يتساءل الكثيرون عن أسباب عدم سحب المبادرة العربية ، بعد تواصل المحرقة في غزة ، وجاء الرد العربي الرسمي على ذلك بأن "سحب المبادرة لن يوقف العدوان "أو لا يوجد بديل عن المبادرة . في حين يواصل الكيان الصهيوني تغيير الحقائق على الأرض ، ليس في القدس والمناطق المحتلة في سنة 1948 م فحسب ، بل في غزة والضفة الغربية ( الدولة الفلسطينية الموعودة ) . ومن المؤكد أن ما يجري في غزة اليوم من مجازر يومية ، ومن وحشية صهيونية مرده للمبادرة العربية ، التي أسقطت حق المقاومة ، وحكمت على نفسها بالفشل الذريع ، حيث لم يسجل التاريخ تحرر شعب من ربقة الاحتلال بدون مقاومة . وعندما أسقط النظام العربي من قاموسه حق المقاومة ، فإنه بذلك كشف المقاومين وجعلهم بمفردهم في ساحة النضال ، مما أغرى ويغري الكيان الصهيوني بالاستعانة بصمت الأنظمة على تصفية المقاومة ، وإبادة الشعب الفلسطيني في غزة . ويمكننا القول بكل ثقة بأن ما يجري في غزة من تداعيات المبادرة العربية الرسمية ، والتي استغلها العدو الصهيوني دون أن يعترف بها أوالقبول بما تضمنته من نقاط وبنود ومقايضات . جناية المبادرة العربية : وإذا ما تحدثنا عن المبادرة في حد ذاتها ، نجد أن السقف الذي وضعه النظام العربي الرسمي ، وراء الرفض الصهيوني لها . فقد وضع سقفا منخفظا ، أغرى الصهاينة بإظهار قدر كبير من الاستخفاف واللامبالاة والتجاهل وحتى الرفض . وهي استراتيجية تهدف لتفكيك المبادرة وإعادة تركيبها بما يخدم الأهداف الصهيونية ، وتجعل من طرحها لحل القضية الفلسطينية الحل الوحيد . ومن هنا نفهم الاعلان الصهيوني بأن ، المبادرة العربية ، " تصلح كأساس للتفاوض" . فهل كان النظام العربي الرسمي من السذاجة والغباوة لدرجة يضع فيها مبادرة قابلة للتفاوض بسقف منخض . أم كان من السذاجة والغباوة ، لدرجة اعتقد فيها بأن مبادرة متكاملة وتحظى برضا جميع الأطراف سيتم التلهف عليها والقبول بها ، وهو ما لم يتم على مختلف المستويات ، سواء من الجانب الاوروبي ، أو الاميركي فضلا عن الصهيوني !!! كان يجب أن يكون السقف أعلى ، والدخول في مفاوضات تحقق ما تم تحبيره في المبادرة . كان على النظام العربي الرسمي أن يراعي النخب والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وقوى الضغط والتأثير في الدول العربية وقبل ذلك الفلسطينيين جميعا قبل أن يعلن مبادرته . وغياب كل ذلك مسؤول عما يجري اليوم في غزة . وهذا ما يفسر العجز العربي في مواجهة الابادة في غزة ، والهولوكوست في غزة ، والجرائم بحق الانسانية في غزة . فقد أعلن السلام خيارا استراتيجيا من جانب واحد وإلى الأبد كما يبدو ، حتى لو غزا الكيان الصهيوني أراضي الدول العربية واحدة تلو الأخرى ، كما يهدد الأردن وسوريا ولبنان . كانت المبادرة فوقية ، ولذلك طالب الكيان الصهيوني بجعلها إطارا للتفاوض ، فهو لا يقبل المبادرات الجاهزة ، لكن النظام العربي ، لم يكتسب خبرة من خلال تعاطيه مع ملف القضية الفلسطينية ، ومع الكيان الصهيوني تحديدا . ولم تكن العقود التي قضاها في الحكم ، سوى سنوات خدمة مجردة من اعتبارات الممارسة ، بل سلسلة من الاخفاقات والفشل المركب . وما يسمى بالمبادرة العربية ، وما يجري في غزة كأحد تداعياتها أكبر دليل على ذلك . المقاومة ليست جنونا : إذا نظرنا لما قدمه الشعب الفيتنامي من تضحيات ، يفوق 3 ملايين ضحية ، وإذا نظرنا إلى ما قدمه الجزائريون ، مليون شهيد ، في حين لم تتجاوز خسائر الاحتلال في كلا الدولتين على حدا المائة ألف جندي ( 70 ألف في فيتنام من الجانب الاميركي ) ندرك بأن النجاح والفشل لا يقدر بعديد الضحايا وإنما في تحقيق الحرية للشعوب . ومن الطبيعي أن لا يفهم غير المنبثقين من الشعب تلك الحقائق ، ومن الطبيعي أن يسفه من لا يمثل أمته وشعبه مثل هذه الثوابت ، ولكن من غير الطبيعي أن ترضى الامم بمثل هذه القيادات الفاشلة والغبية إن لم نقل الجبانة والمتواطئة . وعندما تضحي غزة ، ورجالات غزة ، ويقدمون الميئآت من الشهداء ، فإنها تسطر تاريخا جديدا من الجهاد والنضال ، لتصحيح خطايا النظام العربي الرسمي من المحيط إلى الخليج . وتكون غزة ليس في حالة دفاع عن النفس فحسب ، بل في حالة دفاع عن الحقوق والقيم الاسلامية والانسانية التي تعطي الحق للضحايا في الدفاع عن أنفسهم . وغزة لا تدافع عن نفسها فحسب بل تدافع عن الاسلام والعروبة الحقة والانسانية في بعدها التحرري . وكما أحبطت المقاومة العراقية محاولة أميركا السيطرة على العالم ، فإن المقاومة في فلسطين وتحديدا في غزة في مهمة احباط محاولة الكيان الصهيوني السيطرة على العالم العربي . فهناك مسؤول عربي كبير أعلن قبل محرقة غزة بأن معظم الدول العربية مستعدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني . وذلك بعد الاختراقات الكبيرة من قبل الموساد للانظمة الامنية العربية ، وللكواليس العربية ، وللحكومات العربية . وإذا ما عدنا إلى المنطقة نجد أن جنوب لبنان تحرربالمقاومة وليس بمبادرة عربية ، بل إن غزة لم تتحرر سوى بالمقاومة ، حيث فر الصهاينة من القطاع تحت ضربات المقاومين . وبالتالي فإن الأنظمة العربية في حاجة للمقاومة حتى يقبل بها الكيان الصهيوني ، كما في حاجة لرفع سقفها كما سلف ، وإلا فإنها ستظل دون الحبر الذي كتبت به . ولأن المبادرات لا تحتاج للنوايا الحسنة فحسب ، بل هي بالدرجة الاولى إفراز لموازين القوى . والكيان الصهيوني لن يقبل بالسلام العربي على قاعدة الصداقة ،ولا حتى التطبيع ،وفتح الاسواق ، فهي على يقين بأنها ستحصل ( حصلت ) على ذلك دون تنازلات ، ولكنها ستفعل ذلك إذا وقف العرب كل العرب وراء المقاومة الدائرة اليوم في غزة وغير غزة . يكفي النظام العربي الرسمي أن يعلن عن نيته سحب المبادرة لادخال بعض التعديلات عليها ، وإعادة صياغتها من جديد ، ومن ثم دعوة الآخرين للتفاوض على بنودها حتى يتم التوصل إلى سقفها الحالي المنخفض أصلا . إدخال تعديلات داخلية : النظام العربي الرسمي مدعو أيضا لادخال تعديلات ، على وضعه الداخلي وعلاقاته بالاحزاب والجماعات والقوى المختلفة . وذلك لكسب مصداقية ليس لدى الشعوب فحسب ، بل لدى المجتمع الدولي الذي ينظر للانظمة العربية على أنها سلطات استبداد وديكتاتورية ، يكفي تعييرها بذلك لتوقع وتقبل بما يملي عليها . ويتوقف مع الحكام العرب كما يتعامل مع التجار امتيازات هنا وتعويضات هناك ، وسكوت هنا وسكوت هناك بموجب نظام الصفقات . وللأسف فإن الأطراف المتعاملة مع النظام العربي الرسمي ، تحقق من تعاملها مع السلطات العربية مصالح شعوبها ، مقابل تحقيق مصالح أفراد داخل المنظومة العربية على حساب الشعوب العربية والامة الاسلامية . ومن العار أن يكون الحكام في العالم يعبرون عن مواقف شعوبهم وتوجهاتها ، بينما تساق شعوبنا وتحكم بغير ما ترتضيه وتقره وترغب فيه ، وكأنها قاصرة ، أو هكذا ينظر إليها من أبراج السلطة المستبدة و الحكم العضوض . المبادرة العربية في خطر : بعيدا عن التعليق على من هو المسؤول عما يجري في غزة ، ومن المسؤول عن وقف التهدئة ، لأن الجواب معروف وهو الكيان الصهيوني ، وبعض الانظمة العربية التي شاركت في الحصار . حيث وجد أهل غزة أنفسهم بين خيارين الموت جوعا ( قتل 400 شخص قبل العدوان ) أو الموت بالقنابل كما يجري اليوم ومنذ عدة أيام .كما خرق الصهاينة الهدنة 190 مرة ، وقتلوا أثناء الهدنة 25 فلسطينيا . وشمل الحصار منع النفط والكهرباء بل الادوية حيث منع 150 دواءا أساسيا من المرور إلى غزة . إلى جانب ذلك يعتقد البعض بأن محرقة غزة ، تستهدف حماس ، وهو كذلك ، لكنه يتجاوز ذلك السقف بكثير ، إذ أن الهدف الأساسي هو القضاء على الدولة الفلسطينية ، وما يسمى بالمبادرة العربية أساسا . وإذا كان من أهداف المحرقة استقدام قوات دولية إلى غزة ، فإن ذلك في حال تحقيقه سيكون نهاية حلم الدولة الفلسطينية والمبادرة العربية التي ولدت ميتة . حتى أن أصحابها أهملوها فهم لم يطيروا بها إلى المحافل الدولية ، ولم يعرفوا بها في وسائل الاعلام الغربية ، وكأنها موجهة لشعوب وطننا العربي وحسب . ولاحياء المبادرة العربية ، إذا كان هناك فعلا حرص على تفعيلها ، لا بد من دعم المقاومة في غزة ، والتأكيد على حق الشعب الذي يرزح تحت كلاكل الاحتلال في المقاومة والدفاع عن النفس وليس العكس . أي الاقرار بحق المحتل بالدفاع عن النفس كما يزعم الكيان الصهيوني دون أن يتلقى الرد المناسب من النظام العربي الرسمي وبقية دول العالم . لا بد من تغيير المعادلة " لو كنتم في نفس الوضع ما ستفعلون " بل يجب أن نقول نحن للعالم " لو كنتم في وضع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يوميا للقتل والتدمير وحتى الابادة ماذا أنتم فاعلون " وقد قلت ذلك لزملاء من دول مختلفة " ضعوا أنفسكم مكان الشعب الفلسطيني " وعندما تحتل أرضكم وتتعرضون للحصار والقتل اليومي ماذا ستفعلون ؟ .