ا.د. محمد اسحق الريفي الفجرنيوز في هذه المرحلة التي يُطلق عليها "مرحلة ما بعد النظام الدولي الجديد"، يسير الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نهج سلفه بوش الابن في "خلق الأزمات العالمية وإدارتها"، لتعزيز مصالح الإمبراطورية الأمريكية وأمنها. وبعبارة أخرى، يتبع أوباما سياسة "عولمة الأزمات"، لتتمكن إدارته من التدخل في شؤون الدول الأخرى، تحقيقاً للمصالح الأمريكية والأمن الأمريكي، على حساب الشعوب العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. فمنذ فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نهاية العام الماضي (2008)، وقبيل أدائه اليمين الرئاسي الأمريكي، أكد أوباما على أهمية تفوق بلده العسكري في العالم، وأنه سيسعى لتحقيق ذلك، لضمان تحقيق الأمن والرخاء والسلام لبلاده، على حد زعمه. وأكد أوباما في الوقت ذاته على ضرورة اقتران القوة العسكرية لبلده بالحكمة وقوة الدبلوماسية، عبر إعادة بناء التحالفات في جميع أنحاء العالم، من أجل تعزيز المصالح الأمريكية والأمن القومي الأمريكي. وفي ظل الفشل العسكري الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فإن الولاياتالمتحدة تعول في تحقيق قوتها الدبلوماسية على النظام الرسمي العربي، مع الأسف الشديد، وخاصة ما يسمى "محور الاعتدال العربي"، وهو محور يعبر عن تحالف عربي – أمريكي يقوم على قاعدة: "المصالح الأمريكية في مقابل السلطة والحكم"، بمعنى أن الولاياتالمتحدة تكف شرها عن النظام العربي الحاكم، وتوقف ضغوطها عليه، في مقابل قيامه بخدمة المصالح الأمريكية في منطقتنا، وحماية أمن الكيان الصهيوني، الذي يُعد مصلحة أمريكية ذات أولوية عليا، وبالتالي حماية النفوذ الأمريكي في منطقتنا، وحماية الأمن القومي الأمريكي. ونتيجة لحالة الضعف العربي والإسلامي الشديد، التي تعود إلى طبيعة الأنظمة الحاكمة ودورها في قمع الشعوب واضطهادها والتسلط عليها، ومعظمها أنظمة شمولية ومستبدة وطاغية، وإلى قابلية الشعوب العربية والإسلامية للفوضى والانقسامات والصراعات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية والقومية، فإن منطقتنا العربية والإسلامية تنال الجزء الأكبر من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تخلقها الولاياتالمتحدة، وتصدرها لنا، ثم تديرها، لنشر ما يسمى "الفوضى الخلاقة"، وذلك من أجل إبقائنا في حالة ضعف وانقسام وتناحر واقتتال، ولتعزيز مصالحها ونفوذها في منطقتنا العربية والإسلامية، التي أصبحت سوقاً رائجة للبضاعة الأمريكية الخبيثة المدمرة، وبؤرة للصراعات الأهلية الطاحنة، وأخدوداً يُحرق فيه المقاومون للهيمنة الصهيوصليبية، ومقصلة للأحرار والشرفاء. ومما يندى له الجبين، أن "محور الاعتدال"، العربي، وحلفاء الولاياتالمتحدة الآخرين في العالم الإسلامي، جعلوا العرب والمسلمين "حيطة واطية" للصهاينة والأمريكيين، الذين يقفون عاجزين أمام إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والصين، بينما يذبحون العرب والمسلمين كالخراف، ويحتلون بلادنا ويعيثون فيها تخريباً وتقتيلاً وإفساداً، لحد أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تجرأت "علانية" وبصراحة تامة على الطلب من المعتدلين العرب والمسلمين إقناع الشعوب العربية والإسلامية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، في مقابل لا شيء، وفي الوقت الذي لا يزال العدو الصهيوني يجثم على صدور أبناء الشعب الفلسطيني، ويُهجِّرهم، ويجتث وجودهم من فلسطين، ولا سيما من القدس والداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948، ويذيق شعبنا الفلسطيني المرابط شتى صنوف العذاب والألم والمعاناة. وبالنظر إلى الوضع الفلسطيني الراهن، نجد أن الأزمة الداخلية الفلسطينية، والتي تسمى "الانقسام الداخلي"، وهي أزمة آخذة في التفاقم والتصاعد، هي أزمة أمريكية الصنع بامتياز، يديرها البيت الأبيض الأمريكي، ويباركها محور الاعتدال العربي، الذي يشترك مع الصهاينة والأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين في دعم الجهة المشاركة لهم في تصفية القضية الفلسطينية، وهي سلطة الحكم الذاتي، التي أنشأها ما يسمى "المجتمع الدولي"، وسمَّاها "السلطة الوطنية الفلسطينية"، ولا يزال يدعمها ويوجهها من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية وإجبار الشعب الفلسطيني على الاستسلام والتخلي عن أرضه وحقوقه، وكل ذلك يتم بمساعدة مالية وعسكرية ودبلوماسية من محور الاعتدال العربي. إذاً، محور الاعتدال العربي هو واحد من تلك التحالفات التي يحرص عليها أوباما، والتي يستخدمها لتحقيق "قوة الدبلوماسية" الأمريكية، التي تقوم على خلق الفوضى والأزمات وإدارتها وتصديرها للعالمين العربي والإسلامي، في مرحلة "ما بعد النظام العالمي الجديد". فهل تعي الشعوب العربية والإسلامية طبيعة إمبراطورية أوباما وحكمته التي يدعيها، والتي يهدف من ورائها إلى خداعنا بكلام معسول فيه السمُّ الزعاف مدسوس؟!!. ما سبق يؤكد على أن الطريق إلى القدس يمر بعواصم العديد من الدول العربية والإسلامية، ولكن هذا يحتاج إلى إيمان قوي، ووعي عميق، وتنظيم متين، وقيادات حكيمة، وإرادات لا تلين.