أنقرة: عادت قضية رفع الحظر على ارتداء الفتيات للحجاب في الجامعات التركية لتثير نقاشاً جديداً وحاداً في الأوساط السياسية والاعلامية، بعد ان بات واضحاً أن الحكومة التي يهيمن عليها حزب العدالة والتنمية تستعد لحسم هذا الموضوع من خلال الدستور الجديد الذي سيعلن عنه رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان قريباً قبل إحالته إلى البرلمان لمناقشته واقراره وإحالته للاستفتاء الشعبي. وكانت استطلاعات للرأي قد أشارات في وقت سابق إلى ان ثلثي الأتراك ضد الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات ومؤسسات الدولة الرسمية، بينما الجيش والأوساط العلمانية يشددون على استمرار الحظر، كما بدأ القضاء في تصعيد حملته ضد محاولات الحكومة رفع الحظر على ارتداء الحجاب وهو ما يعني ان الحزب أصبح مهددا بالاغلاق في حالة نجاح القضاء في مسعاه. يذكر ان مقولة "رفع الحظر عن الحجاب" كانت دائما وراء استهداف الاسلاميين الأتراك وإبعادهم عن الحياة السياسية، كما كارت وراء إسقاط حكومة نجم الدين أربكان في يونيو/ حزيران 1997 وحظر نشاط حزبه "الرفاه" ثم "الفضيلة" بحجة مناهضتهما لأسس ومبادئ مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك. القضاء العلماني يحارب لإفشال محاولات الحكومة في غضون ذلك، بدأ المدعي العام الجمهوري للمحكمة العليا في تركيا عبد الرحمن يالتشين كايا في جمع الأدلة والتصريحات الصادرة عن حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية المعارض بشأن رفع الحظر على الحجاب تمهيدا لإقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية لإغلاق الحزبين. ويسعى كايا إلى استغلال نصوص قانون الأحزاب السياسية التي استخدمت من قبل لإغلاق حزبي الفضيلة والرفاه اللذين كان يرأسهما رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان بسبب سعيهما لرفع الحظر عن الحجاب. وقام كايا بجمع العديد من اللقطات التليفزيونية لطبيبات ومعلمات وموظفات وطالبات في ملف حزب العدالة والتنمية وطالب مؤسسة الرقابة على التليفزيون بتسليمه جميع التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء رجب طيب إردوجان وأكد فيها أن الحجاب لا يعد رمزا سياسيا وأن الحظر المفروض عليه يمكن رفعه بحذف عبارة واحدة من الدستور، كما أدرج تصريحات رؤساء البلديات التابعين لحزب العدالة والتنمية في الملف أيضا. وأصدر كايا أصدر بيانا أكد فيه أن التفكير باستخدام بعض الملابس في إطار الحريات سيفصل بين الطلاب ويحول المؤسسات التربوية إلى ساحة نشاطات تتعارض ونظام الوحدة والعلمانية وأن الأحزاب السياسية لا تملك السعي وراء تغيير الطابع العلماني للجمهورية التركية معتبرا أنه من البديهي أن احترام الحريات على أساس الدين سيؤدي إلى إلى المواجهة ، مذكرا بتجارب أحزاب سابقة كان مصيرها الحل والتجميد بسبب مثل هذه المحاولات. كما حذر مجلس الدولة التركي في بيان من الاتجاه الى رفع الحظر عن الحجاب في الجامعات. وقال المجلس إن إقرار مسألة رفع الحظر عن الحجاب لن تقتصر على المؤسسات التعليمية فقط ، لكنها ستمتد الى المؤسسات الأخرى في الدولة ، وهو أمر يدعو للقلق لأنه سيولد مشاكل كثيرة ويهدد السلام الاجتماعي في البلاد. وشدد البيان على أن تركيا دولة ديمقراطية علمانية تقوم على دور القانون ، مشيرا الى أن المحكمة الدستورية ومجلس الدولة أكدا مرارا على أن احترام الحريات على أساس من الدين سيؤدي الى التجاذب والمواجهة داخل المجتمع التركي كما حذرا من تصوير الأمر على أنه يأتي في إطار الديمقراطية لأن ذلك سيشكل مساسا خطيرا بالعلمانية في تركيا ، كما أكدت ذلك محكمة حقوق الانسان الأوروبية أيضا. ..والحكومة ماضية في مخططها من ناحية أخرى، وفي رده على بيان المدعي العام لمحكمة العليا أكد وزير العدل التركي محمد على شاهين أنه ليس هناك أي حزب سياسي في تركيا يسعى الى الخروج على الاطار الذي رسمه الدستور للجمهورية التركية العلمانية ، مشيرا الى أنه يجب النظر الى هذا البيان على أنه نوع من حرص المدعى العام على آداء واجبه في مراقبة نشاط الأحزاب السياسية. واضاف أن بيان المدعي العام هو تذكير بالمبادئ التي يجب على الأحزاب السياسية الالتزام بها مؤكدا أن جميع الأحزاب وجميع نواب البرلمان يمارسون عملهم في الإطار الذي رسمه الدستور والقانون في تركيا. ويسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى إنهاء منع وضع الحجاب في المؤسسات الرسمية في إطار مشروع لإصلاح الدستور، حيث يرى انه انتهاك لحرية المعتقد وحق المحجبات في تلقي التعليم ، غير أن مناصري التطبيق الصارم للعلمانية، خصوصا في الجيش والقضاء والتعليم العالي يعتبرون الحجاب رمز سياسي يتحدى النظام العلماني. في الوقت نفسه بدأت لجنة شكلها حزب العدالة والتنمية دراسة مقترح حزب الحركة القومية بتعديل فقرة من المادة العاشرة بالدستور من أجل إنهاء الحظر على الحجاب، وإيجاد صيغة قانونية محكمة تجنب الحزب المصير الذي واجهه حزبا الفضيلة والرفاه. وفي عام 2005، رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن منع الحجاب في الجامعات التركية لا يشكل انتهاكا للحقوق الأساسية وقد يكون ضروريا لحماية النظام العلماني من الحركات المتطرفة. ولا يحق للموظفات أيضا وضع الحجاب.وتعمل الحكومة على إعداد دستور جديد، بدلا عن الحالي الذي ولد نتيجة انقلاب عسكري عام 1980ويتعرض لانتقادات كثيرة بسبب طبيعته. يذكر أن حظر ارتداء الألبسة الدينية في مؤسسات الدولة والجامعات يسري في تركيا منذ عام 1925، وتنظمه المادة العاشرة من الدستور الخاصة بالملبس والزي في مؤسسات الدولة.