على خلفية كتابته مقالا عن صندوق 2626 و اليوم الوطني للتضامن مستهجنا الطرق المتبعة في جمع الأموال دعي السيد الطاهر الحراثي مجددا إلى منطقة الأمن الوطني بالقيروان. فقد قدم اليوم الأربعاء عون أمن إلى محل عمله و ترك تنبيها شفويا يدعوه فيه للذهاب إلى منطقة الأمن الوطني بالقيروان... علما بأم السيد الطاهر الحراثي و هو سجين سياسي سابق قد تعرض لنفس المساءلة من قبل رئيس مركز الأمن الوطني ببوحجلة يوم الاثنين الماضي... و دارت الأسئلة حول كيفية إرساله الموضوع و التفصيلات التي ذكرها في جمع الأموال... و لمزيد الاطلاع على الموضوع ننشره من جديد جرجيس في 12 ديسمبر 2007 عبدالله الزواري
بسم الله الرحمان الرحيم ولدي، تلميذ الثانوي، يرتعش فرقا من اليد الغليظة التي قد تنهال على وجهه صفعا إن هو – بإيعاز من أبيه – لم يدفع إلى مدير المعهد ما يسمي: " فلوس التضامن". و مواطني، التاجر الصغير، يقلّب بامتعاض ورقة بين يديه و يقول " هذه ضريبة". و الورقة موقّعة توقيعا رسميا و مختومة بخاتم المعتمدية التي بعثت إلى جميع التجّار بأوراق مماثلة تطالبهم فيها بالمساهمة في صندوق التضامن مع تحديد المبلغ الواجب على كل تاجر دفعه . و إن لم يدفعه طوعا دفعه – حسب تعبير التاجر – كرها . و إمام المسجد ينادي في أعقاب الصلاة أن "لا تنسوا القائمة و لا تدعوها تعود فارغة" و هو يقصد الورقة التي جيء بها إليه و طلب منه ملؤها بأسماء المصلين و المبالغ التي سيدفعونها لفائدة الصندوق، مع أن المصلين هم في غالبيتهم عمال و أرباب أسر فيدفعون في المسجد، و يدفعون في مواطن الشغل، و يدفعون في المعهد و المدرسة بحسب ما لديهم من تلاميذ ، و بحسب ما يضع القدر في طرقهم من جباة المال باسم صندوق التضامن . و الدفع في معظمه بلا وصل . و لقد امتلأ صدر سائقي سيارة أجرة غيظا من فرط ما أجبر على دفعه فأقسم على مسامع الركاب أنه دفع في القيروان ، و دفع في بوحجلة، و دفع في نصر الله، و دفع في الشراردة . و كل من يعرفه من جباة المال باسم صندوق التضامن يطالبه بالدفع ، حسب تعبيره. و حتى الصبيان ما دون السادسة لم تسلم ملاليمهم من السطو عليها. فهذا تلميذ صغير في القسم التحضيري بأحد المدارس الريفية النائية روي أنه دفع إلى مدير المدرسة مائة مليم للتضامن و قال له ببراءة :" عندي مائة أخرى سأشتري بها فطوري " و لكنّ نهم المدير – و قد وضع فيه الصندوق ثقته – غلب براءة الطفل فافتكّ منه مائته الأخرى تاركا معدته خاوية و عينه دامعة . و هذا المدير المربي نفسه ، و هو مشهور بأنه يعبّ الجعّة (الممتازة) عبّا إلى درجة ما بعد السكر ، روي عنه تلاميذه أنه في العام الماضي أرغم التلاميذ الذين ليس لهم نقود على جلب البيض مكان النقود لفائدة صندوق التضامن. فيا للتضامن كم حمّل ما لا يحتمل ! و لا يزال يحمّل ، و لا يزال الجباة باسمه، و ما أكثرهم، يسيئون إليه و يشوّهون سمعته و يملؤون قلوب الناس حقدا عليه. فما القول في عمد منطقة ريفية بدّع بها الجفاف ، يمسك ملفات الإعانات الفلاحية و ملفات أخرى بيده فلا يطلق واحد منها و لا يوقع ورقة حتى يدفع صاحبها مبلغا ماليا يحدده العمدة باسم التضامن و بدون وصل ! و ما القول في استغلال شوق الحجيج إلى الحج لابتزاز أموال إضافية منهم باسم صندوق التضامن. نعم ، حدث هذا في العام الماضي في قريتنا النائية عندما فرض على كل حاجّ مبلغا إضافيا بمائة دينار. و ربما حدث نفس الشيء هذا العام . و ما القول أيضا في قوم شغّلوا شابا فقيرا صاحب شهادة عليا في تعليم الكبار و ما إن قبض مرتبه المتواضع الأول حتى كانونا له بالمرصاد فارضين عليه دفع خمسين دينارا للتضامن. و روى لي هذا الشاب نفسه أنه ناب أباه في استخلاص إعانة مالية بسيطة للفلاحين الصغار فما إن قبض المبلغ من شباك الدفع و استدار عائدا حتى قبضت عليه يد من الخلف و قال صاحبها :" هات عشرة دنانير للتضامن". و كم من مواطن في قريتنا له قصة مع التضامن. و الناس هنا يضيقون ذرعا بالطرقة التي تؤخذ بها أموالهم باسم التضامن. و لكن "يضيق صدري و لا ينطلق لساني". و ربما آن الأوان لتقويم مسار صندوق التضامن و تصحيحه و تحديد آليات جمع الأموال لفائدته. و احسب أن أوّل ما يجب التأكيد عليه هو طوعية العمل التضامني. فلا مجال للتضامن بالجبر، عملا بما جاء في خطاب السابع من نوفمبر الأخير من أنه "لا مجال للظلم و التجاوزات، و لا مجال لاستغلال النفوذ." و هكذا في إطار "لا مجال للرأي الواحد و الفكر الواحد و اللون الواحد" أبديت رأيا مخالفا كشاهد على أحداث وقعت بالقرب مني في قرية نائية تعجّ ببائعي الخمر و تعجّ بالبطالين و يستغل فيه النفوذ بشدة. أبديت رأيي في موضوع يمسّ حياة الناس من حولي و يمسّني معهم، و أنا استحضر أنه خلال آخر إقامة لي بالسجن في خريف 2006 جمعني البؤس بسجين مطحون مثلي ، يخالفني الرأي و التوجه ، و ذي باع في السياسة و الاقتصاد و مختلف شؤون الحياة، فكان ينتقد أحزاب المعارضة ببلادنا لأنها – حسب رأيه- لا تهتمّ بشؤون الناس و معاناتهم ، و أكثر نشاطاتهما سجالات سياسية فوقية بعيدة عن مشاغل المواطنين الحقيقية وبالتالي لا غرابة أن تكون نتائجهم الحقيقية في الانتخابات صفر، و نصف ، وواحد بالمائة. و حتى المعارضة الإسلامية بالخارج أصبحت تراوح مكانها، وهي متقوقعة في برجها العاجي، و لا صلة لها بما يعانيه الناس داخل البلاد. و بالتالي نري فشلها و عجزها عن التعبير عن واقع البلاد و نرى خفوت بريقها و تراجع مستوى قياداتها ... و الله أعلم . بوحجلة في 29 نوفمبر 2007 الطاهر الحراثي