الفارون إلى الله:من سجن الدنيا ..إلى جنة الآخرة * عمر القرايدي ( تونس ) أول أمس ودّعنا الأخ الهاشمي المكي ، و بالأمس ودّعنا الأخ أحمد البوعزيزي و اليوم ودّعنا الأخ منجي العياري و لا ندري غدا من صاحب الحظ و النصيب الذي سيكون التالي في القائمة ، ترجل فرسان كُثر و سيبقى الفرسان يترجلون الواحد تلو الآخر إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، هذه سنّة لا نحيد عنها و لن نحيد ، الموت كأس دوّار نتذوقه تباعا و رحًى تدور تطحن كل واقف ، تكلم فيها كثيرون فأجادوا ، أحبها القليل كل حسب نيته ، منهم من رأى فيها خلاصا و منهم من رأى فيها مغامرة ، و لكن كرهها السواد الأعظم من الخلق فما استطاعوا لها دواءً و ما اسطاعوا لها صرفًا. و أنا أودّع أخي المنجي الوداع الأخير بنظرات الدعاء و الرحمة و أسًى في النفس حبيس جال بي خاطري في نصوص حفظناها صغارا و فقهناها كبارا مثل تشبيه الصادق الصدوق للدنيا بقوله عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم :" الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر" فلما تأملت هذه الكلمات قليلة العدد الزاخرة بالمعاني استحضرت في ذهني السجن و أيام السجن و علاقات السجن و أعوان السجن و عذابات السجن و سموم إدارة السجن و الخروج من السجن و بطاقة السراح من السجن ، فانتظم الخيط في مخيلتي ، بما أن المساجين السياسيين عانوا الأمرّين في السجون طيلة سنوات عجاف و لم يخرجوا منها إلا و هم بين صريع و نصف صريع ، و بعد خروجهم من السجن الصغير وجدوا أنفسهم في السجن الكبير حيث البعيد الذي يتجهم و العدو الذي يملك الأمر ، محرومين من كل شيء ، هامات مائلة تمشي بلا هوية ( الوثائق ) ، مناشير التفتيش تبحث عنهم و تلاحقهم في كل مكان ، المراقبة الادارية سيف مسلط لا يستثني حركة و لا سكنة إلا رصدها و حاسبها و عاقبها و ربما تنبأ بحصولها فعاقبها استباقا ، الأبواب موصدة في وجهك لأن جبهتك مكتوب عليها " انتماء " و لأن كل الأجهزة خطّت على ملفك كلمة " عنصر نهضوي " فكيف السبيل إلى الاندماج من جديد في مجتمع ينظر إليك بمنظار مقلوب تراه قريبا فيراك بعيدا. عندما نظر المنجي و من قبله أحمد و من قبل قبله الهاشمي ، عندما نظروا إلى هذا الواقع الذي لم ينصفهم و لم يثن عليهم و لم يتقبلهم قبولا حسنا فروا بجراحاتهم و أدوائهم و أوصابهم للذي لا يظلم عنده أحد ، فرّوا من سجن الدنيا إلى جنّة الآخرة ، تحصّلوا على بطاقات سراح من سجن الدنيا الضيق ليدخلوا جنّة عرضها السّماوات و الأرض فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. طوبى للسابقين الأولين ، طوبى للفقراء المهاجرين ، طوبى لمن آووا و نصروا ، طوبى للذين تبوّؤوا الدار و الإيمان ، طوبى للذين قالواربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنّك رؤوف رحيم. اللهم ارحم شهداءنا الأبرار و أصلح حال عبادك الأحرار .آمين