تردّدت في الكتابة لأنّ الخطاب كان موجّها لقيادة حركة النهضة!.. ولو لم أتردّد لما خالفت الأصل، فالمسلمون يد واحدة يسعى بذمّتهم أدناهم، والمسلمون تتكافأ دماؤهم وفي هذه تتكافأ أعراضهم، رؤساؤهم كمرؤوسيهم... ثمّ لقد وجدت في النصّ ما يحرّضني على الكتابة دفاعا عن نفسي، فما أنا وغيري من غير القيادة إلاّ ذلك الذي عناه الأخ الأزهر ب"ما تبقّى من الطيّبين المغرّر بهم باسم قدسيات لا علاقة لها بحقيقتهم"، إذ نحن اليوم في الحركة الإسلامية التونسية فريقان لا ثالث لهما: "متنوّرون فقدوا طيبتهم" فرفضوا أن يغرَّر بهم من طرف قيادة حركة النهضة، وطيّبون "مغرّر بهم" (والطيّبون يظلّون دائما عرضة للتغرير بهم إن لم يكن من طرف حركة فمن طرف مَن يقيّد أيّ حركة!)...أو بعبارة أخرى فنحن فريقان: طيّبون (بالمعنى الذي عناه الأزهر) وغير طيّبين، أو أنّنا مُغرِّرون ومغرَّرٌ بهم!...وقد أتجاسر فأخرج عن الثنائية الأخيرة فأقول بأنّ بعض المغرِّرين هم في نفس الوقت من المغرَّر بهم. ولي ههنا سؤال أرجو من الأخ الأزهر أن يتدارسه مع نفسه: إذا كنت أنا (وغيري) من المغرّر بهم من طرف قيادة النهضة، أفلا تحاسب نفسك وتشتدّ عليها في اللوم لِمَ شاركت ذات مرّة لمّا كنت من القيادة المشار إليها في التغرير بي ولِمَ بالغت وإخوتك في جعلي طيّبا هكذا لا أستطيع الانتباه إلى تغريرك وتغريرهم؟! ألا تشعر بالذنب في ذلك أم أنّك تعتبر وقوعك اليوم تحت تغرير الجهة الثالثة نوعا من التكفير عمّا قمت به في حقّي وحقّ إخواني من الطيّبين؟! ثمّ ألا تفترض بعدها أنّي قد انتبهت (والطيّبون) إلى "تغريرك الأوّل" فصرت متحوّطا منك كي لا أقع ثانية في شباك تغريرك، ما جعلني لا أقتنع بما جئت به من طرح أقلّ ما يقال فيه أنّه أكثر سوءا من طرحك الأوّل لمّا كنت في قيادة حركة النهضة!؟... عذرا أخي لعلّك وأنت تكتب من تونس تكون قد استأنست بآراء إخوانك القدامى في حركة النهضة ممّن لم يسعفهم السجن أو المراقبة ب"مواصلة التغرير بي"، فتكون قد اعتمدت على حقائق تبيّن لك من خلالها متاجرة قيادة النهضة بملفّ المساجين وتمعّشها منه واستثماره للتشهير بالسلطة (سلطة السابع من نوفمبر)، ولكن هل يكون ذلك سببا كافيا لتتاجر أنت بحركة بأكملها وتجعلها مجرّد ورقة تخدم إرضاء ما استجدّ فيك؟! أهو الهروب من الحزبيّة الضيّقة – كما قد أشرت - إلى رحاب الحزبية التي تسع كلّ شيء!؟ أم هو الهروب من "الطيّبين" أمثالي؟! أم هو الإرضاء الذي لا يكون إلاّ بالإغضاب عياذا بالله تعالى؟! أقول: ليست حركة النهضة على تديّن كامل يجعلنا لا نرى غيرها في تونس الزيتونة، ولا هي ناطقة باسم الإسلام –كما يريد أن يسوّق بعض الجهلة المتخلّفين – فلا نرجع لغيرها من العلماء والمجتهدين، ولكنّي أزعم أنّها – على ما فيها من نواقص – أفضل بكثير كثير من الحزب الحاكم في تونس وقادته المباشرين الحكم، فهي إن "ظلمت" لم تسجن ولم تشرّد، وهي إن "اعتدت" لم تقتل، وهي إن "تعدّت" على الحرمات لم تمنع متحجّبة من العلم ولا العمل ولا التداوي ولا تنشئة الذرّية الصالحة، وهي إن "تردّت أخلاقها" لم تزن ولم تفحش ولم تقطع السبيل، فما الذي يدفع عاقلا على اختيار الأسوأ؟!.. بل وما الذي أسكنك بباب هذا الظالم تعرض عليه لحوم وأعراض إخوة لك لم تسعفهم طيبتهم في قبول ما خبث؟! أهو حبّ الوطن الذي قد ينسي ذكر أبناء الوطن ويُغفل عن الذات وعن التفكير في مصيرها وخاتمتها ومردّها ودارها وقرارها؟! أم هو الوسيلة الوحيدة التي بها قد تجرّئ "من لا يزال في نفسه تردد أن يأخذ قراره بيده"... أراك أخي قد دعوت في خاتمة مقالتك إلى التصالح الذي لا يكون – حسب رأيك – إلاّ عبر العودة إلى الأهل والوطن وعبر القطع مع نهج المزايدة والمغالبة، لأنّ في ذلك ملامسة للواقع وإدراك لحجم الأخطاء التي ارتكبت... فلم تحد عمّا دأبت عليه من نظرة لا تتّسع لأكثر منك، إذ التصالح لا يبدأ بالعودة وإنّما يبدأ بإصلاح ما أجبر على الخروج...، فهل توفّر الأمن بالبلاد وإذًا لا مكان لرمبو التونسي (لعنه الله إلاّ أن يتوب) وغيره من الشواذ الرّاتعين في أعراض أهلنا؟!... هل توفّرت الحرّيات وإذًا لا خوف على من يجتمع بأهله أو أحبّته ولا ضرر من أن يخوضوا جميعا في ما يروق لهم من مواضيع يرونها صالحة لخدمة بلادهم كما رأيت أنت إجراء الحوار العلني في إطار النهضة خادما لتقييم الأداء والسلوك وربّما القطع النهائيّ مع "المغالبة"؟!.. وهل بدأ الحوار بين الرّاعي والرّعية وإذًا فلا فشل في محاولات رأب الصدع بين النظام التونسي وقيادة الحركة في الدّاخل ما يكون إشارة عافية لأهل الخارج بالرّجوع الطوعي المستجيب حقّا لمصلحة الوطن!؟... أخي ليس منّا من يبغض تونس أو يرضى لأمّه القبر دون رؤيته، ولكنّا لا نريد أن نجمع على أنفسنا مصيبتين: مصيبة الظلم ومصيبة الاستكانة إلى الظالم والرّضوخ لأجندته المحاربة للدين والنخوة والرّجولة والمروءة، ومن كان منكم لا بدّ فاعلا فليلتزم الصمت وليعد حقّا مبجّلا مكرّما، كما فعل عبدو معلاوي مثلا... فقد فرضته على النّظام كفاءته وخبرته والشركات الدّاعمة له وحرصه على مصلحة البلاد بإحداث فيها ما ينفع جهته وأهله، ولم يفرضه ولعه بكشف عورات إخوة الأمس أو المبالغة في تتفيههم ولعن تعاليمهم وتجريم صنائعهم... أسأل الله أن يهديك سبل السلام، كما أسأله أن لا يوفّق النّظام التونسي في سعيه إلى ضرب رقابنا بعضها ببعض... وتقبّل الله صيامكم وبارك إفطاركم...