رئيس الفرع التونسي للعفو الدوليّة : من حقّنا أن نحاسب الدول التي صادقت على الإعلان العامي لحقوق الإنسان الجزء الأوّل حاورته :منية العرفاوي ماذا تحقّق للإنسانية بعد 60 سنة من ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وما هو موقف منظّمة العفو الدوليّة من التحوّلات السياسيّة والاقتصاديّة في العالم وما يستتبعها من خروقات فاضحة لحقوق الإنسان؟ وعن تحرّكات الفرع التونسي لمنظّمة العفو الدوليّة، حول قضايا العنف ضدّ المرأة ومناهضة عقوبة الإعدام، والموقف من واقع حقوق الإنسان في العالم العربي، والجدل الذي خلّفته نتائج المؤتمر الأخير للفرع...عن كلّ هذه القضايا تحدّث السيّد الحبيب مرسيط رئيس الفرع التونسي لمنظّمة العفو الدوليّة في حوار خصّ به مواطنون في الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ننشر لكم جزأه الأوّل في هذا العدد :
1-عاش العالم منذ أيام على وقع الاحتفال بمرور ستين سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كيف احتفلت منظمة العفو الدولية وفرع تونس بهذه المناسبة الهامة؟ -بدأ الاحتفال منذ عام تقريبا وذلك بصدور تقرير المنظمة في ماي 2008، وكان هذا التقرير بمثابة الخلاصة الشاملة لأهم المكتسبات والإنجازات التي تحققت لفائدة حقوق الإنسان خلال ستين سنة ففي قراءة شبه تقييمية لما تحقق للبشرية خلال هذه الفترة، وكانت النتيجة مع الأسف سلبية أو لنقل غير مرضية فما حققناه يعد جزءا بسيطا جدّا وبنود الإعلان العالمي الصادرة سنة 1948 أرست حقوقا متعددة ومن حقنا أن نحاسب هذه الدول التي صادقت على الإعلان بصفة تلقائية، فوثيقة الإعلان العالمي جاءت على إثر الحرب العالمية الثانية وما خلفته هذه الحرب من دمار ومآسي وقد أراد محررو الإعلان تجنيب البشرية ويلات مثل هذه الحرب مستقبلا. لكن يؤسفنا القول أن بعض البنود بقيت حبرا على ورق ولم تدخل بعد حيز التنفيذ الفعلي 2-تعهدت شعوب الأممالمتحدة سنة 1945 في مؤتمر " سان فرانسيسكو " بإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب إلا أن هذا التعهد وقع خرقه عالميا بالنظر إلى الوضع الراهن الذي أفرز تنامي ملحوظا لبؤر التوتر ، كيف تقيمون المسالة؟ وكيف تستطيع منظمة العفو الدولية كمنظمة غير حكومية حماية منظومة حقوق الإنسان من أي انتهاكات قد تعتريها ؟ -أكدّ السيد " إيران خان " الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في تقريرها لسنة 2008 أنّ العالم مازال موسوما باللا مساواة وبغياب العدالة وهو ما يحمل الدول مسؤولية تفعيل دورها في توفير المزيد من الضمانات لحماية حقوق الإنسان. فوثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين بعد ذلك، واتفاقيات جنيف والعهود الخاصة التي تعنى بفئات معينة مثل حقوق الطفل، المرأة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بحيث أصبح لدينا اليوم العشرات بل المئات من هذه المواثيق والعهود سواء كانت دوليّا أو إقليميا الأمر الذي يعدّ حدّ ذاته يعد مكسبا إنسانيا. 3-قد يساندك بعضهم القول بأننا نظريا حققنا مكاسبا ملحوظة خاصة على المستوى التشريعي غير أن جلّ الحقوقيين يرون أن الانتهاكات مازالت سائدة ووصلت حتى المس بسيادة الدول وقد يكون مرد ذلك أن المنظمات الدولية التي لها القدرة على الضغط مثل الأممالمتحدة تقاعست عن الدور المنوط بعهدتها؟ -منظمة الأممالمتحدة رأت النور في ظل موازين قوى متكافئة عالميا ونقصد المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي التقليدي وطبعا هذا التوازن اختل مع انهيار المعسكر الاشتراكي مع نهاية الثمانينات، فهذان المعسكران تحكما في مصير العالم على مدى عقود وهو ما خلق نوع من التوازن الاستراتيجي خاصة من الناحية السياسية، إلاّ أنّ اليوم ومع انفراد نظام القطب الواحد بقيادة العالم، أصبحت تشوب العلاقات الدولية نوعا من الضبابية مرده عدم اتضاح هذا النظام الذي يرمي إلى بسط نفوذه وسيطرته دوليا حتى على منظمة الأممالمتحدة التي أصبحت عاجزة عن إيجاد توازن معقول عالميا، فبوجود بلدان صاعدة مثل البرازيل والهند وأندونسيا الى جانب القوى التقليدية العملاقة مثل الصين وأوروبا بعد اتحادهما، كلها عوامل تضعف التوازن العالمي وتفرض على الأممالمتحدة إعطاء هذه الدول المكانة التي تستحقها عالميا وبالتالي فلا بد أن تخضع هذه المنظمة بدورها إلى الإصلاح الجذري حتى لا تبقى تدخلاتها متسمة بالوهن نتيجة الصراعات الداخلية خاصة وأن مجلس الأمن بدوره أصابه الشلل وكلّ الأجهزة التنفيذية للمنظمة تقريبا أصبحت عاجزة عن أداء الدور الموكول لها خاصة مع وجود دول مارقة لا تحترم القوانين الدولية مثل إسرائيل . 4- تزامنت الاحتفالات باليوم العالمي لحقوق الإنسان بانتهاكات صارخة لمبادئه الأساسية في أمكان مختلفة من العالم تشهد تصاعدا متواترا للعنف والمواجهات المسلحة ( غزة، العراق، الصومال ) فهل أنّ ذلك مرده عجز دولي عن إشاعة قيم حقوق الإنسان أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون إفرازا للتغيرات الجيو- سياسية الراهنة؟ -للأسف مازالت السياسة الدولية مبنية على المصالح وعلى التنافس على مصادر الثروات وتقاسم الكوكب، طبعا نحن لسنا طوباويين أو مثاليين كي نتصور سياسة مبنية فقط على القيم والأخلاق والمثل العليا، فلا بأس من الأخذ بعين الاعتبار بالمصالح ولكن يجب عقلنة هذه المصالح مع ما يتوافق والمبادئ الإنسانية حتى لا تؤثر مطامع الدول الكبرى في الدول الصغرى بشكل سلبي، فمن عبثية الأشياء أن جزءا بالمائة من ميزانية الدفاع للولايات المتحدة يخرج قارة كإفريقيا من جوعها المتقع والأمراض، فالثروات تتكدّس في دول الشمال وتنعدم تقريبا في بعض بلدان الجنوب، فكيف نجعل عالمنا ونجعل كوكبنا فيه حدّ أدنى من العدالة ومن التوازن ومن الكرامة؟ 5- أردف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باتفاقيات وبروتوكولات دولية متعددة، فهل يبرهن ذلك على أنّ منظومة متطورة حتى انه ومنذ الثمانينات وقع التبشير بالجيل الثالث من حق الإنسان كالحق في بيئة سليمة فكيف تنظرون إلى المسالة وما هي الآليات الكفيلة بتذليل هذه الصعوبات؟ - صحيح أن منظومة حقوق الإنسان هي منظومة متطورة بدأت بالجيل الأوّل ( الحقوق المدنية ) والجيل الثاني ( الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) ونحن الآن في الجيل الثالث وهي دليل على أن نصوص حقوق الإنسان هي نصوص حيّة ومتطوّرة هدفها الدفاع عن حقوق الإنسان دون هوادة، لكن نقطة الضعف الوحيدة ربّما هي قصور أدوات التنفيذ فلدينا مثال محكمة العدل الدولية لقد ناضل العديد من الحقوقيين منذ عقود لترى هذه المحكمة النور لكن رغم أنها وجدت اليوم فعليا إلاّ أنه مازال ينقصها دائما الفاعلية اللازمة والنجاعة الضرورية لأداء مهامها على أكمل وجه، وذلك لا يتم إلاّ بمسك أدوات تنفيذ قوية وهو ما لا يتوفر حاليا بحيث أن الكثير من الدول لا تعير اهتماما لقرارات هذه المحكمة ولا تتعامل معها وتضع أمامها العراقيل والحواجز وهو ما يضعف دورها ويهمّشه، وبالتالي فمن الضروري اكساب مثل هاته الهياكل الراعية لحقوق الإنسان المزيد من الصلاحيات ودعم أدوات ضغطها... 6-وما هي حسب رأيكم الآليات التنفيذية الواقعية الكفيلة بضمان عدم المساس بهذه الحقوق؟ -من أبرز الآليات هي تقوية جبهة ما يسمى بالمجتمع المدني، فهذه الجبهة تعاضد بشكل كبير منظومة حقوق الإنسان، وبتقوية الجبهات الداخلية وهناك دور المنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية أو الجامعة الدولية لحقوق الإنسان، أو هيئة أطباء بلا حدود إلخ...كلّ هذه الحركات لا بدّ أن تقوى عالميا ويصبح لها وزنها الذي يمكنّها من الضغط على الدول والحكومات لتوفير الضمانات القانونية لحقوق الإنسان، كما أن استقلالها المادي والسياسي يمكن هذه الحركات من الأخذ على عاتقها عملية الانجاز الفعلي للبرامج المدعّمة لحقوق الإنسان ولدينا في المثال الأوروبي تجربة فريدة وثرية في هذا المجال، فهناك منظمات تتبنى العينات المستهدفة حقوقيا وتوفر لها ما يلزمها من إحاطة ورعاية وتلبية احتجاجاتها ( مقاومة الفقر ...) ودوليا لدينا الهياكل التي تنطوي تحت راية المنظمة الدولية للأمم المتحدة مثل منظمة اليونسكو أو اليونيسيف، غوث...فكل هذه نماذج لنجاح التجربة الحقوقية عالميا ..) 7-ظهرت بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اتفاقيات إقليمية ترعى حقوق الإنسان إقليميا مثل الاتفاقية الأوروبية سنة 1953 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان جويلية 1981 والميثاق العربي سبتمبر 1997 إلى أي مدى حسب رأيكم تساهم هذه الاتفاقيات في تدعيم حقوق الإنسان إقليميا ودوليا؟ -هي علامة صحيّة لحركة حقوق الإنسان في العالم ككلّ دون التغاضي عن الخصوصيات الاجتماعية والارتباطات الحضارية بجهات أو بثقافات أو بعقائد معينة فمثلا في إفريقيا هناك خصوصية لحقوق الإنسان فحتى عند وضع البرامج الراعية لهذه الحقوق لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الاختيارات الخاصة ففي هذه القارة نلاحظ أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تتمتع بأولويّة الطرح كما أننا نهتم دائما بالخصوصيات الثقافية الوطنية والجغرافية والتاريخية والسياسية لأي تدخل حقوقي إقليمي ككلّ. -*** في الجزء الثّاني من هذا الحوار الذي سوف ينشر في العدد القادم، يتحدّث الحبيب مرسيط على واقع حقوق الإنسان في البلدان العربيّة، ومنطلقات منظّمته في مناهضتها لعقوبة الإعدام وموقفه من الضجّة الإعلاميّة وحملة الاحتجاج التي رافقت انتخابات المؤتمر الأخير لفرع تونس لمنظّمة العفو الدوليّة.
( صحيفة "مواطنون"، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 86 بتاريخ 28 ديسمبر 2008 )