المفكر الإسباني (غويتيسولو): من الصعب محو صورة المسلم التي كرستها الكنيسة في إسبانيا المغرب/ إدريس الكنبوري (خوان غويتيسولو) مفكر وروائي وكاتب إسباني له عدد من الأعمال الأدبية والدراسات الفكرية حول الاستشراق الإسباني وصورة العرب والمسلمين في الأدب الإسباني. اختار الإقامة في المغرب منذ ثلاثين عاماً، بعد إقامة طويلة بكل من باريس ونيويورك، وهو يكتب بشكل أسبوعي مقالات في الفكر والثقافة والسياسة بيومية(إيل باييس) الإسبانية القريبة من اليسار. التقيناه وأجرينا معه الحوار التالي: أولاً ما رأيك في زيارة الملك خوان كارلوس لسبتة ومليلية؟ قبل كل شيء أرى أن زيارة خوان كارلوس لسبتة ومليلية غير مناسبة، وأفهم أن للمغاربة الحق في العمل فيهما وأن يكون هناك استفتاء، ولا أريد أن أزيد على هذا. لكن هل تعتقد أن هذه الزيارة قد تسيء إلى العلاقات بين المغرب وإسبانيا؟ لا أعتقد أن الزيارة قد تفسد العلاقات بين البلدين في النهاية، فإسبانيا تحتاج إلى علاقات جيدة مع المغرب والمغرب يحتاج إلى علاقات جيدة مع إسبانيا؛ لأن الحقائق ستتغلب في الأخير، وشخصياً لدي نوع من التعاطف مع حكومة (رودريغيث زباثيرو)، لكن الحقيقة أن توقيت الزيارة فاجأني كثيراً. تعيش في المغرب منذ فترة طويلة، كيف ترى البلد من موقعك ككاتب كتب العديد من مؤلفاته فيه؟ أعيش في مراكش منذ عشر سنوات، وقبل ذلك عشت في طنجة ما يزيد على عشرين عاماً، المغرب بلد معقد بما يكفي، وبقدر ما تعرف أكثر بقدر ما يصعب عليك إعطاء رأيك، هناك العديد من الأشخاص الذين لم يفهموا الأمور جيداً ويصدرون مواقف، لكن بالنسبة لي لا أستطيع فعل ذلك، لماذا؟ لأن هناك جوانب تشهد تقدماً ونلاحظ فيها نوعاً من الحداثة، كما أن هناك جوانب أخرى يظهر فيها نوع من الجمود. إلى أي حد يحضر تأثير المغرب في أعمالك الأدبية؟ الثقافة العربية بشكل عام كان لها تأثير كبير جداً في مؤلفاتي، مثل التصوف مثلاً، لكن المغرب يحضر كثيراً في أعمالي خصوصاً في رواية (مقبرة) وخاصة في فصلها الأخير؛ إذ هناك وصف للمكان الذي أعلنته منظمة اليونسكو تراثاً إنسانياً عالمياً. أنت عشت متنقلاً في الكثير من البلدان قبل أن تستقر في مراكش، ما هو مفهومك للمنفى؟ بالنسبة لي كان المنفى نوعاً من البركة؛ لأنني لو بقيت في بيتي ما كنت سأتعلم الأشياء الكثيرة التي عرفتها بالعيش في الخارج. لقد عشت في فرنسا ثم في الولاياتالمتحدة وبعد ذلك في المغرب، وهذا مكنني من اكتشاف آفاق جديدة سواء فيما يتعلق بالثقافة الإسبانية والثقافات الإنسانية الأخرى والاطلاع على تأثير الثقافة العربية على الثقافة الإسبانية. هل تشعر بنوع من التناقض بين استقرارك في المغرب وانتمائك الإسباني؟ ليس هناك أي تناقض، بل هذا شيء أشعر بأنني أضفته إلى ثقافتي، ويبدو لي في بعض الأحيان أمراً مروّعاً أن يشكل الناس حولك فكرة معينة، فأنا من برشلونة، ولكني أيضاً باريسي؛ لأنني عشت حقبة كبيرة من حياتي في باريس، وأنا أيضاً مراكشي ونيويوركي. في بعض مقالاتك المترجمة التي جُمعت في كتاب (حدود زجاجية) تتحدث عن موضوع أثير لديك هو الهجرة، هل تعتقد أن هذه الظاهرة لا تزال قادرة على لعب دور الجسر بين المغرب وإسبانيا؟ إنها مشكلة لا يمكن حلها مع العولمة؛ ففي الوقت الذي نرى فيه السلع والرساميل تتحرك بحرية بين الحدود نرى في المقابل أن الأشخاص لا يستطيعون فعل ذلك، إنه تناقض رئيس، بينما نجد أن الناس كانت دائماً تهاجر منذ ظهور الإنسانية، منذ ما قبل ثلاثة آلاف سنة لتطوير أوضاعها وشروطها المعيشية. هناك أيضا قضية تهتم بها كثيراً في كتاباتك وهي حوار الثقافات، هل يمكن للمغرب وإسبانيا أن يضطلعا بدور ما في هذا الحوار؟ إن عدم المعرفة بالمغرب في إسبانيا يبدو لي أمراً غير عادي وغير مفهوم؛ لأن المغرب بلد قريب جداً، وقد ترك العديد من الأمثال والحكم التي مرت من اللغة العربية في الأندلس إلى اللغة القشتالية، وهناك الكثيرون الذين سألوني قبل ثلاثين عاماً: أي شيء يجذبك إلى الثقافة العربية؟ إنهم يرون أن الأمر ليست فيه أية مصلحة، هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح، هناك العديد من المستعربين الإسبان، لكنني أنا أول كاتب إسباني يعرف اللهجة المغربية، وأنا أرى هذا الأمر عادياً جداً بسبب التداخل الثقافي الذي يعود إلى قرون خلت. لاحظنا خلال زيارة خوان كارلوس لسبتة ومليلية في بعض الصحف الإسبانية أن عبارات مثل المورو والتركي لا تزال حاضرة في الخيال الإسباني. هل يعني هذا أن صورة المغرب بقيت هي نفسها لم تتغير؟ من الصعب محو مثل هذه الأوصاف التي كرستها الكنيسة والنزعة القومية الكاثوليكية واليمين الإسباني، والمرتبطة بشبح التهديد الذي يشكله المورو(المسلم) الموروث عن الحروب الإفريقية خلال الحقبة الاستعمارية والحقبة الجمهورية، فهذا ظل دائماً موجوداً في المخيال الإسباني بطريقة سلبية، وفي دراساتي حول الاستشراق الإسباني أظهرت بأن هناك كتابات في الأدب الإسباني يحضر فيها المورو بطريقة كاريكاتورية. لكن هذه الصورة تتناقض مع الصورة التي يجدها السائح الإسباني الذي يسافر إلى المغرب، ويكتشف أن الواقع مختلف تماماً عما يتم تصويره، لكن هناك فئة قليلة من المثقفين التي تستطيع أن تجرؤ على قول ذلك، وقد سببت لي صداقتي مع المغرب نوعاً من العداوة العميقة في الدوائر السياسية والثقافية الإسبانية. قبل كل شيء أرى أن زيارة خوان كارلوس لسبتة ومليلية غير مناسبة، وأفهم أن للمغاربة الحق في العمل فيهما وأن يكون هناك استفتاء، ولا أريد أن أزيد على هذا.لا أعتقد أن الزيارة قد تفسد العلاقات بين البلدين في النهاية، فإسبانيا تحتاج إلى علاقات جيدة مع المغرب والمغرب يحتاج إلى علاقات جيدة مع إسبانيا؛ لأن الحقائق ستتغلب في الأخير، وشخصياً لدي نوع من التعاطف مع حكومة (رودريغيث زباثيرو)، لكن الحقيقة أن توقيت الزيارة فاجأني كثيراً.أعيش في مراكش منذ عشر سنوات، وقبل ذلك عشت في طنجة ما يزيد على عشرين عاماً، المغرب بلد معقد بما يكفي، وبقدر ما تعرف أكثر بقدر ما يصعب عليك إعطاء رأيك، هناك العديد من الأشخاص الذين لم يفهموا الأمور جيداً ويصدرون مواقف، لكن بالنسبة لي لا أستطيع فعل ذلك، لماذا؟ لأن هناك جوانب تشهد تقدماً ونلاحظ فيها نوعاً من الحداثة، كما أن هناك جوانب أخرى يظهر فيها نوع من الجمود.الثقافة العربية بشكل عام كان لها تأثير كبير جداً في مؤلفاتي، مثل التصوف مثلاً، لكن المغرب يحضر كثيراً في أعمالي خصوصاً في رواية (مقبرة) وخاصة في فصلها الأخير؛ إذ هناك وصف للمكان الذي أعلنته منظمة اليونسكو تراثاً إنسانياً عالمياً.بالنسبة لي كان المنفى نوعاً من البركة؛ لأنني لو بقيت في بيتي ما كنت سأتعلم الأشياء الكثيرة التي عرفتها بالعيش في الخارج. لقد عشت في فرنسا ثم في الولاياتالمتحدة وبعد ذلك في المغرب، وهذا مكنني من اكتشاف آفاق جديدة سواء فيما يتعلق بالثقافة الإسبانية والثقافات الإنسانية الأخرى والاطلاع على تأثير الثقافة العربية على الثقافة الإسبانية.ليس هناك أي تناقض، بل هذا شيء أشعر بأنني أضفته إلى ثقافتي، ويبدو لي في بعض الأحيان أمراً مروّعاً أن يشكل الناس حولك فكرة معينة، فأنا من برشلونة، ولكني أيضاً باريسي؛ لأنني عشت حقبة كبيرة من حياتي في باريس، وأنا أيضاً مراكشي ونيويوركي.إنها مشكلة لا يمكن حلها مع العولمة؛ ففي الوقت الذي نرى فيه السلع والرساميل تتحرك بحرية بين الحدود نرى في المقابل أن الأشخاص لا يستطيعون فعل ذلك، إنه تناقض رئيس، بينما نجد أن الناس كانت دائماً تهاجر منذ ظهور الإنسانية، منذ ما قبل ثلاثة آلاف سنة لتطوير أوضاعها وشروطها المعيشية.إن عدم المعرفة بالمغرب في إسبانيا يبدو لي أمراً غير عادي وغير مفهوم؛ لأن المغرب بلد قريب جداً، وقد ترك العديد من الأمثال والحكم التي مرت من اللغة العربية في الأندلس إلى اللغة القشتالية، وهناك الكثيرون الذين سألوني قبل ثلاثين عاماً: أي شيء يجذبك إلى الثقافة العربية؟ إنهم يرون أن الأمر ليست فيه أية مصلحة، هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح، هناك العديد من المستعربين الإسبان، لكنني أنا أول كاتب إسباني يعرف اللهجة المغربية، وأنا أرى هذا الأمر عادياً جداً بسبب التداخل الثقافي الذي يعود إلى قرون خلت.من الصعب محو مثل هذه الأوصاف التي كرستها الكنيسة والنزعة القومية الكاثوليكية واليمين الإسباني، والمرتبطة بشبح التهديد الذي يشكله المورو(المسلم) الموروث عن الحروب الإفريقية خلال الحقبة الاستعمارية والحقبة الجمهورية، فهذا ظل دائماً موجوداً في المخيال الإسباني بطريقة سلبية، وفي دراساتي حول الاستشراق الإسباني أظهرت بأن هناك كتابات في الأدب الإسباني يحضر فيها المورو بطريقة كاريكاتورية. لكن هذه الصورة تتناقض مع الصورة التي يجدها السائح الإسباني الذي يسافر إلى المغرب، ويكتشف أن الواقع مختلف تماماً عما يتم تصويره، لكن هناك فئة قليلة من المثقفين التي تستطيع أن تجرؤ على قول ذلك، وقد سببت لي صداقتي مع المغرب نوعاً من العداوة العميقة في الدوائر السياسية والثقافية الإسبانية.