فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    غزة: إستشهاد 15 فلسطينيا على الأقل في قصف صهيوني استهدف منزلا    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    كيف سيكون الطقس اليوم..؟    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    انطلاق امتحانات ''البكالوريا التجريبية'' اليوم بمشاركة أكثر من 143 ألف تلميذ    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    لدى تلقيه مكالمة هاتفية من السوداني..سعيد يجدد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    وزارة العدل توضّح    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يحق لنا أن نعتبر الربيع العربي ثورة؟ - أبو يعرب المرزوقي
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 09 - 2013

لم أتأكد من استئهال الربيع العربي اسم الثورة إلا بعد حصول حدثين لا لبس في دلالتهما إلا عند من يحتقر ذاته قبل أن يحتقر دور أمته في التاريخ الكوني. وأولالحدثين سلبي. وهو يخص أعداء الثورة في مستوى تجلي أفعالهما الرمزية والفعلية.والثاني إيجابي. وهو يخص أصدقاء الثورة في نفس المستويين مع ما يصاحب ذلك منالبشائر الدالة على أن الثورة أصبحت شأن الشعب كله. لم يبق الربيع العربي مجردعملية سريعة تقع في أحد الميادين (مصر) أو الساحات (تونس). لم تعد الثورة فزةيستحوذ عليها بعض النخب بأداتي استعباد الشعب أداتي السيطرة على أمنه (الجيشوالداخلية) ورزقه (أرباب العمل ونقابات العمال) المدعومتين بالإعلام الفاسدوالمرتزق لمنع الثورة من الذهاب إلى غايتها حتى تقتلع الاستبداد والفساد وعلتهالأساسية أي الانحطاط والتبعية من عروقها.
وحتى الاستراتيجية التي تجعل الثورة استئنافا لدور كوني بدأت به الأمةدخولها إلى التاريخ وبه ينبغي أن تستأنف العودة إليه فإنها بصدد التحدد لأنالرسالة تحددت صلحا بين قيم الأصالة وقيم الحداثة وحامليها تعينوا مقاومين بالطرقالحديثة لبناء الأمم بأدوات البناء العلمية والعملية. فالنخب التي اصطفت مع الثورةلم تعد نخبا ذات تكوين تقليدي قاطع مع الحداثة ولا نخبا ذات تكوين حديث قاطع معالأصالة بل هي في الحالتين نخب صالحت بين مقومي الوجود الحديث للأمة العريقة.
دلالة الحدثين الرمزين والفعليين
فأما الحدث الذي يخص الثورة المضادة فهو قد تجلى رمزيا وفعليا. فرمزيا كانتجليه متمثلا في مواصلة خراف عبد الناصر النسج حول وهميه الأساسين اللذين يستندإليهما الانقلاب الحالي المحاكي هزليا لانقلاب منتصف القرن الماضي. فهو لا يزاليهذي باعتبار أقطار الوطن العربي مجالا حيويا لمصر الفرعونية وليس شركاء في بناءالأمة (كتاب الثورةالسخيف) وينظر بسطحيةلفهم الصحوة الإسلامية التي يردها إلى مجرد مفعول ثانوي للتخلف والفقر (محاضرته السطحية في معرض الكتاب ذات سنة مضت). فيكون منظر النكبة الأولى قد عاد لنكبة لن تكون هذهالمرة إلا لصفه لأن الشباب لم يعد يقبل بأن يقوده خرف في أرذل العمر.
وكان تجليه الفعلي في مهزلة محاربة الجيش شعبه باسم حملة الإرهاب يقودهاحمار اسما ومسمى موهما بقايا النظام البائد بأنه سيكرر تجربة العقود الستة الماضيةفي عالم لم يبق فيه شيء مما جعلها تكون ممكنة. لذلك فهو في الحقيقة يعلن عنالنهاية المخزية لكل سلطان يفرضه العسكر والأمن على حياة الأمة السياسية بعد أنصار الشعب خصيمه ما يعني في الغاية عودته إلى مجرد أداة يستعملها السياسي ذيالشرعية.
وأما الحدث الثاني الذي يخص أصدقاء الثورة فهو قد تجلى رمزيا وفعليا كذلك.وقد تمثل تجليه الرمزي بصورة شديدة الوقع على أزمة الأمة الروحية. ذلك أنه مكنالشعب من تحديد رسالة الثورة: استئناف الأمة دورها التاريخي بمعايير العصر. وقد تجلى فعليا بصورة مطابقة للتجلي الرمزي إذ تم تعيينالحاملين لهذه الرسالة بصورة يصح وصفها بكونها من الرزق الإلهي من حيث لا نحتسب: الفاعلية الشعبية ذات المرجعية الإسلامية في كل مقوماتالدولة أي السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي وأصلها جميعا أي الجماعة قائمةالذات غير التابعة في التاريخ العالمي.
وما ساعد على هذين التجليين الرمزي والفعلي يقبل التعريف سلبا بتخلي النخبالعميلة للأنظمة الاستبدادية عن كل القيم التي ادعت الدفاع عنها بالقول بعد سقوطالاتحاد السوفياتي عندما تحولت إلى نخب ليبرالية مؤمنة بالديموقراطية وحقوقالإنسان. لكنها تخلت عنها بالفعل بمجرد الانتقال من القول إلى العمل لما تبين لهاأنها لا ثقل لها في رأي الشعب ما جعلها تكتشف أنها ليست بذات وجود ذاتي بل هيمدينة بوجودها للاستبداد والفساد. حينئذ سقطت أقنعة هذه النخب الطفيلية ولم يبقحاميا للقيم إلا من كانت تصورهم بصورة أعداء ما تسميه مكتسبات الحداثة: أعني الشعبوالحركات السياسية التي يثق فيها وفي مرجعيتها الإسلامية والتي تؤمن بهذه القيمإيمانا صادقا لأنها ليست عندها مجرد تظاهر بالحداثة بل هي عين ما تطلبه أصالتهاأعني العدل الاجتماعي والحرية السياسية المشروطة في المسؤوليتين الدنيوية والدينيةعلى حد سواء.
قوى الثورة المضادة المتحالفة
وبفضل حصول هذه العلامات الأربع (اثنتان رمزيتان واثنتان فعليتان) تأكدتهذه الأهلية التي تجعل الربيع العربي يستحق أن يسمى ثورة. فالانقلاب العسكري فيمصر وفكر نخبه الموروثة عن الفاشية الغربية الحديثة ومحاولات الانقلاب النقابي فيتونس وفكر نخبه الموروثة عن نفس الفاشية مع من يمولهم من الأنظمة التي تحكم بتحريفقيم الإسلام ونخبها الموروثة عن عصر الانحطاط من تاريخنا ومن يحميهم من توابعلإسرائيل وأمريكا تلك هي مكونات الثورة المضادة التي تجسدت عيانا في الانقلابينالعسكري في مصر والنقابي في تونس. لكن أهلية الربيع العربي باسم الثورة ليست بفضلالفرز الذي أظهر مكوناتها والمتحرر من الانحطاطين الذاتي والأجنبي فحسب بل كان ذلككذلك بفضل بشائر النصر المصاحبة للأحداث الرمزية والفعلية التي وصفنا.
فحصول الانقلابين أظهر ما يتضمنانه من حتمية الفشل لعلل أهلية (المناخ الوطني غير مآت) ولعلل أجنبية (والمناخ الدولي غير ملائم). ذلك أن موروث الفاشيتين في الأنظمة والنخب المتحالفةلتكوين صف الثورة المضادة بأركانها نظما ونخبا لم تعد حائزة على رضا الجماعةالوطنية ولا حتى على سندها الأجنبي الذي بات يبحث عن حلفاء لحماية ذاته من أخطارتتهدده ليس من الإسلام والمسلمين بل من أقطاب العالم الجدد. فكيف نفهم هذه القضاياالمتشابكة؟ ولم نعتبرها النسيج الحقيقيلأحداث الثورة التي كانت تبدو في البداية وكأنها مجرد صدفة تاريخية وتبينت فيالغاية المآل الحتم لمراحل الإحياء والتحديث خلال القرنين الأخيرين من تاريخ الأمةوعلاقاتها بمحيطها الجغرافي السياسي:
المسألة الأولى
فما دلالة الانقلابين العسكري والنقابي؟ أعني ما دلالة استعمال القوتينالماديتين لمواصلة استعباد الإنسان العربي؟
إن الدلالة ذات فرعين متحالفين يتداولان على فعل الاستبداد والفساد. فالسياسييتحول إلى قوة تستكمل ما لا تستطيعه غاية الفساد بغاية الاستبداد فتكون قوةالتعذيب. والاقتصادي يتحول إلى وقوة تستكمل ما لا تستطيعه غاية قوة الاستبدادبغاية قوة الفساد فتكون قوة التجويع. وإذن فالانقلابان يقعان بأي من القوتين أوبهما معا لأن كلتا القوتين تصبح قوة فساد مستبد أو استبداد فاسد يعملان بأداةالطاغوت ذات الوجهين المسيطرين على كيان الإنسان الجسدي لتخريب كيانه الروحي:التعذيب والتجويع. وهذا الاستعمال هو بالذات نقيض ما يعتبره القرآن الكريم أساسالعمران كما هو بين من سورة قريش: آمنهم من جوع وآمنهم من خوف.
المسألة الثانية
ما علامات فشل الانقلابين العسكري والنقابي؟ أعني ما دلالة استعمال القوتينالروحيتين لتحرير الإنسان العربي من خوف التعذيب وخوف التجويع؟.
إن الصمود أمام التعذيب غير ممكن من دون إيمان بما يتجاوز الدنيا. فلا يمكنلمن يعتبر نفسه فانيا فناء الجسد أن يصمد أمام التعذيب. وهذا الصمود أساسه ثقافةروحية حتما. لذلك فالثقافية الإسلامية هي التي تمكن الشعب من الصمود أمام التعذيبأداة الاستبداد القصوى. لكن التعذيب له درجة ثانية لا تكفي في مقاومتها ثقافةالشهادة الإسلامية. لا بد من ثقافة تتغلب على التجويع أداة الاقتصاد القصوى. وهذاأيضا مشروط بتربية ترضى بالقليل ومن ثم تتجرد من الحاجات التي يستعملها الفسادللسيطرة على العباد. فلا يكون الحصار الاقتصادي وقطع الأرزاق الذي هو أشد مضاضة منالتعذيب لأن الأول قد يقتصر عليك. أما الثاني فيمكن أن يمس أسرتك وأبناءك إذيجوعون عندما يقطع رزقك.
وهذه الدرجة الثانية من العذاب لا تصمد أمام التربية الإسلامية المبنية علىالقناعة في الدنيا وتفضيل الكرامة على سد الحاجات التي يستعبد بها الإنسان الذييخلد إلى الأرض ويأكل كما تأكل الأنعام. وفي الجملة فإن التغلب على الاستبدادوأداته القصوى التعذيب البدني والفساد وأداته القصوى التجويع الأسري لا يمكن مندون إيمان بالعدل الإلهي في الغاية. ومن ثم فالثورة لا تنجح من دون العودة إلىعامل الصمود الذي لا يقهر أعني الإيمان.
لذلك فغاية الأمر هي غلبة الثقافةوالتربية الروحية على الثقافة والتربية المادية ومن هنا فالثوار ذوو المرجعيةالروحية لا يمكن أن يغلبوا أبدا. وتلك هي دلالة المنزلة التي توليها الثقافةوالتربية الإسلاميتين للشهادة والصوم. وليس بالصدفة أن كان المكان ميدان رابعةالعدوية رمزا للصمود الصوفي ممثلا بمن يظن الجنس الضعيف أمام المغريات. وكانالزمان رمضان المعظم في أهم حدث جلل جسد الصمود أمام آلة التعذيب والتجويع فيالانقلاب العسكري اللئيم كما حسد البربرية والوحشية لحثالة الانحطاط الفاشي ونخبهالحقيرة.
المسألة الثالثة
ولم نعتبر المناخ المحلي غير مآتلما يطلبه أصحاب الانقلابين؟ أعني ما الذييدل على أن الشعب تجاوز المقابلة بين مطالب التأصيل (الإيمان بالمتعاليات) ومطالبالتحديث (العناية بالوجود الدنيوي) من حيث طابعهما السياسي وظائف للدولة وقيماللمجتمع؟
لقد اجتمع لأول مرة في الممارسة الفعلية مفهوم الشرعية وقيمها رمزا للحداثةومفهوم الشريعة وقيمها رمزا للأصالة اجتماعا إيجابيا عند الإسلاميين واجتماعاسلبيا عند الانقلابيين الذين تخلوا عن الأولى لمحاربة الثانية: وتلك هي دلالةرابعة والنهضة وقبلهما القصبة الثالثة التي جمعت بين القصبة صمودا والمسجد أصلالكل صمود. كما فهم الإسلاميون أن شرط النجاح في الجمع بين الشرعية والشريعة لايكفي فيه ربح المعركة الداخلية بل لا بد من شرط أشمل وأهم من أجل الصلح بينالأصالة والحداثة: إنه الاستراتيجية السياسية التي تحقق في آن الصلح بين الشرق والغرباللذين يشتركان في الكثير من القيم الروحية والعقلية بسبب وحدة المصادر وبسببالدور المشترك بالتزامن والتوالي في تأسيس الحضارة الحالية التي تعتمد على الأديانالسماوية روحيا وعلى الفلسفة اليونانية والعربية واللاتينية والحديثة عقليا.
وذلك هو شرط التوازن الضروري مع الحضارات الأخرى التي تمثل ثلاثة أرباعالبشرية والتي التي يمكن الرمز إليها ببقايا الانحطاطين في العالم كله مع ما تمإحياؤه من الحضارات القديمة في آسيا وأمريكا وإفريقيا. فهذه الحضارات على قيمتهاليست أقرب إلى قيم حضارتنا من القيم الغربية عند البحث في الأصول والتحرر منانحرافاتها والعداوات التاريخية التي ينبغي تجاوزها من أجل مستقبل أفضل للعالم.ومن يعتقد غير ذلك يعتبر حضارتنا هي ما بقي من شوائب انحطاطها في الأشكال الثقافيةالمتخلفة التي تحالف الثورة المضادة لأجهاض عودة قيم الإسلام لدورها التاريخي.
والسر في هذا الانقلاب الذي جعل الثوار يحققون شروط هذه الاستراتيجية هوالسر الذي لم يفهمه حلف الثورة المضادة: إنه دور الثقافة والتربية الإسلاميتين فيالثورة وعلل الصمود السلمي الأسطوري للشعب المصري ضد الانقلاب الذي استعملت فيهاكل الطرق التي لم يجرؤ عليها حتى هتلر في حرق البشر جهارا نهارا في الساحاتالعمومية (لأن ما اتهم به هتلر كان مخفيا عن الأنظار). ذلك أن هذا الصمود السلمي الأسطوري حررالإسلاميين من الاستراتيجية الانفعالية التي تتصور العنف الفوضوي عديمالاستراتيجية قابلا لأن يحقق القيم التي من أجهلا ثارت الأمة. يمكن القول إناستراتيجية ابن لادن لم تمت يوم قتل في أفغانستان بل يوم فهم الشعب المصري منذالمراجعات أن المقاومة الحديثة لها فنون واستراتيجيات مجرد استعمالها يمثل بلوغالسن الرشد السياسي في الثورة العربية الإسلامية.
كما أن ما لم يفهمه أصحاب الثورة المضادة هو أن العملية نفسها كانت في آنتمثيلا حيا لما آل إليه انحطاط الأنظمة والنخب المزعومة قومية وحديثة تحريفا لقيمالحداثة وانحطاط الأنظمة المزعومة إسلامية وأصيلة تحريفا لقيم الإسلام من استبدادوفساد أصبح متعينا في ما بات عند الشعب الأمر المرغوب عنه باعتباره ضديد قيمالثورة المرغوب فيها. ومن ثم فالثورة أصبحت متحررة من الانحطاطين وثورة علىالاستبداد والفساد من أجل الحرية والكرامة المشروطتين بالتخلص من التبعية.
وإذن فالقيم المرغوب فيها عند الثوار هي تحرير القيم الإسلامية والحديثة منالانحطاطين وما أديا إليه من فاشية تحكم بالتعذيب والتجويع وبالتبعية ومن ثم تحقيقالصلح السوي بين قيم الأصالة التي تحرر من احتقار الآخرة وعبادة الدنيا وقيمالحداثة التي تحرر من احتقار الدنيا وعبادة الآخرة حتى تصبح سعادة الدنيا وسعادةالآخرة غاية الإنسان الحر والكريم. وقد فهم الفكر الغربي السامي المتحرر من الصورةالمنحطة عند النخب الأمية التي تدعي الحداثة: فهذا الفيلسوف هاينه في تاريخه للأدبالغربي بعد عصر التنوير يصف هذا الصلح بين الروحي والمادي وبين الأخروي والدنيويباعتباره أهم قيمة غائبة في المسيحية القيمة التي تدين بها الحداثة السوية كما يسعىإلى تعريفها جوته في أدبه تدين بها للإسلام.
المسألة الرابعة
ولم نعتبر المناخ الدولي غير ملائم لوجود الانقلابيين؟ أي كيف تمنع العولمةوصراع العماليق اقتناع القوة المسيطرة على الوضع العربي الشامل من الرضا بحلفاءفاقدين للشرعية الشعبية؟
لم يعد المناخ الدولي ملائما لوجود الانقلابيين حتى وإن كان يحتاج إليهمأداة لابتزاز الثوار من أجل المحافظة على بعض ما كان حاصلا عليه من امتيازات فيالعهد الذي كان فيه السلطان السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي بيد النظامالقديم ونخبه. لكن منطق الثورة الشعبية بالتوازي مع منطق العولمة وما فيه منإكراهات ناتجة عن صراع العماليق يمنع قبول القوة الداعمة للانقلابيين من محاربةالشعوب الثائرة إذا كانت لها استراتيجية ذكية ونخب مماثلة لنخب اليابان وكورياوألمانيا لتفضيل حلفاء فاقدين للشرعية الشعبية لن يساعدوها بل يكونون عائقا أمامتحصين الحضارة الحديثة من أهوال ما نرى العالم مقدما عليه بسبب ما كان علة الحروبالبدائية: المكان المتضايق وأسباب العيش المتناقصة. ذلك أن هؤلاء الحلفاء الذينيمثلون الثورة المضادة هم بدورهم بحاجة إلى حماية ومن ثم فهم عالة ولا يمكن أنيكونوا سندا لمن يحتاج إلى حلفاء أقوياء في العولمة وصراع العماليق.
وهذه السياسة هي التي جعلت أمريكا تتعامل مع شعوب أوروبا ضد الاتحادالسوفياتي حتى تحررت أوروبا من كل الدكتاتوريات وتوحدت بالحلف مع أمريكا. ونفسالأمر يقال عن اليابان وكوريا وجل البلاد التي اختارت أن تبني نفسها بالنظر إلىالمستقبل وتتحرر من العداوات المبنية على تحليلات ماضوية لا تتعامل مع العصربمنطقه. لذلك فالربيع العربي يمكن أن يتحالف مع أقرب الحضارات إلى حضارته فيالصراعات المقبلة التي يمكن أن يكون الوطن العربي والعالم الإسلامي موضوعها فنكونحينها إذا بقينا بمنطق دونكيشوت مجرد موضوع للصراع الدولي بدلا من أن نختاربالمقاومة الإيجابية التي تفرض على العدو المباشر الاختيار بين التعاون معنا فيمشروع النهوض أو القبول بما نلجأ إليه حينئذ أعني منطق علي وعلى أعدائي.
المسألة الأخيرة
وأخيرا لماذا نعتبر الربيع العربي قد أصبح جديرا بأن يسمى ثورة شاملة للأمةكلها؟ ولماذا تقتضي هذه الجدارة تغيير اسمه ليصبح من الآن فصاعدا ملقبا باستئنافالأمة لدورها التاريخي الكوني بفضل ما لثورتها من تجاوز الثورة الإسلامية سنالمراهقة التي تمثلها محاولات ابن لادن إلى سن الرشد الثورة التي تمثلها الشوارعالعربية التي تحولت ثورة إسلامية بمنطق حديث.
إن التحرر من النظر إلى المستقبل بعيون الماضي ومن المقاومة السلبية التيهي بالأحرى تنفيس عن الغضب وليست استراتيجية بناء أمة هو الطريق السليمة لتحقيق ماحققته اليابان وألمانيا وكوريا وكل أوروبا عندما سعت لاعتبار الوحدة الحضاريةالماضية منصة انطلاق بما فيها من إيجابيات وليست عائقا للبناء الملتفت إلىالمستقبل: فأوروبا ليست روما القديمة ولا هي الإمبراطورية المسيحية الوسيطة بل هيأفضل ما فيهما مع القيم الحديثة وبمنطق أدوات الفعل الحديثة. وكذلك ينبغي أن تكوندار الإسلام والوطن العربي. ليس الخلافة الوسيطة ولا الانحطاط الموروث عن توقفالإبداع العربي الإسلامي ولا الانحطاط الموروث عن الاستعمار بل هو بناء فدراليةعربية في مرحلة أولى تليها مراحل لبناء كمنوالث إسلامي يسهم في استئناف الرسالةللمشاركة في تحديد آفاق البشرية المقبلة. عندئذ وعندئذ فقط يصبح ما حدث في الموجةالثانية من الربيع العربي فجر عهد جديد في تاريخنا الحديث. ومن ثم فهو أهل لأنيسمى ثورة.
فهو ثورة لأنه لم من الاستبداد والفساد في الحكم البدائي والنخبة العميلةالمحيطة به والمستفيدة من تعذيب الشعب وتجويعه حتى تستعبده بأفكارها السطحيةوحداثتها الزائفة.
بل حررنا من الاستبداد والفساد في المقاومة البدائية بالأسلوب الذي حررتنامنه رابعة والنهضة ورموزهما في ثورة شعب كامل ضد أدوات التعذيب والتجويع.
تلك هي العلل التي تجعلنا نعتبر الربيع العربي قد أصبح جديرا بأن يسمىثورة. وهذه الجدارة تقتضي أن نغير اسمه ليصبح من الآن فصاعدا ملقبا باستئناف الأمةلدورها التاريخي الكوني بفضل ما لثورتها من تجاوز الثورة الإسلامية سن المراهقةالتي تمثلها محاولات ابن لادن في المقاومة البدائية التي كانت مفهومة قبل ثورةالشعوب لكنها أصحبت ضررها أكثر من فائدتها كما نرى ذلك في ما يجري في سورية. فبدلامن أن يكون الشباب المتطوع لمساعدة الشعب السوري مساعدا له صار ساعيا إلى أن يتحولإلى قوة احتلال لتأسيس إمارة. وكان من المفروض أن ينضوي الشباب المتطوع تحت إمرة الجيشالحر ليدعم صفوفه لا أن يؤسس لما سيجعله في حرب مع الشعب السوري لاحقا فضلا عنكونه صار حجة على الثورة في بروباغندا أعدائها وحائلا دون المساعدة الدوليةللثوار.
لكن الأمل معقود على أن الثورة ستصل إلى سن الرشد لأنها لم تعد قضية أفراد يتطوعون بل هي صارت شغل الشوارع العربية الشاغل ومن ثم فهي قد أصبحت ثورة شعبية متحررة من الأفعال البدائية المنفسة عن أحوال النفس بدلا من أن تكون عناصر في استراتيجية بناءة لاستئناف الدور الإسلامي بمنطق حديث. فليس المطلوب أن نعادي الغرب عقديا بل أن نقاوم بالطرق الحديثة من يحول دوننا وحقوقنا وأهمها شروط أداء دور أمتنا في التاريخ الكوني: وهذا ما فهمته أوروبا واليابان والصين وكورياإلخ.... فتم لهم النجاح في الخروج من الهزائم.
فإذا وجد ما يمكن من التحالف مع الغرب على أساس أداء الدور ونيل الحقوق فلا مانع.
ويكفي أن نذكر أن القرآن الكريم قد فاضل بين الخصوم فانحاز إلى الروم ضد الفرس في كلامه على حربهما من حول مجال فعله.
تونس في2013.09.14
والله وليالتوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.