شخصيا لا ثقة لي في أي مبادرة لحوار وطني-أو بالتحديد للانقلاب الوطني"الناعم"- يكون وراءها الرباعي الحارس لمصالح الدولة العميقة وواجهاتها الحزبية"الانقلابوقراطية" (والذي هو اختزال واعادة تموقع وتوزيع للأدوار بين مكوّنات النظام النوفمبري المعدّل "ثوريا" والمحميّ بالحصانات المافيوزية المنبثقة بعد 14 جانفي 2011 )، كما أنه لا ثقة لي في حيادية هذا الراعي للحوار الذي كان من المفروض أن ترفض الترويكا وظيفته التحكيمية لأنه في نهاية التحليل ليس إلا جزءا بنيويا ووظيفيا من قوى المعارضة. وأحسب أنّ أي مبادرة تخضع لابتزاز الوسيط وتواطئه ولاحياديته لن تكون إلا مبادرة انقلابية في جوهرها مهما أظهرت من رغبة"صورية" في الدفاع عن المجلس التأسيسي أو الحفاظ على سلطته الرقابية على الحكومة التكنوقراطية(أي التجمعية-اليسارية) القادمة...إنه انقلاب ناعم، لن يكون محصوله أي انتخابات، بل مجرد تسويف بانتخابات لن تقع إلا عندما يتم التخلص من الجسم الغريب على "الجسد السياسي" التونسي، أي التخلص من الإسلاميين بمختلف تموقعاتهم ومواقفهم من الدولة المدنية ومن العمل السياسي"القانوني"...وهو أيضا إرهاص ب"إجماع وطني" حتمي شبيه بالإجماع الوطني الذي مهد للمحرقة الإسلامية الأولى في بداية التسعينات من القرن الماضي، وهو ما سيرتدّ بالحقل السياسي التونسي إلى ما قبل 23 أكتوبر (بل إلى ما قبل 14 جانفي 2011)، أي إلى التحالف الاستراتيجي بين المترسبات التجمعية (الرأسمال اللاوطني) وبين الضغائن الايديولوجية ( اليسار الاستئصالي)، ذلك التحالف الذي شرعن المحرقة الأولى وأسس لاستبداد بن علي وتجمعه، وهو التحالف نفسه الذي سيعمل على شرعنة المحرقة الثانية تأسيسا لتجمع القوى الاستئصالية-الانتهازية، أو ما سيُسمّى مجازا بالإجماع الوطني المدافع عن النمط المجتمعي التونسي"الرائد"(وهو خطاب يرث خطاب صانع الصناديق والمرزقة الخاص ب"المعجزة التونسية" لكن مع تركيز مطلق على الجانب الثقافوي للصراع)... عادل بن عبد الله