لأننا نحترم العملية القائمة لوضع الدستور، لأن مثل هذه التصريحات لن تساعد وليس من الذكاء الإدلاء بها، وإننا نرى حقوق الإنسان العالمية هي ضرورة أخلاقية. ولكن ما هو أصعب الأمور أو القضايا في الدستور التي ينبغي مواجهتها وحلها؟ أنا أعرف كثيرا من المصريين عندما ثارت مسألة قانون ضد الحجاب في فرنسا أو ضد المآذن في سويسرا تحدثوا عن تلك القضايا، وعن رفضهم لها، فجائز تماما للجميع مسلمين أو مسيحيين في أي مكان أن يتحدثوا عن القضايا العالمية من منطلق أخلاقي. فأجبت عليه بما يلي: أنا تماما مع الواجب الأخلاقي الإنساني، فهذا أمر طبيعي، ولذلك نحن الشعب المصري أيدنا بشكل عام موقف الرئيس مرسى من سوريا، الذي هو موقف أخلاقي في المقام الأول، وهذا ما كنا نفتقده، ولا زلنا نرجو أن يكون العالم أخلاقيا مع نفسه، وبالتالي لا تكون هناك معايير مزدوجة، فيكون أخلاقيا في وقت وغير أخلاقي في وقت آخر، يغض الطرف عن ممارسات استبدادية في بلاد معينة، بينما يقيم الدنيا على حق بسيط في بلاد أخرى، نريد أن يكون هناك معيار أخلاقي واحد للإنسانية، ونتمنى من الشركاء محبي الحرية والإنسانية في العالم كله أن يكون هذا الجانب الأخلاقي له دور في الممارسة السياسية العالمية. بالتأكيد المصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول لكن في نفس الوقت لا ينبغي أن تكون غير أخلاقية، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني. نحن حرصنا في الدستور الجديد على الكرامة الإنسانية بشكل عام لكل البشر، وأن نعطى الحق لمن يلتجئ إلينا ممن يعانون في بلادهم من الممارسات السالبة للحقوق والحريات التي منحها دستورنا، لأن هذا أمر إنساني في المقام الأول، ونؤمن أن هذا الجانب الأخلاقي في السياسة الدولية يساعد على استقرار الأوضاع العالمية بشكل كبير جدا، وهذا شيء أعتقد أن كل محبي البشرية يسعون فيه، فأنا لا أختلف معك في هذا الجانب. لكنني فقط أردت أن أعلق وأقول: إنه في بعض الممارسات الأمريكية السابقة حتى ولو كان القصد نبيلا إلا أن هذه الممارسة الطويلة التراكمية تركت أثرا سلبيا عند استقبال الشعوب لكلام الأمريكيين عن الحريات، وبالتالي يحتاج الأمر إلى حديث محدد وواضح. لكن لا يتصور أن أمريكا الدولة الأولى في العالم تتخلى أخلاقيا عن الحديث عن الحقوق والحريات فهو شيء غير مقبول. وفيما يتعلق بالدستور والجمعية التأسيسية هناك حالة توافق عام من كل التيارات الموجودة في الجمعية على ضرورة التوصل إلى توافق، وألا يكون هناك إقرار للمواد بالتصويت قدر الإمكان، وعندما تكون صياغة توافقية فإنها ستحقق أمال المصريين المشتركة، ولن يكون في الدستور أي محاولة لتغليب توجه فكرى معين على بقية التوجهات أو حزب معين على باقي الأحزاب، وبعض المسائل قد تأخذ وقتا طويلا في المناقشة لكي يتوصل الجميع إلى توافق عام في الصياغة. وربما كانت أكبر المسائل التي أخذت بعض الوقت هي وضع الهيئات القضائية، فأنت تعلم أن مصر بها عدة هيئات قضائية و ليست هيئة قضائية واحدة، وحرص الجميع على أن يكون القضاء قويا ومستقلا وغير قابل بأي شكل من الأشكال للتأثير عليه يدفع الجميع إلى حوارات ومناقشات لضمان هذا بشكل حقيقي وليس بصورة شكلية. والأمر الثاني أيضا كان بعض المسائل المتعلقة بالقضاء العسكري، وهذا أخذ وقتا لأن هناك حرصا على أن تكون هناك شفافية في كل ما يتصل بالقضاء، سواء كان مدنيا أو عسكريا، لضمان حقوق المتقاضين، ولضمان الاستقلالية والشفافية والنزاهة في كل ما يتصل، والغرض لدى الجميع هو ضمان استقلال وحيدة وقوة الجهاز القضائي المصري . وهذه أول مرة في التاريخ يعمل واضعو الدستور دون الإحساس بأن هناك ضغطا عليهم من أية جهة، وكذلك أول مرة يحس الشعب بأنه يشارك في كتابة الدستور من خلال أكثر من 70 لقاء جماهيري في محافظات وجامعات مصر، ومع كل الهيئات والأحزاب ومن خلال الاستماع إلى كل النخب المصرية، لتقدم آراءها، بحيث يكون هذا كله أمام اللجنة التي تضع الدستور، فنقدم صياغة دستورية تحقق المأمول لدى الشعب في النهاية. فيما مضى كانت اللجان التي تضع الدساتير مكلفة من رئيس الجمهورية، وكان من الممكن أن يغير رئيس الجمهورية ما تضعه من نصوص جيدة قبل عرضها للاستفتاء العام، ولكن في هذه المرة الأمر مختلف تماما، فلا يوجد أي ضغط على الجمعية بأي شكل من الأشكال. طبعا هناك ضغوط شعبية، بمعنى أن كل فئة تحرص على أن تضمن حقوقها من خلال مواد الدستور، وهذا أمر طبيعي لا يدخل في دائرة الضغوط. وغدا أكمل لحضراتكم باقي ما جاء في هذا الحوار حول الفتنة الطائفية ومرجعية الأزهر والمادة الثانية من الدستور ومطالب المصريين في الخارج من الجمعية التأسيسية وطبيعة العلاقة مع الولاياتالمتحدة وقضايا أخرى.