لم أستغرب تراجع مقاعد الإسلاميين في البرلمان الكويتي (مجلس الأمة) وبدا لي نتيجة طبيعية لعدد من المواقف، وبكل صراحة لعدد من الأخطاء. للأسف لم يستثمر عموم الإسلاميين بهذا البلد الخليجي فترة سابقة شكلوا فيها تقريبا نصف مقاعد مجلس الأمة 21 فضلا عن خمس مقاعد للشيعة، في كسب ثقة الناخب الكويتي. بمعنى آخر علامات مسلسل التراجع كانت بادية، وكان من المفروض التقاط الإشارات وتحليلها، لكن ذلك لم يحصل، ويمكن إجمال المواقف -ولنقل الأخطاء- فيما يلي: - رفض ترشح المرأة لعضوية المجلس واعتبار ذلك من الولاية العامة، والحال أن المرأة تشكل نصف الهيئة الناخبة، وربما أكثر بعدما سمح لها بالتصويت. - الاشتغال أكثر على قضايا عامة ظرفية ذات طبيعة أخلاقية وشعبوية أحيانا، وإغفال الاهتمام بالقضايا المصيرية للمواطنين الكويتيين اجتماعيا واقتصاديا وخدماتيا. - عدم تطوير الخطاب وتجديد الذات والابتكار في العمل السياسي وتحديث آليات الاشتغال والارتكان أحيانا كثيرة للمنطق القبلي، الأمر الذي يفسر كون نصف المقاعد السنية وتحديدا السلفية من الدوائر التي تحكمها العقلية القبلية. - تركيز الإسلاميين وتحديدا من التيار السلفي على العمل البرلماني بمنطقه الخاص، دون الانتباه كما سلفت الإشارة لانتظارات المواطنين الكويتيين. لا أنصب نفسي أستاذا ولا واعظا، ولكن المتابع لعمل الإسلاميين الكويتيين في البرلمان يلاحظ غياب رؤية مقاصدية في مواقفهم، فيما يتعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد من جهة، والموازنة داخل دائرة المفاسد أيهما يدفع وأيهما يحتمل، وكذلك الأمر بالنسبة لدائرة المصالح أيهما أولى بجلبه وأيهما لا يضر تأخر تحصيله، متى يمكن السكوت على مفسدة صغيرة مقابل جلب مصلحة كبيرة وما إلى ذلك من القواعد الفقهية المقاصدية الرائعة، التي يفترض أن تكون حاضرة في ذهن السياسي والبرلماني ذي المرجعية الإسلامية، وتحكم مواقفه وتصرفاته. أمر آخر يغيب عن كثير من الإسلاميين ليس في الكويت فحسب بل في تجارب أخرى، وهو فقه المآلات، إذ قد يكون موقفا سياسيا معينا ومقترحا تشريعيا معينا مقبولا ومصلحة في الفترة الحالية، لكن قد يخلق مشاكل في المستقبل ويصير مفسدة وضررا، اعتبارا لما سيؤول إليه الأمر. وبالعودة للموقف من ترشح المرأة يتساءل المرء، كيف يعقل أن لا ينتبه الإسلاميون في الكويت لهذا التطور الواضح والتغير الثقافي، وحتى في عادات وتقاليد المجتمع الكويتي، ويتمسكوا بموقف الرفض لترشيح المرأة لعضوية مجلس الأمة؟ أليس في ذلك تجاهل للواقع ولقوة انتخابية هائلة لا نستبعد معها في المستقبل أن تسهم في تأنيث البرلمان الكويتي بقدر معتبر؟ باختصار، إن تراجع الإسلاميين في الكويت وتقدم الليبراليين والشيعة لم يكن لقوة خطاب المتقدمين ولا لتميز في برنامجهم، بل هي نتيجة لردة فعل الناخب الكويتي؛ لأن الإسلاميين عجزوا عن تقديم شيء مميز ولنقل ملموس واستيعاب حاجيات وتطورات المجتمع الكويتي. صحيح أنه من الخطأ التعامل مع الإسلاميين في الكويت على أنهم على شاكلة واحدة، بل هم مدارس، غير أن ذلك لا يمنع من وجود ما يجمعهم، وهو الاعتماد على الخطابات والشعارات والتركيز بشكل كبير على القضايا الأخلاقية وما شابهها، كما سلفت الإشارة لجلب التعاطف وبناء الشعبية، والحاصل أن هذا جزء صغير من المطلوب منهم. أما الجزء الكبير والمهم، فهو الاهتمام والإنصات للمواطن الكويتي وقضاياه الاقتصادية التنموية والاجتماعية والتعليمية، وطريقه تفاعله مع محيطه العالمي، وغيرها من القضايا، ودراستها وتقديم مشاريع حلول لها. وفضيلة الإنصات وتبعاتها المذكورة تجعل الناخب والمواطن يحس عمليا بأن البرلماني الإسلامي يحترمه ويحترم عقله ويتعامل معه كراشد وناضج وليس كقاصر هو من يحدد له احتياجاته. والخطاب المحترم للعقول يقدم تحليلا وحلولا، ولا يقدم شعارات وانطباعات عامة تؤجج المشاعر، لكنها لا تقدم ولا تؤخر. إن مجال العمل السياسي بشكل عام والبرلماني بشكل خاص هو مجال لتقديم الإنجازات والأعمال وليس مجالا للوعود والأقوال، وبالإنجازات وحدها يظهر الإسلاميون المنخرطون في العمل المؤسساتي أنهم جديرون بالثقة، لأنهم مع الأسف في الكويت أو غيرها جاؤوا في حقبة مل الناس فيها من سماع الشعارات، بل كرهوها بعدما خاب أملهم في القوميين والاشتراكيين والليبراليين، ولم يعد لديهم وقت إلا لسماع الإنجازات والأفكار الخلاقة والاجتهادات المبدعة، بذلك وحده تضمن ثقتهم. وما أغلى الثقة وأثمنها، وما أصعب كسبها في العمل السياسي الذي صوره -مع كامل الأسف- كثير من العلمانيين والليبراليين وغيرهم على أنه مجال للخداع والمكر والكذب والخداع والفهلوة، وليس مجال الأخلاق والصدق والصراحة والجدية. وحيث إن مجال العمل السياسي هو مجال للاجتهاد والصواب والخطأ بامتياز، ومجال للنسبية، فإن الحاجة تدعو الإسلاميين في الكويت على اختلاف توجهاتهم إلى القيام بنقد ذاتي صريح، وإطلاع الرأي العام الكويتي على خلاصة ذلك النقد، لأنه سيخدم صورتهم المستقبلية ويجعل المواطن ينظر لهم بنظرة مغايرة، وأنهم اجتهاد من الاجتهادات يخطئ ويصيب، ولا يملكون الحقيقة المطلقة وليسو أوصياء على الناس كما يصورهم الخصوم. العرب 2009-05-27