تونس - رشيد خشانة - أحرج رجال أعمال في بلدان الإتحاد المغاربي (الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس وليبيا) حكومات المنطقة في قمة اقتصادية للقطاع الخاص استضافتها الجزائر أخيرا، إذ سخر المتحدثون فيها من الذرائع التي تختفي خلفها السلطات لتبرير إرجاء التكامل الإقتصادي بين البلدان الخمسة الأعضاء في الإتحاد. وتساءل رجل أعمال تونسي في اليوم الأول من القمة منتقدا الحكومات "كيف تقولون إنكم تمهدون للتكامل بينما اضطررت لشراء بطاقة سفر للمجيء إلى الجزائر بسعر يعادل ضعف البطاقة إلى باريس ودفعت 250 يورو لليلة الواحدة في الفندق؟" وتجاوبت القاعة مع المتحدث بتصفيق حار. انطلقت الألسنة من عقالها طيلة جلسات القمة الإقتصادية الأولى في نوعها موجهة سهاما كثيفة إلى الأجهزة المغاربية المترهلة التي لم تستطع إعطاء دفعة لقطار التكامل على رغم مرور عشرين سنة على إنشاء الإتحاد في مدينة مراكش المغربية في 17 شباط (فبراير) 1989. منطقة اقتصادية مندمجة ويرمي الإتحاد لإقامة منطقة اقتصادية مندمجة بعد إزالة الحدود الجمركية بين البلدان الخمسة، وهي خطوة قررها مجلس الرئاسة في سنة 1991 ولم تجد طريقها للتنفيذ حتى اليوم. وتُؤلف البلدان سوقا قوامها 100 ألف مستهلك ويُقدر دخلها الخام الإجمالي ب224 بليون دولار، ما يعني أنها يمكن أن تشكل قوة اقليمية لو اتحدت. وطبقا لتقديرات خبراء اقتصاديين سيتيح إنشاء منطقة اقتصادية مغاربية موحدة زيادة نسبة النمو في البلدان الخمسة بنقطة أو نقطتين سنويا، وهو أمر كاف لحل معضلة البطالة التي تؤرقها وتُسبب لها مشاكل اجتماعية متنوعة ليست الهجرة غير المشروعة أخطرها. ولا يملك المراقب إلا أن يؤيد استغراب رجال الأعمال في قمتهم من تدني نسبة التجارة البينية داخل بلدان الإتحاد والتي لا تتجاوز 3 في المائة فيما تستأثر البلدان الأوروبية بأكثر من 70 في المائة من تلك المبادلات. وعلى سبيل المقارنة تصل نسبة التجارة البينية في منظمة "أسيان" ASEAN إلى قرابة 22 في المائة وفي منظمة "مركوسور" (أميركا الجنوبية) إلى 19 في المائة. ويمكن القول إن تأخير إقامة تجمع اقتصادي اقليمي في المغرب العربي يتسبب بإهدار فرص كبيرة لاستقطاب الإستثمارات الخارجية، فعلى رغم التفكك الراهن، ارتفع حجم الإستثمارات التي استقطبتها البلدان الخمسة من 6.6 بلايين دولار في سنة 2004 إلى أكثر من 23 بليون دولار في سنة 2006، وهو ما يدل على الإمكانات الكبيرة التي ستتيحها إقامة سوق مغاربية موحدة. وتعطلت مؤسسات الإتحاد منذ العام 1994، تاريخ آخر قمة مغاربية بسبب تداعيات النزاع المغربي الجزائري على الصحراء الغربية. كذلك تأخر إنشاء "المصرف المغاربي للإستثمار والتجارة الخارجية" الذي اتفق زعماء البلدان الخمسة على إنشائه بسبب خلافات بين البلدان الأعضاء. وفرضت الأزمة المالية العالمية تحصين الإقتصادات المغاربية من تبعاتها وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإنعاش القطاع السياحي ووضع مشاريع مغاربية قابلة للإنجاز، إلا أن ضعف الطاقة التنافسية للمؤسسات المغاربية قياسا على مثيلاتها الأوروبية والآسيوية يُشكل العائق الأول أمام إقامة منطقة اقتصادية مندمجة بسبب ضيق السوق المحلية والحواجز التي تحول دون انتشارها مغاربيا، وهي في الأساس حواجز ذات طابع سياسي. ضعف البنية الأساسية ومن الواضح أن سماكة الحواجز الجمركية وثقل الإجراءات الإدارية، فضلا عن ضعف تجهيزات البنية الأساسية شكلت عناصر أثنت المستثمرين الغربيين عن التوجه إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، التي لا تستقطب حاليا سوى 2 في المئة فقط من الإستثمارات الخاصة الأوروبية، فيما هي تتجه بكثافة إلى أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية. وتشكل الضفة العربية للمتوسط، التي يحتل المغرب العربي موقعا مركزيا فيها، الجانب الأقل اجتذابا للإستثمارات في المنطقة المتوسطية. وعلى رغم تعهد الأوروبيين في مناسبات عدة تأمين المساعدة لشركائهم في الضفة الجنوبية لتنشيط الإستثمار بُغية الحد من موجات الهجرة غير المشروعة التي تجتاح سواحل البلدان الأوروبية الجنوبية، وبخاصة إيطاليا وإسبانيا، فإن نسب النمو المُسجلة في البلدان العربية مازالت دون المستوى الذي يُحقق امتصاص البطالة والتقليل من الفقر. وعلى مدى السنوات الأربع عشر التي مضت على إطلاق مسار برشلونة لم تحصد البلدان الجنوبية الشريكة في المسار سوى نقطة واحدة من نسب النمو التي تُحققها سنويا. وتُراوح النسب الحالية بين 4 و5 في المئة، وستكون في حدود 3 في المائة فقط هذا العام بسبب تداعيات الأزمة الإقتصادية، بدل نسبة 7 في المئة الضرورية لتقليص البطالة. وأدى اتساع التفاوت واختلال التوازن بين الضفتين إلى ابتعاد أمل التكامل المتوسطي الذي غدا سرابا بعدما كان أحد الأهداف المُعلنة لمسار برشلونة الذي انطلق في 1995. وأوجدت أوروبا "الآلية الأورومتوسطية لتيسير الإستثمار والشراكة" كي تكون رافعة للتكامل من خلال تمويل الإستثمار المُنتج ودفع عجلة النمو وتقليص نسب الفقر وتحسين مستوى عيش المواطنين في الضفة الجنوبية، وبخاصة من خلال تعزيز المؤسسات التي تمنح قروضا صغيرة الحجم، إلا أن العملية مازالت مُتعثرة. ويكمن السبب الأساسي في توجس البلدان المغاربية من بعضها البعض وضعف مؤسسات الرقابة السياسية التي كانت ستفرض على الحكومات الإنطلاق في مشاريع التكامل. ولوحظ أن الولاياتالمتحدة عرضت مشروع تكامل اقتصادي اقليمي على العواصم المغاربية في أواخر العقد الماضي لإعطاء دفعة قوية للإستثمار والتنمية، إلا أن المشروع الذي يحمل اسم واضعه الوزير السابق أيزنستات، فشل مثلما فشلت المبادرات الأوروبية المماثلة، بسبب انهيار الثقة بين الزعماء المغاربيين الذين بأيديهم سلطة القرار. وما لم توضع الدول المغاربية على سكة الديمقراطية وينتقل القرار إلى مؤسسات منتخبة وشفافة أسوة بالبلدان التي أنشأت "المجموعة الإقتصادية الأوروبية" والتي تطورت لاحقا إلى "الإتحاد الأوروبي"، لا أمل بإخراج الإتحاد المغاربي من غرفة العناية الفائقة ومعاودة بناء مؤسساته.