مع قرب انتهاء المؤتمر السادس لحركة فتح، يكون رئيسها محمود عباس قد أتم إعادة صياغة حركته على أسس منسجمة مع خطة باراك أوباما الجديدة للتسوية على قاعدة "التطبيع مقابل تجميد الاستيطان"، وفرغ من تحويل فتح إلى حزب سياسي يتبنى نهجه الاستسلامي، ويعد هذا فشلاً لحركة فتح، ونجاحاً لعباس!! عشرون سنة مرت على فتح قبل أن تتمكن من عقد مؤتمرها السادس في ظل وضع فلسطيني بائس وانقسام مرير، وتحت حراب الاحتلال الصهيوني، وبتوجيه وتمويل أمريكي، لتهيئة فتح لخوض أوحال تسوية جديدة، تحقق حلم العدو الصهيوني، باعتراف العرب والمسلمين بدولتهم اليهودية المزعومة، وتطبيع علاقاتهم معها، وتصفية القضية الفلسطينية. استولت فتح خلال تلك المدة على الشرعية الفلسطينية وحق تمثيل الشعب الفلسطيني، وهمشت وأقصت غيرها من الفصائل الفلسطينية، وانزلقت إلى مستنقع التسوية مع العدو الصهيوني، وخدعت الشعب الفلسطيني بأوهام التسوية وسراب السلام الزائف، ورتبت على الشعب الفلسطيني استحقاقات أمنية للعدو الصهيوني، واستخدمت الفوضى والفلتان لمنع الإصلاح والتغيير، حفاظاً على تفردها في الساحة الفلسطينية واحتكارها للسلطة، وحولت بمقتضى تلك الاستحقاقات الأمنية المناضلين إلى مرتزقة يقودهم عسكريون أمريكيون، جاءوا خصوصاً لمحاربة المقاومة ومحاولة اجتثاثها... وفي هذه الأثناء، حيث تتواصل أعمال المؤتمر الفتحاوي، الذي تسوده الفوضى والعنف، يستكمل عباس وفريقه عملية تشكيل التركيبة البنيوية لقيادة حركة فتح، وفق خطه ونهجه الاستسلامي، عبر قمع الأصوات المعارضة لنهجه وممارساته من "شرفاء فتح"، وإبعادهم عن المواقع القيادية وإسنادها لأتباعه، ليضمن تثبيت حرف مسار حركة فتح، وتشويه نهجها، وتدجينها لحد ارتهان قراراتها وسياساتها وأجندتها بشكل كامل لإرادة الصهاينة والأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين، ولتصبح مهيأة وجاهزة لبيع ما تبقى من فلسطين ضمن صفقة "التطبيع مقابل تجميد الاستيطان". ولذلك نستطيع أن نقول إن عباس قد حقق أهدافه التي توخاها من عقد المؤتمر، وإن حركة فتح قد فشلت نهائياً، حيث غابت عن المؤتمر عملية المساءلة والمحاسبة حول الفساد والتسوية الفاشلة وملفات أخرى عديدة. فقد نجح عباس وفريقه في التهرب من ملفات كثيرة وصرف النظر عنها، مثل ملف "اغتيال عرفات"، والقنبلة التي فجرها فاروق القدومي بكشف محضر قال إنه يثبت مشاركة عباس ودحلان في جريمة قتل عرفات وغيره من قادة المقاومة الفلسطينية، وملف "التنسيق الأمني" وكتائب دايتون، حيث لم يجرؤ أحد من المشاركين في المؤتمر على طرح هذه القضية الخطيرة، فالمؤتمر بالنسبة لمعظم المشاركين فيه لا يتعدى كونه مناسبة لتقاسم المناصب والنفوذ وتحقيق المصالح الشخصية، وليس لإصلاح فتح ووقف استنزافها الشامل للشعب الفلسطيني، الذي عانى كثيراً من الصداع الفتحاوي المستعصي والمزمن. ومما يؤسف عليه، أن المؤتمرين لم يطرحوا للنقاش ملف تدخل دايتون في الوضع الفلسطيني وقيادته غير المباشرة للأجهزة الأمنية التابعة لعباس في الضفة، وفي غزة قبل أحداث الحسم، حيث خطط دايتون لإشعال حرب أهلية وسحق حركة حماس والمقاومة. وبدلاً من مناقشة هذه القضية الخطيرة، أثار عباس وغيره من المشاركين في المؤتمر قضية ما أسموه "ضياع غزة وسقوطها في يد حماس"، الأمر الذي يبرهن على أن فتح تتعامل مع الشعب الفلسطيني وكأنه ملك خاص لها، وأنها تمتلك الحرية في التصرف فيه كيفما تشاء، ويبرهن أيضاً على احتكار فتح للسلطة ورفض تداولها أو تقاسمها أو مشاركتها مع غيرها من الفصائل والقوى السياسية الأخرى وفق نتائج انتخابات حرة ونزيهة... ولم يتحدث عباس إلا لماماً وبكلمات تذر الرماد في العيون عن ضياع الضفة والقدس بسبب التهويد والاستيطان وتهجير أبناء شعبنا ومحاصرتهم، وعن ضياع "المناضلين الجدد" المنتمين إلى كتائب دايتون العميلة، الذين أصبحوا يعملون جنباً إلى جنب مع جيش الاحتلال الصهيوني في الحرب على المقاومة، حيث يطارد "المناضلون الجدد" المقاومين والمجاهدين والمناضلين، ويأسرون بعضهم ويقتلون البعض الآخر، وينزعون سلاح بعضهم ويجبرونهم على الاستسلام، مقابل حصولهم على عفو عام من جيش الاحتلال الصهيوني وتخليه عن مطاردتهم. لقد اتسع الخرق على الراقعين من "شرفاء فتح" المناوئين لنهج عباس الاستسلامي، وأصبح الإصلاح مستحيلاً، وهي نهاية مؤلمة لحركة فتح، وللشعب الفلسطيني بأكمله، بعد مسيرة طويلة للحركة اتسمت بالتيه والضياع والانقسامات والانشقاقات والمؤامرات والتصفيات والاحتراب الداخلي. لا أقول هنيئاً لعباس، فلن تكتمل فرحته، ولن تدوم طويلاً. 7/8/2009