رئيس الجمهورية يأذن بعرض مشروع نتقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على مجلس الوزراء بداية الأسبوع المقبل    عضو هيئة الانتخابات: حسب الاجال الدستورية لا يمكن تجاوز يوم 23 أكتوبر 2024 كموعد أقصى لإجراء الانتخابات الرّئاسية    تونس حريصة على دعم مجالات التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( أحمد الحشاني )    مسؤول باتحاد الفلاحين: أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى "معقولة" إزاء كلفة الإنتاج    تونس تشارك في الدورة 3 للمنتدى الدولي نحو الجنوب بسورينتو الايطالية يومي 17 و18 ماي 2024    المنستير: إحداث اول شركة أهلية محلية لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين بجرجيس مخبأة منذ مدة (مصدر قضائي)    الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    كاس تونس - النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي 1-صفر ويصعد الى ربع النهائي    الحرس الوطني: البحث عن 23 مفقودا في البحر شاركوا في عمليات إبحار خلسة من سواحل قربة    طقس... نزول بعض الأمطار بالشمال والمناطق الغربية    المنستير : انطلاق الاستشارة لتنفيذ الجزء الثالث من تهيئة متحف لمطة في ظرف أسبوع    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    ملتقى وطني للتكوين المهني    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    ليبيا: اشتباكات مسلّحة في الزاوية ونداءات لإخلاء السكان    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الإعلامية " الإسرائيلية " الجديدة: تأليف: دوني سيفير
نشر في الفجر نيوز يوم 04 - 07 - 2009

يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا . وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟
يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة . وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية . كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود” .
"إسرائيل" خسرت الحرب على غزة
يرى الكاتب أن الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني يتميز عن غيره من الصراعات الدولية بكونه يُعبّئ ويثير قلاقل حتى أبعد من الطرفَيْن المنهمكين في الصراع .وبالتالي فإن “العملية العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، من 27 كانون الأول/ديسمبر 2008 إلى 17 كانون الثاني/ يناير ،2009 لم تشُذَّ عن هذه القاعدة”، ويعتقد أن ما يُغذّي نقاشات الفرنسيين وأحيانا صراعاتهم هي التأويلات أكثر مما هي الأفعال ذاتها . يكتب المؤلف: “إننا “مواضيع” لتمثيل، أو كما يقول ميشيل فوكو، يوجد بيننا وبين الواقع “نظام سياسي واقتصادي ومؤسساتي لإنتاج الحقيقة””، لكن المؤلّف يخشى الانخداع بهذه “الحقيقة”: “هل نمتلك الوسائل للتشكيك في هذه الحقيقة؟ ثم ألا يمكن لنا نحن في حركة التشكيك أن نكون مخدوعين ب “حقيقة” أخرى” . ويعترف في البداية أن “الوقائع بما فيها تلك التي يدافع عنها المنحازون ل “إسرائيل” نادرا ما يتم انتقادها” .
من هنا فكتاب سيفير يقدّم نفسه باعتباره: “سلسلة من الانتقادات للتمثيلات المهيمنة للصراع في مرحلته النهائية . إنه يقترح قراءة أخرى ويكشف في جسم المحكي المهيمن عن بعض التفسيرات والمعاني الخاطئة”، ويرى أنه “إذا ما حقق الكتاب هدفه، فإن القارئ سيجد ما يساعده على التشكيك في أخبار تُقدَّم له غالباً وكأنها قابلةٌ للاستهلاك” .
يقول الكاتب ثمة نظريتان مكمّلتان تتقاربان: “الأولى، الصراع أطلقت شرارته حركة إسلامية عنيفة ومتعصبة، حماس، التي خرقت الهدنة التي تمت مع “إسرائيل” في حزيران 2008 ومارست استراتيجيا الإنهاك الدائم باستخدام صواريخ تستهدف جنوب الدول العبرية . الثانية، “إسرائيل” ردت بطريقة غير متكافئة وعمياء، متسبّبة في مجزرة لدى السكان المدنيين في قطاع غزة، ويتعلق الأمر بسكان بؤساء وأبرياء، ضحايا حرب لا تعنيهم”، وبالتأكيد إذا ما كان علينا أن نحكم على نهاية هذه “الحرب المتعلقة بالصورة” فإنه يمكننا التأكيد على أن “إسرائيل” خسرَتْها، وإذا كان علينا أن نعرف السبب في هذه الخسارة، فالكاتب يرى أنه من المفيد التوقف لحظة عند نتائج ثلاثة أسابيع من العنف . القنابل “الإسرائيلية” تسببت في ألف وثلاثمائة قتيل فلسطيني، على الأرجح يوجد من بينهم تسعمائة مدني، والعديد من الأطفال .
إن أسطورة “جيش الدفاع”، وهي تعلن كما كان الأمر في بدايات الدولة العبرية عن “طهر الأسلحة” تعرضت لضربة قاسية، على الرغم من أن هذه “الطهرانية” الأصلية كانت أسطورة بشكل واسع: إنّ ما يسميه سامي كوهين ب “عنف تساحال” (عنف الجيش) ليس هو فقط نتيجة لعدم التأقلم مع مفهوم الحرب اللا متماثلة ولا لطبيعة خصم من دون رادع يختفي وسط السكّان . لقد مارست “إسرائيل” بصفة دائمة “العقاب الجماعي”، وحتى مجزرة ضد المدنيين بصفة “وقائية” .
من ينسى، وهنا يذكرنا المؤلف، بالعمليات التي قامت بها الوحدة رقم 101 تحت قيادة الكولونيل الشاب شارون وذلك بإبادة قرية بكاملها في تشرين الأول/ أكتوبر 1953 انتقاما لقتل سيدة “إسرائيلية” وابنيها، ومن يمكن أن ينسى مجزرة كفر قاسم (49 قتيلا) لا لشيء سوى من أجل إرهاب السكان، في أكتوبر سنة 1956 .
تعليق الكاتب: “سنرى أن هذه الطرق لم تنتظر ظهور حماس، وأنها تحيل إلى شيء آخر أكثر عمقا”، ولكن “هزيمة” “إسرائيل” لا تعني “انتصار” حماس . بل ظهر فاعلٌ جديدٌ، نسبيا، في هذا الصراع، وهو أن حماس تثير القلق . لا تتمتع بأية مصداقية، ولا يُؤْخَذ كلامُها بالحُسبان . ولا يصلنا تقريبا أي شيء، إلا ما تم اختياره وغربلته من طرف جهاز الاتصالات الأقوى، أي “إسرائيل” . “إن حماس في عقلية معظم مواطنينا تستدعي الإرهاب والظلامية واضطهاد المرأة” .
يعترف الكثير بأن الغربيين، ومن بينهم الفرنسيون، لا يعرفون جيدا طبيعة حركة حماس ولهذا السبب قرر أن يكرّس لها فصلين في هذا الكتاب . فما يُعرَف عنها هو مجموعة من الكليشيهات والأفكار الجاهزة التحقيرية، والتي تحطّ من حقيقتها وتصوّرها غولا بشعا .
يرى المؤلّف “أن تكون حركةُ حماس غريبةً، ثقافيا، عنّا بشكل عميق، لا يعني أنها هي التي أنهت الهدنة مع “إسرائيل” في شهر حزيران/يونيو 2008”، ويضع المؤلف حركة حماس في مكانها الحقيقي: “إن حركة حماس تيّارٌ في الحركة الوطنية الفلسطينية . ولدت في الأراضي الفلسطينية سنة ،1987 وتطورت من خلال مقاومتها للاستيطان “الإسرائيلي”” .
ويكشف لنا المؤلف طريقة تفكيره: “إنها النظرية التي أدعمها، مع الكثيرين لحسن الحظّ، وربما مع الكثيرين مع الصحافيين الذين يتابعون منذ فترة طويلة الصراع “الإسرائيلي” العربي، وهي تتمثل في أن الصراع “الإسرائيلي” العربي يجد سببه الأول في الاستيطان . ومهما كانت خصائص حركة حماس فهي لا تغيّر طبيعة عداء تاريخي أقدم بكثير من تاريخ نشأتها”، ويعدنا المؤلف في كتابه بأن يقدم لنا تأويلا آخر عن استراتيجية “إسرائيل” وتحليلا آخر للانسحاب أحادي الجانب من غزة في آب/ أغسطس من سنة ،2005 وهدنة ،2008 وأيضا قراءة جديدة لاستراتيجية حماس التي هي بعيدةٌ عن أن تكون استراتيجية تقليدية .
وهذا الكتاب ليس هو الأول في هذا المجال، ومن هنا يذكرنا المؤلّف أنه سيستخدم نفس المنهج الذي استخدمه في كتاب سابق له ويحمل عنوان “الحرب “الإسرائيلية” للمعلومات” (الذي كتبه بالتعاون مع جوس دراي)و صدر سنة ،2002 أي بعد سنتين من اندلاع الانتفاضة . أي “مُواجهة الخطاب الميديوي (الإعلامي) المهيمن بِمَصَادر أخرى تُكمله أو تُناقضه”، ويُبدي الكاتب مرونة في التعامل مع المَصادر الأخرى: “أذْكُر دائما المقالات التي أنتقدها وأسمّي كتابها، وأرفُض أن يُقال عني إنّي أرى أن “الصحافيين” يتتبعون، بشكل جماعي “أوامر”” . ويضيف بأن هذا الكتاب “يبوحُ بكثير من التقريظ للعديد من الزميلات والزملاء الذين لم يسقطوا في التبسيطات التي أدينها” .
يتطرق الفصل الأول من الكتاب باقتضاب إلى ما يعتبره الكاتب “تحولا تاريخيا” في الصراع . ويتعلق الأمر بالمفاوضات المغلقة في “كامب دافيد”، في تموز/ يوليو سنة ،2000 وحملة الاتصالات التي قامت بها “إسرائيل” في الأسابيع التي تلتها . ويتطرق أيضا لحملة تفكيك الاستيطان من جانب واحد من غزة سنة ،2005 والأحداث التي سبقت، مباشرة، عملية ديسمبر 2008 .
الفصلان، الثاني والثالث، يسلطان الضوء على بعض الافتتاحيات والتعليقات والتحليلات المكرّسة لحركة حماس وكذا بعض الوقائع المنسية من تاريخها القصير . بينما يتناول الفصل الرابع بشكل حصري كرونولوجيا الهدنة الشهيرة من يونيو إلى نوفمبر 2008 الفصل الخامس سيضع تحت المجهر الخطابات الرئيسية للاتصالات “الإسرائيلية” . وأخيرا يتطرق الكتابُ في الفصل الأخير لتأثيرات العدوى -الحقيقية أو غيرها- الصراع في أوساط المجتمع الفرنسي .
مناخ استراتيجيا
يرى الكاتب ان العملية العسكرية التي قامت بها “إسرائيل” في قطاع غزة من 27 ديسمبر 2008 إلى 17 يناير ،2009 جاءت في سياق خاصّ في “إسرائيل”، وهو سياق “أزمة مزدوجة: سياسية واجتماعية”، ويقصد بذلك الصراعات بين وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ومنافسيها، والذي أدّى إلى فشلها في ترؤس الحكومة . كما أن البطالة ضربت بقوة المجتمع “الإسرائيلي” إلى درجة أن “16 في المائة من اليهود “الإسرائيليين” و50 في المائة من العرب “الإسرائيليين” يعيشون تحت عتبة الفقر”، ولا يستطيع المؤلف أن يفهم كيف أن تصريحا للرئيس الإيراني أحمدي نجاد حول “إسرائيل” يمكنه أن يحدث زلزالا في دولة بالغ القوة والتسليح . ويستخلص من ردود الفعل “الإسرائيلية” أنها تستخدم مثل هذا الخوف .
يعتقد الكاتب أن التهديد في جانب منه حقيقيٌّ . لكنه ليس ذلك الذي يعنيه الخطاب الرسمي “الإسرائيلي” . “بدأت “إسرائيل” تعي، شيئا فشيئا، أن الزمن الطويل للتاريخ لا يلعب، بالضرورة، لمصلحتها”، فهي تخاف من الكثير من المعطيات المستجدة في أرض الواقع . ومن بينها المشكل الديموغرافي . و”حسب الأرقام التي نشرها قسم الإحصاءات “الإسرائيلي”، بخصوص سنة ،2006 فنسبة الولادات لدى المرأة العربية تبلغ 8،3 في المائة، بينما لدى المرأة “الإسرائيلية” تصل إلى 8،2 ولكن الفارق يزداد حين يصل لدى المرأة المسلمة (4 أولاد)” .
يرى الكاتب أن الرأي العام العريض الفرنسي، بالإضافة إلى الطبقة السياسية الفرنسية، ينظر إلى الصراع العربي “الإسرائيلي” من زاوية فيها الكثير من القلق . ويحاول تلخيصه فيكتب: “يمكن تلخيصه بجملة واحدة: إذا أردنا الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة “الإسرائيلية” فيتوجب إيجاد حلّ فوري “للمعضلة العربية” . إلا أنه توجد ثلاث “معضلات عربية”، إذا ما شئنا تبنّي لغة ليست بالضرورة لغتنا نحن: القدس والضفة الغربية وعرب “إسرائيل” وغزة”، ويقر الكاتب بأن المعضلة الأولى “القدس والضفة الغربية” تبقى، من دون شك، الأكثر تعقيدا، لأنها تُحيل إلى حدود الدولة الفلسطينية القادمة وإلى مسألة تفكيك المستوطنات وإلى وضعية القدس . أما في حالة عرب “إسرائيل”، فنحن نشهد عودة قوية إلى فكرة الترانسفير التي ترمي إلى نقل السكان العرب “الإسرائيليين” خارج حدود “إسرائيل”، أي إلى الضفة الغربية، أو إلى الأردن .
وهذه الفكرة (فكرة الترانسفير)، كما يكشف المؤلف، ليست فقط زاد العنصري اليهودي أفيغدور ليبرمان، بل إنه حتى وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” السابقة تسيبي ليفني صرحت أمام مجموعة من طلبة تل أبيب في ديسمبر ،2008 قائلة: “الحل في نظري من أجل الحفاظ على دولة يهودية وديمقراطية في “إسرائيل” هو إنشاء دولتين، مع بعض التنازلات وبعض الخطوط الحمراء المحددة، وسأكون قادرةً على مخاطبة سكان “إسرائيل” الفلسطينيين، الذين يُطلق عليهم عربُ “إسرائيل”، والقول لهم: إن حلّ قضيتكم القومي يوجد في مكان آخر”، ويعلق الكاتب على الأمر، فيكتب: “في مثل هذا المناخ، تختلط عوامل مثل إيران وحماس وحزب الله والإسلاموية وسوريا والتطور الديموغرافي، في قلق جماعيّ تأخُذ بزمامه أخبارٌ موجَّهَةٌ” . أما حل “معضلة غزّة” فهو الأسهل . وعن طريق الخنق الاقتصادي، كما عن طريق القوة، يتعلق الأمر بحصر سكان غزة في أراض ضيقة قبل إرغام مصر، ربما، على وضعها تحت إشرافها كما كان الحال عليه في سنوات 1948- 1967 .
ويرى الكاتب ان المدرسة في “إسرائيل”، وبشكل خاص التعليم الموجّه نحو التاريخ، يلعب دورا كبيرا في صياغة الوعي “الإسرائيلي”، الذي يظل لا مباليا عما يقع في غزّة، حتى وهي تحت طوفان من القنابل . ويأتي بمثال المدرّسة “الإسرائيلية” لمادة التربية الوطنية التي تنقل قائلة: “كنتُ في قسم لمادة التربية الوطنية، فتحدثتُ عن الأقلية العربية وتفرّدها في كونها كانت أغلبية ثم أصبحت أقلية، فكان جواب الطلبة أن الأمر غير صحيح” .
كي تبرّر “إسرائيل” ما تفعله من إجراءات ضد الفلسطينيين تلتجئ بشكل دائم إلى ادّعاء كونها ال “ديمقراطية” الوحيدة في المنطقة . ولكن الكاتب يشكك في هذا الادّعاء، إذ كما يرى، بحق، فمن النادر أن نرى حكومة “إسرائيلية” تكمل مهمتها حتى النهاية، من دون الحاجة إلى انتخابات سابقة لأوانها . والسبب كما يرى راجعٌ إلى كون الحكومات “الإسرائيلية”: “سجينةٌ لتطورات الرأي العام”، وفي فترات التوتر أو الصّراع تتخذ استطلاعات الرأي أبعادا خاصة .
استطلاع للرأي مؤثّر
نشرت صحيفة يمين الوسط “معاريف” في الثاني من يناير من سنة ،2009 استطلاعا منح قوة إضافية للمسؤولين “الإسرائيليين” في إرادتهم في تقوية الهجوم على غزة في 27 ديسمبر وأعطى 78 في المائة الإشارة للهجوم البري . يكشف الاستطلاع أن 14 في المائة من “الإسرائيليين” “يؤيدون بقوة” العملية العسكرية “ضد حماس”، وكان الرأي العام “الإسرائيلي”، في اليوم الخامس من الهجوم، في قمة أوج الدعم للعملية العسكرية دون اكتراث لما يقرب من أربعمائة قتيل فلسطيني .ويلاحظ الكاتب أن الرأي العام الفرنسي يجهل الكثير من الحقائق في “إسرائيل” ويعدّد من بينها، ما الذي يفكر فيه العرب “الإسرائيليون” الذين يمثلون 20 في المائة من سكان “إسرائيل” . وهل ساندوا الهجوم “الإسرائيلي” على غزة . أم أنهم فقط كانوا “منسيي” معهد الاستطلاع .
يقول الكاتب إن “إسرائيل” “بالتأكيد ديمقراطيةٌ بالنسبة لليهود . ولكنها ليست ديمقراطية بالنسبة لباقي المواطنين”، إنها ديمقراطية يهودية، ومن هنا جاء حلّ حزبين عربيين في عز الهجوم على غزة . كان التبرير الرسمي “الإسرائيلي” لهذا التصرف هو أن زعماء هذين الحزبين أدانا الهجوم “الإسرائيلي” على غزة، وهو ما يعني في “زمن الحرب” خيانة . ووصل الأمر إلى أن أحد المسؤولين عن حزب كاديما، الحزب الحكومي، صرح قائلا: “لقد كان هدف هذا الحزب الفلسطيني(بلاد) تدمير “إسرائيل” باعتبارها دولة يهودية وتحويلها إلى دولة لجميع مواطنيها” . وهنا يلاحظ المؤلف “أن استخدام كلمة “تدمير” لوصف الانتقال إلى وضعية علمانية متعددة الإثنيات يكشف مناخ العداء ضد العرب” .
وبسخرية يعلق سيفير على الأمر: “الأقلية العربية محرومة من التصريح بصوتها في استطلاع الرأي، وهي مهدَّدَة الآن بحرمانها من التعبير الديمقراطي في الانتخابات”، ويفضح الكاتب هذا البلد (الذي يصفه بالأعور أو المُصاب بفالج نصفي)، الذي لا يتوانى عن التصريح بديمقراطيته في العالم بأسره، أي “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط . ويرى أن هذا الإظهار لديمقراطيته، التي هي ليست صحيحة إذا ما التفتنا إلى سياسة التمييز التي تضرب السكان العرب، أتاح له أن يعبر عن انتمائه للمعسكر الغربي مع إخفاء كل مَظَاهر المسألة الكولونيالية التي تنخره .
يذكر المؤلف السؤال الذي طرحه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور على الثيولوجي اليهودي الفرنسي اندريه نيهير بخصوص ديمقراطية الدولة اليهودية تجاه مواطنيها اليهود، والتمييز بحق مواطنيها العرب، ولم يجد نيهير ما يقوله سوى أن “إسرائيل” هي شيء آخر يختلف عن كونها دولة “صليبيين” أو دولة “مستوطنين”، إنها دولة “العودة” . فكان رد ريكور: “هذا الجوهر الذي تتعلل به جماعةٌ متفردةٌ، هل يمكن أن يعترف به الرجال الآخرون والجماعات الأخرى؟ هل يمكن أن يقود إلى حل سياسي للصراعات التي تم تقديمها باعتبارها عَرَضية؟ واختتم ريكور بالقول إنه يخشى أن المشكلة “لن يكون لها أي جواب مشترك” كان هذا سنة 1958” .
نتائج “عرض سخي” خيالي
في سبتمبر وأكتوبر من سنة 2000 بذل وزير الخارجية “الإسرائيلي”، العُمّالي شلومو بن عامي قصارى جهده لمنح مصداقية لفكرة “عرض سخي” من أجل “تقاسم القدس” على ياسر عرفات . وهو ما رفضه عرفات . ولكن الدرس المستخلص هنا هو أن شلومو بن عامي، في اقتراحه الذي لا يتناسب مع الواقع، استطاع أن يسيء إلى مصداقية الزعيم الفلسطيني العجوز . “إذا كان ياسر عرفات رفض هذا العرض بإقامة دولة فلسطينية يتضمن تقاسُماً للقدس، وهو ما كان يطالب به بشكل رسمي، أَلَيْس هذا الدليل على سوء النية وعلى رفضه لكل مَخْرَج سلمي، وفي نهاية الأمر، إرادته في تدمير “إسرائيل”؟”، ويقول الكاتب إن هذا هو جوهر تفكير شلومو بن عامي، وهو ما تلقفه غلاة المُفكّرين الفرنسيين المتصهينين ألكسندر أدلير وألان فينكلكروت وأندري غلوكسمان وبرنار هنري ليفي، مع آخرين، وكما هو معلوم فالغرض منه كان هو “القتل السياسي” لياسر عرفات .
ولكن المفارقة هي أن الخطاب الذي أطلقه بن عامي كان من نتائجه الأخرى على المجتمع “الإسرائيلي” قاسية . “فقد تم إقصاء القائلين به، أي العماليين “الإسرائيليين”، الذين تسببوا، من خلال نزع الشرعية عن مفاوضهم الرئيسي من أجل السلام (عرفات)، في نزع الشرعية عن أنفسهم قبل أن يذوبوا بشكل مستدام في تحالف مع اليمين . والتتابع المأساوي للأحداث قاد إلى انفجار الانتفاضة الثانية ثم إلى قمع دامٍ.
2005-2009 وجهان لمشروع واحد
في يوم 12أيول/ سبتمبر من سنة 2005 غادر آخر جندي “إسرائيلي” أراضي قطاع غزة . وبعد شهرين من إغلاق وبداية خنق اقتصادي، جرى اتفاق فلسطيني “إسرائيلي” على إدارة معبر رفح على الحدود المصرية مع غزة . وهو اتفاق يتضمن نشر مراقبين من الاتحاد الأوروبي . ولكن منذ 25 يناير، أي منذ انتصار حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية أعلنت “إسرائيل” عن رفضها التفاوض معها، وبدأت سياسة إغلاق معبر رفح . وفي 28 يونيو استطاعت مجموعة من حماس وبعض الفصائل الفلسطينية اختطاف الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليط . وكَردّ فعل على هذه العملية النوعية وجه رئيس الوزراء “الاسرائيلي” (السابق) ايهود أولمرت حملة عسكرية ضد غزة من أجل استرجاع الجندي، أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين الفلسطينيين، كما قام باختطاف العشرات من مسؤولي حماس في الضفة الغربية ومن بينهم نُوّاب في المجلس التشريعي .
وفي 26 نوفمبر تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار: تلتزم “إسرائيل” بوقف غاراتها في حين توقف حركة حماس إطلاق صواريخها . ولكن ما لا يعرفه الرأي العام الفرنسي، كما يرى المؤلف، هو أن ““إسرائيل” لم توقف حصارَهَا”، ويذهب المؤلّف إلى حدّ القول: “إن رفض “إسرائيل” أخذ الآثار المترتبة عن الحصار بعين الاعتبار ناتجة عن اللا مُفكَّر فيه الكولونيالي الذي يُقوّض “إسرائيل”: إنه استمرارٌ، تحت أشكال أخرى، لنفي وُجُود الفلسطينيين”، ويذكر المؤلف، بكل جرأة، القولة الشهيرة لغولدا مايير رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” من 1967 إلى 1974: “الفلسطينيون، لا وجود لهم .”
يجب على المرء أن يكون أعمى أو يكون مُنكرا حتى لا يرى الآثار المدمرة للحصار “الإسرائيلي” على سكان غزة . ويستحضر المؤلف تصريحات جون جينغ مسؤول وكالة غوث اللاجئين في غزة الذي يكشف الارتفاع المهول لعدد الفلسطينيين الذين يعيشون على مساعدة المنظمة الدولية .ويذهب جينغ إلى حد الخلاصة: “الناس جائعون وهم يصبحون أكثر فأكثر راديكالية، الوضعية الاقتصادية تقتل المستقبل” .
“في مثل هذه الشروط نفهم لماذا عاود الفلسطينيون إطلاق الصواريخ بعد فترة وجيزة (“إسرائيل” أحصت ما يقارب مائة صاروخ في خمسة أشهر) . وفي السابع من نيسان/ابريل من سنة ،2007 انطلقت سلسلة الانتقامات “الإسرائيلية” . وأخيرا سيطرت حركة حماس، في 15 يونيو، على قطاع غزة بعد أيام من المواجهات مع حركة فتح . وفي 19 سبتمبر أعلنت “إسرائيل” أن قطاع غزة “كيان معاد”، وهنا يضع المؤلف النقاط على الحروف: “من المفيد الإشارة إلى أهمية هذا القرار ونوعية اللغة المستخدمة . فليست حماس هي “المعادية” بل هو “قطاع غزة” .
ترجمة وعرض: بشير البكر
دار الخليج:السبت ,04/07/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.