ألف عذر اليوم و ألف غدا و تواطؤ تام على الأوطان و الشعوب. هذه بعض من ملامح حكامنا الأفاضل, فراعنة الكوفية و الجلباب الجدد. الذين راكموا بذاكرتنا أبشع صور الاستعباد و الجبروت , طوال سنين لا يدرك وطأتها غير العربي البسيط . الذي تعشش في صدره جروح و أحزان بسبب سياسات لم تعبر يوما عن مواقفه الشخصية أو تراعي و لو جزئيا مصالحه الحتمية و تتوحد في كونها مخملية لا تضمن كرامة الشعب بقدر ما تضمن مصالح الطامعين و أمن العروش. سيقول البعض ممن لا يزال يصدق الأكاذيب الرسمية و أدبيات المتملقين ممن يحملون القلم لغاية في نفس يعقوب , أن العالم العربي بأفضل الأحوال و حكامنا الكرام يقومون بواجبهم بأحسن وجه .فلما تحاول التعتيم بافتراءاتك على الحقيقة ؟ أقول: أن عالمنا العربي ليس بخير و من يظن عكس ذلك فهو غير واقعي , و الدراسات و الأبحاث العربية الحرة و الدولية تؤكد صحة ما أقول و الحالة المزرية التي نعيشها من الداخل لا تدع مجالا للشك في كوننا على شفا الهاوية , و أن الانهيار مسألة وقت فقط , و السبب الرئيسي تبعية حكامنا ثقافيا و سياسيا و حتى اقتصاديا لدول مصلحتها الوحيدة و الأوحد ,استغلالنا وطنا و شعبا , تحت غطاء العلاقات و المعاهدات التي لا تضمن في عمقها إلا الهيمنة الاستعمارية على منطقتنا العربية و لا يهمها البتة نهوضنا كحضارة و قوة. أو من خلال مؤسسات و شركات و حتى شخصيات و جمعيات مدنية من الداخل لرعاية تلك المصالح عن قرب. و الغريب أن نجد بعض المثقفين و الأدباء العرب يساهمون في تحقيق هذه الأهداف عبر إضفاء الشرعية على بعض الأفكار الهدامة. التي يصدرها لنا الغرب تحت شعارات حقوق الإنسان و الحرية . أما من يظن أن الحكام يقومون بدورهم كحماة للوطن , فأرد أنهم تجار بشر و أوطان أكثر منهم حكام كرام و بتواجدهم لن تقوم قائمة لنهضة عربية و ستبقى في ظلهم طموحات الأمة من دون تجسيد و تندثر أمام سياستهم الفاشية كل محاولات التقدم و التحضر التي تسير في اتجاه الرقي الفعلي بالمجتمع و الحياة . فرغم اختلاف الأسماء و الألقاب, يبقى حكامنا الأفاضل صورة طبق الأصل عن جدهم الأول, أشهر متكبر عرفه التاريخ. و تظل شخصياتهم متماثلة مع نرجسيته و غروره, اللتان كانتا الأرضية و الخطوط التي تقاطعت لتشكل مثلا للجبروت و الطغيان. جاء ذكره بالكتب السماوية و بالعديد من المراجع التاريخية, التي اجتمعت في كونه إنسانا طاغيا بكل ما للكلمة من معنى. و لو نظرنا في الواقع بالقليل من التمعن, لاستطعنا إدراك حقيقة تطابق صفات حكامنا العرب مع صفات جدهم الأول, فرعون مصر القديمة, في كل شيء إلا الخنوع . فلم يذكر التاريخ أن فرعون خضع لسلطة خارجية أو ضغط أجنبي, بعكس أحفاده الذين يقبلون أحدية البيت الأبيض و الكنيست الإسرائيلي. و بقدر ما هم متجبرون على الشعب بقدر ما هم متملقون للأخر الغازي. و هذا إن دل على شيء, فسيدل على كون الجبروت في حالة حكامنا مفاده الضعف و ليس القوة. أكتب هذا , لأني لا أرغب أن أقف يوما عند نافدتي دقيقتي صمت ,ترحما على نفسي و على المواطنين الأخريين بكل الأوطان العربية .بسبب قرارات عليا لا تضمن إلا دوام العروش و أمنها . أما المصالح العليا للأوطان و الشعوب , فمكانها عندهم المسودات و مشاريع القوانين . قد أذقونا سوء العذاب اجتماعيا و اقتصاديا و حتى نفسيا, و حولوا أبسط أحلامنا إلى كوابيس لا تستطيع حتى أقسى المخيلات استيعابها , فماذا يا ترى ننتظر منهم ؟ هل ننتظر السراب ؟ حكام بلداننا العربية الذين لا يجدون حرجا في التطبيع و الخضوع لأعدائنا وسحقنا و فصلنا من الوجود بكل الأشكال و الطرق الممكنة, كأي مخلوق من فصيلة الحشرات المسببة للحكة و الغثيان. يؤكدون أن كرامة الشعب لا وجود لها بفكرهم , و إمكانية حمايتهم للوطن تبقى محلا كبيرا للجدل .فبين الشعارات العابرة و الواقع ,ألف وجه أسود يتطاير الفساد و الحقارة من عينيه و ملايين الفقراء و الكثير الكثير من المعاناة. و في ظل حكومات لا تجيد إلا ربط الاتصالات الواسعة النطاق و عقد الجلسات المغلقة و المفتوحة لبحث الأحداث الطارئة , يبقى الشعب العربي مكتوف اليدين يسب و ينعل الصهاينة و الحكام و الأمريكان , بالكثير من السخط و الغضب في غياب مساندة ضمنية للمجتمع المدني . و مع تعاقب النكبات على عالمنا العربي و حقيقة أننا مجرد سلعة رخيصة في مجلس الأمن الدولي. يلزمنا التوقف لتأمل معالم الصورة التي نحن فيها الآن, إن أردنا البقاء على الأرض كجنس بشري.و ليكن الجميع على علم أن بعض أعدائنا ينتظرون تمزقنا و نهايتنا على أحر من الجمر و يساهمون في ذلك بكل الوسائل المتاحة لهم و منهم من يأمل أن ينتهي الأمر بنا في حديقة الحيوانات , يروننا رفقة أطفالهم يوم السبت مقابل دولارات داخل أقفاص كتب عليها : هذا قرد و هذا خنزير, و هذا عربي... إن كان لا بد من هذا يا إخوان, فخير أن نقتل أنفسنا بأيدينا على أن نلعق أطرافنا تحت شمس للزوار. و أختم بأن لا شيء أبعد للعربي من الموت. فلما لا تكون طريقه إليها مفخرة المعاصرين و ملحمة للقادمين بعده ؟ و لنا كشارع عربي القدرة على ترويض حكامنا بما يضمن لنا الكرامة, بل أبعد من ذلك إلى الإطاحة بهم في حال وقفوا في وجه تنميتنا و حقوقنا . و في وجود كل أسباب الضعف و الظروف التي من شانها تصعيد الأحداث بصورة يصبح معها التذمر أبسط تعبير عن الاستياء, لا شك أن يوم ثورة الشعوب على الحكام قريب لا محالة. لأن الشعور بالاضطهاد قوي و الرغبة في التغيير أقوى. و الأمة التي كانت مهدا للحضارة و التاريخ و الأديان, لا بد أن تكون أرض ثورات و تغيير. و كما صنعت الماضي ستصنع بيدها الحاضر و المستقبل.