وزارة التجهيز تعلن عن تحويل ظرفي في حركة المرور بالنسبة إلى مستعملي الطريق الجهوية رقم 22 في اتجاه المروج والحمامات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    فرق متنقلة للهيئة الوطنية للسلامة الصحية لمراقبة المحلات ذات الاستهلاك المكثف ضمن برنامج السلامة الغذائية لرأس السنة 2026    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    عاجل/ بعد مقتل محمد الحداد: من هو رئيس هيئة أركان الجيش الليبي الجديد؟..    عاجل-رسمياً: هذه هي الحالة الصحية للاعب حازم المستوري    البرازيلي رافينيا ألكانتارا يعلن اعتزاله    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستغني عن خدمات آخر الإنتدابات    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    تأجيل محاكمة الشاهد وبن غربية    قضية الغرفة السوداء بوزارة الداخلية..آخر المستجدات..#خبر_عاجل    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    الحماية المدنية :425 تدخّلا خلال ال 24 ساعة الماضية    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    كلّ الفرضيات مطروحة بشأن تحطّم الطائرة الليبية    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    وفاة المؤلف والممثل المصري طارق الأمير عن عمر 60 سنة    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    طقس الويكاند: مطر وبرد    سر صحي في حبات التمر... تعرف عليه    مشروع "قانون الفنان"، يطبخ على نار هادئة    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025: تونس-اوغندا 3-1): تصريحات ما بعد المباراة..    اليوم: الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل يحتجون    روسيا تعلن إسقاط مسيّرات متجهة إلى موسكو    الذهب فوق 4500 دولار للمرة الأولى.. والفضة تصعد إلى مستويات قياسية    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    اللجنة العليا للإنتاج الخاص للكهرباء توافق على إنجاز مشاريع لإنتاج الطاقة باعتماد الطاقات المتجددة بعدد من جهات البلاد    الشركة التونسية للملاحة تدخل تعديلا على برمجة السفينتين "قرطاج" و"تانيت"..وهذه التفاصيل..    قابس: حادث مرور يخلف حالتي وفاة واصابات    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    إحباط توريد 9 كلغ من المخدرات بمطار تونس قرطاج    القصبة : وفاة أب أثناء مراسم زواج ابنه    الطقس اليوم شتوي مع أمطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش : الظاهرة الأدبية التي لا تعوض :عزيز العرباوي
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 08 - 2009

أن تكتب عن محمود درويش الظاهرة الأدبية الكبرى العربية والعالمية التي لا يمكنها أن تعوض والتي لا يمكننا أن نجد مثيلا لها في شعرنا العربي عامة لأن تجربته الشعرية تميزت بالكثير من الخصائص تفتقدها الكثير من التجارب الشعرية العربية الأخرى التي سبقته أو ستأتي من بعده . ظاهرة درويش الشعرية التي طبقت الآفاق ووصلت حدود العالمية وفرضت على الأعداء والأصدقاء احترامها والاهتمام والكتابة عنها والبحث في حيثياتها الفنية والشعرية المتدفقة بالأحاسيس الراقية والأليمة التي رافقت الشاعر في حياته داخل وطنه أو خارجه .
عندما تكتب عن محمود درويش يجب أن تمتاز بقراءة نقدية عز نظيرها في سماء النقد والفكر وبذلك لا يحق لمن لا يقدر على قراءة قصيدة درويش التي تتميز بالكثافة والتفوق اللغوي والقدرة على رسم الكلمات بطريقة بديعة وأسلوب رشيق. وما قررت أن أكتب عنه إلا لأنني لم أستطع أن أتجاهله وأتجاهل شعره وتجربته الشعرية الكبيرة التي أضافت إلى الأدب والشعر العربيين الكثير واستطاعت أن تصل قصيدته بهذه المكونات البلاغية والفنية إلى العالمية والكونية. ويحق لي - كما أعتقد- أن أشارك كل الكتاب والشعراء والنقاد القليل من هذا الإحساس في الكتابة عن قامة أدبية وشعرية كمحمود درويش رغم أنني أتعاطى النقد وأمارسه في مشواري الأدبي والفكري وهذا ما سمح لي أن أدخل غمار هذه التجربة الصعبة لأنني سأكتب عن قامة شعرية وأدبية استطاعت بفكرها الفذ وبأسلوبها الشعري الرائع والجميل أن تكسب كل أصناف القراء والمتلقين بكل طبقاتهم الاجتماعية والفكرية والدينية والسياسية وهذا يحسب له لاعليه. ولأول مرة نجد شاعرا وأديبا يجمع كل الفئات المجتمعية بمختلف توجهاتها تجتمع على حب شعره وأدبه الراقي، وسيكون من المجحف أن يتجاهل الشاعر محمود درويش انطلاقا من هذا اليوم لأنه كان بحق شاعر العرب والقضية الفلسطينية والمستضعفين في الأرض والعالم .
ألم يقل هو الشاعر الكبير في قصيدته "خطب الدكتاتورالموزونة" إلى الشعب المستضعف؟ :
فلا حق في دولتي للتجمع، حيا أو ميتا
لئلا يثير الفسادا
ولا حق للموت أن يتمادى
ويقضم نسياننا الحر منا
....
ناموا كما لم تناموا
غدا تصبحون على الخبز والخير ناموا
غدا تصبحون على جنتي
فاستريحوا وناموا...
في هذه القصيدة حاول الشاعر أن يأخذ موقع الدكتاتور العربي الذي يخاطب شعبه بطريقة فيها الكثير من الإهانة والقليل من الاحترام والاعتبار. ومن هنا نجد أن شاعرنا المتميز والكبير قد جازف بموقعه ووضع نفسه مكان دكتاتور لا يشق له غبار في ملكوته الذي لا ينازعه عليه أي أحد يخطب في الشعب كأنه إلاه أو نبي مفوه، ولم يكن للشاعر أن يقدم على هذه الخطوة لولا معرفته اليقينية أن جمهوره ومحبيه سيتفهمونه في هذه الخطوة المحسوبة.
يبقى شاعرنا العظيم محمود درويش شاعر القضية العربية الأولى وقضية المسلمين في كل العالم شاعر استطاع أن يقول فيها ما لم يقله أي شاعر آخر في قضية تبناها أو عاش وقائعها ومسبباتها ونتائجها، فقد عاصر الاحتلال لأرضه وقيام دولة من الشتات على أنقاض أهلها وسكانها ومقدساتها العظيمة التي بقيت شامخة رغم كل الأفعال الشيطانية التي قاموا بها ويقومون بها يوميا لتشويهها وتشويه معالمها.
لشاعرنا القدرة على إيصال الفكرة شعريا وفنيا ونثريا فأغلب دواوينه كانت بمثابة فكر ورؤى نظرية وفلسفية للعديد من الأفكار والمسلمات التي يؤمن بها عرب اليوم. فالوحدة الثقافية والقومية والدينية كانت بارزة في قصيدته، والدعوة إلى خلق الوسائل القادرة على تغيير القدر العربي الذي جعل العرب في مؤخرة الترتيب وفي وجه النار دون مقاومة اللهم بعض الحركات في هذا البلد أو ذاك أو من هذه الفئة أو تلك. وهذا ما كان يحز في نفسه وهو يرى واقعا عربيا مهترئا وتراجعا حضاريا وقيميا واضحا حتى غدا العرب مجرد رقم في عالم اليوم لايقام لهم أي حساب خلافا لما كان في زمان آخر ولى بدون رجعة.
في القدس، في رثاء إدوارد سعيد، من دروس كاماسوترا بفن الانتظار، السروة انكسرت، لا أنام لأحلم، مقهى وأنت مع الجريدة، جدراية، حالة حصار، .... وغيرها من مئات القصائد الرائعة التي تميز فيها الشاعر وتمكن فيها من رصد الكثير من اللحظات والوقائع والأحداث في أمته وفي عالمه المليء بالمتناقضات وبالأحداث الدامية والعنفية التي رصدها بروعة شعرية وفنية بالغة الجمال والإبداع الراقي.
عندما تستمع إلى درويش الشاعر وهو يلقي قصائده بطريقة وبأسلوب رائع وموسيقي قل نظيره عند أغلب الشعراء، ومن المعروف أن الشاعر يتميز بقراءته الجميلة لقصائده التي تجلب الكثير من الجمهور والمتتبعين والمتلقين الذين يزيدون أمسياته رونقا وروعة. ولا يمكن تجاهل الحضور الكثيف لأمسياته في كل البلدان التي يحييها فيها حتى ولو ارتفع ثمن التذكرة بل ما يثير الإعجاب هو حضور الناس البسطاء والذين يجتهدون في توفير المبلغ المطلوب لحضور أمسياته.
كتب عن الشاعر الكبير محمود درويش العديد من الكتب والدراسات والمقالات النقدية والأدبية التي تناولت تجربته الشعرية من كل النواحي ومن كل الجوانب الفنية والشعرية واللغوية والبلاغية.... ولا يمكن حصر هذه الكتابات لكثرتها وقدرتها على معالجة دواوين الشاعر وكتبه النثرية العديدة والتي نشرت بكل أنواع وسائل الإعلام المختلفة وفي كل البلدان العربية وغير العربية. ومن خلال مطالعتنا لموقع محمو درويش الغني بكل ماكتب عنه وبالعديد من قصائده وعناوين دواوينه وكتبه نستطيع أن نقول بأن ما كتب عن درويش حول تجربته الشعرية والأدبية الرائعة والتي تركت آثارا قوية لدى كل الفئات ولدى كل القراء العرب وغير العرب وذلك بترجمة بعض إنتاجاته إلى العديد من اللغات الغربية وغير الغربية.
في قصيدة "أنت منذ الآن غيرك" رؤى فلسفية وفكر حضاري ووعي بالوجود وبالموت والتاريخ، وعي بالماضي والحاضر والمستقبل، وعي بالسبب والنتيجة، وعي بالمكان والزمان، ووعي بقدرة بديعة على تصوير الحياة والموت كثنائية متنافرة في الوجود، هذا التنافر الذي يستطيع الشاعر من خلاله أن يسرد علينا حكايات الوجود في زمان غير الزمان ومكان غير المكان، حيث يقول :
أيها الماضي ! لا تغيرنا... كلما ابتعدنا عنك !
أيها المستقبل: لا تسألنا : من أنتم؟
أيها الحاضر ! تحملنا قليلا، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل!
هذه الرؤية الفلسفية لمراحل زمنية ولتاريخنا المليء بالمتناقضات والتي أوجعتنا وأمرضتنا وآلمتنا كثيرا حتى صرنا مجرد عابري سبيل ثقلاء الظل في حاضر لا أمل في أن نتغير أو نصلح من أنفسنا وذواتنا وواقعنا المريض. هذه الرؤية التي استحضرها هنا شاعرنا الكبير كانت بمثابة هزة أرضية ضربتنا جميعا.
ونختم هذه القراءة البسيطة في ذكر شاعرنا الكبير والعالمي محمود درويش بمقطع رائع مليء بالحكم والرؤى والواقعية الأليمة من قصيدته " أنت منذ غيرك " :
لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة. ولكن، يغيظني
أنصارهم العلمانيون، وأنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلا بدين وحيد:
صورهم في التلفزيون!.
سألني: هل يدافع حارس جائع عن دار سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية
في الريفيرا الفرنسية أو الإيطالية.. لا فرق؟
قلت: لا يدافع !.
وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟
قلت: أنت وأنت أقل من واحد !
لا أخجل من هويتي، فهي مازالت قيد التأليف، ولكني أخجل من بعض ما جاء
في مقدمة ابن خلدون.
أنت، منذ الآن، غيرك!
عزيز العرباوي
كاتب من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.