كان مساء يعج بغبار قصف الطائرات التي ما انقطع هديرها طوال أيام الاجتياح وهي تحلق في سمائنا ينبعث منها نار الموت ورائحة الجثث والأشلاء المحترقة المتناثرة ،،، ركام منازل فوق حاجيات أصحابها هدمت وتناثرت معها أحلام ساكنيها،،، إعدامات في الشوارع ،،، جرحى يبحثون عن علاج لجراحاتهم النازفة،،، دماء على الجدران العتيقة ،، صرخات تخرج من كل مكان فلامجيب ،،، عيون على المجازر تذرف دمعاً وأخرى صامتة وعيونٌ ظلامية الكلام واللسان والتهكم بمنطق يحتكم الى القوة والهيمنة والهدف أن يقدم أهل مخيم جنين الطاعة والولاء والإذعان للمحتل القادم بهمجيته وجنوده القاصرين عن الإطاحة بإرادة قاهرة وصلابة تقوى على جبروت تلمودهم ، هم اهل جنين وشجاعة من بنو في هذا المخيم محطة نحو العودة . دقت الساعة فجرا وليلا واختلط الزمان في متاهات الاجتياح وما بين جنازير المركفاة والبلدوزرات حتى صار مصلوبا على خشبة الاحتلال ،،، لم يعد للوقت معنى سوى انه يقربنا أكثر من حتفنا ونصير نحن الواقفين فوق الركام هذا أشلاءً تحت ركام آخر ،،، ربما الزمن لم يحن بعد ،، أو ربما في الاجتياحات القادمة ،، لن يكون موكبا جنائزيا تقام فيه الصلوات وتقرع اجراس الحزن ويغلب عليه اللون الأسود ،، بل إنها مواكب الشهداء بالزغاريد تخرج من تحت الحطام في ساحات ارض المعركة ،،، يحملوهم على الأكف إن بقي من أجسادهم شيئاً ،،، يوضعوا في أكياس الموتى وينثروا عليهم زهور النرجس والريحان . في جنين،، كان الحزن والألم معاً وعفوية سيدة جاوزت السبعين من عمر مليء بحزن الأيام وذكريات اللجوء وسنوات نكبة ما انقطعت أوجاعها حتى الآن ، تحاكي نفسها وهي تسير فوق المكان على بقايا بيوت المخيم ،،، تبحث فيه عن أشلاء من داست أجسادهم جنازير الدبابات واحترقت بالقنابل والفسفور الأبيض،،، كم كانت عصية جنين وصلبة وهي تتعرض لأبشع صور الإرهاب في مواجهة عدوا ليس من جنس البشر ولا يحمل في جيناته من صفات الإنسانية جيناً واحدا ولا يأبه بنداءات هيئات الأمم وقراراتها ،،، وتعدى بحقده كل أدبيات الحروب كعادته القديمة الجديدة التي مارسها في البدء حينما داس هذا التراب بعصاباته وشكلت مجزرة دير ياسين أولى صوره وعاداته حتى وصل بمجزرة جنين مرورا بكل أيام الاحتلال التي ما خلت يوما من بطشه ودمويته . في جنين ،،، كان الصوت الفلسطيني أعلى من أصوات طائراته ودباباته ،، مقاتلين قل نظيرهم وفرسان وقفوا أمام ترسانة الحرب الأولى في العالم بكل رجولة واستبسلوا في الدفاع عن مخيمهم محطة العودة ،،،عمالقة الرجال صنعت الأسطورة وقدمت أرواحها قرابيناً للحرية حتى صنعوا تاج الفخار على جبين كل فلسطيني وفلسطينية .