عامين مع النفاذ العاجل لشقيقة سنية الدهماني    تأجيل محاكمة رئيس جمعية الوقاية من حوادث الطرقات عفيف الفريقي والنظر في مطلب الإفراج    وزارة التجارة تعلن عن هذه الإجراءات الهامّة.. #خبر_عاجل    مأساة في مطار ميلانو-بيرغامو: شخص يُسحب داخل محرك طائرة ويتوفى    إيران تتسلم بطاريات دفاع جويّ من الصين    نقل مليوني فلسطيني إلى "مدينة إنسانية" محاصرة: خطة تهجير إسرائيلية مثيرة للجدل    الجزائر ترد على باريس: لا عفو عن صنصال والسيادة ليست محل تفاوض    معهد الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قوية والبحر شديد الاضطراب    عاجل/ البرنامج الكامل للدورة 59 لمهرجان قرطاج..والفنانون المشاركون..    عاجل: مهرجان قرطاج يكشف عن أبرز النجوم بحفلات نارية وعروض عربية وعالمية مميزة!    أحلام على مسرح قرطاج من جديد...والتونسيون في انتظار سهرة استثنائية    وزارة الثقافة التونسية بين المحلية والعالمية: رؤية لتعزيز التبادل الثقافي واستقطاب الإبداع العالمي    ريجيم الكيتو وعلاقته بالصحة العقلية..علاج مكمل أم بديل فعّال؟    تعاون بين منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة وبلدية تونس لمكافحة إهدار الطعام    المنخفض الجوي يشتد غرب البحر المتوسط ومخاوف من الفيضانات    الكاف: تجميع أكثر من مليون و100 الف قنطار من الحبوب ودعوة إلى التسريع في اجلاء الصابة    علاش الكليماتيزور في الكرهبة متاعك ما يبردش؟ أهم الأسباب والحلول    وزارة التجارة تعلن عن موعد إنطلاق موسم التخفيضات الصيفية    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني ينهزم أمام نظيره الشيلي    جمعية أحباء المكتبة والكتاب ببن عروس تطلق مسابقة في كتابة الشعر باللغة العربية الفصحى    صفاقس : "تركيز ملعب للكرة الطائرة بشاطئ الكازينو تزامنا مع الإحتفال باليوم العالمي للكرة الطائرة"    بفضل شراكة تونسية سعودية.. 52 طفلاً يستعيدون نعمة السمع !    تونس: انخفاض في درجات الحرارة وتحذيرات من السباحة بداية من مساء اليوم    حادث مرور قاتل بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    انقلاب شاحنة محمّلة بالطماطم..#خبر_عاجل    هزة أرضية بقوة 9ر4 درجات تضرب قبالة هذا الساحل..#خبر_عاجل    عاجل/ زلزال بقوة 5 درجات يضرب البحر الأبيض المتوسط قبالة تركيا..    الحماية المدنية: إطفاء 134 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    Activi Sifek مع شهري عرض Ooredoo الجديد للدفع الآجل على شبكة الجيل الخامس، مليء بالمزايا الحصرية    سينر يبلغ دور الثمانية في ويمبلدون للتنس بعد انسحاب ديميتروف للإصابة    مجسّم ''الباخرة الغارقة'' يُثير الجدل في منزل جميل... والبلدية تؤكّد انه جميل وناجح    من دمشق إلى غزة… التراث العربي بين نيران الحروب وصمت العالم!    صابة ''الهندي'' تراجعت برشا.. والحشرة القرمزية السبب    رود بالك: زرّ صغير في'' كوموند الكليماتيزور'' ينجّم يكلّفك برشة فلوس في فاتورة الضوء!    الصباح ما يكمل كان بفنجان تاي ولا قهوة... أما شنوّة المفيد فيهم؟    علاش القطن ديما هو الحل في الصيف؟ اعرف السر!    سخانة الصيف ما عادش تعبك! 3''عصاير'' تردلك النشاط وتبردك على طول    تونس.. ثاني دولة إفريقية تُفرض عليها رسوم جمركية ترامب بعد هذه دولة    رسميا: النادي الإفريقي يكشف عن ثالث تعاقداته في المركاتو    التوقعات الجوية لهذا اليوم ودرجات الحرارة..    طقس اليوم الثلاثاء    عاجل/ منظمة إرشاد المستهلك تدعو لإيقاف فوري للشنقال والصابو المخالفة للقانون..    عاجل/ بعد الاجراءات الاخيرة في "التوينسار": هذا أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    رئيس الجمهورية: وضع حد للفساد ودفع الاستثمار على رأس الأولويات..    نتنياهو يعلن عن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام    نادي الدحيل القطري يتعاقد مع الإيطالي فيراتي    لماذا ألغيت مباراة تحديد المركز الثالث في كأس العالم للأندية 2025؟    إلغاء مباراة تحديد المركز الثالث في مونديال الأندية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    تونس تتمكن في تجميع 518 الف قنطار من الحبوب الممتازة الى حدود يوم 6 جويلية 2025    دورة الصداقة الدولية الودية للكرة الطائرة: المنتخب التونسي يفوز على نظيره المصري 3-1    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب بولاية منوبة يومي 8 و9 جويلية    قبلي: تواصل مراقبة الوضع الصحي للواحات وعدم تسجيل بؤر مقلقة للاصابة بعنكبوت الغبار    بكالوريا: اليوم انطلاق التسجيل في خدمة ال SMSلنتائج دورة المراقبة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعوب في غزة والحكام في تل أبيب:راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 01 - 2009

في حياة الأفراد كما في حياة الأمم أحداث نوعية فارقة مثل يوم بدر "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" وحطين وعين جالوت، حيث يتكثف التاريخ وتتجمع أسباب التغيير اهتراء للشرعيات القائمة وتصاعدا للغضب وتراكما للعجز، فما يبقى غير شرارة التفجير لتضرم النار في الحطام، تبشيرا بحصول تحولات تكون من العمق والاتساع والامتداد ما يجعل جملة الأوضاع ما قبل الأحداث غيرها ما بعدها.
تقديرنا أن العدوان الصهيوني الهمجي الوحشي على غزة المحاصرة منذ سنوات والمجردة من السلاح، يمثل خطوة متقدمة على طريق تحلله، بما يرشح هذه الأسابيع الثلاثة من ملحمة الصمود الأسطوري الغزي التي هزت العالم، لتتوج بنصر باهر في مواجهة أحدث وأشد آلات للحرب دمارا تديرها أوسخ وأحط الأيادي همجية، فينفتح التاريخ في المنطقة وفي جملة علائقها على أضخم التحولات، وذلك ليس فحسب على صعيد المسألة الفلسطينية في علاقتها بالاحتلال وحسب بل أيضا على صعيد قيادة المشروع الوطني الفلسطيني وعلاقة المشروع الصهيوني بالمنطقة والعالم وعلاقة النظام العربي بشعوبه وعلى صعيد علاقة أمة الإسلام بالغرب وعلاقة الآلة بالإنسان، رغم أن الحدث قد جرى على رقعة ضيقة لا تتعدى 360 كلم2.
وذلك لما تمثله المسألة الفلسطينية من أهمية إستراتيجية بالغة من حيث بعدها الديني والحضاري والإستراتيجي. فكيف ذلك؟
1- الصراع على قيادة المنطقة وعلاقته بالمسألة الفلسطينية:
أ- يعاني النظام العربي أزمة شرعية تصل إلى حد الإفلاس الديمقراطي باعتبار شرعية النظم في عصرنا تتقوم بما تتمتع به من ديمقراطية أي من قبول لدى المحكومين، وهو ما يفسر تصاعد ميزانيات وزارات الداخلية حماية لأمن النظام لمواجهة مطالب التغيير والاحتجاج المتصاعدة، مقابل تراجع الميزانيات الراعية لأمن المجتمع كالتعليم والصحة والدفاع أيضا، على اعتبار أن الخطر على هذه الأنظمة لم يعد خارجيا وإنما من الداخل.
من هنا نفهم اللقاءات الدورية لوزراء الداخلية مقابل الغياب الكامل للوزراء الآخرين كالدفاع. كما نفهم ما يعتري هذه الأنظمة من رعب تجاه الحديث عن انتخابات تعددية جادة أو تجاه حركة الشارع خشية انفلات الغضب، أو حملها على ما تكره من تلبية مطالب داخلية في العدل والديمقراطية أو مطالب خارجية كالوقوف إلى جنب مشروع المقاومة في فلسطين أو العراق، بما يصادم ويهدد شرعيتها المستندة داخليا إلى القمع وخارجيا إلى الدعم الغربي، وأحد شروطه حماية المشروع الصهيوني والسير بجد صوب التطبيع والشراكة معه، على حين يشتد طلب الشعوب على العدل والحرية والإسلام داخليا، وعلى مقومات الاستقلال عن المعسكر الغربي خارجيا، وما يعنيه ذلك من وحدة صف ودعم للمقاومة ضد الاحتلال، وهو ما يجعل أنظمة المنطقة ضائقة ذرعا بالمسألة الفلسطينية ربما أشد ضيقا من رابين إذ تمنى أن يصبح يوما فيجد غزة وقد ابتلعها البحر، هؤلاء يتمنون ذلك لفلسطين كلها. لا سيما وقد أفضت قيادة المشروع الوطني لتحرير فلسطين إلى يد تيار، جمع البغيضين: الديمقراطية والإسلام.
ب- لقد نجحت أنظمة القمع حتى الآن في إجهاض أشواق ومحاولات شعوبنا نحو الالتحاق بركب الديمقراطية المتجول في العالم دون أن يسمح له بالتعريج علينا، تيقّنا من قبل قوى الهيمنة أن الديمقراطية ستطلق مارد شعوبنا المكبل، فيفرز أنظمة حاملة لمشاريع ثلاثة محظورة علينا: مشروع الوحدة، ومشروع توظيف ثرواتنا وبالخصوص النفط في خدمة قضايا أمتنا، ومشروع تحرير فلسطين.
وكانت التجربة الخطأ قد حصلت في فلسطين فأفرزت "حماس" فحسبوها نذير شؤم على جملة مشاريعهم في المنطقة. فعوقب الشعب بالحصار ولمّا لم يجد معه، صبّت عليه النيران صبا. كل ذلك يؤكد اليوم الارتباط الإستراتيجي بين مشروع الديمقراطية في منطقتنا ومشروع تحرير فلسطين. كل إنجاز في حقل منها يخدم المشاريع الأخرى.
وإذا كانت أنظمة القمع قد نجحت في سد كل باب يفضي إلى التحول الديمقراطي قمعت إلى حد الاستئصال محاولات التغيير بالعنف بل أفادت منها، وسدت باب التغيير عبر صناديق الاقتراع بالمنع أو التزييف الفاضح، فما بقي سوى التغيير عبر حركة الشارع، إذ تقودها جبهات وطنية.
وتأتي القضية الفلسطينية مفتاحا لما انغلق واستحكم، مهددة بصناعة توازنات جديدة طالما اختلت بين دولة قد تغولت مستظهرة بالخارج وبين حركة المجتمع، وذلك عبر تفجير حركة الشارع التي قدمت هذه الأيام فرصا هامة لمن يلتقطها. وصدق من قال: كنا نحسب أننا سنحرر فلسطين لنكتشف أنها ستحررنا، فما أعظم بركة هذه القضية.
ج- قد عرّت هذه "الحرب" الوحشية على غزة النظام العربي ممثلا في الجامعة العربية وفي الأنظمة الأساسية المتحكمة فيها إذ كشفت عن مدى الهوة السحيقة التي تفصلها عن شعوبها بالقدر نفسه الذي يلصقها بالكيان الصهيوني وبالإدارة الأميركية المتحكمة.
د- قد كشف هذا العدوان الوحشي أيضا عن عمق ما تتمتع به القضية الفلسطينية من تأثير وسط التيارات الأساسية الفاعلة في الرأي العام: الإسلامية والقومية واليسارية على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي. وكانت المسيرات التي حركت الشارع كما لم يحدث مثل ذلك من قبل والتي عمت العالم تعبيرا عن عمق الشعور بالمظلمة الفلسطينية، ما جعل الأنظمة ترتعد فرقا من أن يطيح بها الزلزال المنبعث من غزة، دون أن تتزحزح من موقع الارتباط المصيري بالكيان الصهيوني والراعي الأميركي.
ه- مرة أخرى بعد حرب يوليو/تموز المجيدة يتولى التيار الإسلامي شرف قيادة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني وكان ذلك عاملا آخر من عوامل الصمود الأسطوري في مركز الزلزال غزة. كما كان عامل زخم وقوة لحركة الشارع على امتداد الإقليم والعالم بسبب امتداد وعمق هذا التيار.
المرجح من خلال ما ستفرزه هذه "الحرب" أو قل صمود اللحم في مواجهة السكين، انتقال قيادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حماس وهو ما عبرت عنه قمة الدوحة عودا إلى حقائق الأشياء، وهو المشروع المركزي في المنطقة الذي طالما كان حامل لوائه مؤهلا لتسلّم قيادة المنطقة منذ اندلاعه في نهاية الأربعينيات. حيث عصفت هزيمة 48 بالنظام العربي وجاءت بأنظمة رفعت شعار تحرير فلسطين هدفا، ومصدرا لشرعيتها.
ولأن الثقافة السياسية السائدة في العالم يومئذ كانت تنهل من الفلسفات الاشتراكية والقوميات العلمانية فقد اصطبغت بها الأنظمة وحركات التحرير السائدة، حتى إذا اختبرت على صخرة التحدي الصهيوني المرة بعد المرة، فانكسرت وقبلت نهج المساومة والبحث عن الصلح مع العدو بدل طرده فقد انصرفت عنها الشعوب باحثة في مخزونها الروحي والفكري عن أمضى أسلحتها، فكان الإسلام المؤسس للأمة وحادي مسيرتها وصانع أمجادها.
وهكذا أخذت تحت لهيب النيران والقصف والصمود قيادة المشروع الوطني تنتقل إلى حماس وإلى حلفائها إسلاميين وقوميين ويساريين على امتداد المنطقة والعالم، صانعة فرزا جديدا فلسطينيا وإقليميا ودوليا في المستويات الشعبية والرسمية، بين قوى المقاومة وحلفائها وأنصارها والقوى المتحالفة مع المشروع الصهيوني.
عبّر عن ذلك بوضوح الرئيس مبارك في لقائه مع ساركوزي "إنه في كل الأحوال ما ينبغي لحماس أن تخرج منتصرة". كما عبرت عنه ليفني إذ قالت: إن المعركة ليست بين الفلسطينيين وإسرائيل ولا بين هذه والعرب وإنما هي بين معسكر الاعتدال ومعسكر الإرهاب بقيادة حماس.
ولأول مرة تعبر الصحافة الإسرائيلية عن ابتهاجها ببروز هذه الظاهرة: أن كثيرا من العرب لا يتمنون انتصار حماس بل التخلص منها بيد إسرائيلية. أكد ذلك تشديد مصر للحصار رغم كل الضغوط الشعبية والمماطلة في عقد القمة.
و- وفي خضم إعصار غزة وحتى قبل أن يهدأ، انحسر مدّه عن معالم تضاريس جديدة لعالم جديد عربيا وإسلاميا ودوليا، فكانت مبادرة أمير قطر لقمة الدوحة، حاملة لواء دعم المقاومة، فاسحة لرموزها لأول مرة ممارسة حقهم المشروع في النطق باسمها بما يضع حدا فاصلا بين زمنين زمن الحقيقة وزمن الزور. إنه ليوم فرقان يوم الدوحة.
مصر نفسها المنقلب نظامها من طور استمداد الشرعية من مشروع تحرير فلسطين إلى طور الاستقالة منه بعد كامب ديفد إلى طور الوسيط بل الوسيط المتحيز لصف الاحتلال، لا تجد مناصا إذ تمارس وساطتها من توجيه الدعوة إلى قادة المقاومة فهم من يتفاوض معهم في المسائل الأمنية لتطويعهم، فإذا جد الجد وبدأ الحديث رسميا في السياسة فهو عباس الوكيل، إسرائيليا وأميركيا وعربيا، على حماية الاحتلال من المقاومة.
ومقابل قمة الدوحة قمة دعم المقاومة بحضور إسلامي، قمة الكويت المبرمجة سلفا في موعدها للبحث في المسائل الاقتصادية وكأن المسألة الفلسطينية بورصة، حسب تعبير زعيم الجهاد.
أما وقد اندلع زلزال غزة وهز المنطقة والعالم ونجح النظام العربي طيلة ثلاثة أسابيع في المماطلة والتثاؤب صاما الآذان عن محارق، ضج لها الكون ففجرت الشوارع في العالم غضبا، فيكفي فلسطين هامش قمة بعد أن استنفد الصهيوني صب أحقاده على أهلها ويوشك على الاندحار خائبا دون أن يحقق هدفا من أهدافه.
لم تحرك استغاثات الثكالى نخوة حاكم عربي واحد فيطرد سفيرا صهيونيا أو أميركيا أو يقطع بترولا أو غازا أو حتى يهدد بذلك. على غرار ما فعل أخوانا العزيزان شافيز وموراليس. ولكم كنت أتمنى أن يكونا في مقدمة من يدعى إلى قمة الدوحة لتكون بحق قمة المقاومة مقابل قمة المجاملة للعدو الصهيوني وحلفائه.
هذا الفرز الذي انحسر عنه زلزال غزة هو إرهاصات مهمة جدا لتشكل تضاريس لعالم عربي وإسلامي جديد على أساس الموقف من المقاومة، مما له من دلالات على عمق المسألة الفلسطينية وعلى مبلغ اهتراء الشرعيات القائمة وعمق واتساع الهوة بين الحكام والشعوب، فجاء إعصار غزة مبشرا بفجر جديد وتاريخ جديد. فعل الحروب يشبه فعل عواصف الخريف مع الأغصان البالية. هي محرك عظيم لعجلة التاريخ وتجديد الحياة.
2- ملحمة غزة وعلاقة الإسلام بالغرب:
إن المسيرات المليونية التي اندلعت في عشرات المدن والعواصم الغربية احتجاجا على الحرب الظالمة التي تشنها الصهيونية بدعم غربي على غزة تذكر بمثيلتها التي اندلعت احتجاجا على الحرب الظالمة التي شنتها دول غربية على العراق وفي الحالتين قامت شراكة مهمة جدا بين الحركة الإسلامية وقوى غربية تحررية معظمها يسارية وبعضها يهودية تقدمية أو دينية معادية للصهيونية.
وقد تعززت هذه الشراكة هذه الأيام وزالت تحفظات كثير من اليساريين إزاء مناصرة القضية الفلسطينية بعد أن أفلت عدد من صور الوحشية الإسرائيلية من سطوة النفوذ الصهيوني على الإعلام، من مثل تدمير ملاجئ الأمم المتحدة على المساكين اللائذين بها ومن مثل صور أطفال قد استهدفوا في القلب.
وكما انتهت الحرب على العراق بإطاحة زعماء وأحزاب ضالعة فيها فإن العدوان الأثيم على غزة قد عزز التعاطف مع حماس حتى هتفت الملايين باسمها في عملية تطبيع مهمة جدا للإسلام وللحركة الإسلامية على الصعيد المحلي والدولي.
كما عزز الشراكة بين التيار الإسلامي وبقية التيارات الأخرى على كل صعيد بما في ذلك الصعيد الغربي، وهو ما سيحمل صانع القرار الغربي شيئا فشيئا مع تنامي القوة الانتخابية للمسلمين على أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار كلما كان بصدد اتخاذ قرار يمس الإسلام والأمة الإسلامية.
ذلك وضع لا عهد له به، بينما هو يتردد كثيرا كلما كان بصدد اتخاذ قرار يمس باليهود وبإسرائيل. إنه بداية لتطور إستراتيجي مهم، يمثل كابوسا مرعبا للصهيوني، له وقع الكارثة، إذ يحرمه -لو حصل- من دعم مضمون، هو مصدر شرعيته وتفوقه وحتى بقائه، باعتباره صنيعة استعمارية غربية، ما كان له أن يوجد ويستمر لولا الدعم الغربي.
لقد استمرأ الصهاينة حقيقة أن الغرب ورقة في جيوبهم مضمونة، فأسرفوا في الاستعمال والابتزاز والترهيب حتى أخذ الضيق يفشو بعد نقل الغرب من طور العداء لهم إلى طور الشراكة معهم إلى طور توظيفه لخدمة مشاريعهم لدرجة شن الحروب لمصلحتهم مثل الحرب على العراق.
إن نمو الوجود الإسلامي في الغرب وعقده لبدايات شراكة نضالية مع قوى تحررية مناضلة يمثل بدايات مهمة لتحولات إستراتيجية في علاقة الإسلام بالغرب.
إن المستقبل منفتح على تنامي التأثير الإسلامي في القرار الغربي وهو مصلحة للجميع في ضمان التعارف وتبادل المنافع بمنآي عن الحروب. لا سيما والإسلام قد سبق المواثيق الدولية إلى الاعتراف بالتعدد الديني، والمشكل أن الآخرين لم يبادلوه الاعتراف سبيلا للتعايش والتعاون.
3- انتصار الإنسان على الآلة:
إن الصمود الأسطوري لغزة الذي تكسرت على صخرته أشد أدوات الحرب تدميرا، تعمل في أيدي شعب قد أفلس في عالم القيم، يستمد أحقاده من أساطير تلمودية توراتية ممتزجة بعقل أداتي غربي، وذلك في مواجهة شعب محاصر مجرد من السلاح غير سلاح العزم والتصميم والتنظيم والإيمان والتنافس على الاستشهاد، قد تعزز بما حرّك وما انعكس عليه من موجات دعم هبت عليه من جميع أرجاء العالم وتصاعدت بقدر إمعانه في الصمود تعاطفا وإعجابا ونقمة على مجرمي الحرب.
وكان للإعلام المناضل دوره المقدر وشهداؤه، بما أعاد للإنسان -وبالخصوص المؤمن بالله وبقضيته- دوره القيادي في التاريخ وقدرته على الانتصار على الآلة مهما تطورت وعلى سطوة المادة وعرام الشياطين مهما طما، بما يفتح مرة أخرى بعد حرب يوليو/تموز أمام الشعوب المستضعفة فرصا للتحرر لا حد لها، تبشيرا بعالم جديد.
فالتحية كل التحية لأبطال غزة وشهدائها وأطفالها. إنها أيام ماجدة وأيام فرقان. ما ينبغي أن تفلت من أيدي قوى التغيير.
المصدر بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.