قبل ثلاثة أعوام تقريبا كتبت مقالا تحت عنوان الجمهوريون والديمقراطيون وجهان لعملة صهيونية واحدة. ولم تتغيّرقناعاتي حتى هذه اللحظة رغم الآمال العريضة وموجات التفاؤل العاتية التي رافقت تنصيب شقيقنا, في اللون فقط, باراك حسين أوباما رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية. فما زلت مؤمنا, حتى يثبت العكس بالفعل لا بالقول, بانه لا توجد فروق بين جميع الساسة الأمريكان فيما يخصّ الكيان الاسرائيلي العنصري, اللهم الاّ بكميّة أو نوعية المكياج والأصباغ والمساحيق التي يضعونها على وجه سياستهم الخارجية. وكتبت لاحقا في مناسبات عدّة, وسوف أستمرفي التأكيد والتركيزعلى ذلك, بأن إسرائيل هي الولاية الأمريكية المفضّلة على سواها من الولاياتالأمريكية جميعا لدى أي رئيس أمريكي مهما كان إسمه أو جنسه أو لون بشرته أو إنتماؤه السياسي أو الطبقي. إسرائيل هي, وهذا ما لا يدركه الكثيرون منّا بعد,الخط الأحمرالذي لا توجد بعده ولا قبله خطوط حمراء بالنسبة لدولة العم سام. وعليه فمن الأفضل الاّ نبني آمالا على سراب الكلمات التي نطق بها فخامة الرئيس أوباما في حفل تنصيبه. كلّ شيء حسب رأيي المتواصع قابل للتغيير في أمريكا, ولو ببطء ومشقة في بعض الأحيان, الاّ الموقف من الكيان الصهيوني. فهو راسخ رسوخ كالجبال في قلوب وعقول ووجدان كلّ من سكن البيت الأسود في واشنطن. وبالتالي فان باراك أوباما لا يمكن أن يكون, لأسباب يعرفها حتى الأطفال, الاستثناء والرؤساء الآخرون هم القاعدة في سياسة أمريكا الخارجية. فالرجل أدرك, رغم حسن نواياه ظاهريا, أن ثمة خطوط حمراء لا يُسمح لأي مخلوق في أمريكا بتجاوزها, وأن شعار"إسرائيل أولاً" هو ما ينبغي على كلّ رئيس أمريكي رفعه والتمسّك به وتطبيقه على أكمل وجه. ولهذا السبب بالذات فان باراك أوباما أحاط نفسه برجال ونساء من إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلنتون. ولم يكن هؤلاء ملائكة معنا عندما كانوا في السلطة؟ ولم يتركوا لنا طوال سنوات أدارتهم الديمقراطية شيئا جميلا يجعلنا نذكرهم بالخير ونترحّم على أيامهم. صحيح إن باراك أوباما قال كلاما جديدا, ربما لم نسمعه سابقا من رئيس أمريكي. خصوصا عندما أكد على أن أمريكا أمّة من المسيحيين والمسلمين واليهود والبوذيين وغيرالمؤمنين, لكنه فضّل أن يكون محاطا بنخبة جيدة من اليهودالمنحازين للكيان الصهيوني بلا تحفّظ أو تردّد. ومعظمهم صهاينة وإن لم يتصهينوا. وكان يُفترض فيه, لكي يترجم نواياه وتوجهه في مد اليد الى العالم الاسلامي كما قال, أن يضمّ الى إدارته بعضا من الشخصيات العربية أو المسلمة خصوصا وإن أمريكا مليئة برجال أكفاء وذوي خبرات كبيرة في شتى المجالات, ينحدرون من أصول عربية وإسلامية. وحسب علمي لم يفعل الرئيس أوباما شيئا من هذا القبيل خوفا من أن يناله عقاب آلهة إسرائيل التي تراقب بدّقة بالغة كلّ فعل أو حركة أو كلمة تصدرعنه. إن مساواة الجلاد بالضحية, خصوصا إذا كان الأول إسرائيلي والثاني عربي أو فلسطيني, هي سياسة ثابتة لا في أمريكا وحدها بل وفي معظم أن لم نقل كل دول أوروبا الغربية. حتى الضحايا الأبرياء ليسوا متساوين في عين العالم لمتحضّر.فباراك أوباما مثلا أبدى قلقه وأسفه على الضحاياالمدنيين"الفلسطينيين والاسرائيليين" , هكذا دون تمييزأو حتى تدقيق في الموضوع. وكأن الحرب كانت تجري بين دولتين وجيشين نظاميين مدججين يالسلاح وليس بين دولة تمتلك كلّ أنواع الأسلحة بما فيها تلك المحرمة دوليا ولديها إستعداد تام لأستخدمها ضد المدنيين, وإستخدمتها فعلا, وبين تنظيمات وفصائل مقاومة لا تملك الاّ الأسلحة البدائية والارادة الصلبة والتصمبم الثابت على الدفاع عن أرضها وشعبها وكرامتها وحقّها في الوجود. وشأن معظم ساسة الغرب لم يشذ الرئيس باراك أوباما عن ترديد نفس الاسطوانة المشروخة حول وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل أو منع تهريب الأسلحة الى القطاع. وهذا يعني إن من حقّ إسرائيل أن تملك ما تشاء من الأسلحة ومن أي مكان مضافا الى ذلك الدعم المطلق من أمريكا وأوروبا, ويُمنع على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الحصول لا على الأسلحة البسيطة فحسب بل حتى الغذاء والدواء ومقومات الحياة الأخرى. وتتم محاصرتها من جميع الجهات في سجن كبير مع مليون ونصف مليون من الأبرياء العزل. فأي عدالة هذه يا أخونا في اللون, باراك حسين أوباما؟ والأغرب من هذا هو أن الناس البسطاء في الغرب, وبسبب هيمنة الاعلام المنحاز كليا الى جانب إسرائيل, يتصوّرون عندما يدورالحديث عن" الأسلحة المهربة الى القطاع وصواريخ حماس" بان هذه الأسلحة هي دبابات حديثة ومدافع بعيدة المدى وصواريخ توماهوك وكروز وما شابهها. وبالتالي يعتقدون أن لها نفس القدرات التدميرية للأسلحة التي يستخدمها الكيان الصهيوني. وليست أسلحة بدائية يتم تصنيعها في البيوت أو في الورش الصغيرة, والغاية منها الدفاع المشروع عن النفس ضد العدوان المستمر من دولة خارجة عن القانون ما زال ثمة من يعتبرها في الغرب, مع الأسف الشديد,"واحة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق. وعموما, لا جديد تحت شمس باراك أزباما بالنسبة للعرب والفلسطينيين بشكل خاص. فهو يُطالب حماس بالاعتراف باسرائيل ووقف إطلاق الصواريخ التي وصف إ طلاقها"بالهجمات الإرهابية" دون الاشارة الى أكثر من ستة آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح, معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ. ودون الاشارة أيضا الى أطنان الأسلحة الفتاكة والمحرّمة دوليا التي إستخدمتها إسرائيل في عدوانها الهمجي على قطاع غزّة. كما أنه أقال إن إدارته "سوف تبذل جهودا كبيرة لمنع تهريب الأسلحة لحركة حماس" . وأشاد بالدورالمصري, لأنه دور خياني صرف, بهذا الخصوص. كما أنه أكّد على ضرورة التعاون مع سلطة رام الله العباسية. لأن لا بديل لها في تمرير مشاريع وخطط أمريكا وإسرائيل في المنطقة ودفن القصية الفلسطينية الى الأبد. ومن يتأمّل قليلا في كلام باراك أوباما سوف يكتشف بسهولة أنه لا يختلف كثيرا عمّا كان يردّده على أسماعنا ليل نهارالرئيس الأمريكي السابق مجرم الحرب جورج دبليو بوش.؟