الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    القيروان: القبض على مقترفي عمليّة سرقة قطيع أغنام    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    إمضاء اتفاقية تعاون بين وزارتي المالية والتجارة حول تبادل المعطيات والبيانات    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    Titre    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية: غرق مركب صيد بحري وعمليات البحث متواصلة عن البحارة    حريق بمنزل في نابل واسعاف طفلة..    تونسيات متوّجات عالميا...مازالت المرأة المبدعة تعاني الإقصاء الممنهج    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    جندوبة: انزلاق شاحنة بالطريق الوطنية 17 بطبرقة    سمير ماجول : '' إننا إذ نسجل بارتياح تحسن المؤشرات وعودة الإقبال على الوجهة التونسية ''    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    بطولة كرة السلة: النتائج الكاملة لمواجهات الجولة الأخيرة من مرحلة البلاي أوف والترتيب    بركان ينفت الذهب.. ما القصة؟    يُروّج للمثليّة الجنسية: سحب كتيّب من معرض الكتاب بتونس    موجة حر شديدة في هذه المنطقة.. والسلطات تتدخل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    عاجل/بعد التحقيق معهما: هذا ما تقرر في حق الصحفية خلود المبروك والممثل القانوني ل"IFM"..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    اللجنة الجهوية لمتابعة تطوير نظم العمل بميناء رادس تنظر في مزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس حزب النهضة التونسي في حوار صريح مع شبكة إسلامنا:حوار محمد محمود البشتاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 01 - 2008

الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي في حوار صريح مع شبكة إسلامنا:
حوار محمد محمود البشتاوي
انتقالي من التيار القومي إلى الإسلامي عَمَّق من هويتي فأنا اليوم عربي أشد مما كنت الحزب تشكلت هويته من الأخوان المسلمين وجامع الزيتونة وفكر مالك بن نبي النهضة منسجم فكرياً في مصادرهِ ولا يعاني من تشرذم أو صراع تيارات بداخلهِ اخترنا اسم النهضة بدلاً من الاتجاه الإسلامي تكيفاً مع القانون التعسفي للأحزاب التحالف بين الأحزاب العلمانية والإسلامية ليس بدعة تونسية
وعرفته أغلب البلاد العربية الترابي رفع من مكانة المرأة غير أنه ذهب أحياناً بعيدا في شطط قد لا تحتمله النصوص سطوة الفركفونية والتغرب إلى تراجع مقابل انتشار السلوك الإسلامي في عواصم الغرب ملف سجناء الرأي في تونس لا يزال قائماً وندعو السلطة لإطلاق سراحهم فوراً الإرهاب العالمي اتخذته السلطة كمسوغ لمواصلة استئصال المعارضين لها الخيار الأول والأخير أمام حزب النهضة هو الخيار السلمي لتحقيق التغيير والإصلاح نموذج العدالة والتنمية التركي مختلف بظروفه ومكوناته عن الحركات الإسلامية العربية حماس حركة مقاومة تسعى للتحرير وعليها أن لا تقترب من الحكم إلا بقدر ضرورة ذلك الحركة الإسلامية مؤهلة أكثر من غيرها لبناء إجماع جديد يتجاوز حالة الفرقة والتذرر على الجميع البحث عن معادلة إجماع وتعايش بينهم وإلا فإن الاستبداد سيكون بديلا
شبكة إسلامنا – حوار محمد محمود البشتاوي *
يرى المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي في حوار خاص مع شبكة إسلامنا أن لا بديل عن الخيار السلمي في تطويق الأزمة والأزمات التي تمر بها البلاد العربية والإسلامية، حيث يؤكد على ضرورة الحوار والحق في الاختلاف بعيداً عن الإقصاء واحتكار السلطة بيد فئة سياسية واحدة، موضحاً أن الدين الإسلامي ينبذ الفرقة والتعصب الأعمى والتسلط، ويرى أن العرب إن أرادت العزة بعد الذل الذي أصابهم والقوة والمنعة بعد الضعف والهوان الذي يعيشون فيه، فإن عليهم الأخذ بسنن الله في القوة والتمكين وحدة أو إتحاد لا ينفك حتى ينفك عنا الغزاة والمغتصبون.
ويتابع الغنوشي – رئيس حزب النهضة التونسي - أن العدل والحرية تكفيان لبناءِ أوطاننا، وبهما نكون شهداء على الناس، متسائلاً خلال حديثهِ "وهل الإسلام غير تحرير بعد عبودية ورابطة وأخوة وألفة بعد فرقة وتدابر؟".
شبكة إسلامنا فتحت هذا الحوار الصريح مع الشيخ راشد الغنوشي، حيث استهلت حوارها بالسؤال حول بدايات تشكل حزب النهضة التونسي (الاتجاه الإسلامي سابقاً)؟، فأجاب:
الغنوشي: بسم الله الرحمن الرحيم. بدأ التيار الإسلامي التونسي المعروف حاليا باسم حركة النهضة بالظهور في بداية السبعينات من القرن الماضي، حركة إحياء إسلامي شامل تشمل العقيدة والسلوك والتصور والثقافة والأخلاق في مجتمع طغت عليه نخبة متغربة، هي الوجه الآخر للانحطاط الموروث، مجتمع ما زال مفجوعا بإغلاق جامع الزيتونة والتعدي جهرا على الشعائر الإسلامية والتمكين للثقافة الغربية والفرنسية خصوصا بشقيها اليميني واليساري.
وهنالك ثلاثة مكونات كبرى صاغت هذا التيار الإسلامي وحكمت رؤيته وسلوكه وتطوره؛ أولا المكون الرئيس حركة الإخوان المسلمون بوسطية فكرهم ومنهجهم التربوي وتجربتهم الحركية، المكون الثاني جامع الزيتونة المعمور وجامعته العريقة بشيوخها ومدرسيها وطلابها، مثلوا عصب الثقافة الإسلامية التونسية وفي القلب منها المذهب المالكي .
المكون الثالث فكر مالك بن نبي المفكر الإسلامي الجزائري وما يفتحه من أفق التفكير الحر والتحليل العلمي لتطور مجتمعاتنا الإسلامية من الحضارة إلى الانحطاط، بحثا عن شروط نهضة جديدة.
البدايات كما تكون دائما، فيها كثير من الرفض والجذرية إلا أن الحركة الإسلامية سرعان ما سلكت طريقا تحاوريا تفاعليا مع الواقع؛ تأثرت به وأثرت فيه مما جعلها في أقل من عشرية الحركة السياسية الأولى في البلاد.
لما أردنا دخول العمل السياسي القانوني اخترنا لحركتنا اسم الاتجاه الإسلامي إيثارا للعلنية والمنهج السلمي إلا أن السلطة حينها آثرت لغة العصى نقيضا لما كانت تعلنه من خيار ديمقراطي.
من الاتجاه الإسلامي إلى النهضة؛ تغيَّر المسمى فيما علق البعض أنه تغيير للمضمون؛ كما أن هنالك أكثر من مدرسة سياسية في الحركة وكأننا أمام خليط أفكار؛ فما هي الهوية الفكرية للحزب؟.
الغنوشي: كنت ذكرت لكم المكونات الفكرية لحركة النهضة التونسية، يجب أن تُفهم على أنها مصادر فكرية وليس تيارات فكرية أو سياسية متصارعة داخل الحركة، هي مكونات ومصادر لرؤية واحدة بمنهجية واحدة في إطار حركة واحدة؛ لا شيء البتة مما تسميه خليطا من الأفكار، لو كان الأمر كما ذكرت لما صمدت حركتنا كل هذه السنين وحافظت على وحدتها رغم حملة الإبادة التي تعرضت لها، لم يحفظ وحدة الحركة شيء، بعد أن فكك التنظيم أو يكاد لسنين عدة، بعد حفظ الله تقدست أسماؤه غير فكرها الإسلامي الوسطي ومنهجيتها السلمية، رغم شراسة الحملة وإغراءات التورط في العمل العنيف على غرار أقطار مشابهة تشرذمت فيها الحركة، فانظر ما نحن فيه من الوحدة والانسجام ومن خرج من قيادتنا من سجنه بدأ من حيث توقف قبل قرابة العقدين كأنه ما عرف سجنا وما خبر أهواله، هذا من فضل ربنا وتثبيته لعباده.
أما تغيير الاسم فقد جاء تكيفا مع قانون تعسفي للأحزاب يحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني!، فأردنا أن نسقط تعذر السلطة بأن اسم الاتجاه الإسلامي يفيد أن غيرنا ليسوا مسلمين وفي هذا بزعمهم شيء من رائحة تكفير الغير!! .
اسم النهضة تطور من جهة أن الحركة الإسلامية حركة نهضة ونهوض واستئناف حضاري ومندرجة ضمن المدرسة الإصلاحية من الأفغاني وخير الدين ومحمد عبده، رشيد رضا والثعالبي وحسن البنا، و أيضا مدا للجسور مع كل من يندرج ضمن هذه المدرسة أو يشتغل في هذا الإطار.
ولقد أسفرت السلطة عن وجهها القمعي الاحتكاري المنافق أن علة الرفض لحركتنا ليس المسمى الديني وإنما إصرارها على التشبث بسياسة الحزب الواحد ولكن بغلاف ديمقراطي مفضوح تكتفي فيه السلطة بمجرد ديكور يتكون من حزيبات تصطنعها اصطناعا تجنبا للمنافسة مع أحزاب حقيقية مثل حزب النهضة.
ينسب البعض حركة النهضة إلى ما اصطلح عليه ب "تيار الترابي" – نسبة إلى الدكتور حسن الترابي -؛ فهل هي دعوات مغرضة أم أن هنالك تقاطع مع طروحات الترابي؟.
الغنوشي: الدكتور الترابي، أوافقته أم خالفته علم بارز من أعلام التجديد الإسلامي المعاصر وفي طروحاته ما نقبله ونثمنه ونتبناه وفيها ما نرفضه ونتحفظ عليه.
يحسب للرجل إيلاؤه قضية الحرية المكانة المركزية التي تستحق وأنها المبدأ الأول الذي ينهض عليه التصور الإسلامي والعمل السياسي، مما نوهنا به فرفعنا لواء هذا المطلب الحيوي إلا أنه أخذ على الدكتور طريقة استلامه الحكم وإدارته بما لا يتوافق مع ذلك التصور التحرري من مصادرة للأحزاب وتكميم للأفواه مما اكتوى بناره لاحقا .
على كل حال فقد راجع ذلك المسلك وانتقده وفارق الذين حكموا باسمه أو هو حكم ببزاتهم العسكرية وبعصاهم، كما يحسب للرجل دعوته لتجديد أصول الفقه ومنه الفقه السياسي وكذا الرفع من مكانة المرأة وفتح مجال المشاركة أمامها في كل أوجه الحياة لا يمنعها من ذلك شيء ومراجعة فهم كثير من النصوص والتجربة التاريخية الإسلامية التي قد تبدو عائقا أمام هذا المطلب النسائي، وهو ما تعلمناه وأفدناه من الأستاذ المجدد، غير أنه ذهب في ذلك أحيانا مذهبا بعيدا فيه شطط قد لا تحتمله النصوص.
لا أعرف شيئا مما تسميه تيار الترابي حتى تجربته في الحكم الكل يعرف مآلاتها، في الجانب الشخصي الدكتور الترابي كالدكتور القرضاوي من أعز أساتذتي وأصدقائي ومن أفضل الأمة فقها وعلما وتأصيلا وتجربتهما من أغنى التجارب الإسلامية عبرة وتدبرا.
أما حركتنا فلا تنسب لأحد حتى لمن كان لهم سهم معلى في تأسيسها من آبائها فضلا عن سواهم.
إلا يُحْدِث تشتت قيادات الحركة بين الداخل والمهجر تناقضات في الرؤى وفي آليات العمل الحزبية؟.
الغنوشي: قيادات الحركة معظمهم في الداخل يقومون على أمرها ويتحدثون ويفاوضون باسمها متعاونين في ذلك مع إخوانهم في الخارج.
هناك من يرى أن الحركة تُغلِّب السياسي على ما هو فقهي وشرعي، الأمر الذي يفسر – حسب مراقبين – قيام تحالفات بين النهضة وأحزاب علمانية؛ فهل من توضيح؟.
الغنوشي: ما معنى غلبة السياسي على ما هو فقهي وشرعي؟ هل أتت من السياسة ما هو مخالف للفقه والشرع؟، لو عكست لصدقت أخذت الحركة بالعزيمة وكان يسعها الرخصة أمسكت على جمر التدين وقدمت في سبيله الروح والعمر والمال.
ربما أردت أن تقول إن الاهتمام بالجانب التربوي ضمر مقارنة بالجانب السياسي ربما كان هذا الأمر صحيحا، ويصعب التدليل عليه، على كل حال وسببه أن الحركة كانت منشغلة بمعركة وجود في مواجهة سلطة غاشمة محاربة للتدين أرادت استئصال الحركة وتجفيف منابع الدين بزعمها؛ ماذا تفعل الحركة؟، هل تعكف على التربية؟؛ أي تربية والصلاة والحجاب يمنعان. لقد اختار الله لنا ذات الشوكة وقد وددنا والله أن غير ذات الشوكة تكون لنا، ولكن قضى الله أمرا والخيرة فيما اختاره الله.
التحالف بين الأحزاب العلمانية والإسلامية ليس بدعة تونسية عرفته أغلب البلاد العربية، تحالف حزب الإصلاح مع الحزب الاشتراكي في اليمن وتحالف إخوان سوريا مع أحزاب علمانية وتحالف الأخوان في مصر مع الوفد؛ هل يكون هذا النوع من التحالف نقصا من إسلامية الحركة في تونس ولا يكون في غيرها من البلدان؟، ثم هل في شرعنا الحنيف ما يمنع هذا التحالف والقدوة الحسنة رسول الله عليه السلام قد حالف قبائل مشركة وعقد الصحيفة مع جماعات يهودية؟ أي سؤال هذا الذي سألته.
كحركة إسلامية كيف تعالجون قضية التغريب (التغول الفرنكفوني) وطمس الهوية العربية الإسلامية في الشمال الإفريقي؟.
الغنوشي: وهل قيام حركتنا عند أول أمرها وبلاؤها لاحقا إلا بسبب هذا الأمر.
مثلت الحركة الإسلامية علامة ودليلا على مقاومة المجتمعات الإسلامية في المغرب العربي لمساعي تغريبها وإلحاقها بأوروبا ثقافيا واقتصاديا، وقد تمكنت الحركة من تعريب الخطاب الطلابي الذي ألفته فرنسا، فأعادت للجامعات اللغة العربية ومثلت الوصل مع الشرق في وجه دعاة العلمانية والقطع معه توجها جهة الغرب.
ما نراه أن سطوة الفركفونية والتغرب عموما إلى تراجع وقد مثل انتشار السلوك الإسلامي في كبرى العواصم الغربية والعودة القوية للتدين في عموم المنطقة كلها من أدلة هذا التراجع. الإسلام بسبيله إلى ثقافة كونية.
إلى أين وصلت قضية الدكتور صادق شورو وملف السجناء السياسيين في تونس عموما؟.
الغنوشي: لا زال من سجناء النهضة ما يزيد عن العشرين بقليل منهم الدكتور صادق شورو أستاذ الطب والرئيس السابق لحركة النهضة.
ندعو السلطة أن تطلق سراحهم فورا والكف عن معاملتهم بقسوة ووحشية والتعامل معهم كأنهم رهائن، وهذا ليس معناه أن ملف المساجين السياسيين في طريقه للحل، فالداخلون بعدد المغادرين أو يزيد، تمتلئ السجون الآن بآلاف من خيرة شباب الصحوة الإسلامية الجديدة من اتجاهات إسلامية مختلفة بتهمة نية السفر إلى العراق للالتحاق بالمقاومة. إلى جانب بعض الصحفيين ممن تجرأ وكتب ضد بن علي، والجدير بالملاحظة والشجب أن المطاردة والتضييق لا تنتهي بحق الآلاف ممن غادروا السجون ليزج بهم في سجن واسع؛ سجن البطالة والملاحقة الدائمة والحرمان حتى من حق التداوي فلقي الكثير منهم حتفه من بين من خرج من قيادات ومنتسبي حركة النهضة.
تناقلت الأنباء وجود مساعي رسمية تونسية لإيجاد تيار إسلامي مدني ليشارك في السلطة على غرار "حمس الجزائرية"؟.
الغنوشي: أمر وجود مساعي رسمية تونسية لإيجاد تيار ديني ملحق بها نفته السلطة نفسها وأكدت على لسان وزرائها أنه أمر خارج نطاق تفكيرها وليس متصورا البتة، الأمر لم يثر كبير اهتمام لا من الإسلاميين ولا من غيرهم، وذلك لخبرة تونسية طويلة بسلطتهم وموقفها العدائي المرضي من الإسلام جملة فضلا عن الإسلاميين، اللهم إلا بعض غلاة اليساريين العلمانيين الملتحقين بالسلطة ممن تركبهم وتستعملهم وتستغل غربتهم عن المجتمع واغترابهم عن النضال السياسي الديمقراطي، حيث أطلقوا صيحات الفزع وخافوا من قادم يشاركهم الأكل الحرام الذي يأكلون. غير أنه ليس غريبا عن السلطة اصطناع أحزاب لقطع الطريق عن أحزاب حقيقية، مما يندرج ضمن منطق العقول الأمنية الصغيرة الذي لا يغير شيئا من حقائق الأمور، لكنه يزيد الساجحة تعفينا!.
ما هي الفصول التي أضافتها "حملة مكافحة الإرهاب العالمية" في سياسة السلطة التونسية؟.
الغنوشي: السلطة التونسية هي نفسها ذات الأساليب وذات الأهداف؛ البقاء في الحكم بأسلوب أقل ما يقال فيه أنه لا ديمقراطي؛ قبل الحرب على الإرهاب وبعد الحرب على الإرهاب أي الثبات في الحرب على الشعب، لم يمثل هذا الذي يسمى الحرب على الإرهاب غير مسوغ دولي للسلطة التونسية لمواصلة سياسة القهر الداخلي واستئصال العارضين.
ما هي الخيارات المتبقية أمام حزب النهضة لتحقيق التغيير والإصلاح في البلاد؟، وهل تعتقد أن الطرق السلمية لا تزال تشكل خياراً في التعامل مع سلطة أحادية؟.
الغنوشي: الخيار الأول والخيار الأخير هو الخيار السلمي لتحقيق التغيير والإصلاح .. ليس من طريق أولى بالإتباع من هذه الطريق غيرها من الطرق لا توصل ويسهل على المستبدين قطعها.
إذا أردت الإصلاح هذه سبيلها وحركتنا صابرة مصابرة على هذا المنهج حتى نحقق مرادنا في بسط العدل والحرية بين أهلنا أو نلقى ربنا غير مبدلين.
لماذا نجح نموذج العدالة والتنمية التركي في الحكم مقابل إخفاق تجارب عربية لأحزاب إسلامية؟.
الغنوشي: نموذج العدالة والتنمية التركي مختلف؛ ظروفه ومكوناته متباينة عن مثيله من الحركات الإسلامية العربية. الدولة في تركيا مختلفة عن مثيلتها العربية والجيش التركي قل فيه ما شئت ولكنه مؤسسة محترمة، مهنية وذات مصداقية عند الشعب التركي بعكس الجيوش التي عندنا تفر من الأعداء وهي مكلفة بحربهم، وتستأسد على المواطنين العزل.
الحركة الإسلامية في تركيا محكومة بسياق تركي محدد باعتبار تركيا جزء من أوروبا وعضوا في الحلف الأطلسي وعلى علاقة مع "إسرائيل"، ما يجعها خارج معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، خلافا لمثيلاتها العربيات، بما يعنيه ذلك من اختلاف الظرف التركي عن بقية الدول العربية ونتيجته بطلان المقارنة بينهما إذا المقارنة لا تجوز إلا بين شبيهين.
كيف تقيمون التجربة السياسية الأخيرة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فلسطين؟.
الغنوشي: حماس حركة مقاومة تطلب تحرير ما أغتصب من أرض ومقدسات عليها أن لا تقترب من الحكم إلا بقدر ضرورة ذلك لخدمة المقاومة وحمايتها وتجذيرها، والحصار الظالم الذي تتعرض له مع أهلنا في القطاع لن يزيدها إلا ارتفاعا ولن يزيد المساهمين فيه من الفلسطينيين والعرب إلا نزولا في الدركات.
من فلسطين إلى العراق فالصومال وجنوب السودان وصولاً إلى تهديد سوريا .. أين يسير العالم العربي والإسلامي؟، وما هو المخرج حسب تصوراتكم؟.
الغنوشي: سببان رئيسان لهذا الذي نشهده من ضعف ووهن، التجزئة والتفرق من جهة وحكم الجبر والتسلط من جهة أخرى.
التنازع والتفرق ذهاب للريح، وحكم السيف وغياب العدل ذهاب للعمران، إذا أراد العرب العزة بعد الذل الذي أصابهم والقوة والمنعة بعد الضعف والهوان الذي يعيشون عليهم أن يأخذوا بسنن الله في القوة والتمكين وحدة أو إتحاد لا ينفك حتى ينفك عنا الغزاة والمغتصبون، وبالعدل والحرية نبني بهما أوطاننا ونكون بهما شهداء على الناس وهل الإسلام غير تحرير بعد عبودية ورابطة وأخوة وألفة بعد فرقة وتدابر.
هل يمكن لثقافة الاختلاف أن تكون ضمن الثوابت، أم أن هنالك شروطاً للاختلاف والتنوع والحوار – سواءً على صعيد الداخل الإسلامي، أو الآخر -؟.
الغنوشي: كتبت دراسة وأنا في السجن بداية الثمانينات عنونتها حق الاختلاف وواجب وحدة الصف، قلت فيها الاختلاف يطوقه الحوار ويضبطه وقلت إن الاختلاف إذا كان هذا إطاره لا يهدد وحدة الصف وللشيخ البنا رحمه الله قول حكيم "نتعاون فيما اتفقنا فيه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
الحوار خلق رباني وفي الأثر تخلقوا بأخلاق الله؛ الله جل وعلى حاور إبليس، بل وأجابه في ما طلبه {قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم}، بل في القرآن التحاور حتى بين الإنسان والحيوان قال {جئتك من سبأ بخبر يقين} وكان هذا الحوار سببا في هداية أمة بحالها. أعجب من أمة هذا دينها أن يشيع التنافي بينها وتنتشر ثقافة الإقصاء بين مثقفيها وفي ما بين تياراتها السياسية والفكرية.
الحركة الإسلامية مؤهلة أكثر من غيرها لبناء إجماع جديد يتجاوز حالة الفرقة والتذرر الحالي ويشيع ثقافة الحوار والسلم الأهلي نقيضا لحكم الجور الذي ترزح تحته أوطاننا ونقيضا لثقافة الإقصاء التي ينشرها هذا النمط من الحكم، والمطلوب تجذير قيم الحرية والحوار والديمقراطية والتعددية والسماحة والصفح والمواطنة باعتبار الوطن ملكا لكل أبنائه وبناته، مطلوب من الجميع البحث عن معادلة إجماع وتعايش بينهم على هذا الأساس بمنأى من كل منزع احتكاري أو وصائي وتسلطي بأي مبرر كان .
لا شرعية لحكم إلا ما انبثق من إرادة المواطنين عبر انتخابات تعددية نزيهة، وما سوى ذلك ليس شيئا غير الاستبداد: جذر كل بلاء وتخلف في أمتنا.
الغنوشي .. من التيار القومي الناصري إلى الإسلامي، والجمع لاحقاً بينهما في "المؤتمر القومي الإسلامي" .. فما هي أوجه الاتصال والانقطاع بين القومية والإسلام؟.
الغنوشي: الإسلام باعتباره دينا رسالته عالمية والبشر كلهم أسودهم وأبيضهم محل للتكليف لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى من هذا الوجه لا تقاطع (التقاء) مع المطلب القومي، ولكن أيضا ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه. ورفعة إي قومية فوق أي أرض من بلاد الإسلام يعود بالنفع على الدين كله، ما كان ذلك في منظور الأمة العام.
يمكن أن نزيد بأن للعرب موقعا جغرافيا، بشريا وثقافيا لا يدانيهم فيه أحد ولعل الإسلام الدين الوحيد الذي تؤدى فيه العبادات بلغة واحدة هي العربية، ولا يقرأ كتابه إلا بلغة واحدة، من أجل ذلك يعتبر المسلم مهما كانت قوميته ولغته عربيا على نحو ما. وعلى أي وجه قلبت الأمر، وحدة العرب وقوتهم قوة للإسلام كله وأي ذل يصيبهم هو ذل يلحق بالإسلام وأهله.
بخصوص نقلتي من التيار القومي إلى التيار الإسلامي أعتبرها سيرا وإمعانا في الاتجاه نفسه إذ أنني لم أفارق قط هويتي بل تعمقت فيها، فأنا اليوم عربي أشد مما كنت.

الغنوشي في سطور
ولد المفكر والسياسي التونسي الشيخ راشد الغنوشي عام1941م في قرية الحامة جنوب تونسي، حيث أتم دراسته في تلك القرية وفي بلدة قابس انتقل للدراسة في جامع الزيتونة وبعد أن نال الشهادة الثانوية انتقل إلى دمشق ليدرس الفلسفة، حيث تعرف هناك على الفكر القومي الناصري وانتمى إليه وكان مناصراً له شأن الشعوب العربية آنذاك، ثم عاد من دمشق إلى بلاده في فترة الستينات ليعمل كمدرس للفكر الإسلامي وبعدها تمكن من السفر لفرنسا ليدرس الفلسفة في جامعة السوربون، ويعتبر الغنوشي هو مؤسس حزب النهضة التونسي؛ صاحب الهوية الإسلامية والمحظور في البلاد.
ويرتكز الغنوشي في قراءته التجديدية للإسلام السياسي على حقوق المواطنة (أي تساوي جميع المواطنين في الحقوق و الواجبات)، و قد أصل لآرائه أصوليا وفقهيا في كتابه الشهير "الحريات في الإسلام" .
ويتهم الغنوشي وحزب النهضة من قبل القوى العلمانية التونسية التي تدير الحكم في البلاد أنه أحد فروع الإخوان المسلمين و أنه لا يخرج عن نظرية الحكم الإسلامي الأحادي التي يقولون أن الأخوان المسلمين يؤمنون بها.
حكم عليه في تونس عدة مرات بالسجن: ففي عام 1981 حكم عليه 11 سنة ولكن أخلي سبيله مع وصول الرئيس زين العابدين بن علي إلى الحكم عام 1987، وحكم عليه في نفس ذاك العام مجددا بالسجن المؤبد ولكنه فر إلى الجزائر ومنها انتقل إلى السودان ليبقى فيها في ضيافة حسن الترابي، كما حكم عليه مرة أخرى غيابيا عامي 1991 و1998 وفي المرتين كان الحكم بالسجن مدى الحياة، أما الآن فهو مقيم في منفاه بلندن.
أعيد انتخابه عام 2007 كأمين عام لحركة النهضة وبهذا يكون زعيم هذه الحركة منذ 25 عام.
من مؤلفاته:
• طريقنا إلى الحضارة.
• نحن والغرب.
• حق الاختلاف وواجب وحدة الصف.
• القضية الفلسطينية في مفترق الطرق.
• المرأة بين القرآن وواقع المسلمين.
• حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية.
• الحريات العامة في الدولة الإسلامية.
• القدر عند ابن تيمية.
• مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني.
• الحركة الإسلامية ومسألة التغيير.
• من تجربة الحركة الإسلامية في تونس.
وقد ترجم بعض من كتبه إلى لغات أجنبية، كالإنجليزية، والفرنسة، والتركية، والإسبانية والفارسية.
* صحفي وكاتب من الأردن
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.