هجرة غير نظامية: تراجع عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا ب 18,52 %    اتحاد الفلاحة بمدنين : الأضاحي تفي بحاجيات الجهة    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    Titre    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    لأول مرة في تونس.. البنك الفلاحي يفتح خط تمويل لمربي الماشية    أبطال أوروبا: ريال مدريد يستضيف غدا بايرن ميونيخ    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    المتلوي: حجز 51 قطعة زطلة بحوزة شخص محل 06 مناشير تفتيش    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    وزيرة الأسرة تعلن عن احداث مركز جديد للاصطياف وترفيه الأطفال بطبرقة    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    مخاوف من اختراق صيني لبيانات وزارة الدفاع البريطانية    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع السيد علي شرطاني بمناسبة الاحتفال بذكرى الإعلان عن حركة الاتجاه الإسلام
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 06 - 2009

حاوره مراسل الفجر نيوز بتونس فريد خدومة
الجزء الثاني
- علاقتك باتحاد الشغل وبالنضال النقابي؟
لقد اكتشفت بعد وفاة جدي علي بن محمد بن ضو رحمه الله سنة 1964 وبعد فرز ما خلفه من الوثائق والأوراق التي ظل محتفظا بها حتى ذلك الحين أنه كان من الأوائل الذين كان لهم شرف الإنخراط المبكر في الإتحاد العام التونسي للشغل، ومازلت أحتفظ إلى الآن بأول بطاقة انخراط له فيه في السنة الثانية من تأسيسه سنة 1365 هجرية الموافق لسنة 1946 ميلادية. وبإحضارها فأنت ترى أخي الكريم كيف أنه كتبت عليها الشعارات التالية التي يتصدرها الحديث النبوي الشريف " يد الله مع الجماعة " ثم تليها الشعارات الأخرى " إخلاصنا في العمل *** يحقق نيل الأمل.
شعارنا اجتهاد ***** وقوتنا اتحاد . لا يمكننا الوصول لهدفنا إلا بالدفاع عن حقوقنا بأنفسنا.
وقد ظلت علاقة العائلة كلها موصولة بالإتحاد العام التونسي للشغل من خلال مواصلة الإنخراط الآلي فيه.
وبالرغم من أن النظام السياسي الإستبدادي في تونس لم أتمتع في ظل هيمنة رموزه ومكوناته العلمانية المختلفة على البلاد بحقي في الشغل فيها إلا قليلا جدا، فإن علاقتي باتحاد الشغل وبالنضال النقابي كانت دائمة ومتواصلة في حدود المتاح. وكلما استعدت حقي في الشغل، وإن كان ذلك لا يدوم غالبا إلا قليلا، حتى أكون مسارعا إلى الإنخراط في الإتحاد العام التونسي للشغل. وبناء على ذلك، وبما أن الفرصة لم تتح لي للتواجد بالهياكل النقابية، إلا أني كنت من خلال انتمائي الوطني والتنظيمي السياسي الإسلامي من المهتمين بالنضال النقابي من خلال حركة الإتجاه الإسلامي في البداية، ثم من خلال حركة النهضة بعد ذلك. فزيادة على اهتمامي العام بالعمل وبالنضال النقابي، فقد أوكلت لي سنة 1990 في إطار الحركة مهمة الإشراف على المكتب النقابي بجهة قفصة وكنت ممثل النشاط النقابي بمكتب المنطقة، بما يجعلني من خلال المتابعة على علاقة مباشرة بالنضال والنشاط النقابي بكل من ولايات قفصة وتوزر وسيدي بوزيد، وممثلا للمنطقة في اللقاءات الوطنية المركزية التي كانت القيادة المركزية للحركة تدعو لها للإعلام والتثقيف والمتابعة. فقد كنت إضافة إلى ذلك دائم التردد على مقر الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة خاصة في المناسبات الوطنية، أو للمواكبة والمتابعة والمشاركة في بعض الفعاليات المختلفة ذات الصلة بالعديد من القضايا الوطنية والإقليمية والدولية التي تسمح بها كل مرة الأطراف ذات الإهتمامات السياسية والحزبية المختلفة في مكونات الطائفة العلمانية اللائكية المختلفة من خلال تواجدها في الهياكل النقابية لمختلف القطاعات مركزيا وجهويا. علما وأن الإتحام العام التونسي للشغل قد كان دائما الإطار الأنسب، لخصومه وأعدائه التاريخيين، للنشاط النقابي والسياسي والثقافي والإجتماعي فيه. وهم أولئك الذين تصدوا لتأسيسه حرا مستقلا. والذين التحقوا به التحاقا بعد ما فشلوا في ذلك. والذين لا يمكن أن يكون غيرهم من كان وراء اغتيال زعيمه الشهيد فرحات حشاد من الشيوعيين التونسيين ومن الدستوريين والذين لا يمكن أن يقوم أي طرف منهم بتلك الجريمة الوطنية بدون تنسيق وتعاون وتعامل مع قوات الإحتلال الفرنسي لبلادنا ...أو تلك التي تسمح بها السلطة في الفترات التي تكون لها فيها الهيمنة والنفوذ على المنظمة الشغيلة الإتحاد العام التونسي للشغل من خلال الثقل الهيكلي الذي تكون عليه فيه، أو من خلال الإنتهازية والبيروقراطية النقابية في كل مرة تنجح في جعله تابعا لها. وهي الحالة التي تصاب فيها المنظمة بالترهل والركود والعطالة، سواء في مستوى الفعل النقابي أو في مستوى الفعل السياسي والإجتماعي والثقافي وغير ذلك مما هو من صميم اهتمام المنظمة التي نشأت مستقلة بالرغم من كل الخصوم والأعداء في ظل الإحتلال الخارجي والتآمر الداخلي عليها.
ولعل الوضع الراهن للإتحاد العام التونسي للشغل يختلف عنه في أي من المرات السابقة لمحاولات هيمنة النظام والجهات والأطراف المعادية له تاريخيا عليه وإنهاء استقلاليته وجعله تابعا. لأنها المرة الوحيدة التي يكون لنفس النزعة التأسيسية له منذ تأسيسه حضور ميداني تنظيمي سياسي وثقافي واجتماعي عربي إسلامي يعمل على الحفاظ على استقلاليته. فإذا كانت مكونات الحركة العلمانية اللائكية متصارعة فيه ومن خارجه عليه لتحقيق أهدافها وغاياتها المختلفة من خلاله، وليست المنظمة الشغيلة عندها إلا وسيلة وإطارا مناسبا لذلك، ولتصفية حساباتها بعضها مع بعض، فإنها قد اختارت هذه المرة أن تسارع بإلحاقها بالنظام الذي التحقت كلها به، لا يجمع بينها فيه إلا الإنتهازية واحتواء كل منظمات المجتمع المدني وإلحاقها بالنظام، وتصفية حساباتها مع قوى الحرية والتحرر والإستقلال والإستقلالية.
ونحن نتحدث عن الإتحاد وعن النضال النقابي، إسمح لي أخي الكريم مع الإعتذار عن الإطالة، أن أقول أنه لا بد من تصحيح تاريخ الإتحاد العام التونسي للشغل الذي لم يكتبه إلا خصومه وأعدائه التاريخيين من اليسار الماركسي واليمين الدستوري وربما بعض السذج والأغبياء من المستقلين الصادقين. وأنه لا بد من السعي والعمل باستمرار على تصحيح مساره الوطني الإستقلالي العربي الإسلامي الذي نشأ وتأسس عليه. وليس أدل على ذلك إشراف العلامة الشيخ الفاضل بن عاشور على مؤتمره التأسيسي الذي كان أول رئيس له بالمدرسة الخلدونية التي كان له الإشراف عليها. وقول الشهيد فرحات حشاد"... التفكير في إعداد نظام إجتماعي يرفع مستوى العمال المادي والأبي غير مستوحى ضرورة مما وقع إنجازه لحد الآن في بعض البلاد وإنما يكون مستمدا من القانون الإجتماعي الإسلامي ..وهو المبدأ الذي جاء به القرآن ".
" إن الشعب التونسي لا يستطيع أن يتحرر من سيطرة استعمارية ليقع من جديد تحت نظام إستبدادي من نوع آخر وهذا ما جعله يبتعد عن الشيوعية..."(1)
وهو الموقع الذي ظل شاغرا منذ ذلك التاريخ حتى كانت الحاجة له مرة واحدة بعد ذلك لحل مشكلة المرحوم الحبيب عاشور بعد عزله سنة 1981 سنة انعقاد مؤتمر قفصة الإستثنائي للإتحاد العام التونسي للشغل يومي 29 و 30 أفريل 1981 الذي جاء بالرفيق المدعو الطيب البكوش أمينا عاما له، وإعادته على رأس المنظمة بالمكان الذي يليق به بعد ذلك.
واعلم أخي أنه سيكون ممن قد يكون له اطلاع على هذا الرأي من القول ما يعتبر به أني لا أعني باستقلالية الإتحاد العام التونسي للشغل إلا حين يكون تابعا للحركة الإسلامية، ولذلك فإنه لا اختلاف في ذلك بين أن

(1) عن مسودة بحث تحمل عنوان : حشاد حياته وكفاحه للأستاذ مصطفى بني حمد أستاذ التاريخ والجغرافيا سابقا بمعهد السند أي قبل فصله من الشغل بدون محاكمة بمناسبة حملة التصفية والإستئصال والإبادة التي كان الوجود الإسلامي هدفا له في تونس العروبة والإسلام من طرف التحالف العلماني اللائكي من داخل السلطة ومن خارجها.
يكون تابعا للسلطة التي لا تعتبره مستقلا إلا حين يكون تابعا لها، وبين أن يكون تابعا لأي مكون فكري وثقافي وسياسي آخر وله عليه السيطرة أو النفوذ الأكبر، والذي يعتبر أنه لا معنى للإستقلالية بدون ذلك. وبهذه المناسبة أقول : أن الأمر يختلف عن ذلك اختلافا جذريا. ذلك أن الحركة الإسلامية لا تعمل على أن يكون الإتحاد تابعا لها ولا دائرا في فلكها سواء حين تكون في السلطة أو خارجها، وإنما يكون ذلك بالنسبة لها من قبيل إعادة الأمور إلى نصابها، ليكون الإتحاد العام التونسي للشغل حرا مستقلا فاعلا جامعا لكل الشغالين التونسيين وغير التونسيين عربا مسلمين أو أعاجم على أي دين أو نحلة أو معتقد أو انتماء فكري أو سياسي أو ثقافي أو أثني أو عرقي..ثم ليكون على أساس الهوية الثقافية والفكرية والعقائدية التي نشأ وتأسس عليها. وهو الذي لا يمكن أن يكون حرا مستقلا إلا عليها. وهو الذي لم يكن كذلك إلا على ذلك الأساس. ولذلك فإن الأمر مختلف جوهريا عما يمكن أن يكون عليه حين يكون تابعا أو ملحقا بأي من تلك المكونات الدخيلة الهجينة الأخرى التي كانت معادية له ولنزعته ولثقافته الإستقلالية، والذي لم يكن معاديا لها ولنزعتها الإحتوائية الهيمنية التسلطية، وثقافتها الهجينة الدخيلة الإلحاقية التابعة...وعما يمكن أن يكون له من علاقة هيكلية أو تنظيمية مع الحركة الإسلامية وأن تكون لها علاقة به. لأن هذه العلاقة لا يمكن أن تكون علاقة احتواء ولا تبعية. ولا يمكن إلا أن تكون علاقة تكامل وتدافع بما يحقق المصلحة الوطنية والعمالية والإنسانية. وهذا ما لا تستطيع أن تؤمن به مختلف قوى الهيمنة والإحتواء الأخرى ولا أن تقبل به، وما يبدو لها من خلال طبيعتها المادية والثقافية التغريبية التكفيرية الإستغلالية صحيحا وممكنا....
2- علاقة الأخ باليسار :
لقد كانت علاقتي بالفكر الماركسي و" الفكر القومي " سابقة للعلاقة باليسار الماركسي واليسار القومي العربي، وقد كانت لي علاقة بهذا الفكر وذاك ولم أكن في هذه المدرسة أو تلك، أي لم أكن يساريا ماركسيا ولا قوميا عربيا بالمعنى القومي العربي للمدرسة القومية العربية المعاصرة. وإذا كان لهذين التيارين موقعهما، في مرحلة ما وفي فترة ما إلى اليسار فلم يعودا اليوم، وبعد التحولات الجوهرية في موازين القوى الدولية واختلال التوازن لصالح قوى الهيمنة الليبرالية الرأسمالية بسقوط المعسكر الشرقي وانهياره بالكامل في زمن قياسي، في ذلك المكان. وأصبحت الإشارة إليهما بذلك لا تعني شيئا إلا للإعتبار التاريخي، بعد أن ألقت بهما الريح في مكان سحيق، وتحولا من النقيض إلى النقيض بتنقلهما من اليسار إلى اليمين. وإذا أردنا أن تكون للمواقع مدلولاتها الحقيقة، فعلينا أن ننتهي من الحديث عن اليسار الماركسي والقومي العربي إلى الحديث عن اليمين الماركسي والقومي العربي في الكثير من الأقطار العربية وفي الكثير من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين.
ومن خلال هذه العلاقة بالفكرين والمدرستين والثقافتين، ومن خلال علاقتي بالإسلام وبالفكر الإسلامي وبالثقافة الإسلامية، كانت لي بعد ذلك علاقة مباشرة ببعض وجوه اليسار الماركسي وبعض القوميين العرب
على المستوى الجهوي، وعلاقة غير مباشرة على المستوى الوطني من خلال الأدبيات والمواقف...
وبما كان بين هذين التيارين من اختلاف وتباين، إلا أنهما كانا تاريخيا الأقرب بعضهما من بعض كلما تعلق الأمر خاصة بالموقف من الحركة الإسلامية وبالعلاقة بها.

- لماذا يعتبر الأخ من الأعداء التاريخيين لهذا التيار؟
أنا لا أومن من حيث المبدأ بالعداء في ساحات المعترك والصراع بل التدافع السياسي والفكري والثقافي والمذهبي والديني ولكني أومن بالخلاف. والمتخلف عندي هو من يحول علاقة الخلاف السياسي والفكري والثقافي والمذهبي والديني والعرقي وغيره إلى علاقة عداء. وقد أدركت هذه المسألة منذ وقت مبكر ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي تحديدا وما تنطوي عليه من مخاطر، ونبهت في ما كتبت في ذلك الوقت إلى خطورة ذلك، عندما لاحظت أن مكونات الحركة العلمانية، وحتى بعض مكونات الحركة الإسلامية على اختلاف تنظيماتها ومستوياتها وبمختلف مواقفها ومن خلال مختلف مواقعها، قد تعاملت وتعاطت مع هذه الخلافات وخاصة مع الخلاف السياسي، الذي ليس ثمة آلية أفضل من الديمقراطية ومن مبدإ الشورى الإسلامي لحلها بين الناس، على أنه عداء. وهي القوى والتنظيمات التي لا تؤمن بغير العنف سبيلا لحل الخلافات السياسية، وهي الآلية الأفضل والأنسب بالنسبة لها في ذلك.
وإذا كان من علاقة عداء مع ها وهؤلاء من هنا وهناك، فليست عندي إلا من قبيل المعاملة بالمثل حين لا يكون هناك بد من ذلك، لأن ذلك ليس إلا استثناء في الإسلام وفي ثقافة الإسلام وفي شريعة الإسلام، يقول تعالى : " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم له خير للصابرين" ويقول أيضا : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " " وهو القائل كذلك " وإن اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم ". فيجب أن يكون أعداء الإسلام والمسلمين هم الأعداء وهم البادون بالإعتداء، وأن لا يكون اعتداؤنا عليهم إلا بمثل ما يعتدون به علينا. وعلى المسلمين أن لا يكونوا البادين بالإعتداء ليس على المخالفين لهم في الرأي وفي السياسة وغير ذلك من المسائل التي يمكن أن يكون فيها الخلاف بين المسلمين وغيرهم، ولكن يجب أن يكونوا في موقع المدافع عن النفس والراد للعدوان، بما يعني عدم إسقاط الحق في الدفاع عن النفس أو عن الحق أو عن المكتسبات أو عن الوطن أو عن إنسانية وآدمية الإنسان. فلا يحق للمسلم أن يكون معتديا على أحد وعلى أي جهة أو طرف ولا أن يكون ظالما لأحد أو لأي جهة أو طرف، كما لا يقبل أن يكون معتدى عليه ولا مظلوما ...يقول صلى الله عليه وسلم : " من مات دون ماله وعرضه مات شهيدا " والأدلة الشرعية الواردة في ذلك كثيرة.
وليس العنف في الإسلام إلا آلية أخيرة للتعاطي والتعامل بها مع من لا يؤمن بغيرها ولا يؤمن إلا بها. والفرق في الإيمان بالعنف والقوة سبيلا لحسم الخلافات السياسية خاصة بين الفرقاء وبين المختلفين عموما، هو أن الإسلام لا يوجبهما ولا يدعوا إلى العمل بهما إلا اضطرارا وضد من لا ولم يقبل بالحلول السلمية والحوار على قاعدة الخلاف السياسي والخلاف في الرأي. أما العلمانية التكفيرية الظلامية المغشوشة خاصة وأدعيائها، فهي توجبهما وتدعوا إلى العمل بهما اختيارا وضد من يقبل أو لا يقبل بالحلول السلمية والحوار، على قاعدة العداء السياسي والعداء من أجل الخلاف في الرأي. فلا عداء لي في الأصل لأحد وفق ما يجب أن أكون عليه وما أنا مدعو أن أكون عليه إسلاميا إلا لمن يناصبني العداء، ليس في شخصي الضعيف ولكن في ديني وهويتي وثقافتي العربية الإسلامية التنويرية الصحيحة. فأنا لا أعادي هؤلاء ولا غيرهم في الأصل إلا لأنهم يعادون عقيدة الشعب والوطن والأمة وشريعة الإسلام وفكره وثقافته وحضارته، بهذا المعنى يجب أن أكون معاديا لهم، وأن أناصبهم بناء على ذلك العداء حتى ينتهوا " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " منهم.

- لماذا يصر الأخ على التركيز على الأحداث الماضية واستصحابها في قراءته المستقبلية لعلاقة اليسار بالسلطة وعلاقة اليسار بالإسلاميين ؟
إذا كان المستقبل واضحا فإن التداخل بين الحاضر والماضي يجعل من الحديث فيهما يطول. فأنا أعتبر أنه ليس من الماضي إلا شيء انتهت كل آثاره وتداعياته، أو كان له من الآثار ما لا يذكر إلا به دون أن تبقى له
علاقة بالحاضر والمستقبل.
وأعتبر أن الذين ينظرون إلى أن التركيز على الأحداث الماضية واستصحابها في قراءة المستقبل هو من الخطاب والسلوك اللذين يجب أن ينتهيا، ومن الثقافة التي أصبح من المصلحة التخلي عنها، هم من السذج والأغبياء، أو من الذين لا يفهمون ماذا يعني الماضي، أو من لهم مصلحة في إنهاء الحديث عما يعتبرونه من الماضي في فهمهم لحركة الزمن ماضيا وحاضرا ومستقبلا لما أحدثوا فيه ولما تبين أنه كان محسوبا عليهم وقد تورطوا فيه أيما تورط في حق البلاد والعباد، ولا يريدون أن يكون فيه حديث، ولا يريدون للحديث فيه إلا أن ينتهي. ويريدون لجرائمهم التي تطاردهم فيه أن تصبح من الماضي الذي لا فائدة من العودة إلى الحديث فيه عن أي شيء مما ارتكبوا من الجرائم ومما ألحقوا به الأحرار والبلاد من خسائر وأضرار، ليبدءوا عهدا جديدا ومرحلة جديدة يتساوى فيها الجلاد مع الضحية، والمسلم مع المجرم، والظالم مع المظلوم، والفاسد مع الصالح، والأصيل مع الدخيل والعميل والوكيل...
ثم إنه لا معنى ولا مستقبل في الحقيقة لشعب ولا لوطن ولا لأمة بدون ماض. وإذا كان الأمر كذلك فإن التركيز على بعض أحداث الماضي واستصحابها في قراءة المستقبل مما بجب أن يكون ومما لا يجب التخلي عنه تحقيقا للمصلحة ودرءا للمفسدة وتثبيتا للصحيح والصالح ونفيا للخاطىء والفاسد، وتوضيحا للحق وقبولا به، وتأكيدا على الباطل ورفضا له...
وقد وجدت أن أكثر الناس قلقا من التركيز على الأحداث الماضية هم المتورطون والذين كانوا طرفا فاعلا فيها. وهم الذين يرون أنه لا فائدة من ذلك ويدفعون بقوة باتجاه التجاوز وبدء مرحلة جديدة. وقد لاحظت أن الحرص على ذلك مطلوبا لذاته لما لهم من مصلحة فيه. وأن قلقهم من ذلك مطلوبا لذاته كذلك لما لهم من مصلحة فيه.
وأنا لست من الذين يركزون على الأحداث الماضية التي حصلت بالبلاد، وهي التي ليست في الحقيقة مجرد أحداث ولكنها جرائم بما للكلمة من معنى في حق الشعب والوطن، تمسكا بالماضي ورفضا للتجاوز وهروبا من المستقبل، ولكني أرى أن التجاوز والنظر إلى المستقبل والتطلع إليه لا يمكن ولا يجوز أن يكون علميا وعقليا وموضوعيا بدون تقييم ومراجعة ونقد وانتقاد وتصحيح.
وقد قلت ما من مرة لبعض الذين يقلقهم التركيز على الأحداث الماضية واستصحابها في قراءة المستقبل في علاقة اليسار وغيره من القوى السياسية المختلفة المشارب والمذاهب والمناهل والتوجهات والرؤى والبرامج والتصورات..بالسلطة وبالإسلاميين، وعلاقة الإسلاميين بالسلطة وبكل هؤلاء، أن التجاوز والمستقبل لا يكونان بدون معرفة، من ها ومن هؤلاء من الذين كانوا مكونا من مكونات السلطة ومازالوا من اليمين الماركسي و القومي العربي وغيرهم من الإنتهازيين من المستقلين أو من الذين أصبح من مصلحتهم أن يقدموا أنفسهم على أنهم كذلك وهم ليسوا في الحقيقة كذلك.
لا يكون التجاوز ممكنا وصحيحا ولا المستقبل مشرقا، إلا حين يقول كل هؤلاء من كانوا قديما ومن هم اليوم، ولماذا كانوا كذلك ولماذا أصبحوا هكذا؟
وأنا لا أتحدث في الحقيقة عن الماضي، لأن هذه الأحداث والجرائم لم تصبح ماضيا بعد، ولكنها مازالت حاضرا يعيشه الصغار والكبار والنساء والرجال والعبيد والأحرار. مازال حاضر اليتامى ممن سقط آبائهم شهداء بالعشرات، وحاضر الأرامل اللائي فقدن أزواجهن في معركة الشرف والحرية والهوية، وحاضر الثكالى اللائي فقدن العشرات من فلذات أكبادهن بين شهيد وسجين وطريد ومنفي ومفقود..وحاضر التلاميذ والطلبة الذين حرموا من مواصلة دراستهم وأجبروا على عدم المباشرة والمواصلة من أجل أفكارهم ومظهرهم وحرية معتقدهم ولباسهم الشرعي من الفتيات، وحاضر عشرات الآلاف من النساء والرجال الذين فقدوا وظائفهم وشغلهم وانتزع منهم حقهم وحق آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم وبناتهم وأزواجهم وزوجاتهم وأقربائهم في العيش وصودر حقهم في الحياة في بلادهم، مازال حاضر البلاد التي انحدر بها مكونو نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب إلى مستوى من الرداءة لم يسبق له مثيلا ولم تعرفه في كل شيء وبدون مبالغة في تاريخها القديم والحديث...
إذا فليس ذلك من الماضي ولا استصحابا للأحداث الماضية في قراءة مستقبلية لعلاقة اليسار بالسلطة ولا لعلاقتهم بالإسلاميين ولا بغيرهم. بل نحن مع واقع أبى أن يكون من الماضي وما ينبغي له قريبا على الأقل.
أنا لا أصر على البقاء بالماضي ولا على الإبقاء عليه. وهو الذي لا يقبل زمنا ببقاء أحد فيه ولا يستطيع أحد أن يبقي عليه. إلا أن الماضي لا يقاس دائما بالزمن، لأن الزمن ليس إلا إطارا للوقائع والأحداث وحركة الإنسان والمجتمع فيه. قد يبقى الإنسان حبيس الماضي فكرا وثقافة، ولكن لا يمكن أن يبقى حبيسه زمنا. والمتخلفون هم حبيسو الماضي فكرا وثقافة وحضارة.
كان لا بد من مثل هذا التوضيح، وليست الأحداث المشار إليها إلا جرائم، وهي من تلك التي لا تسقط بالتقادم. ولذلك فإن الحديث عنها يجب أن يظل طالما أن مقترفيها مازالوا على قيد الحياة ولم يصبحوا من الماضي، وطالما أنهم مازالوا مصرين على المضي في نفس الطريق وعلى نفس الخطة ولم يراجعوا ولم يتراجعوا، وبذلك فإن الحديث يظل في مكانه وفي موضوعه وفي حاضره زمنا وواقعا وأحداثا. وهؤلاء هم من لا يريدوا واقعا أو يصبح هذا الواقع من الماضي...
وأنا لا أتحدث عن علاقة اليسار بالسلطة وبالإسلاميين، ولكني أتحدث عن " اليسار الماركسي والقومي العربي " وبالأحرى عن اليمين الماركسي والقومي العربي كأحد أهم مكونات السلطة والأكثر نفوذا فيها، بل وصاحب النفوذ الأكبر. وليس اليمين الدستوري ورئيسه بن علي إلا أداة تنفيذية للمشروع السياسي والثقافي والإجتماعي والفكري الظلامي التكفيري لهذا اليمين الجديد. وهو من يحكم به في الحقيقة بن علي البلاد، وهو الذي يحكم كذلك البلاد من خلاله. فأنا لا أتحدث عن اليسار لمجرد أنه يسار أو لمجرد أنه ملحد كما يعتقد البعض من السذج والأغبياء، وإنما أتحدث عن اليسار باعتباره يحكم البلاد وباعتباره تكفيريا ظلاميا استبداديا إرهابيا، وله أن يعتقد بعد ذلك ما يشاء. فهو حر في ما يعتقد ولكنه ليس حر في ما يتجه فيه بالشعب من تكفير وتفقير وقهر ورذيلة ودعارة وفساد وإفساد وظلم وتسلط وإذلال...
والمتأكد عندي أنه لم يبق من كل هؤلاء من لم يكن له دور في السلطة وفي ما حصل وما يحصل من فساد مالي وأدبي وسياسي وإداري وقضائي وإعلامي..وهو الفاسد أصلا وازداد فسادا وزاد إفسادا. وهو الذي لم يكن صالحا ولم يعد يصلح ولا أمل في أن يصلح.
واليسار عندي هو الإنتهازية، فاليساري من خلال التجربة ومعرفتي ببعض وجوهه ورموزه وعناصره في بعض المواقع ومن خلال بعض المواقف هو الإنتهازي بامتياز. وهو الذي تبرر الغاية عنده الوسيلة مطلقا باعتباره لا يستند إلى أي مقياس ولا معيار أخلاقي ولا أدبي ولا عقلاني ولا إنساني ولا حضاري...
أما علاقته بالإسلاميين فلا يقبل ولم يقبل أن تكون علاقة خلاف وخصومة فكرية وثقافية وسياسية، ولا يقبل ولم يقبل إلا أن تكون علاقة عداء وتصفية واستئصال. ولست في حاجة إلى توضيح ذلك لأن الأسماء والمواقف والأحداث والوقائع والمواقع والممارسات التي عاشها الشعب التونسي ومازال يعيشها كافية للدلالة على ذلك. هو اليسار الذي قبل المتشددون والأصوليون فيه أن ينقسموا في النهاية على أنفسهم ليلتحق الحزب اليساري الديمقراطي بزعامة المدعو محمد الكيلاني بالمدعو محمد حرمل في ما يسمى حركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي ) سابقا في المعاضدة والموالاة في غير ملاحقة فكرية، وليلتحق المدعو حمة الهمامي صاحب المدعو عبد العزيز الجريدي في البداية والمدعو برهان بسيس في النهاية والناطق الرسمي لما يسمى حزب العمال الشيوعي التونسي بحركة النهضة في المعارضة، بل بحركة النهضة المعارضة، ليلتقي مع من يلتقي في ذلك ممن أجرموا في حقنا وفي حق شعبنا لملاحقة الإسلاميين فكريا، وليعطونا درسا في الحوار الذي لا يؤمنون به، وفي الديمقراطية الكافرون بها ومن منطلق مبدئي، ولا أعتبر أنه ليس ثمة أكثر بؤسا من هؤلاء في الحقيقة إلا إخواننا في الحركة الذي قبلوا بذلك.
فإذا كان اليسار واقعا في السلطة وهو الذي يحكم البلاد بطريقته ووفق ما يراه مناسبا ووفق ما هو قادر عليه، وإذا كانت حملة تصفية الإسلاميين واستئصالهم ومحاربة الشعب في دينه وثقافته وفي رزقه وعرضه وكرامته وحريته وماضيه وحاضره ومستقبله متواصلة، وإذا كان ضحايا سياسته الفاسدة المعادية للحرية والديمقراطية والهوية العربية الإسلامية للشعب وللأمة وحقوق الإنسان في ازدياد يوما بعد يوم، وإذا كان مستمرا على عدم مراجعة هذه السياسة والمضي فيها منذ أكثر من عقدين من الزمن ولم يتراجع عنها، وإذا كان مازال مصرا على عدم الإعتراف للشعب بحقه في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية وفي هويته العربية الإسلامية وفي العدالة الإجتماعية، وإذا كان ليس مستعدا لمراجعة أفكاره وثقافته ومرجعيته...فكيف يمكن أن يكون الحديث عنه وعن علاقته بالسلطة وبالإسلاميين حديث عن الماضي؟ !
وكيف يكون الحديث عن أحداث التصفية والإستئصال للإسلاميين، وملاحقة كل من يختلف مع هذه الطغمة الفاسدة المكونة لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب، التي لم تنقطع ومازالت متواصلة على قدم وساق وعزل البلاد إعلاميا وانتهاج سياسة التكفير والتفقير والتهجير والترويع...استصحابا لها في الحديث عن المستقبل، الذي لا يمكن الحديث عنه في الحقيقة إلا بعد سقوط هذه الطائفة المستقوية على الشعب وعلى الأحرار بالبلاد بقوة البوليس وبالأجنبي، تماما كما هي الحال في ما يحدث في أفغانستان وفي باكستان وفي العراق وفي فلسطين أو إسقاطها.

- باختصار ما هو موقفك من العفو التشريعي العام كما يراه اليسار ؟
حكاية العفو التشريعي العام ببلادنا حكاية طويلة، وهي ترجع في تاريخ البلاد إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي. وظل هذا المطلب قائما حتى سنة 1989 حيث تم في حركة بهلوانية خادعة مغشوشة الإعلان عن صدور قانون في ذلك لم يستعد به أي من المناضلين من أجله والمطالبين به من المضطهدين أيا من مطالبهم وحقوقهم. ولم تكن العملية إلا إجهاض للمطلب وسرقة لحقوق المظلومين والمضطهدين والمستضعفين، كما تمت سرقة انقلاب 7 نوفمبر لكل مطالب الشعب التونسي في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والأصالة وحقوق الإنسان وإجهاضها...
فبعد أن كانت فلول اليسار الصهيوني التكفيري، ولا أتحدث عن القومي العربي الضعيف أصلا، والذي لم يكن إلا تابعا، جادة في المطالبة بالعفو التشريعي العام، حتى اكتفت بالقبول بتلك المسرحية المعلن عنها، بعد أن تمت الترتيبات اللازمة ليلتقي الملتحقين علانية منهم لاحقا بالمتسللين سرا من قبل، ليكون الجميع الثقل الأكبر من مكونات السلطة، لغايتين إثنتين لا ثالث لهما يتمثلان في الوجود في السلطة والإلتفاف على القرار السياسي فيها، وليكونوا الطرف الأشد حرصا على تصفية الوجود الإسلامي واستئصال الإسلاميين خاصة، وإنهاء أي حق لهم في الوجود السياسي القانوني وغير القانوني المنظم وحتى غير المنظم. وبذلك لم يعد اليسار الماركسي والقومي العربي في حاجة إلى مطلب العفو التشريعي العام وما يترتب عنه من حقوق للمضطهدين سياسيا والمصادرة حقوقهم في الحرية والحقوق المدنية والسياسية بعد ما أصبحوا طرفا في السلطة، بل بعدما أصبحت السلطة بأيديهم، وهم من يكونوا قد حصلوا بذلك على أكثر مما يمكن أن يحصلوا عليه مما يمتعهم به العفو التشريعي العام. وبذاك أسقطوا وبصورة نهائية هذا المطلب، واعتبروا أنه لم يعد هناك مبررا لمجرد الحديث عنه. وما إن انجلى سراب الديمقراطية وانتهت الخدعة والكذبة الكبرى التي ضحكت بها مكونات الحركة العلمانية اللائكية التكفيرية عن الشعب وهذه المجاميع المعادية كلها في الأصل ومن منطلق مبدئي بعضها عن بعض، وبعد أن كانت يد الجميع قد تضرجت بدماء الشهداء، وبعد أن يتموا ما يتموا ورملوا ما رملوا وثكلوا ما ثكلوا وسجنوا ما سجنوا وشردوا ما شردوا وهجروا ما هجروا وفقروا ما فقروا وجوعوا ما جوعوا ومازالوا، حتى بدا للبعض، لغايات وأهداف يطول الحديث عنها (ولمن أراد المزيد من التفاصيل والوضوح الرجوع إلى كتاب كنت قد وضعته في ذلك بعنوان : " الأدوار المشبوهة للحركة العلمانية اللائكية في تونس من خلال مطلب العفو التشريعي العام ) أن الوقت أصبح مناسبا بعد كل الذي حصل لإعادة مطلب العفو التشريعي العام إلى الساحة، بعد أن رأى بعض المخلصين والوطنيين في " المعارضة " وليس في المعاضدة ولا في المغالطة أن السيل قد بلغ الزبى، وأن القمع قد أتى على الأخضر واليابس، وأن الأضرار كانت جسيمة، وأن تغطية الشمس بالغربال لم تعد العملية التي تصدق ولا الحيلة أو الكذبة التي يمكن أن تنطلي على أحد.
والذي أعطى هذا المطلب صدى كالذي كان له قبل نكبة 7 نوفمبر، هو نفس الإطار الذي كان يتبنى هذا المطلب منذ البداية والذي يتمثل في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعد أن رأى الذين انتقلوا بها للسلطة وأفقدوها استقلالية كانت عليها وكانت تنافح عنها منذ تأسيسها سنة 1977، أن الوقت قد أصبح ربما مناسبا، وأنه قد يكون من مصلحتهم الإنتقال بها منها. وفعلا فقد كان المؤتمر الخامس سنة 2000 مناسبة لذلك. ولم يكن أمام الرابطة من قضايا تجاوز لحقوق الإنسان إلا قضايا أولئك الذين كانت أو جعلوا منها طرفا في انتهاك حقوقهم كل حقوقهم . وظلت المتاجرة بقضايا الناس وبحقوقهم وضغط البعض على البعض الآخر وابتزازهم بها متواصلة، وما إن تبين للرفاق و للعلمانيين عموما داخل السلطة وخارجها، وللإتحاد الأوروبي الممول الرئيسي، أن الرابطة قد تحولت إلى منبر ومنظمة خادمة للإسلاميين في نظرهم، حتى تم، في إطار تكامل الأدوار بين من هم في السلطة منهم ومن هم خارجها تجميدها، وجعلها في وضع المعلقة التي لا هي بالمتزوجة ولا بالمطلقة. وحتى ذلك الحين لم يتضح موقف اليسار الماركسي والقومي العربي في الكثير من مكوناته من مطلب العفو التشريعي العام. حتى كانت ما سمي بحركة 18 اكتوبر التي اختلطت فيها الأوراق أيما اختلاط، وتلاقت فيها الأضداد والنقيض ونقيضه في إطار من الإنتهازية كان فيها لكل حساباته، ولم تكن علاقة أمينة ولا نزيهة ولم تكن لوجه الله تعالى، وليكون الإتفاق على ما تم الإتفاق عليه ضرورة المطالبة بصدور إصدار قانون للعفو التشريعي العام، وعندها وعندها فقط وجدت مكونات الحركة السياسية في المعارضة والمعاضدة والمغالطة نفسها مضطرة إلى أن يكون لها موقف واضح من القضية يتجاوز هذه المرة مجرد الشعار ومجرد رفعه للمزايدة وللمتاجرة بحقوق الضحايا الذين كانوا ضحايا كل الجهات والأطراف جميعا قولا أو عملا وتصريحا أو تلميحا سرا أو علانية أو كل ذلك.
وإذا كانت المواقف قد تباينت وساد في البداية الإضطراب فيها، إلا أن الأمر انتهى في النهاية بعد كل ذلك إلى موقف من كان يرى منذ البداية أن مصلحته في الموافقة عليه استمرار على الموقف الإنتهازي من خلال موقعه في المغالطة (التحاق بالمعارضة مع المحافظة على ساق له في السلطة وهو موقع أولئك الذين يريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا والذين يحسبون أنهم في المعارضة وما هم في المعارضة ويقولون على أنفسهم الكذب وهم يعلمون ) كحزب العمال الشيوعي التونسي الذي، وإن كان يبدوا معارضا للنظام منذ تأسيسه سنة 1986 إلا أن معارضته للمعارضة الإسلامية خاصة كانت هي الأصل والأكثر وضوحا، وموقف المتراجع عن رفض القبول بالمطلب للموافقة عليه والمطالبة به بعد ذلك تمويها وزيادة في الغش والخداع ( كموقف حركة التجديد )، وموقف الرافض لذلك منذ البداية والإستمرار في الرفض كجمعية ما يسمى ب" النساء الديمقراطيات " من نساء اليسار الماركسي وصنائعه، وما يسمى حرب الوحدة الشعبية وآخرين، ليكون الموقف النهائي في النهاية واجدا مبرره بالنسبة للقابلين بذلك، أن يكون له مفعول رجعي، أي أن يشمل كل من نالهم الظلم والقهر، وانتهكت حقوقهم منذ ما يسمى الإستقلال، أي منذ بداية ملاحقة الهالك الحبيب بورقيبة معارضيه بعد سنة 1956 واضطهادهم حتى هذه الفترة من تاريخ البلاد. وهم من لا يرون بأسا في ذلك حين يكون الأمر هكذا. وليكون موقف من أصروا على الرفض وعدم القبول بذلك أنه لا مبرر لمطلب العفو التشريعي العام، لأنه لم يحصل بالبلاد من الإنتهاكات، ولم يكن هناك من المنتهكة حقوقهم ما يدعو لذلك. وأن الذين يطالبون به اليوم لا يخدمون إلا الإسلاميين الذين ليس هذا المطلب إلا لصالحهم وحدهم، والذين يرى في الحقيقة كل من ها وهؤلاء من المترددين والانتهازيين والمتراجعين والموافقين والرافضين أن مكانهم الحقيقي هو السجن، ولا حرية ولا حقوق لأعداء الحرية والمكاسب الوطنية بحسب زعمهم وما يفترون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.