القصرين: إصابة تلميذين إثنين بالة حادة داخل حافلة نقل    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    حادثة انفجار مخبر معهد باردو: آخر المستجدات وهذا ما قررته وزارة التربية..    انتاج دجاج اللحم يعرف منحى تصاعديا خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    وزارة الفلاحة : 1350 مليون دينار كلفة تثمين مياه أمطار الجنوب الأخيرة    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    كأس تونس لكرة السلة: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ربع النهائي    انتخاب رئيس المجلس الوطني للجهات والاقاليم …مرور النائبين عماد الدربالي، واسامة سحنون الى الدور الثاني    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    عاجل/ قتيل وجرحى في حادث مرور عنيف بهذه الجهة    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    يورغن كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيدنا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    كميّات الأمطار المسجلة بعدد من مناطق البلاد    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. بحثا عن تعبيد الطريق إلى النهائي    وزارة الفلاحة: رغم تسجيل عجز مائي.. وضعية السدود أفضل من العام الفارط    عاجل: زلزال يضرب تركيا    تفاصيل القبض على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين    تنبيه/ رياح قوية على هذه المناطق في تونس..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الاخيرة    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    عاجل/ وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما..    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    مستجدات الوضع الصحي للأستاذ الذي تعرض للطعن على يد تلميذه..    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    قيس سعيد يُشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض الكتاب    استثمارات متوقعة بملياري دينار.. المنطقة الحرة ببن قردان مشروع واعد للتنمية    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    المصور الفلسطيني معتز عزايزة يتصدر لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم لسنة 2024    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 19 افريل 2024    عاجل/ مسؤول إسرائيلي يؤكد استهداف قاعدة بأصفهان..ومهاجمة 9 أهداف تابعة للحرس الثوري الايراني..    الافراج عن كاتب عام نقابة تونس للطرقات السيارة    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    القيروان: هذا ما جاء في إعترافات التلميذ الذي حاول طعن أستاذه    غلق 11 قاعة بمعهد دوز و السبب ؟    رفعَ ارباحه ب 43%: بنك الوفاق الدولي يحقق أعلى مردود في القطاع المصرفي    ثبَتَ سعر الفائدة الرئيسي.. البنك المركزي الصيني يحافظ على توازن السوق النقدية    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    الخارجية: نتابع عن كثب الوضع الصحي للفنان الهادي ولد باب الله    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (1)(2)(3)
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 02 - 2008


أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (1)(2)(3)
د.محمد بن موسى الشريف
---------------
أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (1)
د.محمد بن موسى الشريف
تاريخ النشر :09 فيبراير, 2008 م
لقد كان الأمل يراودني منذ مدة طويلة في الذهاب إلى جمهورية أوزبكستان، وذلك لأنها دُرَّة فاخرة، وكنز ثمين، ففيها ديار الإسلام العظام ومدنه التاريخية الجليلة: "طشقند" وتُعرف قديماً ببلاد الشاش ومنها: "القفال الشاشي" الفقيه الشافعي المشهور، و"ترمذ": ومنها الإمام محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن المشهورة، والحكيم الترمذي صاحب "نوادر الأصول"..
و"بخارى": ومنها الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح الكتاب الذي ليس له نظير في الدنيا، و"سمرقند": ومنها أبو الليث السمرقندي الزاهد، وأُلُغ بك حفيد تيمورلنك السلطان العالم صاحب المدرسة المشهورة، وفرغانة، وأنديجان، وأوش، وقوقند، ونسف، وخوارزم، في مدن وقرى كثيرة جداً بعضها قائم وأكثرها زال وباد..
وخرج من تلك المدن والبلدات خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى كان لهم أثر جليل في إنشاء الحضارة الإسلامية ورفع بنيانها، وأثر في الجهاد في سبيل الله تعالى، وفي تعليم العلوم الشرعية ونشرها، ولا يمكنني في هذه العجالة أن آتي على أعمالهم، ولا أن أُورد ولو طرفاً من جهودهم، فهي أعظم من أن يحصرها البشر أو يأتي عليها العادّون، ولقد قرأت أن هناك موسوعة تُطبع في القاهرة قد حصرت ما علمته من علماء تلك المناطق، فخرجت بثلاثة آلاف عالم، وأرى والله تعالى أعلم أن العدد أضعاف ذلك مرات وكرات، قد طوى كثيراً منهم النسيانُ والإهمال، ودرست آثارهم بسبب الحروب الضخمة التي مرت بها المنطقة، من اجتياح مغولي.. إلى تدمير روسي قيصري.. إلى فظائع ووحشيات الغزو الشيوعي البلشفي، مما ضيّع كثيراً من ذلك التراث الرائع، وذهب به أدراج الرياح، فيالله!! أين تلك المصنفات الملاح، وأصحابها السادة الأقحاح؟! ذهب معظم ذلك، وفني أكثر ما هنالك، صدق أبو العتاهية، يرحمه الله:
إلى ديّانِ يومِ الدينِ نمضي
وعندَ اللهِ تجتمعُ الخصومُ
جاء الفرج!: وأعود فأقول: كان الأمل يراودني في الذهاب إلى تلك المغاني، وإمتاع عيني برؤية طلل تلك المباني، والتجوال في هاتيك الآثار، التي انقضت لبنائها الأعمار، وفنيت فيها أجيال تلو أجيال، ولقد حاولت ذلك عندما كنت في "ألماتا" العاصمة السابقة لجمهورية قزقستان (كازاخستان) سنة 1423ه-2003م فلم أظفر بشيء، ثم عدت السنة الماضية سنة 1427ه-2006م إلى قزقستان فلم أستطع، حتى جاء الله تعالى بالفرج..
إذ أخبرني أخي العامل الفاضل الدكتور الاقتصادي صالح بادحدح أنه رتب لإقامة مؤتمر عن الحضارة الأوزبكية مع بعض أهل الخير تحت رعاية "الإيسيسكو"، وهي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومقرها "الرباط"، وطلب مني المشاركة ببحث، ولا أكتمكم أني فرحت بذلك فرحاً لم أعهده من نفسي، وليس هو من طرائقي ورسمي، لكنه الهوى الغالب، وهو كما تعلمون للقلوب جالب، فأعددت البحث وهو عن مدن جمهورية أوزبكستان التاريخية التي بقيت إلى اليوم، وعرجت على بعض مشهور ما اندثر منها، وشاركت مع باحثين من مصر والمغرب وتركيا والعراق وأوزبكستان.

دموع المحبّين
وشددت الرحال وأنا ممتلئ حبوراً وسعادة، وذلك لقصدي أوزبكستان، ثم لأنها ستكون عبر مدينة إسطنبول التي لابد من المكث فيها قرابة ثنتي عشرة ساعة قبل أن يحين موعد رحلة طشقند، وإسطنبول هي المدينة التي أحببت، وإليها ترددت، وعليها عرّجت عشرات المرات، ولم أزرها في مرة إلا وانهمرت مني دموع، وراودتني أحاسيس ومشاعر لا أعرف كيف أصفها، ولا أدري بم أوقفها، وذلك لأنها غالباً ما تكون أمام الناس، وهذا أمر لا أحبه لنفسي، لكن ما الحيلة ودموع المحبين لا سبيل عليها ولا طريق لمنعها، وغالباً ما تكون هذه الدموع في الفاتح، ذلك الجامع العظيم، والمبنى الجليل، لا لعمارته ففي إسطنبول من الجوامع البواهر ما يفوقه بكثير، لكن ربما لعظمة بانيه ولجلالة الفتح، ومن أراد تذكّر عزة الإسلام والاغتراف من تلك الذكريات العظام فلا غنى له أبداً عن التعريج على إسطنبول، والارتشاف من تلك الغيول، (والغيل عند العرب مجتمع الماء).

قلة قليلة!
ولا أدري ما الذي دهى كثيراً من موظفي الأتراك الذين أخالطهم في المطارات والفنادق والمجامع الرسمية؛ فأكثرهم مكفهر الوجه، نادر البسمة، ليس بموطأ الأكناف، ولا بحسن الأخلاق، قد رأيت فيهم ذلك حتى اعتدته، وعرفت منهم ذلك إلى أن ألفته، نعم إن أكثر من رأيته من الأتراك من إخواننا الذين نألفهم ويألفوننا ومن غيرهم تعلو ملامحهم الهيبة ويغلب عليه الجد الممزوج أحياناً بالشدة، لكني أتحدث عن الموظفين الرسميين والعاملين في المطارات والفنادق والمطاعم، فعلى كثرة ما ذهبت إلى ذلك البلد العزيز إلى نفسي والأثير لدي والقريب إلى قلبي لم أجد إلا قلة قليلة ترحب بالغريب كترحاب العرب، وتؤنسه وتسر به كما يحدث في ديارنا، فلا أدري، أهذا أثر من آثار تلك المرحلة الأتاتوركية السوداء التي غشيتهم قرابة تسعين عاماً، أم أن هذا أمر مغروس في طبائع أكثرهم، لكن هذا ما لمسته في زياراتي الكثيرة ل"إسطنبول" و"طرابزون" و"يلوا" و"بورصة" و"أويلات" وغيرها، وأرجو ألا أكون قد قسوت عليهم أو غمطتهم حقهم، إذ إني أتحدث عن أكثر من رأيت، ولقد رأيت فيهم قلة من الإخوان يخالفون هذا الذي ذكرت، ويجانبون ما وصفت، لكنهم قلة قليلة على كل حال.
سراج الجامع: ولما هبطت مطار إسطنبول كان الوقت فجراً، فأُخذت بعد لأي إلى فندق على حساب الخطوط التركية، ففوجئت برداءة الفندق والمنطقة التي هو فيها، وكل شيء فيه سوى النوم لابد من أن أؤدي ثمنه، فعجبت من هذا التصرف الذي يخالف فعل كل شركات الطيران الكبيرة في العالم، لكني لم آبه بذلك إذ كنت مشتاقاً للصلاة في الفاتح..
فجاءني بعد الظهر أخي في الله أبي بشر أسامة الخطيب، وأخذني إلى جامع الفاتح فأدركته وقت العصر، فجمعت الفرضين ونلت الغرضين: العبادة وقضاء لباتي،
وجلست في الجامع بعد الصلاة قليلاً، فقرأ الإمام أحزابهم على العادة التي جروا عليها قروناً، والقوم مطرقون مستمعون لم يغادر منهم أحد إلا أقل من القليل، وفيهم صبر عجيب على تلك الأحزاب والأوراد لا يقوم أكثرهم حتى يفرغ الإمام منها وقد يطول بعضها..
وبعد الفراغ صافحت الإمام وعانقته فقد عرفته قبل ذلك، وسألته عن الشيخ أمين سراج، فأخبرني بوجوده وذهب بي إليه في غرفته في الجامع، والشيخ أمين هو سراج الجامع؛ فهو المدرس فيه منذ زمن طويل، وقد قارب التسعين، وهو ممن أدرك الهالك مصطفى كمال، أدركه شاباً، وقد هلك سنة 1358ه-1938م، فرحب بي الشيخ وفرح بمقدمي جزاه الله خيراً، وهو من القلائل الذين وصفتهم آنفاً، وكان الدكتور حمدي أرسلان هنالك، وقد تحدثت عنه في إحدى حلقات "أيام في إسطنبول" ولما أخبرت الشيخ بمقصدي سُرَّ، وتمنى لو كان معي فهو لم يزر تلك البلاد قط، وأخبرني أنه سيذهب معي دكتور باحث تركي وهو أحمد طوران أرسلان من كلية الإلهيات في جامعة إسطنبول، وهاتفه وأنا جالس عنده وجعلني أحدثه، واتفقنا أن نتقابل ليل ذلك اليوم في المطار، ثم خرجت فأولم لي أخي المفضال أبو بشر في مطعم فاخر حسن الطعام جداً، ثم أخذني إلى المطار حيث قابلت الدكتور أحمد طوران أرسلان ومعه مجموعة من الباحثين الأتراك والمصريين والمغاربة، وتعارفنا، ومن ثم أقلتنا الطائرة إلى مطار طشقند في قرابة أربع ساعات ونصف الساعة لنصل قبل الفجر هنالك.

طشقند
و"طشقند" عاصمة جمهورية أوزبكستان، فيها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وأوزبكستان سكانها قرابة ثلاثين مليوناً فهي أكبر جمهوريات تركستان الغربية من حيث عدد السكان أما أكبر الجمهوريات مساحة فهي قزقستان (كازاخستان)، إذ هي أكبر بلد إسلامي في العالم ومساحتها ثلاثة ملايين إلا ربع المليون من الأميال المربعة، ويأتي بعدها السودان ثم الجزائر ثم المملكة السعودية..
وتركستان الغربية تتألف من خمس جمهوريات استقلت عن الاتحاد السوفييتي الهالك سنة 1413ه-1993م، وهي أوزبكستان وقزقستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزيا، أما تركتسان الشرقية فما زالت تحت نير الاحتلال الصيني البغيض، ولما استقلت تلك الجمهوريات سارع إليها اليهود والنصارى لاقتسام ثرواتها ولاغتنام كنوزها، وتأخر المسلمون كعادتهم فلم يفلحوا في استثمار تلك الفرصة السانحة، لكن لكل أجل كتاب، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، جل جلاله وعز في عليائه وسلطانه.
-----------
أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (2 )
د.محمد بن موسى الشريف
تاريخ النشر :10 فيبراير, 2008 م
وصلت الطائرة إلى مطار طشقند قبل الفجر بثلاث ساعات تقريباً، وقد استغرقت الرحلة من إسطنبول أربع ساعات ونصف الساعة تقريباً، فلما ولجت صالة المطار مع الباحثين الذين اجتمعوا في الرحلة معاً، فوجئنا باستقبال حافل، ومكثنا في الصالة الخاصة محاطين بالعناية والتكريم حتى فرغوا من ختم الجوازات وإحضار الحقائب.
وفاجأونا بأنهم قد قرروا تكريمنا بتخصيص قطار خاص ينقلنا إلى سمرقند!! ولم أكن أريد هذا، بل كنت أرغب في المكث في طشقند قليلاً للراحة، ومن ثم الانتقال بالطائرة إلى سمرقند، لكن كان هذا أمراً قد فُرغ منه قبل مجيئنا، فاستسلمنا له، وركبنا القطار في الساعة الخامسة قبل الفجر، لنصل إلى سمرقند في التاسعة صباحاً، وفي القطار صلينا الفجر في إحدى غرفه، ولقد بالغوا في إكرامنا، وأحضروا ألواناً من الطعام والشراب والفاكهة حتى أنهم أتوا بأكلتهم الشعبية "بلوف" وهي أرز بلحم في السابعة صباحاً!! ثم لما وصلنا إلى رصيف محطة سمرقند؛ استقبلونا استقبالاً رسمياً، وكان معنا نائب رئيس الوزراء، وأحضروا من يضرب الطبول، وينفخ في الأبواق، وأتوا بفتيات غير محجبات معهن الورود ليقدمنها إلى أعضاء الوفد هذا والمؤتمر إسلامي!! فانسللت إلى القاعة هرباً من ذلك الموقف، فاللهم غفراناً، وإنما جرى هذا المنكر منهم لأنهم قد خرجوا للتو من استخراب روسي قيصري، ثم بلشفي دام عليهم مائة وثلاثين عاماً عجافاً، والقوم لا يطبقون من الإسلام إلا القليل، فمثل هذا الذي جرى منهم إنما هو أمر هين نسبياً، والله المستعان ومنه العفو والغفران.

حفل استقبال
وحدث مثل هذا في حفل استقبال المحافظ لنا في سمرقند، حيث أتوا بامرأة غير محجبة تغني ومعها فرقة موسيقية، فلم أر أنه يسعني البقاء، فخرجت خارج القاعة حتى فرغت ثم عدت، ثم عادت، فخرجت ثم عدت، وهكذا دواليك، والقوم في دهشة، وجاء بعضهم فكلمني فبيَّنت له حرمة أن تغني امرأة أمام الرجال، فجادلني بأن هذا غناء قومي ولا بأس به، لكني أكدت له حرمة هذا في الشرع، وأنه لا يجوز فيئس مني وتركني، وأعيد هذا أيضاً إلى ما القوم فيه من بعد عن الدين بعد احتلال واستخراب طويلين.
ولما وصلنا إلى قاعة الاستقبال في رصيف المحطة كان المحافظ في استقبالنا، وارتجل كلمة ترحيبية ترجمها أحد المرافقين، ثم بعد استراحة قصيرة أخذونا إلى الفندق فوصلنا قرابة الساعة العاشرة، وأخبرنا المنظمون أننا سنرتاح إلى الواحدة ظهراً ثم نتناول طعام الغداء ونذهب إلى الأماكن الأثرية، وهذا الذي جرى، وتحركت بنا الحافلة قبل الثالثة بقليل.

قبر البخاري
وتوجهت بنا الحافلة إلى قبر الإمام البخاري فسلَّمت السلام الشرعي، وتذكرت ذلك العملاق العظيم وأياديه البيضاء الرائعة على علم الحديث النبوي، وكان هناك من استقبلنا وأوجز لنا سيرة الإمام وصنيعه في صحيحه، ثم دلف بنا إلى القبر، فشرفت بالسلام عليه، ومما أزعجني حقاً ذلك البناء الهائل الذي بُني فوق القبر، وقد ظهر فيه آثار السرف، والضخامة المبالغ فيها، ولو رأى ذلك الإمام لأنكره ولما أسعده، كيف لا؟ وهو مخالفة واضحة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أضرحة ضخمة
ومن ثم ذهبت بنا الحافلة إلى منطقة "شاه زندة"، ومعناه عندهم "الشهيد الحي"، ويريدون به القثم بن العباس رضي الله عنهما، حيث يزعمون أنه دُفن هناك، وهذا فيه خلاف بين المؤرخين والله أعلم بالصواب، ثم جالوا بنا بين قبور كثيرة كلها قد بُني عليها أضرحة ضخمة عالية، وهي لقواد الدولة التيمورية التي كان سلطانها تيمورلنك ولأقرباء السلطان، وهي غاية في الضخامة كما أسلفت، وقد تعجبت طويلاً عندما رأيتها وسألت نفسي وبعض من كان معي: ما الفائدة التي يجنيها المسلمون من هذه الأبنية الضخمة؟ وكيف دخلت على المسلمين هذه العادات؟ وكيف نسوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعامله: "لا تدع صورة أي تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته"؟!
وقد أجاز الفقهاء أن يعلو القبر قدر شبر ليتميز عن سائر الأرض وليصان، فكيف بنا اليوم وقد علا القبر إلى متر أو يزيد، وبني فوقه بناء قد يبلغ مائة متر بل قد يزيد؟!
ثم مروا بنا مروراً سريعاً على ضريح تيمورلنك، وهو أضخم هاتيك الأضرحة، ورأيت من الحافلة "بيبي خانوم"، وهو بناء ضخم هائل بناه تيمورلنك تخليداً لذكرى زوجته بيبي خانوم، وبدأ بناءه بعد انتصاراته التي حققها في الهند.
ثم أولم لنا المحافظ في فندق فاخر، وبدأ المحافظ بكلمة ترحيبية، وتلاه الأستاذ النشط مجدي مرسي الملحق الثقافي بالسفارة المصرية الذي أنشأ المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية، وله آثار جيدة فألقى كلمة ترحيبية شاكراً الدولة على استضافتها المؤتمر الدولي العلمي: "أوزبكستان موطن علماء ومفكري العالم الإسلامي العظام"، ثم بدأ حفل العشاء على ما وصفت آنفاً، ولما انتهى الحفل أخذونا إلى الفندق وأخلدنا إلى الراحة.

بداية المؤتمر
وفي اليوم التالي بدأ المؤتمر صباحاً في الساعة التاسعة والنصف بالكلمات الترحيبية المعتادة من قبل قيادات رفيعة في الدولة، مما يظهر الاهتمام به والعناية بأشخاصه، وكذلك تحدث الأستاذ عبدالإله ابن عرفة مندوباً عن "الإيسيسكو"، وهي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وشكر الدولة وتحدث حديثاً موجزاً عن الفتح الإسلامي للمنطقة، وعن حضارتها وآثارها، وذكر أمراً مهماً جداً ألا وهو الجناية التي حدثت على اللغة العربية في استبدال الحروف اللاتينية ثم الروسية بها سنة 1927م، ثم سنة 1940م، ودعا في لفتة بارعة إلى إعادة اللحمة للغة العربية مرة أخرى، ثم عرّج على اختيار طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2007م، وأهمية ذلك، وسرد العواصم التي اختيرت. فبين أن العاصمة الأولى التي اختيرت عاصمة للثقافة سنة 1425 ه-2005 المجتمع كانت مكة المكرمة، ثم اختيرت ثلاث مدن لسنة 1426ه 2006م وهي "حلب" عن المنطقة العربية، و"تنبكتو" عن المنطقة الإفريقية، و"أصفهان" عن آسيا، ثم اختيرت ثلاث مدن لسنة 1427-2007م، وهي "طشقند" عن آسيا، و"طرابلس وفاس" عن المنطقة العربية، و"داكار" عن المنطقة الإفريقية. ثم ختم كلمته الموفقة.

حضارة عظيمة
ثم تحدث الأستاذ الدكتور يوسف عبدالغفار من البحرين وهو رئيس جامعة المملكة فيها، وذكر في حديثه تاريخ المنطقة وأهميتها قديماً وحديثاً، ثم وازن بين منجزات الحضارة الإسلامية العظيمة التي شاركت في صنعها أوزبكستان قديماً وبين ما يتهم به الإسلام اليوم من تهم شتى، وبيّن أن حضارة عظيمة كهذه لا يمكن أن توصم بما توصم به من قبل أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، ثم شكر الدولة والإيسيسكو وكل من ساهم في إقامة هذا المؤتمر.

فيلم وثائقي
ثم تحدث غير هؤلاء إلى أن خُتمت جلسة الافتتاح بأمرين: الأول بفيلم وثائقي تسجيلي لوقائع مؤتمر إسلامي جرى في أغسطس سنة 2006م، ويُعد المؤتمر الأول الذي يتحدث عن "مساهمة أوزبكستان في تطوير الحضارة الإسلامية"، وأهدى القائمون على المؤتمر نسخة من الفيلم لكل باحث، الأمر الآخر الذي ختمت به جلسة الافتتاح هو أول بحث ألقي وهو: "أوزبكستان مركز علمي مهم في بلاد المشرق الإسلامي في العصور الوسطى" للباحث الدكتور أحدجان حسنوف من أوزبكستان، وذكر في البحث أن هناك احتفالاً جرى بمناسبة تكريم الفلكي أحمد الفرغاني، فسأل الباحث أحد علماء الفلك من جورجيا: هل يمكن المقارنة بين أوزبكستان وجورجيا في علم الفلك؟ فقال: لا يمكن، فبينهما كما بين السماء والأرض، فأحمد الفرغاني وأُلُغْ بيك السلطان الفلكي العالم، حفيد تيمورلنك لم يكن هناك مثلهما على الأرض!! وذكر الباحث أنه قد كان هناك عشرة مراكز ثقافية وعلمية عظمى في العالم الإسلامي كان منها ثلاثة فيما يعرف بأوزبكستان اليوم، لكن الباحث تساءل عن خطأ كما يرى وقع فيه ياقوت الحموي، عندما قال: إن ياقوتاً يقول في كتابه "معجم البلدان": إن الأتراك والبيزنطيين هما أعداء الإسلام، فتساءل عن هذا متألماً، فأردت أن أعقب بأن ياقوتاً لا يريد بهذا الأتراك المسلمين قطعاً، إنما يريد الأتراك غير المسلمين، والدليل على هذا أن ياقوتاً وغيره عندما يذكرون حدود بلاد ما وراء النهر يذكرون أنه يحدها من جهة الشرق الترك، أردت أن أعقب بهذا لكن قيل لي إنه غير مناسب لكون الباحث معظماً عند قومه!! وطلب مني إرجاء التعقيب إلى وقت آخر، وقد ألقى الباحث بحثه بلغة عربية متوسطة، وهذا يذكر له فيشكر فجزاه الله خيراً. وقد بينت له رأيي في المسألة بعد المحاضرة.

الجلسة الأولى
ثم ابتدأت الجلسة الأولى برئاسة الدكتورة ماجدة مخلوف من مصر، وجاءت بحجابها جزاها الله خيراً، بينما جاءت بعض النسوة العربيات بغير حجاب، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وألقى البَحَثة بحوثهم، فمن تلك البحوث: أبو منصور الماتريدي وكتابه "تأويلات القرآن"، ألقاه الأستاذ الدكتور سعاد يلدرم، أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية الإلهيات، جامعة مرمرة بإسطنبول، وكان قد ألقى بحثه بالعربية جزاه الله خيراً، وكانت لغته متوسطة.
ثم ألقت الدكتورة ثريا كريموفا بحثها "نشاط علماء أوزبكستان في المراكز العلمية في العصور الوسطى"، وألقته باللغة الأوزبكية، وهي مديرة معهد الاستشراق في مجمع علوم أوزبكستان.
ثم ألقى د. محمد آق قوش بحثه: "دور المتصوفين الأوزبك في نشر الإسلام"، ألقاه باللغة العربية فجزاه الله خيراً، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الإلهيات بجامعة أنقرة.
ثم تحدث د. عبدالحكيم الجوزجاني وهو أستاذ كرسي في جامعة طشقند الإسلامية وبحثه بعنوان: "مساهمة برهان الدين المرغناني في تطور علم الفقه"، وألقاه باللغة العربية فجزاه الله خيراً.
ثم ألقى د. دربيك رحيمجانوف أستاذ كرسي في جامعة طشقند بحثه باللغة العربية "مبادئ الحنفية والتسامح الديني"، وهو أضعف بحث ألقي في ذلك اليوم بسبب الخلط فيه وعدم وفاء المادة الملقاة بعنوان البحث.
ثم ألقى د. أحمد رجب من مصر بحثاً عن إسهام المعماريين الأوزبكيين في بناء المدارس في أوزبكستان في القرن العاشر الهجري، وبه انتهت الجلسة الأولى، واليوم الأول من أيام المؤتمر، واستعد الباحثون لمغادرة سمرقند لإكمال المؤتمر في بخارى في اليوم التالي.
-------------
أيام في طشقند وسمرقند وبخارى (3)

د.محمد بن موسى الشريف
تاريخ النشر :11 فيبراير, 2008 م

انتهت أعمال اليوم الأول للمؤتمر في سمرقند، وتم اصطحابنا إلى محطة القطار وركبناه في رحلة استغرقت ثلاث ساعات إلى بخارى، حيث استقبلنا في رصيف المحطة كما استقبلنا في سمرقند، وقد ذكرت هذا في العدد الماضي فلا أعود لوصفه حفاظاً على وقت القارئ.
ثم أخذنا إلى فندق قصر بخارى وقدم العشاء، ولم يكن هناك إلا الراحة والإخلاد إلى النوم، لكن جاءني إلى الغرفة ثلاثة من طلبة المدرسة الشرعية وتحدثت معهم بحرية عن بعض الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وذلك لأني لم أجد أحداً أتحدث معه عن البلاد سوى الرسميين فقط، وهؤلاء في كل زمان ومكان لا يبثون كل ما في نفوسهم، وقد وجدت من هؤلاء الشبان حماسة وقدرة على الحديث والحوار باللغة العربية، وقد نصحتهم بنصائح ثم انصرفوا، جزاهم الله خيراً ونفع بهم.
وفي اليوم التالي بدأت الجلسة الثانية للمؤتمر، وقد طرحت فيها عدة بحوث منها: "الأوزبك في تركيا" للدكتور التركي "أكرم كولتشان" وقد تحدث بالعربية جزاه الله خيراً، وبين في بحثه أن الأوزبك إذا أرادوا الحج مروا بإسطنبول أولاً ويصلون الجمعة مع السلطان ثم يستأذنونه استئذاناً رمزياً في الحج، وذكر عن أحد هؤلاء أنه لما جاء إسطنبول وجد أن حرب القرم قد بدأت فشارك في الجهاد، ثم شارك مع الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد الفراغ من الحرب سنة /1338 ه1918م ذهب للحج ثم عاد ليجد سورية في حرب مع الفرنسيين فشارك في الجهاد حتى استشهد ودفن في "طرطوس" سنة 1340ه- 1920م فرحمه الله رحمة واسعة، وهذا يبين كيف أن المسلمين وحدة واحدة إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وذكر في بحثه أيضاً جملة من أخبار المجاهدين، وذكر أيضاً بعض أخبار التكية الأوزبكية في إسطنبول التي بنيت بأمر السلطان محمود الأول.

التسامح الإسلامي
وكان من الأبحاث أيضاً بحث الدكتورة "زهرا قادروفا" وتحدثت عن "الأسس التاريخية والفلسفية للتسامح الديني والحوار بين الحضارات في "أوزبكستان" فتحدثت عن كل شيء تقريباً ولم تذكر الإسلام وهو الأساس العظيم للتسامح بل هو الأساس الأول للبحث في هذا الموضوع إنما اكتفت بذكر بعض النصوص عن "أبي الريحان البيروني" و"الفارابي"، فقام أحد الباحثين فعقب على بحثها بأنها أغفلت الأساس الصوفي ووحدة الشهود وجهود النقشبندية في هذا الباب، فلم أر إلا التعقيب فطلبت الكلمة وأعطيتها، وبينت للدكتورة والحضور أن البحث أغفل أساسين مهمين جداً: الأساس الأول آلاف الكتب الفقهية التي ألفها العلماء الأوزبك على مدار التاريخ ووضعوا في ثناياها الأسس الرائعة للتعامل مع غير المسلمين في البلاد الإسلامية وفي خارجها، وهذه الأسس مستندة إلى الكتاب والسنة، والأساس الآخر هو الواقع التاريخي حيث إن أوزبكستان زخرت بعديد من القوميات غير الإسلامية التي عاشت في وئام وسلام لا مثيل له، وسمح لها بأداء شعائرها بحرية، ولم ينقل التاريخ الطويل أي اعتداء عليها، وهذا من أعظم الأسس التي تبين التطبيق العملي لمبادئ الإسلام وتردع الذين يتهمون الإسلام بالتهم الغريبة التي نسمعها اليوم. ثم رفعت الجلسة لتناول الشاي والفطائر.

الشيوعيون وطمس الهوية
وبدأت الجلسة الثالثة ببحث مهم وهو "دور الأمير تيمور والتيموريين في قيادة الأمة الإسلامية" للدكتور زكريا كتابجي الأستاذ في جامعة قونية بتركيا، وكان باللغة العربية، فلما بدأ الدكتور بحثه طلب تغيير العنوان إلى عنوان آخر متعلق بتاريخ أوزبكستان الإسلامي، ومن أهم ما ذكره في البحث أن هناك أمراً مؤسفاً ألا وهو استيلاء الشيوعيين على مقاليد الأمور في "تركستان"، ولم يكتفوا بالسيطرة الاقتصادية والسياسية بل تعدى ذلك إلى طمس الهوية الإسلامية، وفصل تركستان عن العالم الإسلامي بستار حديدي يشبه سور الصين العظيم، ثم ذكر نعمة الله على التركستان بالانعتاق من الشيوعية وحمد الله على ذلك، ثم أنهى بحثه بلفتة بارعة رائعة حيث نادى رجال الدولة الأوزبكية وطلب منهم العودة إلى دين الإسلام، كيف لا؟ وهم أحفاد خانات أي ملوك الأوزبك القدماء الذين ساروا على نهج الإسلام في وقت الحضارة الذهبية للإسلام، وكرر هذا الطلب منهم ثلاث مرات بصيغ مختلفة، وهذا في رأيي أهم ما قيل في المؤتمر مطلقاً؛ وذلك لأن وسائل الإعلام الأوزبكية نقلته، وكان هناك حضور شعبي لا كما كان الأمر في سمرقند فقد كان الحضور مقصوراً على الباحثين؛ ولأن قائل ذلك باحث تركي له قدره ووزنه في الأتراك بالمعنى الواسع أي في التركستان وما تفرع منهم في الأناضول تركيا اليوم فجزاه الله خيراً.

لحظات تاريخية
ثم تحدثت الدكتورة "ماجدة مخلوف" من مصر عن "الأوزبك في مصر: اللحظات التاريخية" وهي رئيسة قسم اللغات الشرقية وآدابها بجامعة عين شمس في مصر، وذكرت في بحثها أن أول الأوزبك الذين حكموا مصر هم آل طولون: "أحمد" وابنه "خُمارويه"، وكان لأحمد أيادٍ جليلة في رد البيزنطيين، وكان منقاداً إلى الشريعة كريماً محسناً إلى شعبه محبوباً منهم، ثم جاءت الدولة الإخشيدية وهي أوزبكية أيضاً.
وذكرت أيضاً أن الأوزبك كان لهم مناصب ووظائف قيادية رفيعة في دولة المماليك، وكانوا أمراء فيها أيضاً، وكان بين الأوزبك والمماليك السلاطين مصاهرات عديدة. وهناك أسر أوزبكية ما زالت تعيش في مصر إلى اليوم وتحتفظ بأسمائها. ثم عرضت في آخر بحثها عدة صور جميلة عن آثار الأوزبك في مصر مثل جامع ابن طولون الباقي إلى اليوم بحي السيدة زينب بالقاهرة. وعرضت مسجد الأمير أوزبك اليوسفي الذي أنشأه في أول القرن العاشر الهجري وهو اليوم بحي القلعة بالقاهرة.
ومما يحمد لهذه الدكتورة الفاضلة أنها جاءت بحجابها، وهذا أمر مهم لأن هناك نسوة وفتيات كثيرات استمعن لمحاضرتها وليس بينهن امرأة محجبة، فعسى أن تكون قدوة لهن، إن شاء الله تعالى.

الحديقة الأوزبكية
ثم تحدث الدكتور "حامد الطحاوي"، وهو أستاذ بكلية الآداب بجامعة الزقازيق في مصر، وتكلم عن الحديقة الأوزبكية في القاهرة مفصلاً بداية إنشائها وعمل الأمير الأوزبكي في ذلك، إلى أن وصل الباحث إلى وضعها في العصر الحديث.
ثم تحدثت الدكتورة "مولودة يوسفوفا"، وهي موظفة في معهد الفنون في أكاديمية الفنون، وقد تحدثت عن "خصائص الهندسة المعمارية الإسلامية في أوزبكستان" وكان حديثها مشفوعاً بعرض مرئي.
ومن أهم ما ذكرته أنه في القرون التي قبل القرن السادس عشر الميلادي لم تكن تبنى الأضرحة فوق القبور التزاماً بتعاليم الإسلام خاصة في بخارى، وإنما انتشرت بعد ذلك على قبور النقشبندية، وهذا الذي أوردته أجاب على سؤال كان يدور في نفسي ذكرته في الحلقة السابقة.

المحدثون العظام
ثم تحدث الأستاذ الدكتور "عبيد الله أواتوف"، وهو مدير خزانة المخطوطات في جامعة طشقند الإسلامية، تحدث عن: "أوزبكستان موطن المحدِّثين العظام" وقد سرد أسماء بعض المحدثين، ثم خص أربعة بالحديث لكن قبل ذلك أشار إشارة حسنة إلى أن الحديث الشريف هو المصدر الثاني المهم بعد القرآن، وذكر أن الأحاديث مصدر مهم لحياتنا المعاصرة، ونستفيد منها في جوانب عديدة منها تربية الأولاد على الإسلام، ثم عرض عرضاً موجزاً حياة الإمام الدارمي السمرقندي، وكتابه "المسند"، ثم عرض حياة الإمام البخاري يرحمه الله تعالى عرضاً موجزاً أيضاً، وقد ذكر أن كتابه الجامع الصحيح لم يسمح الروس بطبعه ولا تداوله، لكن بعد الاستقلال نشر كتابه واحتُفي بصاحبه يرحمه الله تعالى.
ثم عرض حياة الإمام الترمذي، ثم ذكر المحدث أبا سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، ثم ختم حديثه بأنه يجب على الأوزبكيين ترجمة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اللغة العربية والعناية بآثارهم الحديثية، وهذا هدف مشترك مع العرب، كمال قال.

إحياء التراث الأوزبكي
ثم تحدث أخيراً الأستاذ الدكتور "زاهد إسلاموف" وهو نائب مدير جامعة طشقند الإسلامية، وموضوعه: "مكانة العلماء الشاشيين في تطوير الدين الإسلامي وفلسفته" والشاش هي طشقند الآن، وبدأ حديثه بأن أوزبكستان بعد الاستقلال صارت قادرة على إحياء تراثها ونشره، وهناك مؤتمرات عالمية أقيمت بعد الاستقلال على أرض أوزبكستان لإحياء ذكرى العلماء، وأسست جامعة طشقند الإسلامية، وترجمت معاني القرآن الكريم والأحاديث، ورممت الجوامع القديمة الأثرية المهمة، وذكر أن اختيار طشقند لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 1427ه- 2007م له دلالة كبيرة على عظمة تراث هذه المنطقة وتاريخها.
ثم ذكر أمثلة على العلماء والصلحاء الذين زخرت بهم بلاد الشاش "طشقند" منهم أبوبكر القفّال الشاشي الفقيه الشافعي المشهور، وذكر أن اسم طشقند قد التزمته بلاد الشاش في القرن السادس عشر، وختم بأن هذا البحث وأمثاله يغرس في قلوب الشباب العزة والفخر بهذا التراث، وأنها مقدمة مهمة لدراسة المجتمع الأوزبكي وتراثه.

الجلسة الثالثة
ثم عقب بعض الباحثين على بعض الأبحاث، وانتهت أعمال هذه الجلسة، وطلب منا أن نتناول طعام الغداء ونعود سريعاً للجلسة الثالثة التي حفلت بعدة بحوث منها بحث قدمته عن "المدن الأوزبكية التاريخية: عرض وتحليل"، ثم تحدث الأستاذ الدكتور "عبد اللطيف العبيد" عميد كلية اللغات الخارجية في تونس، تحدث عن موضوع مهم وهو "أهمية تدريس اللغة العربية في أوزبكستان وفي آسيا المركزية" أي آسيا الوسطى، وذلك أن الهالك "ستالين" غيّر اسم موقع "التركستان" من آسيا الوسطى إلى آسيا المركزية، وذكر الباحث لأهمية العربية وجوهاً عديدة منها: العامل البشري حيث يتحدث العربية 300 مليون عربي، وعدد ضخم جداً من سكان الدول الإسلامية غير العربية يفهمون العربية ويتحدثون بها، ومنها أن اللغة العربية صارت لغة معتمدة في كثير من الهيئات العالمية، وصار العديد من الدول العالمية يهتمون بها، ومنها أن اللغة العربية هي لغة دين الإسلام، ومنها أن اللغة العربية هي لغة الحضارة والفنون قديماً، ومرشحة الآن لتعود لسابق مجدها ولتكون لغة الحضارة الإسلامية المنشودة والمترقبة في هذا الزمان، إن شاء الله تعالى.
لغة التواصل: وبين بعد ذلك أن أهمية تدريس اللغة العربية في أوزبكستان تنبعث من العوامل السابقة، ولأن هذه اللغة نقلت الدين إلى هذه المنطقة، ولأنها أَثْرت اللغة الأوزبكية، ولأن كثيراً جداً من المؤلفات اولأزبكية كتبت بها قديماً، ولأنها كانت لغة التواصل بين سكان هذه المنطقة وبين البلاد العربية، ولأن سكان المنطقة إذا تعلموا العربية تمكنوا من الاطلاع على تاريخهم وثقافتهم، وتمكنوا من الاتصال بالعرب من جديد.
ثم تحدث "د. نجم الدين كاملوف" وهو أستاذ كرسي في أكاديمية بناء المجتمع بطشقند، تحدث عن "خواجة بهاء الدين نقشبند: حياته وآثاره".
ثم ألقيت بحوث أخرى ختم بها المؤتمر في يومه الثاني والأخير ثم تليت التوصيات في الجلسة الختامية ووزعت شهادات التقدير على المشاركين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.