لا تختلف عادات رمضان كل عام في البلقان؛ فهي تقاليد تتوارثها الأجيال مع إضافات تقتضيها سنن التطور. لكن ما تختلف فيه الحياة في البلقان عن بقية بلاد المسلمين الأخرى في رمضان هي طبيعة التعدد الإثني والثقافي والديني، فالمدن مختلطة بينما تتمايز القرى عن بعضها البعض. لذلك فإن آثار رمضان في النهار لا تبدو جلية كما هي في الليل، ففي شوارع تيرانا وسراييفو وبلغراد وبوتغوريتسا وزغرب ولوبليانا وسكوبيا هناك ازدحام من كل الأجناس والثقافات، ولا يبدو أي مظهر من مظاهر رمضان واضحاً في الشوارع، فالمقاهي مفتوحة وكذلك المطاعم، والمدخنون ولاعقو الآيس كريم لا تحتاج للبحث عنهم أو التنقيب، لكن ما إن تميل الشمس للمغيب حتى يتجلى رمضان في أحلى صورة "تدل على أن هنا مسلمين". وفي الساعة السادسة مساءً، تبدو الخطى المتسارعة في الشوارع والهامات المتألقة في وقار واضحة للعيان.. الازدحام شديد أمام بوابات وسائل النقل العام كالتروماي والحافلات وأمام محلات بيع الفواكه والخضار وأمام الأفران للحصول على أغرفة الرقاق أو ما يطلق عليه في البلقان "السمون"، والذي تقام له في بعض الأماكن أسواق خاصة في رمضان، إضافة لمحلات بيع الحلويات وخاصة البقلاوة.. كل هذه المظاهر تقدم الدليل كما قال أحدهم على أن "هنا مسلمين". وقال عمر إدريس بيغوفيتش "لشبكة الإسلام اليوم": "نعم قد لا يشعر الزائر هنا برمضان في النهار، ولكن مع اقتراب موعد الإفطار يتأكد من أن انطباعه الأول ليس صحيحًا، فرمضان متجذر هنا منذ مئات السنين". وتابع: "اذهب للمساجد في رمضان أثناء الآذان وعند صلاة التراويح، لترى ما ترغب في رؤيته. إن ذلك كله يدل على أن هنا مسلمين". ومع اقتراب وقت الإفطار تتلألأ الأضواء في سماء تلك المدن، ولاسيما سراييفو، معلنةً عن تجلي رمضان، وعن "وجود نجوم في الأرض كما هي في السماء". حيث تزدان الشوارع والمحلات بالأضواء، وتعمَّر المساجد بالصلوات والأذكار، وتتغير العادات والتقاليد اليومية لتحل محلها عادات وتقاليد رمضان، وترتدي النساء غير المحجبات لباساً محتشماً احتراماً لرمضان، ولأداء صلاة التروايح جماعة. وقالت ليلى كومار: "أرتدي الحجاب فقط عند الذهاب للمسجد، وأدعو الله أن يهديني للالتزام به في كل حياتي". ويتبادل الجيران الطبخ كما يتبادلون الزيارات والإفطار لدى بعضهم البعض.كما تمتلئ المساجد بالمصلين بشكل مختلف عن سائر أيام السنة. وتعتبر تقاليد رمضان من التقاليد التي يعتز بها الكثير في البلقان. وعبر البعض عن تلك المشاهد وسط الأنوار المتلألئة بأنها "مهرجان رمضاني فريد بعيد عن الصخب.. أفراح الروح في شهر الروحانيات.. شهر العبادة.. شهر الله". وما إن يُرفع آذان المغرب حتى تخف الحركة في الشوارع، ولاسيما داخل المدن التي يمثل المسلمون فيها الأغلبية، فالكثير من المسلمين يحرصون على أداء الصلاة في المساجد، التي تم تزويدها بكميات من التمر والماء الصالح للشراب؛ حتى يتمكن الصائمون من الإفطار ثم الصلاة قبل التوجه إلى البيت أو أماكن الإفطار الجماعي، وهي عادة منتشرة في البلقان، وتأخذ أشكالاً مختلفة من الإفطار الجماعي في إطار عائلي أو مع الجيران أو الأصدقاء أو ما يطلق عليه في البلقان الجماعة وهي جماعة المسجد أو غيرها من الجماعات أو الإفطارات الجماعية التي تقيمها المؤسسات الخيرية وغيرها في البلقان. كما تختلف الأوضاع في البلقان عن غيرها في الدول العربية، فليس هناك مشاكل في الأسعار التي ترتفع بشكل جنوني ومقصود في البلاد العربية، بل تظل الأسعار كما هي في الأيام العادية، ولا تتكلف الأسر في الطعام أو تكلف نفسها ما لا تطيق، فالكل يعيش وفق ما يستطيع، وربما عدم معرفة سكان البلقان بفنون الطبخ أحد العوامل المساعدة على عدم ظهور مشاكل الأسعار وتكاليف المعيشة في رمضان. وقال صاحب محل لبيع المواد الغذائية: "لشبكة الإسلام اليوم": "ليس لدينا أسعار خاصة برمضان. كل ما يُعرض في الأيام العادية موجود في رمضان بنفس الأسعار". وما إن تنتهي صلاة التراويح في الساعة التاسعة والنصف مساءً تقريباً بالتوقيت المحلي حتى يهرع الكثير من الناس إلى المقاهي ومحلات بيع المرتطبات، بعد يوم من الصيام والعمل والإفطار والصلاة للترويح عن النفس قليلاً والتهام كميات من البقلاوة والحلويات الأخرى التي يحبها البلقانيون بشكل لا مثيل له، فهي الوجبة المفضلة على العموم، ومن الأطعمة التي لا ترد، ولا يقول لك من تقدمها له، لا أجد لها مكاناً. فأماكنها محفوظة باستمرار، طالما حط الليل رحاله، وانتهت صلاة التراويح. المسلمون في البلقان صلوا التراويح هذا العام ليلة الجمعة أول يوم في رمضان، حسب التقويم المحلي، وهو تقويم أوروبي شمل تركيا ودول البلقان وأوربا الغربية، حسب المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.