الجزائر: تعيش الجزائر وضعا سياسيا غريبا منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها البلاد في 9 نيسان/أبريل القادم، فقد دخلت البلاد في حالة من الغموض والترقب لما سوف يكون، وزاد الوضع سوءا منذ دخول موسم الصيف، الأمر الذي يجعل المراقبين يتطلعون إلى دخول شهر أيلول/سبتمبر القادم لمعرفة مآل كثير من الأمور المعلقة.ولاحظ مراقبون وصحافيون تراجع أداء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ الانتخابات الرئاسية، فعدا بعض الزيارات الميدانية التي قام بها في بعض الولايات التي يحتسب عددها على أصابع يد واحدة، فإن الرئيس لم يظهر في كثير من المناسبات، ولعل مرض والدته ووفاتها يوم 5 تموز/يوليو الماضي، إضافة إلى الإرهاق الذي أصيب به في الحملة الانتخابية الأخيرة كانت كلها عوامل تبرر هذا الغياب عن ساحة الأداء العام. وكان غياب الرئيس عن الساحة السياسية وعدم إقدامه على أي مبادرة منذ إعادة انتخابه لولاية ثالثة سببا في دخول البلد في رتابة، لأن النخبة السياسية وخاصة الأحزاب المشاركة في السلطة ركنت إلى الراحة، أو إلى حل بعض المشاكل الداخلية المستعصية، إلى درجة أنها وقفت تتفرج على كثير من الأحداث التي كان من المفترض أن تبدي فيها رأيا عبر بيان أو تصريح، ولكنها لم تفعل. وعود تنتظر ولعل الشيء الملاحظ أيضا هو تأخر الوفاء بالكثير من الوعود التي قطعها الرئيس بوتفليقة أمام الشعب خلال حملته الانتخابية، وفي مقدمتها مشروع العفو الشامل على عناصر الجماعات المسلحة الذي وعد بتحقيقه إذا ما أعطاه الشعب الضوء الأخضر في استفتاء عام، ولكن الرئيس لم يتلفظ مجددا بكلمة 'العفو الشامل' منذ إعلان نتائج الانتخابات، بل إنه اكتفى بالحديث يوم أدائه اليمين الدستورية عن ترقية المصالحة، قبل أن يعلن الوزير الأول أحمد أويحيى صراحة أنه لن يكون هناك أي عفو شامل. ورغم أن كلام أويحيى جاء مناقضا لكلام بوتفليقة إلا أن هذا الأخير لم يتحدث مجددا عن الموضوع، ولم يقم بأي إجراء يوحي بأنه مصر على تحقيق مشروعه، بل إن شكوكا بدأت تحوم حول إمكانية التراجع عن الفكرة من أساسها، علما بأن الرئيس نفسه سبق وأن اعترف عام 2005 لما أطلق ميثاق السلم والمصالحة بأنه أقصى ما يستطيع القيام به، لأن هناك توازنات لا يمكن أن يقفز فوقها. كما أن وعودا أخرى أعلن عنها الرئيس بوتفليقة خلال حملته لم تتحقق بعد، مثل رفع الحد الأدنى من رواتب العمال، أو مسح ديون الفلاحين. ولم تظهر حتى مؤشرات لتحقيق وعود أخرى مثل خلق 3 ملايين منصب شغل أو بناء مليون سكن، وكذا الرفع من القدرة الشرائية للجزائريين. ويضاف إلى ذلك التصعيد الأمني الخطير الذي تعيشه الجزائر منذ الانتخابات الرئاسية، فقد كثّفت الجماعات الإرهابية من اعتداءاتها، كما أن معظم تلك الاعتداءات تكون حصيلتها ثقيلة مثلما حدث في العملية التي استهدفت الأربعاء الماضي قافلة للجيش في ولاية 'تيبازة' (100 كيلومتر غرب العاصمة) والتي خلفت مقتل 23 عسكريا حسب آخر تقارير وسائل الإعلام. قرارات مجحفة.. شعبيا الغريب أيضا أن الحكومة شرعت في اتخاذ مجموعة من القرارات أصابت الجزائريين بالصدمة، إذ قررت فرض ضريبة جديدة على السيارات الجديدة، وذلك بعد حوالي عام من ضريبة كانت فرضتها، وقبل أن يستفيق الجزائريون من هذه الصدمة فوجئوا بالرئيس يوقع قانون مالية تكميليا تضمن قرارا بمنع البنوك من منح القروض الاستهلاكية للمواطنين. القرار لا يخص بنوك القطاع العام فقط وإنما بنوك القطاع الخاص أيضا، وكلها فروع لبنوك أجنبية والأغلبية الساحقة منها بنوك فرنسية، إضافة إلى هيئات مالية متخصصة في القروض الاستهلاكية، والتي تحتل فيها قروض شراء السيارات حصة الأسد، وهو ما أصاب الأغلبية الساحقة من الجزائريين بصدمة. اللافت للانتباه أن الحكومة لم تستشر أحدا، ولم يصدر عنها أي تفسير مقنع، بل إن ما كتب في بعض الصحف الحكومية يفيد أن استيراد السيارات يكلف خزينة الدولة الكثير، وهو أمر غير صحيح من الناحية الاقتصادية، لأن السيارات تستوردها شركات جزائرية تدفع ضرائب، وتدفع جمركة السيارات والضريبة على القيمة المضافة، والمواطن يدفع ضريبة السيارات الجديدة ويدفع ضريبة أخرى سنوية تسمى القسيمة. واستطرادا ما دامت الجزائر استوردت 200 ألف سيارة السنة الماضية، فإن خزينة الدولة حصلت على مبالغ كبيرة من الضرائب المختلفة التي تفرضها. كما أن اختيار تمرير هذا القرار ضمن قانون مالية تكميلي يصدره الرئيس بأمر خلال فترة عطلة البرلمان، معناه أن هذا الأخير لن يستطيع إسقاط هذه المادة، إلا إذا أسقط القانون بأكمله، والجزائريون يعلمون أن البرلمان لا يستطيع إسقاط قانون يصدره الرئيس، كما أن الحكومة لم تنتظر شهر أيلول/سبتمبر من أجل تمرير القانون على البرلمان للمصادقة عليه، بل شرعت في تطبيقه وأبلغت البنوك بضرورة التوقف عن منح قروض للمواطنين ابتداء من هذا الأسبوع. ويرى علي يونسي الصحافي بجريدة 'المساء' (حكومية) أن توقف الحديث عن العفو الشامل راجع إلى التصعيد الأمني الذي تعرفه البلاد منذ أشهر، والذي يراه لافتا للنظر ومقلقا أيضا، مشيرا إلى أن 'المعركة الضارية التي تقوم بها قوات الجيش ضد الجماعات الإرهابية تجعل من غير الممكن إعادة طرح هذا الموضوع الآن'. أما فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا، فيرى يونسي أنها تدخل في إطار إعادة ترتيب الأوضاع على خلفية الأزمة المالية العالمية التي تحولت إلى أزمة اقتصادية لم تسلم منها الجزائر، مشيرا إلى أن هذه القرارات وفي مقدمتها منع البنوك من منح قروض للمواطنين تضاف لسجل الوزير الأول أحمد أويحيى الحافل بالقرارات التي توصف بالمجحفة شعبيا. واعترف يونسي بأن السياسة المطبقة من الحكومة ستجلب لرئيس الجمهورية وللحكومة غضبا شعبيا كبيرا، لأنه بصرف النظر عن المبررات التي تقف وراء تلك القرارات فإن المواطن البسيط هو من سيدفع الثمن. واعتبر أنه 'يجب ألا ننسى أن الشركات الأجنبية وخاصة تلك العاملة في قطاع السيارات لم تقدم شيئا للجزائر، بل إن كل ما فعلته هو تحويل أموال الجزائريين إلى الخارج، ولكن في المقابل كان من الضروري توفير البديل قبل اتخاذ قرار مماثل، لأنه من غير الطبيعي حرمان المواطنين من شراء سيارة في بلد يعرف أزمة مواصلات كبيرة'. كمال زايت القدس العربي